تقدير موقف لمستقبل الأزمة السورية في ظل اللقاء الثلاثي بموسكو

إعداد: أحمد فهمي

يتضمن هذا التحليل استكمالًا لما تم التطرق إليه في التحليل[1] السابق والمنشور على موقع مركز شاف للدراسات المستقبلية بعنوان «الأهداف التركية من دعوة أردوغان لعقد قمة ثلاثية مع بوتين والأسد»، والتي نشرت في 25 من ديسمبر الماضي.

احتضنت العاصمة الروسية موسكو يوم الأربعاء الموافق 28 من ديسمبر الماضي، الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بين وزراء دفاع وأجهزة مخابرات الدول الثلاث (تركيا – سوريا – روسيا) كمرحلة أولى، بهدف التمهيد لإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، ويعتبر اللقاء هو الرسمي الأول على المستوى الوزاري بين تركيا وسوريا منذ اندلاع الأزمة السورية في العام 2011 وما نجم عنها من توتر للعلاقات بين الدولتين.

وأشارت وزارة الدفاع الروسية، في بيان لها، إلى أن المحادثات بين وزراء الدفاع الروسي سيرجي شويغو والتركي خلوصي أكار والسوري علي محمود عباس تطرّقت إلى سبل حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين، والجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة، مضيفة أن الفرقاء شددوا على الطبيعة البناءة للحوار بالشكل الذي عقد فيه وضرورة مواصلته بغية إرساء الاستقرار في سوريا.

فيما أكدت وزارة الدفاع التركية حدوث الاجتماع، وقالت في بيان إن وزير الدفاع خلوصي أكار ورئيس المخابرات هاكان فيدان التقيا وزير الدفاع السوري علي محمود عباس ورئيس المخابرات علي مملوك في موسكو، إلى جانب وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، وأن الاجتماع البّناء بحث سبل حل الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين والجهود المشتركة لمحاربة الجماعات المتطرفة في سوريا، وأشار البيان إلى أن الأطراف التركية والروسية والسورية اتفقت على مواصلة الاجتماعات الثلاثية.

من جانبها، قالت وزارة الدفاع السورية، في بيانها، إن الجانبين التركي والسوري بحثا ملفات كثيرة وكان اللقاء إيجابيًا، مشيرة إلى أن جميع الأطراف أكدوا ضرورة وأهمية استمرار الحوار المشترك من أجل استقرار الوضع في سوريا والمنطقة.

مخرجات الاجتماع:

بينما لم يصدر بيان رسمي مشترك بين الوفود الثلاث يشير إلى ما دار خلال الاجتماعات، وإلى ما تم التوصل إليه أو إلى ملامح خارطة الطريق المستقبلية لعودة العلاقات بين تركيا وسوريا، إلا أن وزارات الدفاع للدول الثلاث أصدرت بيانات متفرقة تشير بشكل عام إلى القضايا الرئيسية التي تمت مناقشتها وهي: بحث قضية عودة اللاجئين السوريين بتركيا إلى سوريا، وبحث سبل حل الأزمة السورية، وكذلك الجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة، بجانب التأكيد على ضرورة مواصلة الحوار  المشترك بغية استقرار الوضع في سوريا والمنطقة.

لكن وسائل إعلام تابعة لتركيا وسوريا، كشفت نقلًا عن مصادرها، أن مواضيع تفصيلية تم التطرق إليها خلال اللقاء، فعلى صعيد الإعلام التركى[2]، أشارت المصادر إلى أن الاجتماع تطرق إلى أربعة مواضيع وهي: العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين، وإعادة العقارات لأصحابها حين عودتهم، وضمان محاكمات عادلة، إلى جانب استكمال التعديلات لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، مؤكدة أن الاجتماع انعقد على مستوى وزراء الدفاع وليس على مستوى وزراء الخارجية، بسبب وجود قوات تركية في الداخل السوري، وعزم تركيا على تطهير المناطق المحاذية لحدودها من التنظيمات الكردية المسلحة.

