تمهيدًا للشرق الأوسط الجديد… الحرب على غزة وخدمة مشروع “إسرائيل الكبرى”

إعداد: شيماء عبد الحميد         

مع استمرار التصعيد الإسرائيلي المبالغ فيه على قطاع غزة، بدأ الحديث عن الحرب يأخذ منحى آخر أكثر خطورة؛ فقد توارت عن الأنظار شعارات حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وحسابات الرد المناسب على عملية طوفان الأقصى، حتى توارى الحديث عن تصفية حركة حماس التي يصنفها العالم الغربي كجماعة إرهابية، وأصبح الحديث الذي يهيمن على المشهد الراهن هو استثمار الحرب على القطاع لتنفيذ المشروع الذي أعلنت عنه إسرائيل مؤخرًا وهو “الشرق الأوسط الجديد”، وإحياء مخطط إنشاء دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلي الفرات، وهذا ما قد يُستدل عليه من توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد هجوم 7 أكتوبر.

وفي ضوء ذلك؛ يدور حاليًا نقاش هام حول أهداف تل أبيب من الرد العنيف المستمر حتى الآن، وما إذا كان ما يحدث في غزة يتخطى الهدف المعلن بشأن القضاء على حماس، ليصل إلى حد تصفية القضية الفلسطينية من خلال احتلال القطاع وتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار، وبالأساس مصر والأردن.

الشرق الأوسط الجديد وحدود إسرائيل الكبرى:

خريطة الشرق الأوسط تمهيدًا للشرق الأوسط الجديد... الحرب على غزة وخدمة مشروع "إسرائيل الكبرى"

في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ78، والتي عُقدت في سبتمبر 2023، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خريطة الشرق الأوسط الجديد، والتي شملت مناطق مغطاة باللون الأخضر وهي للدول التي أوضح نتنياهو أنها تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو تخوض مفاوضات لإبرام اتفاقات سلام مع إسرائيل، وهي مصر والسودان والإمارات والسعودية والبحرين والأردن، فيما لم تشمل الخريطة أي ذكر لوجود دولة فلسطينية، حيث طغى اللون الأزرق الذي حمل كلمة إسرائيل، على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملةً، بما فيها قطاع غزة.

وسبق هذا الحدث، حادثة مماثلة أثارت جدلًا كبيرًا حيث عرض وزير مالية الحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، خلال مؤتمر عُقد بباريس في مارس الماضي، ما أسماه خريطة “حدود إسرائيل الكبرى” والتي لم تضم الأراضي الفلسطينية فقط، بل أجزاء أيضًا من الأردن ولبنان وسوريا، مصرحًا بأنه “لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وهو اختراع وهمي لم يتجاوز عمره الـ100 سنة”، داعيًا الفلسطينيين إلى الكف عن المقاومة والاستسلام لإسرائيل.

وقد أثار هذا الأمر غضبًا حادًا على المستويين الشعبي والرسمي؛ حيث احتجت الأردن واستدعت السفير الإسرائيلي لديها، كما نشرت وزارة الخارجية الأردنية بيانًا أكدت فيه أنها تدين التصريحات العنصرية والمحرضة والمتطرفة للوزير الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وحقه بالوجود.

وجدير بالذكر أن إرهاصات الشرق الأوسط الجديد، بدأت تلوح في الأفق عقب مؤتمر مدريد عام 1991، وتزامنًا مع توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، عندما طرح وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز، رؤية للسلام بين العرب وإسرائيل تقوم على تعاون اقتصادي، يؤدى إلى تحقيق مصالح مادية مشتركة، تُذيب العداء بين الطرفين.

وتنطلق نظرية السلام الاقتصادي، التي تسمى أيضًا السلام الرأسمالي أو التجاري، من فرضية فحواها أن مجتمعات السوق تكون أقل ميلًا إلى الانخراط في صراعات عنيفة بين بعضها البعض، لأنها ترتبط بعلاقة اعتماد متبادل مربحة للطرفين؛ تفوق خسائرها المؤكدة من الحروب والمواجهات العنيفة، أي ربح محتمل.

