إعداد: شيماء عبد الحميد
كُسر جمود القضية الفلسطينية، فاهتز الشرق الأوسط بأكمله؛ هكذا يمكن توصيف الوضع الأمني المحتدم الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط على خلفية عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حماس منذ يوم 7 أكتوبر 2023، والتي قوبلت برد عنيف من قبل إسرائيل حيث تستمر من وقتها وحتى اللحظة الراهنة، الغارات الإسرائيلية المكثفة التي تدمر قطاع غزة، ولا شك أن هذا التصعيد قد يُنذر بكارثة أمنية تنال من استقرار المنطقة بأكملها، وستكون سوريا أولى الدول التي تعاني من تبعات هذا الأمر.
تأييد للعملية على المستوى الرسمي والشعبي:
لاقت عملية طوفان الأقصى استحسان سوري سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي؛ حيث أشارت وزارة الخارجية والمغتربين السورية، إلى أن عملية طوفان الأقصى تثبت مرة أخرى أن الطريق الوحيد لإنجاز الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إنشاء دولته المستقلة على أرضه، وممارسته لحق العودة المشروع، هو المقاومة بكل أشكالها، معربة عن إدانتها لممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، مشددةً على أن فلسطين أصبحت تقترب من تحقيق الانتصار المنشود.
أما على المستوى الشعبي؛ فقد خرجت مسيرة داعمة للفلسطينيين في محيط الجامع الأموي رفعت فيها صور الرئيس السوري والأعلام الفلسطينية. وفي محافظة السويداء بجنوب سوريا، خرج الأهالي في مظاهرة حاشدة في ساحة الكرامة وسط المدينة، معلنين تضامنهم مع طوفان الأقصى في فلسطين المحتلة، حاملين لافتات تضامنية مثل “طوفان الأقصى ينتظر طوفان الأنظمة العربية”.
كما عقدت الفصائل الفلسطينية التي تتخذ من مناطق الحكومة السورية مقرًا لها، اجتماعًا وافقت خلاله على فعاليات برنامج يتضمن رفع العلم الفلسطيني على كل المقرات والمؤسسات في المخيمات، وتنظيم فعالية كبيرة وحاشدة في إحدى ساحات دمشق، ودعوة خطباء المساجد في المخيمات لتخصيص خطبة الجمعة القادمة حول معركة طوفان الأقصى والهجوم الإسرائيلي على غزة.
هل تنطلق صواريخ حزب الله من سوريا على غرار جنوب لبنان؟:
ما زاد الوضع الأمني في المنطقة تأزمًا، هو تدخل حزب الله في المشهد مما أثار مخاوف من انخراط إيران في الأزمة مما يهدد بتحولها إلى حرب إقليمية موسعة، حيث يوجه حزب الله منذ صباح يوم 8 أكتوبر الجاري، قذائف صاروخية إلى مواقع عسكرية إسرائيلية في الأراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وأدى القصف إلى إصابات دقيقة في موقع الرادار وموقع زبدين وموقع رويسات العلم، فيما رد الجانب الإسرائيلي بتوجيه قصف مدفعي لمصدر النيران وقام بتحريك مسيرة عسكرية قصفت مواقع تمركز الحزب الذي تم منه إطلاق القذائف، وقد أثار هذا التحرك تساؤل رئيسي؛ ألا وهو هل تنطلق صواريخ حزب الله من سوريا كما أطلقها من جنوب لبنان، وأن يتحول الجولان السوري المحتل إلى بؤرة مواجهة بين حزب الله والقوات الإسرائيلية.
ولقد عزز هذا التصور مجموعة من التحركات التي شهدتها المناطق المتاخمة للجولان السوري؛ حيث:
- يوجد استنفار لدى الميليشيات التابعة لإيران، منها المقاومة السورية لتحرير الجولان المحلية التي تتبع القوات النظامية، وحزب الله عند الحدود مع الجولان، وكذلك في ريف دمشق الغربي عند الحدود السورية اللبنانية.
