تكلفة حرب غزة.. هل تضع نهاية للأزمة؟

إعداد: مصطفى أحمد مقلد

مقدمة:

بينما تواصل إسرائيل هجومها غير الإنسانى على قطاع غزة، تتزايد التحذيرات من توسع الصراع في الشرق الأوسط، ودخوله مستويات أخطر، ما يضع المؤشرات الإقتصادية في حالة صدمة وترقب لما ستؤول إليه الحرب من تداعيات، كتراجع اتجاهات النمو على المدى الطويل، وصعوبة في زيادة معدلات الإنتاج، وتزايد الحواجز التي تحول دون حرية التجارة، ما سوف يؤثر علي الثقة وإلى زيادة كبيرة جديدة في التضخم لدى الاقتصادات التي بدأت للتو في التعافي من سلسلة من صدمات الأسعار.

وقد عبرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، عن أن حرب إسرائيل على غزة تعد بمثابة “غيمة أخرى في أفق ملبد بالغيوم”، محذرة من أن آفاق الاقتصاد العالمي ربما تتدهور، إذ تتضمن التبعات طويلة الأجل اضطرار الأطفال لترك التعليم، بالإضافة إلى تأثير الحرب في قطاعات السياحة بالدول المجاورة، كذلك كان رئيس البنك الدولي أجاي بانجا، قال إن التوترات الجيوسياسية التي تفاقمت بسبب الصراع في الشرق الأوسط تشكل أكبر تهديد للاقتصاد العالمي في مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار.

خسائر الاقتصاد الاسرائيلى

الضرر يطال كافة القطاعات بما فيها الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والعقارات، فيما انخفض الشيكل إلى أضعف مستوى له منذ عام 2012، فبالنسبة لقطاع البناء، فهو يعاني كونه يعتمد على 80 ألف فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية التي تخضع لإغلاق أمني حاليا، ويساهم قطاع البناء والعقارات بنسبة 6% من عائدات الضرائب في إسرائيل، ما سيؤدي إلى تقليص دخل الحكومة، ويمكن أن يؤدي إلى ارتفاع متجدد في الأسعار في سوق الإسكان الذي كان من بين أغلى الأسواق في أوروبا والشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.

ويقارن الكثيرون عمليات الإغلاق التي أضرت بالاقتصاد الاسرائيلى بنظيره وقت جائحة كورونا، إذ قيدت إسرائيل الأعمال وحشدت عدداً قياسياً من جنود الاحتياط بلغ 350 ألف جندي للهجوم على غزة، مما أدى إلى استنزاف ما يقرب من 8% من قوة العمل، ويكلف الاستدعاء الحكومة ما يعادل 2.5 مليار دولار شهرياً، وفقاً لبنك “مزراحي طفحوت”، ومن المعروف أن التأثير سيتفاقم كلما طال أمد الصراع.

بجانب ذلك، تأثرت الأسهم الإسرائيلية، حيث انخفض المؤشر الرئيسي في تل أبيب بنسبة 16% من حيث القيمة الدولارية، على الرغم من إعلان البنك المركزي عن حزمة غير مسبوقة بقيمة 45 مليار دولار لدعمه، وبذلك يتجه نحو أسوأ أداء سنوي له هذا القرن، فيما ارتفعت تكلفة التحوط ضد المزيد من الخسائر، وتوقع بنك “جيه بي مورغان” أن ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% هذا الربع على أساس سنوي، وفيما قالت الحكومة إن العجز المالي قد يزيد بأكثر من ضعفي توقعاتها السابقة هذا العام والعام المقبل، أصدرت كلّ من وكالة “ستاندرد آند بورز” و”موديز” و”فيتش” للتصنيفات الائتمانية، تحذيرات بشأن توقعات ديون البلاد والجدارة الإئتمانية، مما جعل إسرائيل أقرب إلى التخفيض الأول على الإطلاق، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة كلفة الاقتراض في وقت تستعد فيه لما يمكن أن يكون حرباً طويلة الأمد.

وعندما بدأت المناوشات مع “حزب الله”، تم إخلاء العديد من القرى والبلدات في المنطقة، كذلك في المناطق والمجتمعات المحيطة بغزة في الجنوب، فأجبر أكثر من 120 ألف إسرائيلي على مغادرة منازلهم، ونتيجة لتلك التطورات، تراجع إنفاق الأسر، ما أحدث صدمة كبيرة لقطاع المستهلكين الذي يمثل نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي، وفيما تعهد وزير المالية بتحفيز أكبر من ذلك الذي حدث خلال جائحة كورونا، إلا أن المشرعين وأصحاب الأعمال انتقدوا برنامج الدعم، باعتباره “غير كافٍ”. خاصة أن صناعة التكنولوجيا الفائقة، التي ازدهرت خلال جائحة “كوفيد”، تواجه صعوبات، وعادة ما تمثل هذه الصناعة نحو 18 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل ونصف إجمالي الصادرات.

