تقدير موقف مصير عملية الانتقال السياسي في بوركينا فاسو بعد إحباط محاولة انقلابية

إعداد: شيماء ماهر

تمُرُّ بوركينا فاسو بلحظةٍ فارقةٍ في تاريخها، يسودها التوتُّر والاضطراب، على الصعيديْن “السياسي، والأمني”، وذلك عقب تولِّي القائد العسكري، إبراهيم تراوري، حكم البلاد، عبْر انقلاب عسكري، في العام الماضي، في ظل وجود تحديات كثيرة، باتت تعْصِف ليس فقط باستقرار المرحلة الانتقالية، التي تشهدها البلاد؛ للمضي قُدُمًا نحو الاستقرار السياسي، بل إنها باتت تؤثر على بقاء الدولة واستمرارها؛ حيث يواجه “تراوري” وأعوانه معارك على أكثر من مستوى “داخليًّا، وخارجيًّا”، فعلى المستوى الداخلي، يكْمُن التحدي الرئيسي في مواجهة تمدُّد الجماعات الإرهابية، واستعادة السيطرة على أراضي الدولة وثرواتها، وهذا الأمر ليس هيِّنًا، وعلى الصعيد الخارجي، تقع بوركينا فاسو في دائرة الصراع على النفوذ بين “فرنسا، وروسيا”، ورغبة كُلٍّ منهما، في السيطرة على مقدرات البلاد وثرواتها، كُلُّ هذا يجعل المرحلة الانتقالية مرحلةً دقيقةً وشديدة الحساسية؛ لما لها من تداعيات على مستقبل الدولة ككل، وفي ظل انتشار عدوى الانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية، رأى بعض الضباط في بوركينا فاسوا، أن الفرصة سانحة للقيام بانقلاب عسكريٍّ مماثلٍ لانقلاب “النيجر، والجابون”، ولكن هذه المرة، استطاعت السلطات قمْع هذا الانقلاب في اليوم نفسه، وكان مصير هذا الانقلاب الفشل.

محاولة انقلاب جديدة تعصف بالقارة الأفريقية

في ظل تصاعُد المحاولات الانقلابية، التي شهدتها بلدان غرب أفريقيا، أعلنت الحكومة الانتقالية في بوركينا فاسو، أن أجهزة الأمن والاستخبارات البوركينية، قامت بإحباط محاولة انقلاب، في 26 سبتمبر الماضي؛ أيْ بعد مرور عام تقريبًا، من وصول رئيس المرحلة  الانتقالية القائد العسكري، إبراهيم تراوري، إلى سُدَّة الحكم، وتمَّ القبْض على ضباط وفاعلين مفترضين آخرين، متورطين في محاولة زعزعة الاستقرار، ويتم البحث عن آخرين، واتهم البيان مُنظِّمي الانقلاب، بتغذية الأهداف الشريرة، المتمثلة في مهاجمة مؤسسات الجمهورية، ودفْع البلاد إلى الفوضى.

وأكدت الحكومة في بيانها، أنها تريد تسليط الضوء على هذه المؤامرة، وأعربت عن أسفها؛ لأن الضباط أقسموا على الدفاع عن الوطن، وانخرطوا في مشروع من هذا النوع، يهدف إلى عرقلة مسيرة شعب بوركينا فاسو؛ من أجل سيادته وتحريره بالكامل من الإرهاب، وقبل أيام، أوقفت السلطات ثلاثة عسكريين في بوركينا فاسو، ووجَّهت إليهم تهمة التآمر ضد الدولة.

وصرَّحت النيابة العسكرية، في أغسطس الماضي، عن وقائع تفيد أن عسكريين جُدُدًا وقُدَامى، عملوا على تحديد مواقع حساسة ومنازل، من بينها؛ منزل الرئيس الانتقالي،  إبراهيم تراوري، وبعض الشخصيات المدنية والعسكرية؛ من أجل زعزعة الاستقرار والأمن، وقال المدعي العسكري: إنه تمَّ فتح تحقيق وتوقيف ثلاثة عسكريين مشتبه فيهم، مثلوا أمام قاضي التحقيق، أمر بتوقيفهم احتياطيًّا؛ لوقائع تتعلق بمؤامرة عسكرية، وانتهاك للتعاليم العسكرية، وتكوين عصابات، وتعريض حياة الآخرين للخطر، ويشير ذلك إلى مدى الانقسام داخل أعضاء المؤسسة العسكرية في بوركينا فاسوا، ورغبة كُلٍّ منهم في الاستئثار بالحكم، دون مراعاة  مصلحة البلد في المقام الأول.