فيما أشار الإعلام السوري[3]، إلى أن هذا اللقاء ما كان ليتم من دون أن تكون هناك عدة نقاط تم الاتفاق عليها بين الجانبين وبما يلبي مصلحة دمشق وشروطها، مؤكدًا أن مخرجات الاجتماع الثلاثي خلصت إلى موافقة تركيا على الانسحاب الكامل من الأراضي السورية التي تحتلها في الشمال، إضافة إلى تأكيد أنقرة احترام سيادة وسلامة الأراضي السورية، كما تم البحث في تنفيذ الاتفاق الذي تم عام ٢٠٢٠ بخصوص افتتاح طريق الـ  M4الذي يربط حلب باللاذقية، وأن الأطراف المجتمعة أكدت أن ميليشيات حزب العمال الكردستاني هي ميليشيات عميلة لأميركا وإسرائيل وتشكل الخطر الأكبر على سوريا وتركيا، وختم المصدر بأن كل ما اتفق عليه خلال هذا الاجتماع ستتم متابعته من خلال لجان مختصة تم تشكيلها من أجل ضمان حسن التنفيذ والمتابعة وأن اجتماعات لاحقة ستعقد بين الطرفين من أجل مزيد من التنسيق.

تقدير موقف لمستقبل الأزمة السورية تقدير موقف لمستقبل الأزمة السورية في ظل اللقاء الثلاثي بموسكو

ردود الأفعال:

أولًا: على الصعيد التركي:

على الصعيد الرسمي، وصف وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، المباحثات بأنها “مفيدة”، مؤكدًا أن المرحلة التالية في خارطة الطريق، هي عقد اجتماع على صعيد وزيري خارجية البلدين، مشددًا على ضرورة وأهمية التواصل مع النظام السوري لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين، ولضمان عودة آمنة للاجئين، مشيرًا إلى أن النظام السوري يرغب بعودة السوريين إلى بلادهم، ومن المهم أن يتم ذلك بشكل إيجابي مع ضمان سلامتهم، معتبرًا أنه من المهم أيضًا إشراك النظام الدولي والأمم المتحدة أيضًا في موضوع عودة اللاجئين السوريين، مؤكدًا أن وجود القوات التركية حاليًا في شمال سوريا بغرض مكافحة الإرهاب، لا سيما وأن النظام لا يستطيع تأمين الاستقرار، وأن سحب القوات التركية من سوريا يتطلب تقدّم العملية السياسية هناك، وعودة الأمور إلى طبيعتها في البلاد، مشيرًا إلى إمكانية العمل المشترك مستقبلا، في حال تشكلت أرضية مشتركة بين البلدين فيما يخص مكافحة الإرهاب، مشددًا على أن تركيا تحترم وحدة وسيادة الأراضي السورية، مشيرًا في هذا السياق إلى “وحدات حماية الشعب” الكردية في الشمال السوري، والتي تشكل العمود الفقري في “قوات سوريا الديمقراطية” بأنها “خطر” يهدد بلاده، وأضاف أن تهديدها لسوريا أكبر، لكونها تمتلك “أجندة انفصالية”، ومشددًا على “مواصلة بلاده بحزم، مكافحة الإرهاب”، وأشار إلى أن الخلافات بين أنقرة ودمشق، حالت دون تأسيس تعاون بينهما في هذا المجال.