أما حلم إسرائيل الكبرى؛ فهو يتطابق مع العقيدة الصهيونية الخالصة، والتي حاولت إسرائيل مرارًا وتكرارًا أن تحولها إلى واقع مشهود من خلال العديد من الأساليب والمشروعات؛ حيث وفقًا لمؤسس الصهيونية السياسية تيودور هرتزل، فإن منطقة الدولة اليهودية من مصر إلى نهر الفرات، ما يعني أن جميع الدول الواقعة في هذا الحيز هي هدف للمشروع الصهيوني، وبالتالي الدول المشمولة بالحلم الصهيوني هي فلسطين وسيناء وسوريا والأردن وكل ما هو غرب نهر الفرات من منبعه في تركيا إلى مصبه في الخليج، ويستدل على ذلك من علم إسرائيل الذي اتخذ من النيل والفرات رمزًا لحدود إسرائيل الكبرى.

بل أن جذور الفكرة جاءت مع بداية المشروع الصهيوني، حين رفعت الصهيونية خطاب “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وهذا الشعار يؤكد قناعة الحركة الصهيونية بأن هذه البلاد لا تتسع لشعبين، ولا بد من تهجير وطرد كل من فيها.

وفي ضوء هذه المعطيات؛ فهناك العديد من الدلالات التي تشير إلى أن إسرائيل تحاول استغلال هجوم 7 أكتوبر في تحقيق حلم دولة إسرائيل الكبرى؛ حيث:

  • من أجل تغيير الخريطة وبناء خريطة جديدة في الشرق الأوسط، لن يكون السلم هو الوضع المناسب لتنفيذ هذا المشروع، وإنما الحروب التي خاضتها إسرائيل والتي ستخوضها في المستقبل هي التي ستوفر الظروف المناسبة لتطبيق هذه الطموحات، فالحروب تسمح لها بنقل السكان وترحيلهم وإجراء تغييرات ديمغرافية تتوسع من خلالها أكثر فأكثر.
  • ولذلك منذ اشتعال الصراع في السابع من أكتوبر، حثت إسرائيل سكان شمال غزة إلى النزوح نحو الجنوب، وكأن إسرائيل قد بدأت بمخطط التوسع الذي تسعى إليه، وهذا ما أكده وزير خارجيتها إيلي كوهين، الذي قال أن “حجم غزة بعد الحرب لن يعود كما كان قبلها”.
  • كما شرعت إسرائيل في تنفيذ خطتها من خلال السعي لضم مناطق في الضفة الغربية، تمهيدًا لابتلاعها كاملةً وضمها إليها، من خلال تكرار سيناريو غزة بإنشاء العديد من المستوطنات في غلاف الضفة.
  • وفي حال تحقق لإسرائيل نصرًا ساحقًا واستطاعت احتلال غزة مرة أخرى وإنهاء وجود المقاومة ونزع سلاحها، فإن ذلك سيعني تسليم غزة للسلطة الفلسطينية على الغالب، والعمل بشكل متسارع على تنفيذ بنود صفقة القرن بالقوة وبفرض الأمر الواقع، وذلك بضم غور الأردن والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية التي تستحوذ على أكثر من 43% من أراضي الضفة لإسرائيل وإقامة حكم ذاتي فلسطيني بكنتونات جغرافية غير متصلة مع العمل على البدء بسياسة التهجير الناعم، ومن هنا يتحقق حلم إسرائيل الكبرى ويبدأ عهد الشرق الأوسط الجديد الذي تحدث عنه نتنياهو.

وبالتالي؛ يجب إدراك أن خريطة نتنياهو المعلنة، وحديث وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ودعوات النزوح المتكررة منذ بدأ الحرب على غزة، ما هي إلا مؤشرات واضحة وصريحة أن إسرائيل ترفض فكرة وجود شعب فلسطيني أو دولة فلسطينية، وأن الحديث عن عملية السلام وحل الدولتين ما هو إلا نوع من المراوغة والإلهاء حتى يتحقق هذا المشروع، ومهما تباينت السبل بين استعمال القوة والاستيطان والتهجير، وبين تبنى سياسة المفاوضات والإغراء الاقتصادي، يبقى الثابت في سياسة إسرائيل هو السير قدمًا نحو إنجاز مشروع إسرائيل الكبرى بحدودها الواسعة.