خسائر لوجستية

كشفت مذكرة حديثة لـ “ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس” عن تجنب مشترو النفط والمنتجات المكررة في جميع أنحاء آسيا استخدام الناقلات المملوكة لإسرائيل، بجانب مخاوف في شأن الزيادة المحتملة بأقساط التأمين ضد أخطار الحرب، كذلك وجهت عدد من الشركات الأمنية المشغلين التجاريين لتجنب المياه الإسرائيلية، كما نقلت “رويترز” عن مصادر عاملة في قطاع التأمين ارتفاع الأقساط الإضافية 10 أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب، فيما فرض ميناء أشدود قيوداً على نقل المواد الخطرة مما أدى إلى تباطؤ عملية العبور، بجانب إغلاق ميناء عسقلان الأصغر والأقرب جغرافياً إلى قطاع غزة.

وقف انتاج حقل تمار

تأثر إنتاج الغاز الإسرائيلى بتداعيات الصراع، حيث أغلقت إسرائيل حقل غاز تمار، ورغم أن ذلك تم تعويضه جزئياً من خلال زيادة الإنتاج في حقل ليفياثان القريب منه، إلا أن ذلك ما يزال يسلط الضوء على بعض المخاطر التي تهدد الإمدادات الإقليمية، فعبرت مصر، التي تستورد الغاز من إسرائيل، أن وارداتها من الغاز انخفضت إلى الصفر، وهو ما يؤثر بالضرورة على الإمدادات لأوروبا.

قطاع البنوك

مع تصاعد حدة الخسائر، جنب أكبر بنوك إسرائيل التجارية “ليومي بنك” نحو 1.1 مليار شيكل (0.271 مليار دولار) لمواجهة حالات الإعسار عن سداد مديونيات عملائه، وتجدر الإشارة إلى أن بنك “ليومي” كان قد تكبد خسائر بقيمة 20 في المئة من قيمة أسهمه خلال نهاية أكتوبر الماضى في بورصة تل أبيب نتيجة استمرار الحرب على غزة، كما قلص بنك إسرائيل المركزي، تقديراته للنمو الاقتصادي لعام 2023 إلى 2.3 في المئة من ثلاثة في المئة، وإلى 2.8 في المئة من ثلاثة في المئة لعام 2024 على افتراض احتواء الحرب في غزة.

العقوبات الامريكية:

فرضت الولايات المتحدة مزيد من العقوبات على عدد من الأشخاص والكيانات الذين يعملون على تسهيل تمويل حركة حماس، بعد هجمات 7 أكتوبر، وتستهدف أصولا في المحفظة الاستثمارية لحماس، والأشخاص الذين يسهلون على الشركات التابعة لحماس التهرب من العقوبات، من ناحية أخرى، كانت قد ارتفعت مبيعات النفط الإيراني إلى 1.4 مليون برميل يومياً بفضل الضوء الأخضر الذي منحته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للنظام الإيراني، بعدما انخفضت عام 2020 إلى 380 ألف برميل يومياً، وقامت الإدارة الأميركية بتخفيض القيود على صناعة النفط الإيراني اعتباراً من عام 2022، وخفضت عدد الأشخاص والكيانات الذين أضيفوا إلى قائمة العقوبات الأميركية، حيث كانت تأمل في التوصل إلى اتفاق مع النظام الإيراني حول الملف النووي، وكانت تعتزم الحفاظ على استقرار أسعار النفط خلال هذه الفترة،  لكن بعد الهجوم الذي شنته “حماس” على إسرائيل في 7 أكتوبر، بدأت إدارة الرئيس بايدن من جديد في إغلاق جميع النوافذ التي تصدّر طهران النفط عبرها، باعتبار أن النظام الإيراني هو أكبر داعمي مقاتلي الحركة، وعائدات النفط تساعد حكام طهران على دعم “حماس”.

التأثيرات على مصر

شهدت المنشآت السياحية في مصر إلغاءً لبعض الحجوزات كتأثير مباشر للحرب الإسرائيلية في غزة، لكن حجم هذه الإلغاءات اختلف بحسب المنطقة ومن جنسية إلى أخرى، وفقاً لإلهامي الزيات رئيس مجلس إدارة إمكو للسياحة، الذى أوضح أن حجم الإلغاءات ارتفع في منتجعات سيناء، بينما كان أقل في منطقة البحر الأحمر ووادي النيل، وقد توقع مراقبون انخفاض أعداد السائحين بنهاية العام بنحو 20% ليصل إلى 12 مليون سائح مقارنة بمستهدفات سابقة عند 15 مليون سائح، كما أن تعويض الخسائر في إجازات أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة سيكون ضئيلاً.