فيما كشف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بأنهم بحثوا الخطوات التي يمكن اتخاذها من أجل تأمين السلام، والهدوء والاستقرار في سوريا والمنطقة، وتحويل التطورات فيها إلى مسار إيجابي، مضيفًا “أكدنا في الاجتماع أننا نؤيد وحدة أراضي سوريا وسيادتها، وهدفنا الوحيد هو محاربة الإرهاب، ولاحظنا أن ثلث سوريا تسيطر عليه الجماعات الإرهابية”، متابعًا “أوضحنا أن الجيش التركي موجود في سوريا لمحاربة حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية وداعش وإرهابيين آخرين ولمنع الهجرة الجماعية”، مشيرًا إلى أنه تم التأكيد على أهمية ضمان العودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين إلى ديارهم، وأن أنقرة لن تقدم على أي خطوة من شأنها أن تضع “الإخوة السوريين” في مأزق، سواء الذين يعيشون داخل بلادهم أو في تركيا، معتبرًا أن “اللقاء في موسكو يمكن أن يسهم بشكل جدي في الاستقرار في سوريا”، منوهًا أن أنقرة ستواصل الاتصالات مع دمشق، مشيرًا إلى أنه أكد خلال الاجتماع الثلاثي على ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف، وفق القرار الأممي رقم 2254، والذي تبناه مجلس الأمن في 18 ديسمبر 2015 والذي ينص على وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، وبدء مفاوضات سياسية، وتشكيل “حكومة وحدة” في غضون عامين تليها انتخابات.

أما المعارضة التركية، فأوضح كمال كيليتشدار أوغلو، زعيم المعارضة في البرلمان التركي، وزعيم حزب الشعب الجمهوري، في إشارة إلى سعي أردوغان لاستعادة العلاقة مع دمشق: “رُفضت جميع مقترحاتنا في ذلك الوقت، الآن، يذهب من باب إلى باب، ويتوسل لإصلاح كل العلاقات”، مضيفًا “لقد وصل الآن إلى النقطة التي قلتها، لكن للأسف المحاورون أداروا ظهورهم ولا يثقون بأردوغان، بالطبع نريد أن تتحسن العلاقات مع سوريا وأن تتحسن كل العلاقات في الشرق الأوسط”، وكان كيليتشدار أوغلو أرسل رسالة إلى رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان في عام 2012، وأوصاه فيها بعدم معاداة دمشق، وقال في الرسالة إنه يجب على الحكومة أن تواصل سياستها تجاه سوريا بهدوء، وحذّر بشكل خاص بسبب تداعياتها في السنوات المقبلة، مشيرًا إلى أن تركيا يجب أن تكون إلى جانب السلام والمصالحة، وقدم مقترحات الحل التي أعدها حزبه في ملف.

ثانيًا: على الصعيد السوري:

فيما عدا بيان وزارة الدفاع السورية، والتي وصفت اللقاء الثلاثي بأنه إيجابي، لم تصدر أي بيانات رسمية أخرى تناولت الاجتماع أو ما دار فيه، لكن على الصعيد السوري الداخلي وبالأخص في شمال سوريا، خرجت العديد من التظاهرات في عدة مدن وبلدات سورية تقع تحت سيطرة المعارضة السورية، رافضة للاجتماع الثلاثي في موسكو ومن التقارب بين تركيا والنظام السورى، وأعرب الآلاف من المتظاهرين عن رفضهم لما أسموها “المؤامرة” الحالية على الشعب السوري ومن التطبيع مع نظام الأسد، معربين عن خيبة أملهم في تركيا إلى حد انعدام الثقة بتعاملها مع الملف السياسي لصالح المعارضة السورية.

وأكدت العديد من الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة السورية في عدة بيانات منفصلة[4]، بأن الثورة السورية أمام تحدٍّ سياسي جديد يتمثل بتنشيط التواصل مع النظام من قبل أبرز حلفاء الشعب السوري (الدولة التركية)، مشيرين إلى أن «النظام السوري الحالي، ومن قبله حكم أبيه حافظ الأسد، هدد الأمن القومي التركي لعقود من خلال دعمه لحزب العمال الكردستاني، وإيواء كوادره وأبرز قادته عبد الله أوجلان، وهو لا يملك النوايا الحسنة للمشاركة بإزالة المخاوف والتهديدات الأمنية لصالح سلامة وأمن تركيا، فضلًا عن عدم قدرته على ذلك، إضافة إلى كونه السبب الرئيسي في دفع ملايين السوريين للجوء، فكيف سيكون هو الحل اليوم، أو يرضى السوريون بالعودة إلى مناطقه التي يسيطر عليها»، معبرين عن رفضهم وبشدة «أي نهج من شأنه تعويم نظام متهالك غير قادر على تأمين الحاجات الأساسية للسوريين في المناطق التي تخضع لسيطرته أصلًا»، مشددين على رفض المصالحة مع النظام السوري.

اجتماع النظامين التركي والأسدي تقدير موقف لمستقبل الأزمة السورية في ظل اللقاء الثلاثي بموسكو

بدورها، عبرت «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) عن شكوكها إزاء اجتماع وزراء الدفاع في موسكو، ودعت إلى مواجهة ما وصفته بـ«التحالف الثلاثي» وإسقاطه، مشددة على ضرورة توحيد قوى المعارضة.

فيما وصفت أحزاب وقوى سياسية كردية[5] الاجتماع الثلاثي بمؤامرة ضد الشعب السوري، وستكون لها تداعيات خطيرة على كل الجهود التي بُذلت لأجل إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، مؤكدين أن النظامين السوري والتركي كانا سببًا في إطالة عمر الأزمة السورية وتفاقمها، وبالتالي لا يمكن لهذين النظامين أن يكونا سببًا في الحل الذي ينتظره الشعب السوري، ما يعني أن أي مصالحة أو تفاهم أو اتفاق بين النظامين المذكورين لن يصب في مصلحة الشعب وطموحاته، وإنما في مصلحة الطرفين وسياساتهما التخريبية في المنطقة، ولا يخفى أن أحد أبرز أهداف هذا اللقاء هو التنسيق والاتفاق على ضرب القضية الكردية ونسف مشروع الإدارة الذاتية والقضاء على قوات سوريا الديمقراطية التي بذلت جهودًا جبارة في محاربة تنظيم داعش الإرهابي ودحره وتحرير المنطقة منه.

وعلى الصعيد السوري الخارجي، أكد رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن التقارب بين تركيا والنظام السوري هدفه واضح وهو مؤامرة ضد الكرد في شمال وشرق سوريا تحت مسمى محاربة “الإرهاب”، معربًا عن أمله أن يكون هناك تدخل سياسي من قبل المجتمع الدولي خلال العام الجديد 2023، وأن تبتعد المعارضة السورية عن سياسة الدولة التركية والابتعاد عن الطائفية والعنصرية لبناء دولة ديمقراطية في سوريا تحتضن جميع المكونات والأديان والثقافات.[6]

فيما طالب التحالف الأمريكي من أجل سوريا[7] (ACS)، في بيان له،[8] إدارة الرئيس الامريكي “جو بايدن” بإعادة التركيز على دعم الحل السياسي في سوريا، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254، من خلال تنشيط التنسيق والتعاون مع تركيا، بعد اجتماع موسكو، معربًا عن انزعاجه من لقاء وزيرى دفاع البلدين، وطالب البيان إدارة بايدن بضرورة إعادة ترتيب أولويات ملف سوريا وعزل تركيا، مشيرًا إلى أنه عكس ذلك سيعيد تأهيل بشار الأسد عن غير قصد، ويرفع نفوذ روسيا كقوة إقليمية تلعب دور الوساطة، وحثّ بيان التحالف، السلطات التركية إلى تذكّر فظائع النظام السوري ودوره في تمكين الإرهاب قبل السعي لتحقيق انفراج مع نظامه، داعيًا أنقرة إلى الاستمرار بحماية حق اللاجئين السوريين في عودة آمنة وطوعية.

ثالثًا: على الصعيد الروسي:

فى حين أنه لم يكن هناك تداول روسي رسمي للحدث، ولم يصدر إلا بيان من وزارة الدفاع الروسية والذي أشار بشكل عام إلى القضايا التي تمت مناقشتها في اللقاء الثلاثي، فقد غيب الاهتمام الإعلامي الواسع بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أخبار اللقاء الثلاثي الذي احتضنته موسكو، وقد برز الخبر بشكل عادي على شريط الأنباء لدى أبرز الوكالات الحكومية، واكتفت الصحف بنقل مقتطفات من البيانات الرسمية للبلدان الثلاث.

ومع ذلك، فإن التغطيات النادرة التي قامت بها بعض وسائل الإعلام ركزت على معادلات الربح والخسارة بالنسبة إلى أنقرة ودمشق، وغاب عن الحدث التركيز على الدور الروسي كوسيط أساسي، وحل مكانه الإشارة إلى أن موسكو متمسكة بذات النهج الذي دعت إليه على مر سنوات وهو فتح قنوات مباشرة.[9]

رابعًا: على الصعيد الأمريكي:

أكدت الولايات المتحدة أنها لا تؤيد أي جهود لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، بالنظر إلى تاريخه الوحشي والقمعي ضد الشعب السوري، وأوضح المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية صامويل وربيرغ، أن واشنطن على علم بالمحادثات الجارية بين نظام الأسد وتركيا وروسيا، وأن «السياسة الأميركية لم تتغير في هذا الشأن، ونشجع كل الدول على مراجعة تاريخ هذا النظام وما قام به ضد الشعب السوري على مدار 12 عامًا؛ من قمع وعنف، إضافة إلى منع وصول المساعدات الإنسانية»، مؤكدًا أن الولايات المتحدة مستمرة بالعمل مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتحقيق الحل السياسي في سوريا، وفقًا للقرار 2254، كونه الطريق الأنسب للحل.

سيناريوهات المستقبل:

(1) رفع مستوى اللقاءات بين البلدين:

في إطار تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بان اجتماعًا ثلاثيًا على مستوى وزراء الخارجية سوف يُعقد في النصف الثاني من شهر يناير الجاري، والذي من المحتمل أن ينعقد في بلد آخر، فهذا التطور من شأنه أن ينقل المحادثات التركية – السورية من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي، وهو ما يمكن تفسيره بأنها خطوة تقارب إضافية في العلاقة بين دمشق وأنقرة من جهة، وبداية لخطوات إضافية تجاه القضايا المشتركة من جهة ثانية.

وهذه المحادثات السياسية في حال الإتفاق على مخرجاتها، فقد تُمهد لعقد لقاء بين الرئيسين التركي والسوري، وهو ما يتمنى الرئيس التركي أردوغان تحقيقه قبل الانتخابات التركية المقبلة، لاستخدام ذلك التطور في العلاقات التركية – السورية في الدعايا الانتخابية الداخلية، وأن ذلك التوافق سيصل بالنهاية إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية لتركيا، وهو ما سيعود بالنفع على المواطن التركي.

(2) مسار جديد لحل الأزمة السورية:

في ظل العراقيل التي طالت المسارات السابقة لحل الأزمة السورية ومنها مسار مفاوضات أستانا، وكذلك مسار جولات اللجنة الدستورية، فإن التوافق التركي السوري قد يؤدي إلى فتح مسار جديد، في ظل الآفاق الجديدة في العلاقات بين الدولتين، واحتمالية إحزار تقدم سريع في تطوير العلاقات الثنائية، وهذا من الممكن تحقيقه شرط استمرار رعاية تركيا كضامن للمعارضة السورية.

(3) تفجر الأوضاع في الشمال السورى:

بعد الرفض الواسع من فصائل المعارضة السورية للتقارب التركي السوري، خاصة من هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقًا” وهو الفصيل صاحب النفوذ العسكري الأكبر على الساحة في شمال غرب سوريا، والذي أوضح قائده العام “أبو محمد الجولاني”، خلال تسجيل مصور بعنوان “لن نصالح”[10]، المباحثات بين النظام السوري وحليفه الروسي وبين الجانب التركي، “انحرافًا خطيرًا يمس أهداف الثورة السورية”، رافضًا المصالحة، متوعدًا بإسقاط النظام وبناء دمشق من جديد.