- شهدت محافظة القنيطرة جنوبي البلاد، استنفارًا وتحركات للميليشيات الموالية لإيران والفرقة الرابعة في جيش النظام السوري، حيث رُصدت تحركات للواء القدس، وهو إحدى الميليشيات الموالية لإيران، في قرى بريقة وحضر وغدير البستان وعين ذكر والرزانية وعين القاضي وتل الجموع على أطراف الجولان المحتل.
- فيما كان التحرك الأخطر في محيط الرزانية الواقعة قبالة قاعدة عسكرية إسرائيلية جرى استهدافها سابقًا.
- يُضاف إلى ذلك؛ بدأ قادة الميليشيات الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني، حملة علاقات عامة عبر المراكز الثقافية في محافظة دير الزور، لتحشيد الرأي العام لدعم حركة حماس، حيث عُقدت لقاءات وندوات عامة حول المقاومة والتصعيد غير المسبوق الذي تشهده فلسطين وطوفان الأقصى، إلى جانب الإعلان عن فتح باب التبرعات والتطوع لقتال إسرائيل على الجبهة السورية الجنوبية.
- استدعت القيادات العسكرية في دمشق، الضباط وصف الضباط والأفراد العاملين في المطارات والمؤسسات العسكرية للالتحاق بعملهم ومهامهم، وعُلق منح الإجازات ضمن إجراءات رفع الجاهزية.
- قامت الميليشيات الإيرانية وحزب الله، بحركة تنقلات وتبديل مواقع وإخلاء مخازن أسلحة ومعدات عسكرية ونقلها إلى مواقع أخرى، لا سيما في ريف دمشق والقنيطرة وخطوط الجبهة الأمامية مع إسرائيل.
- كشفت مصادر أمنية يوم 8 أكتوبر، عن انتشار وحدات خاصة تابعة لحزب الله اللبناني على خط الحدود جنوب سوريا مع الأراضي السورية التي تحتلها إسرائيل، فضلًا عن قدوم الضابط في الحرس الثوري الإيراني محمد أسد الله، مع مجموعات من الحرس الثوري من بلدة السيدة زينب جنوب دمشق إلى محافظة القنيطرة، حيث أشرف مع مجموعته على نقل طائرات مسيرة من مقرات تابعة للحرس الثوري في محافظة درعا، إلى مواقع عسكرية قريبة من هضبة الجولان والأراضي الفلسطينية المحتلة.
- تحدثت أيضًا تقارير أمنية عن دخول 12 حافلة مجهولة الحمولة، من العراق إلى سوريا عبر المسرب العسكري عند النقطة الحدودية التي تسيطر عليها إيران شرق دير الزور.
ويبدو أن إسرائيل أدركت أن هناك خطر يُحضر في الجهة الشرقية لها من جانب سوريا ولبنان، ولذلك وجهت الحكومة الإسرائيلية تحذيرًا لحزب الله اللبناني، عبر فرنسا، بأنه إذا ما تدخل فيما يحدث بغزة؛ فإن إسرائيل قد تقوم بتوجه ضربات لدمشق مثل الضربات التي وجهتها للجنوب اللبناني، وأن الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه سيكون بخطر.
وبالمثل؛ حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن من فتح جبهات أخرى معلنًا دعمه الكامل لأمن إسرائيل واستعداد بلاده لتقديم مساعدات عسكرية عاجلة لاتخاذ ما يلزم لإعادة هذا الأمن، فيما تحدثت تقارير عن طلب الإدارة الأمريكية تفويضًا من الكونجرس لاستخدام القوة ضد حزب الله إذا ما تدخل في المشهد.
ورغم تلك التحذيرات؛ ترددت أنباء عن أن فصيل فلسطيني قائم في سوريا، أطلق ليل يوم الثلاثاء الماضي ثلاثة صواريخ في مناطق مفتوحة على الجولان بالقرب من مستوطنة رمات مغشيميم.
تكلفة باهظة للحرب متعددة الجبهات:
على الرغم من حديث حزب الله عما يُعرف بمحور المقاومة، وتحركه من لبنان أو حتى إذا تحرك من سوريا، فإن جميع الأطراف تعلم جيدًا أن تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة يعني حرب إقليمية موسعة لن تجدي نفعًا لأي طرف، وستكون تكلفتها باهظة لن يتحملها أحد.