وقبل هذه المحاولة الانقلابية بيوم، نزل آلاف المواطنين إلى شوارع العاصمة؛ دعمًا للرئيس الانتقالي، إبراهيم تراوري، الذي وصل إلى السلطة عبْر انقلاب، منذ حوالي عام، ودفاعًا عنه، في ظلِّ انتشار شائعات عن انقلاب في شبكات التواصل الاجتماعي، وطالب المتظاهرون باعتماد دستور جديد.

سياسات النظام الحاكم في بوركينا فاسو بعد إحباط المحاولة الانقلابية

في محاولةٍ نحو إعادة الأوراق، وبعد فشل المحاولة الانقلابية، أعلن رئيس المرحلة الانقلابية، إبراهيم تراوري، عن رغبته في إجراء تعديل جزئي للدستور، في 30 سبتمبر الماضي؛ لأن النصوص الحالية للدستور لا تسمح بالتطور في شكلٍ سلميٍّ، وأنها تعكس رأْي حِفْنةٍ من المستنيرين على حساب الجماهير الشعبية، كما تحدَّث عن أن الانتخابات المقرر إجراؤها نظريًّا، في يوليو 2024م، ليست أولوية، وأن الأمن هو الأولوية، فعندما يتمكن الناس من التحرُّك بحرية الذهاب إلى حيث يريدون، يقومون بتنظيم حملات انتخابية، وأشار إلى أنه يجب على جميع سكان بوركينا فاسو اختيار رئيسهم، ولن تقتصر الانتخابات القادمة على مدن بعينها، بل ستكون في جميع أنحاء الدولة، وأن الرهان لا يزال قائمًا لتنظيم هذا الاستحقاق من دون أن يُحدِّد موعدًا.

ويَكْمُن السبب الرئيسي وراء اتخاذ هذا القرار، في رؤية الرئيس الانتقالي لبوركينافاسو، أن بعض المشروعات التنموية لن تبدأ في الإنتاج، وأن هناك خطة دفاعية وإصلاحية قانونية ودستورية، يرغب “تراوري” في استكمالها، بالإضافة إلى رغبة السلطة في التعبئة إلى حرْب شاملةٍ ضد الإرهاب، بالتعاون مع دولتيْ “مالي، والنيجر”، في إطار تحالف دول الساحل؛ للدفاع المشترك، فيما يُعرف بميثاق (ليبتاكو- غورما)، ورأى أن الانتخابات الرئاسية في الفترة المقبلة، من شأنها؛ إعاقة جهود هذا الحلف، وتتبنَّى دولة مالي السياسة نفسها؛ إذ أعلن المجلس العسكري الحالي في مالي، تأجيل الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في عام 2024م، وإلغاء الانتخابات التشريعية، التي كانت مقررةً نهاية عام 2023م، وهو بدْء حرب شاملة مشتركة ضد الإرهابيين.

أسباب تصاعد حِدَّة الانقلابات في القارة الأفريقية

  • تدهور الأوضاع الأمنية: تتسم الانقلابات التي شهدتها القارة الأفريقية، بوجود قاسمٍ مشتركٍ بينها، وهو غياب الأمن، وتنامي نفوذ الجماعات الإرهابية العنيفة؛ ففي شمال مالي، ازداد وجود الجماعات الإرهابية باتجاه المركز في السنوات الأخيرة، فيما يُسمَّى بمنطقة المثلث الحدودي، الذي يضم “مالي، بوركينا فاسو، النيجر”، وقد تركزت الهجمات على المؤسسات الأمنية والعسكرية، فعلى سبيل المثال؛ منذ عام 2015م، شهدت بوركينا فاسو هجمات إرهابية من قِبَلِ جماعات متطرفة، مثل “داعش، والقاعدة”، والتي أوْدت بحياة أكثر من 1.5 مليون شخص، ومنذ ذلك الحين، تدهور الوضع الأمني بشكلٍ عامٍ؛ ما مثَّل مبررًا قويًّا لتدخُّل العسكريين؛ من أجل الإطاحة بالنظام الحاكم.
  • فشل النموذج الغربي: فنجد أن فرنسا قامت بربْط مساعداتها والضمانات التي تقدمها لصالح الدول الفرانكفونية بعملية الانتقال الديمقراطي؛ ما أدَّى إلى كراهية معظم الشعوب الأفريقية للوجود الفرنسي، والمطالبة برحيل القوات الفرنسية، مثلما حدث في “بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر” مؤخرًا، وفي هذه الأثناء، تصبح الفرصة سانحة أمام الجيش؛ لتلبية المطالب الأفريقية، والدفاع عن سيادة الدولة واستقلالها، وقد يلجأ قادة الجيش إلى الابتعاد عن الحلفاء التقليديين، مثل “فرنسا، والدول الغربية”، والتعاون مع حلفاء جُدُد، مثل “روسيا، والصين”.
  • تدهور الظروف الاقتصادية والمعيشية: يعاني الغالبية العظمى من الدول الأفريقية من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع معدلات الفقر، ووفقًا للبنك الدولي، يعيش نحو 40.1% من سكان بوركينا فاسو تحت خط الفقر، ويعتمد اقتصادها بشكلٍ كبيرٍ على الزراعة، بنسبة 80%، كما تواجه البلاد العديد من التحديات التنموية في مجال “الصحة، والتعليم”، وتعتبر أيضًا غينيا بيساو واحدةً من أفقر دول العالم، ويعتمد اقتصادها بشكلٍ كبيرٍ على المساعدات الخارجية، وتُمثل مرتكزًا لعبور المخدرات إلى أمريكا اللاتينية.
  • زيادة معدلات الفساد والافتقار إلى الحكم الرشيد: جاء مؤشر مُدْرِكات الفساد، لعام 2022م، بييانات مؤسفة عن القارة الأفريقية، وتصدُّر الصومال قائمة الدول الأكثر فسادًا حول العالم، وحصل على 12 درجة من 100؛ بفعل الصراع المستمر، وانعدام الأمن، والافتقار إلى حكومة مركزيةٍ، واستغلال أكثر من 70 % من أصول الحكومة الصومالية، وتحويلها لتحقيق منافع شخصية، وشملت قائمة المؤشر دولًا أفريقية أخرى، مثل “جنوب السودان، بوروندي، غينيا الاستوائية، ليبيا، تشاد، جزر القمر، جمهورية الكونغو الديمقراطية”.
  • تنامي عدْوَى الانقلابات العسكرية: نجد أن الانقلاب العسكري الذي حدث في النيجر، في 26 يوليو الماضي، والذي أطاح بالرئيس، محمد بازوم، وتولِّي المجلس العسكري زمام الأمور، وعدم انصياع القادة العسكريين لقرارات المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا وتهديداتها، وكذلك الانقلاب الأخير، الذي أطاح بالرئيس، على بونجو، في الجابون، في 30 أغسطس الماضي، مثلًا عاملًا مُحفِّزًا؛ للقيام بانقلاب عسكري مماثلٍ، في ظل عدم وجود أداةٍ رادعةٍ لهؤلاء الضباط، تُجْبرهم على عدم القيام بذلك؛ حتى لا يتكرر الشيء نفسه في دول أخرى.

سيناريوهات محتملة لعملية الانتقال السياسي في بوركينا فاسو

أثار إعلان السلطة العسكرية في بوركينا فاسو، عن احتمالية تأجيل الانتخابات، وإجراء تعديلات دستورية، الحديث عن مصير عملية الانتقال السياسي، في البلد التي تعاني من تدهور الأوضاع الأمنية؛ نظرًا للتمدُّد الكبير لنفوذ الجماعات الإرهابية، وبتأمل الأوضاع الداخلية التي تشهدها بوركينا فاسو في الوقت الراهن، يمكن القول: إن مستقبل الأوضاع في بوركينا فاسو يتمثل في أحد السيناريوهات التالية:

السيناريو الأول: سعْي “تراوري” لإطالة أَمَدِ المرحلة الانتقالية، والاستمرار في السلطة، في ظل التأييد الشعبي الذي يحظى به؛ بحجة أن الوضع ليس مستقرًا، وتنامي خطر التهديدات الإرهابية، التي تواجه أمن بوركينا فاسو في محيطها الإقليمي، وقد يضع هذا الأمر بوركينا فاسو في مشكلة دولية واسعة النطاق، ويتضمن ذلك، فرْض عقوبات دولية عليها، في ظل وجود العديد من المشاكل الاقتصادية، التي تعاني منها، وتداعيات الحرب “الروسية – الأوكرانية”، وفي هذه الحالة، قد يلجأ “إبراهيم تراوري” إلى إجراء انتخابات؛ من أجل إعادة تقديم نفسه، بوصفه قائد المرحلة الانتقالية، الذي يُمكِّنُه من الترشُّح في الانتخابات، وفي ذلك الوقت، يصبح رئيسًا منتخبًا، مثلما حدث في كثيرٍ من دول أفريقيا جنوب الصحراء من قبْل.

السيناريو الثاني: احتمالية القيام بانقلابٍ عسكريٍّ جديدٍ، فربما يستغل الانقلابيون تردِّي الأوضاع الداخلية، وتنامي التهديدات الإرهابية، وتخبُّط القرارات، وتأجيل الانتخابات؛ بحجة أن الأمن هو الأولوية في هذه المرحلة، والرفض الدولي لقرارات النظام الحاكم، ويقومون بانقلاب، ولكن الأمر يتوقف على مدى قدرة قادة الانقلاب في القيام بذلك، في ظل ما يحظى به نظام “إبراهيم تراوري” من تأييد شعب، وتأييدٍ من معظم أعضاء المؤسسة العسكرية.

السيناريو الثالث: نجاح “تراوري” في الوفاء بتعهداته، واستعادة النظام الدستوري، وينطوي هذا السيناريو على الكثير من التحديات، منها؛ انعدام الأمن، وتنامي نفوذ الجماعات الإرهابية، وحتى يتمكن” تراوري” من استعادة النظام الدستوري، عليه؛ الوفاء بتعهداته التي تتعلق باستعادة الاستقرار، والسيطرة على الأراضي الواقعة تحت سيطرة الجماعات الإرهابية في بوركينا فاسو، ويتطلب ذلك، توافر الكثير من الإمكانات، وتعزيز قدرات وأسلحة الجيش في مواجهة الجماعات الإرهابية، والسيطرة على كافة الانقسامات في صفوف الجيش، وتلبية مطالب الجنود.

 ختامًا

إن تصاعُد وتيرة الانقلابات العسكرية في بوركينا فاسوا، تحمل الكثير من الدلالات، وتطرح الكثير من علامات الاستفهام، بشأن مستقبل الدولة بصفةٍ عامةٍ، في ظل سيطرة النخبة العسكرية على الحياة السياسية، وكثْرة الانقلابات التي تشهدها، وتنامي خطر التنظيمات الإرهابية بشكلٍ عامٍ؛ الأمر الذي يتطلب الكثير من المواءمات والمراجعات من قادة المرحلة الانتقالية، وتغليب المصلحة الوطنية على أيَّة مصالح شخصية، وبذْل الكثير من الجهود؛ لكسب ثقة وتأييد المجتمع الدولي والقوى الكبرى، وتجنُّب الأفعال والتصريحات التي تؤدِّي إلى عدم استقرار الوضع الداخلي؛ بهدف انتشال الدولة من دائرة العنف وعدم الاستقرار المسيطرة عليها

كلمات مفتاحية