وقد وصل الأمر إلى حد قيام حلفاء تركيا في الداخل السوري بالهجوم على شخص الرئيس التركي نفسه، واتهامه بخيانتهم من أجل تحقيق مصالحه الخاصة، فصار من الوارد احتمالية قيام تلك الفصائل بعمليات عسكرية جديدة في حالة جدية التصريحات التركية بانسحابهم من شمال سوريا لصالح عودة قوات الجيش العربي السوري إليها، وذلك في حال خروج تلك الفصائل من الوصاية التركية، خاصة وأن دمشق تنتظر من تركيا، القضاء على الفصائل المسلحة الموالية لها في الشمال السوري وتحديدًا في محافظة إدلب شمال غرب سوريا.

(4) القضاء على التنظيمات الكردية المسلحة:

أثار الاجتماع بين الثلاثي قلق الأكراد وخاصة التنظيمات الكردية المسلحة في شمال سوريا، والتي تخشى توافق الدول الثلاث على خارطة طريق قد تؤدي إلى التضيحة بهم، فتركيا تريد القضاء على أي تواجد عسكري كردي على حدودها الجنوبية، فيما تسعى روسيا إلى تصفية وجود التنظيمات المسلحة الحليفة مع الولايات المتحدة وإنهاء الوجود الأمريكي في المنطقة، أما سوريا فتريد استعادة تلك الأراضي وثروتها النفطية في ظل أزمة داخلية حادة متعلقة بشح المحروقات وانقطاع الكهرباء، بسبب خروج معظم حقول النفط عن سيطرة النظام منذ 8 سنوات.

وقد يمهد هذا الاجتماع العسكرى حال الاتفاق لاحقًا بين الدول الثلاث، السماح لتركيا بشن عملية عسكرية واسعة النطاق في الشمال السورى، للقضاء على التنظيمات الكردية، واستهداف حاسم لمنشآت البنية التحتية والموارد الخاصة بالميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، تمهيدًا لعودة القوات السورية للشمال السوري، خاصة بعدما أعربت الحكومة التركية[11] عن نيتها بنقل السيطرة في مناطق وجود القوات التركية في سوريا إلى دمشق، حال تحقق الاستقرار السياسي، مشيرة إلى إمكانية “العمل المشترك” مستقبلًا مع دمشق لمكافحة الإرهاب.

كما أن هذه العملية العسكرية يحتاج إليها الرئيس التركي أردوغان بشدة لدعم موقفه في الانتخابات العامة المقبلة في العام الحالي، لفرض المنطقة العازلة لمسافة ثلاثين كيلومتراً عن الحدود،  وللقضاء على المكاسب التي حققها الأكراد في شمال وشرق سوريا.

(5) فرصة لعودة تنظيم “داعش” الإرهابى:

تكرر في الأونة الأخيرة شن تنظيم “داعش” الإرهابى، لعمليات إرهابية على قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وهو ما جعل الأخيرة تعلن إطلاق عملية “صاعقة الجزيرة”، فجر الخميس الموافق 29 ديسمبر الماضى، وذلك بمشاركة قوى الأمن الداخلي لشمال وشرق سوريا “الأسايش”، وقوات التحالف الدولي التي تقودها الولايات المتحدة، بهدف “القضاء على خلايا داعش الإرهابية وتطهير المناطق التي تتمركز فيها البؤر الإرهابية”، وفي حال فشل تركيا وسوريا في الالتزام بخارطة طريق تراعي القضاء على فلول تنظيم “داعش” الإرهابى، وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها حاليًا الفصائل الكردية المسلحة، فإن هناك فرص سانحة لعودة التنظيم من جديد، من خلال استغلاله للاضطراب المتوقع في منطقة شمال سوريا.