وقد يُستدل على ذلك من اقتصار قصف حزب الله على النقاط اللبنانية المحتلة فقط وعدم امتداده إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة يعني ذلك وبشكل واضح أن الحزب لا ينوي تغيير قواعد الاشتباك، خاصةً وأن الحزب يدرك جيدًا أن الصدمة الإسرائيلية من هجوم حماس كفيلة بتغيير معادلات كثيرة في الإدراك الإسرائيلي وتشتيت انتباه إسرائيل بالفعل على حدودها الجنوبية مع غزة، كما لا يريد الحزب إعطاء الذريعة للإسرائيليين للتوجه شمالًا نحو لبنان أو شرقًا نحو سوريا، وبالتالي القذائف التي وجهها حزب الله للمواقع الإسرائيلية في النقاط اللبنانية التي لا تزال محتلة جاءت للتذكير بأنه لا يزال للحزب الحق في تحرير هذه النقاط، ولكن الوقت الراهن ليس بالضرورة الوقت المناسب لإنجاز هذه المهمة.
وبالتالي قصف الحزب لمزارع شبعا ما هو إلا ورقة استراتيجية لكي تستخدمها حماس للمساومة عند التفاوض حول التهدئة وإرساء قواعد جديدة في التفاوض مع إسرائيل، وفي ذلك ترجمة فعلية لمبدأ “وحدة الساحات” الذي سبق ولوح به حسن نصرالله من قبل.
في المقابل، تتمثل استراتيجية واشنطن في دعم إسرائيل وإبقاء المعارك في فلسطين، لأنها لا تريد توسيع المعارك لحسابات تضمن عدم دخول إيران ووكلائها للحرب، وذلك لأنه في حال حدوث هذا السيناريو؛ ستكون الولايات المتحدة مضطرة حينذاك لتقديم دعم دائم ومباشر لإسرائيل، وهذا لا يتوافق مع رغبة واشنطن خاصةً في ظل انشغالها بدعم كييف في الحرب الروسية الأوكرانية.
ومن ثم فإن قيام الولايات المتحدة بتحريك حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس جيرالد فورد” نحو المنطقة تحديدًا بالقرب من سواحل لبنان وإسرائيل، والتي تحمل 38 طائرة مقاتلة من طراز إف 35 وإف 15 وإف 16، ولديها مخزون من 1000 طن من الأسلحة، وترافقها 4 سفن حربية صغيرة وسفينة تحمل الصواريخ و4 غواصات حربية نووية، ما هو إلا إجراء استباقي يحمل رسالة إلى حزب الله مفاداها أن واشنطن ستتدخل في حال تدخله بمهاجمة إسرائيل، أي أن الولايات المتحدة تلوح باستخدام القوة لإخافة حزب الله ومنعه من القدوم على أي تصرف يستدعي أن تتدخل الولايات المتحدة عسكريًا بالفعل.
وخلاصة القول؛ تحول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى حرب إقليمية موسعة، ليس في صالح أي طرف وهو ما يجب أن تدركه إسرائيل كما تفهمه الولايات المتحدة جيدًا، وبالتالي لا بد من إيقاف التصعيد الإسرائيلي واللجوء إلى طاولة المفاوضات، لأن تكلفة أي تنازلات ستقدمها تل أبيب أقل بكثير من تكلفة دخولها في موجهة عسكرية مع حزب الله من جهة لبنان وسوريا، خاصةً مع الرفض الداخلي للحكومة والخسائر التي لا تزال تتكبدها جراء استمرار قصف حماس للمدن الإسرائيلية.
ولكن رغم ذلك؛ فإن الصراع لا زال مستمر والمشهد قابل لجميع التحولات والسيناريوهات، ولا يمكن استبعاد أي سيناريو في ظل هذا الوضع الإقليمي والدولي المستنفر جراء ما يحدث في فلسطين، ولكن هناك حقيقة يمكن التأكيد عليها؛ وهي أن سوريا وأراضي الجولان السوري المحتل ستكون في خطوط الصفوف الأمامية لأي مواجهة محتملة بين محور المقاومة بقيادة حزب الله اللبناني المدعوم إيرانيًا وبين القوات الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا.