تقدير موقف: كيف يمكن مواجهة السياسات التركية في حال فشل محادثات تطوير العلاقات؟

إعداد: أحمد محمد فهمي

بالرغم من أن المحادثات بين الجانبين المصري والتركي لم تكشف لنا بعد عن ما يدور داخل أروقة الغرف المغلقة حول مفاوضات تطوير العلاقات بين الدولتين، كما أن التقديرات لم تستطع أن تستشرف مدى فرص نجاحها أو فشلها، ولكن على الرغم من ذلك وفي ظل تساوي فرص نجاح أو فشل المحادثات، فإن هناك احتمالًا واردًا لفشل المفاوضات، وذلك بسبب الاختلاف الكبير بين القوتين الإقليميتين في العديد من القضايا، ومدي تشابكهما وتعارضهما مع محددات الأمن القومي للدولتين.

فبالنسبة لعودة العلاقات بين تركيا والدول الإقليمية الأخرى كالسعودية والإمارات وإسرائيل، لم تكن هناك هذه الدرجة من التشابك حول القضايا المشتركة مثل تلك التي بين القاهرة وأنقرة، فالأخيرة استخدمت أدوات القوى الخشنة لإدارة أزمات المنطقة التي تورطت بها، وهذا ما يجعل مسار المفاوضات صعبًا على تركيا والتي يجب عليها لإثبات حسن النية لتطوير علاقاتها مع مصر، تقديم ما يلزم تجاه تخفيض التصعيد العسكري وسحب المرتزقة الذين يقاتلون تحت رايتها.

ولكن في ظل وجود مؤشرات لفشل مفاوضات تطوير العلاقات، فيكف يمكن لمصر أن تواجه تركيا في القضايا الشائكة بينهما؟ وما هي الأدوات التي يمكن أن تستخدمها للتأثير على تركيا لتقديم تنازلات حول القضايا محل النقاش؟ هذا ما سنستعرضه من خلال هذه الورقة البحثية.

ما هى مؤشرات فشل تطوير العلاقات؟

هناك عدد من المؤشرات تُشكل تحديات ومعضلات أمام تطوير العلاقات الثنائية، ولكن في حال تقديم تركيا لتنازلات، أو إيجاد تفاهمات بين الدولتين خلال المحادثات المشتركة، قد يكون هناك طريقًا لإنجاز ملف المصالحة، ويمكن توضيح أبرز تلك المؤشرات فيما يلي:

  • عدم تسليم أنقرة للمطلوبين أمنيًا إلى القاهرة، بالرغم من قيام أنقرة بتحجيم الوسائل الإعلامية لحركة الإخوان المسلمين في تركيا، ولكن القاهرة ترى أن هذا غير كاف، وترى ضرورة تسليمهم لها خاصة وأنه قد صدر بحق المطلوبين أحكامًا قضائية.
  • استمرار التواجد العسكري التركي في ليبيا، وعدم سحبها للمستشارين العسكريين ومرتزقيها من الغرب الليبي، بجانب دعمها لحكومة عبد الحميد الدبيبة المنتهية ولايتها، وقيام تركيا بتوقيع الاتفاقيات معها، والتي لم تحظَ بموافقة البرلمان الليبي مما أفقدها قانونيتها.
  • استمرار الانتهاكات التركية لأراضي دول الجوار العربي لها في العراق وسوريا، والتي لا تزال تشن علميات عسكرية مستمرة بالدولتين، والذي من شأنه تقويض الأمن والسلم الإقليمي.
  • عقد تركيا لاتفاقيات أمنية مع عدة دول أفريقية، شملت عقد صفقات أسلحة ومنها بيع طائراتها المسيرة “بيرقدار” المثيرة للجدل، وكانت تقارير دولية[1] قد أشارت إلى أن مبيعات الأسلحة التركية لإفريقيا تضاعفت بنحو خمس مرات لتصل قيمتها إلى 460.6 مليون دولار في عام 2021، بعدما كانت 82.9 مليون دولار في عام 2020، وهو ما يثير قلق القاهرة من التواجد التركي في القارة السمراء.
  • استمرار عمليات التنقيب التي تقوم بها السفن التركية في مناطق بحرية خارج حدودها في شرق المتوسط.

مقترحات لمواجهة السياسات التركية:

في حال فشل مفاوضات تطوير العلاقات مع تركيا، فهناك عدة مقترحات هدفها مواجهة السياسات التركية، والضغط على النظام التركي من أجل حلحلة موقفه تجاه القضايا الشائكة بين الدولتين، وبالأخص التي تتعلق بالأمن القومي العربي، وذلك لإجباره على تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات.

(1) على الصعيد الليبي:

لمصر  عدة مزايا استراتيجية مهمة تجعل رؤيتها في مقدمة الفاعلين في مسارات حل الأزمة الليبية، فهي دولة جارة لليبيا وتحظى بثقة المجتمع الدولي كما أنها لم تشارك عسكريًا في المعارك التي جرت بين الفرقاء الليبيين، إلى غير ذلك من الأسباب، بالتالي في استطاعة القاهرة استغلال ما سبق في إحراز التقدم لحل الأزمة الليبية بأبعادها كافة، ولكن يجب في المقام الأول احتواء جميع المؤسسات والتكتلات الليبية لمواجهة السياسة التركية في ليبيا، فضلا عن أن احتواء مصر لجميع المكونات الليبية حتى تلك التي تعتبرها القاهرة غير شرعية، له أفضلية في زيادة ثقة جميع الليبيين بالحضور المصري، والانصراف رويدًا رويدًا عن الدعم التركي.

ولنا في النموذج السوري[2] في سياسته بلبنان أثناء الحرب الأهلية، موقف استراتيجي، من خلال احتوائه لجميع الفرقاء اللبنانيين وإحاطتهم بالرعاية السورية، لكي تضمن عدم لجوء فريق ما إلى دول منافسة لها في لبنان، فكانت سوريا تمنع انهيار أي طرف من أطراف الحرب اللبنانية لصالح طرف آخر، وترى أن التوافق والحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة، وعلى الرغم من المحادثات المارونية مع إسرائيل لكن سوريا أجبرت الجميع في النهاية أن يمر  حل أزمة لبنان عبر دمشق.

(2) على الصعيد السوري:

بعد التطورات الأخيرة في سوريا، والتي أدت إلى بسط النظام السوري سيطرته على أغلب الأراضي السورية، بجانب استمرار السياسات التركية في الشمال السوري والتي لا تزال تهدف إلى تتريك الشمال واستمرار شن عملياته العسكرية وتواجده العسكري فيها، اعتقد أنه صار من الأهمية ما يلي:

  • حسم مسألة عودة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية، حتى تتم مناقشة الاحتلال التركي في حضور الممثل الرسمي للدولة السورية، ومناقشة كيفية تقديم مختلف أنواع الدعم لسوريا.
  • إعادة العلاقات المصرية السورية بكامل قوتها وعلى جميع المستويات وخاصة المستويات السياسية والعسكرية، وتحقيق التكامل الاستراتيجي بين الدولتين.
  • إعادة تأهيل الجيش العربي السوري، لمواجهة الاحتلال التركي وخططه المستقبلية تجاه مدينة “أدلب” السورية، وأي مدينة سورية لاحقة، تهدف تركيا السيطرة عليها، كما إنها ستقوم بعملية ضبط الحدود مع تركيا لمنع استهداف الجنوب التركي انطلاقًا من الأراضي السورية، حسبما تشير الادعاءات التركية.
  • استمرار عقد لقاءات مع القوى السورية المؤثرة في الداخل السوري، ويشار في هذا الشأن إلى أن وزير الخارجية المصري سامح شكري التقى الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، رياض درار، بعد شن تركيا عمليتها العسكرية “غصن الزيتون”، للتباحث حول الغزو التركي للشمال السوري.

(3) على الصعيد العراقي:

شنت تركيا العديد من العمليات العسكرية في شمال العراق وآخرها عملية “المخلب-القفل”، لضرب معاقل حزب العمال الكردستاني، وذلك في ظل عدم قدرة العراق على اتخاذ موقف قوي أمام التدخل التركي، بسبب المشاكل السياسية الداخلية وانتشار الميلشيات المسلحة وغيرها من الأزمات الداخلية العراقية.

وعلى الرغم من التأكيد التركي في مؤتمر “بغداد للتعاون والشراكة” الثاني والذي عقد بالعاصمة الأردنية “عمان” في ديسمبر الماضي، أن تركيا تنتهج سياسة خارجية ثابتة تجاه العراق، أساسها احترام سيادته ووحدته وسلامة أراضيه، إلا أنها شددت على عدم تسامحها مع ما وصفتها بالهجمات الإرهابية التي تشن عليها من مناطق مجاورة لها.

وفى مقابل استمرار التدخلات التركية في العراق، كان لابد من الدول العربية أن تعزز تضامنها مع العراق لمواجهة هذه التدخلات السافرة، ومنها تعزيز الرؤى المصرية برفضها أي تدخلات خارجية في شؤون العراق، بجانب تعزيز دور جامعة الدول العربية ودول الجوار العربي للعراق، لمواجهة التدخلات الخارجية وبالأخص تركيا والتي لا تزال تكرر انتهاكاتها العسكرية للعراق، كما تهدد الأمن المائي للعراق بإنشائها العديد من السدود على نهري دجلة والفرات، وتهديد السلام الطائفي بدعمها المطلق لتركمان العراق، كما أن تركيا وقعت اتفاقيات اقتصادية مشبوهة ومنها اتفاقية النفط مع حكومة إقليم كردستان والتي تجعل تركيا تستقيد من النفط العراقي لمدة 50 عاما، وتجني شهريًا لتركيا 117 مليون دولار من نفط الإقليم لأنها تحصل عليه بأسعار  تفضيلية لا تتجاوز الـ 9 دولارات للبرميل الواحد، إضافة إلى أنها تحصل على أجور نقل وتخزين وتصدير نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي، وذلك في ظل الأزمات الاقتصادية الطاحنة في باقي محافظات العراق.

(4) على صعيد منطقة شرق المتوسط:

على الرغم من أن أنقرة لا تزال تعول بأنه في حال تطوير العلاقات مع مصر فإن هذا التقارب من شأنه التأثير على مواقف القاهرة تجاه دول واتفاقيات شرق المتوسط، وكذلك فيما يتعلق بمنتدى غاز شرق المتوسط.

لكن موقف القاهرة الثابت هو الالتزام بجميع ما اتفقت عليه مع دول شرق المتوسط، لأنها متوافقة مع القانون الدولي والتي احترمت فيها حدود الجرف القاري لدول المتوسط، خاصة وأن الوقت الحالي يظهر مدى صواب المسارات التي اتخذتها القاهرة في قضية غاز المتوسط، وذلك في ظل تبعات أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أظهرت مدى الحاجة الأوروبية لغاز المتوسط، في الوقت الذي تفور فيه مصر إمكانية تصدير الغاز الطبيعي المسال وذلك من خلال محطتي “إدكو  ودمياط”، والذي من المتوقع[3] أيضًا أن يزداد الطلب التركي عليه.

(5) على صعيد الداخل التركي:

إن فتح آفاق للحوار  بين الجهات غير الرسمية المصرية كمراكز الفكر الوطنية مع أحزاب وتكتلات المعارضة التركية، ومناقشة مستقبل العلاقات بين الدولتين في حال فوز المعارضة في الانتخابات القادمة أو إحراز تقدم في وجودها بالبرلمان التركي، سيكون له عامل ضغط على النظام التركي، خاصة وأن المعارضة التركية لها مقاربات تتفق مع محددات السياسيات المصرية.