وختامًا:

مع تنامي التعاون الروسي – التركي في عدة مجالات ومنها ما يتعلق بالحرب الروسية في أوكرانيا، ونجاح تركيا على المستوى الاستراتيجي بإدارة ذلك الملف بما يتوافق مع أهدافها ومصالحها القومية، ومع اقتراب موعد الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية في يونيو القادم والضغوط التي يتعرض لها الرئيس التركي لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وشن عملية عسكرية في سوريا، ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية في الداخل السوري وعدم استطاعة النظام السوري الاستمرار في تلقي الدعم من روسيا وإيران في ظل العقوبات الدولية المفروضة على الدولتين الحليفتين لدمشق، فمن الوارد أن يتحقق التقارب بين الجانبين، خاصة وأن تركيا طرقت باب موسكو للحديث إلى دمشق.

كما أن التسارع الروسي لاستعجال عقد اللقاء الثلاثي الذي دعا إليه الرئيس التركي أردوغان، يعتبر في إطار المواءمات السياسية الروسية لتقديم دعم لأردوغان في الانتخابات التركية، مقابل استمرار النهج التركي الحالي في موقفه من الحرب في أوكرانيا.

كما أن الأسد يتوقع أن خطوات تطوير العلاقات مع تركيا، حتى في حال فشلها، قد تجبر الدول العربية على تغيير نهجها وموقفها من مقاطعة سوريا، والعمل على عودة سوريا إلى الحاضنة العربية واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية، وهو ما يرغب به الأسد لتثبيت أركان حكمه، وكسر الحصار الاقتصادي على بلاده.

المراجع:

[1] متاح على: https://bit.ly/3jKuIji .

[2] “قناة تركية تكشف عن تطور كبير وغير متوقع في العلاقات التركية السورية”، موقع تركيا الآن، 29/12/2022، متاح على: https://bit.ly/3VBUYJP .

[3] “مصدر متابع: مخرجات اجتماع موسكو الثلاثي: انسحاب الجيش التركي واحترام سيادة وسلامة الأراضي السورية وإعادة افتتاح M4 والPKK ميليشيات عميلة تشكل خطراً على سورية وتركيا”، صحيفة الوطن السورية، 30/12/2022، متاح على: https://bit.ly/3QaZSMF .

[4] “قلق في مناطق المعارضة السورية من التحركات التركية”، صحيفة الشرق الأوسط، 31/12/2022، متاح على: https://bit.ly/3X1dIDx .

[5] “قوى وأحزاب سياسية تصف الاجتماعي الثلاثي بمؤامرة ضد الشعب السوري”، وكالة انباء هاوار الكردية، 2/1/2023، متاح على: https://bit.ly/3VCtDqX .

[6] “مدير المرصد السوري: التقارب بين تركيا والنظام السوري هدفه واضح وهو مؤامرة ضد الكرد في شمال وشرق سوريا”، موقع المرصد السوري لحقوق الإنسان، 31/12/2022، متاح على: https://bit.ly/3Cgx3IW .

[7] يضم التحالف 9 منظمات، وهي “أمريكيون من أجل سوريا حرة” و”باك سوريا الحرة”، و”كايلا باك”، و”مواطنون من أجل أمريكا آمنة”، و”دعم العدالة”، و”سوريون مسيحيون من أجل السلام”، و”رجال الدين من أجل سوريا”، و”المجلس السوري الأمريكي”، و”المنتدى السوري”، وهي منظمات ناشطة في الشأن السياسي والمناصرة.

[8] American Coalition for Syria Concerned about Growing Rapprochement between Türkiye and the Assad Regime, 30/12/2022, Available, https://bit.ly/3WPCC9k .

[9] “الإعلام الروسي يغيّب دور «الوسيط» ويركز على «فتح القنوات»”، صحيفة الشرق الأوسط، 30/12/2022، متاح على: https://bit.ly/3VTWRSx .

[10] الكلمة المرئية: لن نصالح، مؤسسة “أمجاد” الإعلامية، 2/1/2023، متاح على: https://bit.ly/3X34fvQ .

[11] “وزير: تركيا مستعدة لنقل السيطرة بمناطق وجود قواتها لدمشق”، موقع دويتشه فيله الالمانية، 29/12/2022، متاح على: https://bit.ly/3VGjDNx .

كلمات مفتاحية