كانت قد استقبلت مصر 7 ملايين سائح في النصف الأول من العام الجاري بزيادة 43% على أساس سنوي، لتقترب من تحقيق المستهدف على مستوى العام عند 15مليون سائح، وتتوقع البلاد زيادة أعداد السائحين العام المقبل إلى 18 مليوناً. لكن الاضطرابات الأخيرة
في المنطقة عرقلت تحقيق هذا الهدف، وبشكل عام، تستهدف مصر زيادة إيرادات القطاع السياحي من المتوسط المقدّر حالياً بنحو 12 مليار دولار سنوياً، إلى 30 مليار دولار سنوياً خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.

مسار الحرب

لم تشكل تلك التكلفة التى تحملتها عدة أطراف بسبب الحرب والمواجهات فى غزة أى عائق لاستمرار القتال والغارات الجوية على المدنيين، باعتبار أن الاعتبارات الأمنية والجيوسياسية تغلب وتسبق الاعتبارات الانسانية والاقتصادية، وهو ما يمكن ملاحظته بسهولة مع تتبع التطورات والنقاشات بين الحكومة الاسرائيلية مع الأطراف الإقليمية والدولية بشأن الحرب، وهو فتح الباب واسعا أمام وضع تصورات تناقش ما سيؤول له الوضع فى غزة ومصير حماس وإدارة معبر رفح من الجانب الفلسطينى.

لذا تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل انقساماً بشأن مستقبل السلطة الفلسطينية وقطاع غزة، رغم اتفاقهما على ضرورة انهاء وجود حماس فى غزة، إذ تحاول إدارة الرئيس جو بايدن تقديمها كـ”هيئة حاكمة في غزة”، بينما يعمل أعضاء اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم في إسرائيل، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على إضعافها وحجب التمويل عنها، والانقسام يأتي مع تزايد قلق الأميركيين بشأن الوضع الراهن في الضفة الغربية، معتبرة أن السلطة الفلسطينية ضعيفة بالفعل، لكن إسرائيل تعتبر إدخال السلطة الفلسطينية إلى غزة هو “البديل الأخطر” من بين البدائل، لأنه قد “يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية”، باعتبار أن الانقسام بين الفلسطينيين هو أحد العقبات الرئيسية اليوم أمام إقامة دولة فلسطينية، ولا ينبغي أن تكون نتيجة هجوم حماس هي انتصار غير مسبوق للحركة الوطنية الفلسطينية وتمهيد الطريق لإقامة دولة فلسطينية.

الأمر يتعقد

بذلك فإن الأمر يتعقد على أكثر من جهة، فضربات إسرائيل على القطاع بشكل خارج عن القانون الدولى، ويستبيح استهداف المدنيين ويمنع الخدمات الأساسية ودون وجود أى إشارة على إقتراب هدنة إنسانية، أو إنشاء ممرات آمنة للفلسطينيين والتلكؤ والمماطلة فى إدخال المساعدات عبر معبر رفح المصرى، بجانب عزمها على شن هجوم برى، يشى بعدم جدية إسرائيل فى التراجع عن فكرة تهجير الفلسطينيين، وهو ما يزيد التوترات بينها وبين دول الجوار.

من ناحية أخرى، فإن زيارة وفد حماس إلى روسيا، تختلف فى طبيعتها هذة المرة عن سابقاتها، فحماس تحاول توطيد حكمها ومصالحها بما يؤثر سلبا على مسار التوافق الفلسطينى الداخلى وضرورة تكوين جبهة فلسطينية موحدة كأحد خطوات بناء دولة فلسطينية، ومن ناحية أخرى تستغل روسيا الموقف كفرصة للعب دور مهم فى قضية السلام فى الشرق الأوسط، وهو ما يمثل إحياء لدور لعبه الاتحاد السوفيتى، وتنفصل الجهود الروسية فى هذا الصدد عن جهودها الأوسع لمزاحمة الغرب فى مناطق نفوذه.

وتلك المتغيرات تجعل استمرار الصراع هو السيناريو الأكثر واقعية، باعتبار أن تلك المرحلة هى مرحلة بحث عن مكاسب سواء بالنسبة للأطراف الإقليمية أو الدولية وهو ما يعنى غياب ضغوط حقيقية لدفع المتحاربين على إلقاء السلاح والبدء فى مفاوضات خفض التصعيد وتبادل الرهائن والأسرى، على تنتهى بمفاوضات أوسع تعمل على إحياء حل الدولتين، وهو الذى يحتاج مناخ يقوده معتدلون فى الطرفين ووساطة نزيهة.

كلمات مفتاحية