(6) على الصعيد الإعلامي:

بعد سلسلة النجاحات المتصاعدة لقناة القاهرة الإخبارية، والتي بدأ بثها الرسمي في أكتوبر الماضي، في ظل المساعي الوطنية لاسترداد مصر لريادتها الإعلامية، والتي من المتوقع في ظل الإمكانيات المتاحة لها، أن تسهم في عودة القوة الناعمة والتي صار لها تأثيرًا كبيرًا في عصرنا الحالي.

وانطلاقًا من تلك التجربة الواقعية، صارت هناك حاجة استراتيجية مستقبلية لبث فضائية مصرية ناطقة باللغة التركية، لتكون حلقة وصل بين مصر والشعب التركي بشكل مباشر، لتعبر عن التوجهات المصرية والتي تتلخص بأن المشكلة بين مصر وتركيا، سببها حكومة سياسات حزب “العدالة والتنمية”، وأن يكون جوهر عمل القناة ليس التحريض ضد تركيا أو  على الشعب التركي، وإنما للتقارب بين الأمتين العربية والتركية، وترسيخ فكرة يكون جوهرها أن سياسات أردوغان هي من أوصلت العلاقات العربية-التركية إلى هذا المستوى من السوء.

وختامًا:

إن مستقبل العلاقات المصرية التركية سيحكم تطوراتها بشكل عام مدى تراجع الجانب التركي عن سياساته التي يتحفظ عليها الجانب المصري، ولابد أن تكون هناك بوادر لحسن النوايا لحدوث انفراجة لتطوير العلاقات، ومن جانب آخر، يتضح دائمًا أن هناك استعداد مصري للوصول إلى حالة توافقية في ضوء الثوابت التي حددتها السياسة الخارجية المصرية التي تؤكد ضرورة تراجع الجانب التركي عن بعض الجوانب السلبية لبدء التفاهمات.

وكما ذكرنا أنه في حالة فشل الوصول إلى هذه الحالة سوف تستمر العلاقات بين الطرفين في حالة الجمود النسبي، واقتصارها بشكل أساسي على الجانب الاقتصادي، وهذا ما سيؤثر بطبيعة الحال على حالة الاستقرار في المنطقة.

إن استمرار حالة الخلاف بين مصر وتركيا كقوتين إقليميتين كبيرتين في المنطقة سيعمق مساحات الخلاف بينهم في العديد من القضايا، وسيزيد من حالة الاستقطاب بشكل كبير، بالتالي ستخلق أزمات أخرى سَتُعقد الموقف في مستقبل العلاقات بين الدولتين.

المراجع:

[1] Kate Hairsine, Burak Ünveren, “Turkey deepens its defense diplomacy in Africa”, Deutsche Welle, 10/28/2022, available: https://cutt.us/NAW1d .

[2] أوضح أحد قيادات الجبهة الوطنية اللبنانية “جورج حاوي”، في شهادته على مجربات الحرب في لبنان، وعلى محاولات “كمال جنبلاط” وهو زعيم الجبهة الوطنية اللبنانية أحد طرفي الحرب الأهلية اللبنانية، بمحاولة أخذ موافقة من حليفه الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد، بحسم الصراع التاريخي في لبنان حول عروبة لبنان بالسماح له بالحسم عسكرياً، وهو ما اعترض عليه حافظ الأسد والذي أشار “أن هذا الأمر ممنوع وأنه يجب أن نقلع عنه الآن وأن الحل السياسي هو البديل وأن العالم ليس فراغاً وأن سوريا لا تعمل في فراغ”، متاح على: https://cutt.us/xjIDj .

[3] Khalil Al-Anani, “Egypt-Turkey Relations: Challenges and Future Prospects”, Arab Center Washington CD, 18/10/2022, available: https://cutt.us/KN535 .

 

كلمات مفتاحية