آليات وأدوات تنفيذ المشروع:

على مدار السنوات الماضية، عملت إسرائيل بمختلف إداراتها على تهيئة الأوضاع في المنطقة بشكل يخدم تحقيق حلم دولة إسرائيل الكبرى، وذلك من خلال العديد من الأدوات والآليات؛ من بينها:

أ. الأداة الاقتصادية؛ وفقًا لمنظور السلام الاقتصادي الذي دعا إليه بيريز، سعت تل أبيب إلى الاندماج الاقتصادي مع دول الشرق الأوسط من خلال عدة مشروعات؛ فمثلًا في أبريل 2017، اقترح السياسي يسرائيل كاتس إعادة إحياء سكك حديد الحجاز التاريخية والتي من شأنها أن تسد المسافات وتجعل إسرائيل أقرب إلى جيرانها، إذ اقترح كاتس إقامة ميناء بحري على جزيرة اصطناعية قبالة قطاع غزة، وربط ميناء حيفا بالخليج العربي عن طريق استكمال السكك الحديدية من بيسان إلى جسر الشيخ الحسين وإكمال السكك الحديدية في الأردن لترتبط بالسعودية.

ثم جاءت المقاربة الاقتصادية لخطة السلام الأمريكية، التي عرضها الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب نهاية يناير 2020، وحملت عنوان “الخطة الأمريكية للسلام والازدهار بالشرق الأوسط”، والتي أكد عليها لقاء النقب الذي جمع وزراء خارجية مصر، إسرائيل، الإمارات، البحرين، والمغرب في مارس 2022، من خلال مناقشة قضايا تعاونية عديدة، أبرزها مبادرة الماء مقابل الكهرباء.

ولم يبتعد هذا التوجه عن مبادرات أخرى بشأن الشام الجديد، وتزويد لبنان بالغاز عن طريق خط الغاز العربي، مرورًا بترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، وصولًا إلى ممر الهند الاقتصادي، الذي طرحته قمة مجموعة العشرين الأخيرة، لربط الهند والشرق الأوسط بأوروبا، وهندسة شرق أوسط أكثر تكاملًا، والذي من شأنه في حال تنفيذه بالفعل، دمج إسرائيل اقتصاديًا مع الدول العربية وتحويلها لمحطة مهمة في مسار التجارة بالشرق الأوسط، وهذا بالتأكيد يخدم المشروع الإسرائيلي الذي لن تستطيع تل أبيب تحقيقه إلا إذا كانت دولة قوية اقتصاديًا.

ب. الأداة السياسية؛ فمنذ طرح مفهوم الشرق الأوسط الجديد وبدء تداوله السياسي والفكري، بدأت المخططات الإسرائيلية ترسم ملامح هذا الشرق وفق خطط تبنتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وسعت إلى تطبيقها على أرض الواقع من خلال رعايتها لاتفاقيات عديدة بين العرب وإسرائيل جاءت تحت مسمى اتفاقيات سلام.

وبحلول العام 2020، تم التحول من السلام الاقتصادي إلى السلام الإبراهيمي؛ فاتفاقيات التطبيع التي تم توقيعها بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، فضلًا عن التطبيع المحتمل بين السعودية وتل أبيب، تمثل تحولًا جيوسياسيًا عميقًا في منطقة الشرق الأوسط، إذ إنها تقوم على إعادة تشكيل وعي المنطقة وثقافتها بما يسمح بدمج إسرائيل فيها وتقبل دورها في المنطقة، وترك القضية الفلسطينية وراء الظهر بدون حل وإبقاء الفلسطينيين تحت واقع الاحتلال.

ج. أداة الحصار والتهجير القسري؛ عندما ازدادت إسرائيل قوة، غيرت سياستها وأصبحت تفرض سياسة الأمر الواقع وهو الدولة الواحدة من خلال تصفية القضية الفلسطينية، بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، ومن الضفة الغربية إلى الأردن.

وسعت إسرائيل إلى تنفيذ هذا المخطط من خلال مختلف الأساليب؛ بحيث قامت بالاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وطردهم من قراهم، وتشديد الحصار على القطاع ومنع وصول المواد الغذائية والمياه والمواد الطبية لغزة لدفع السكان للهجرة، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، واتخاذ خطوات لتغيير وضع القدس والمسجد الأقصى.

وسياسة التهجير ليس بالأمر الجديد على تل أبيب؛ بل إنها مكون أساسي في الحركة الصهيونية والفكر الصهيوني، لأن الصهيونية تريد أن تقيم دولة اليهود التي هي بحاجة إلى أرض أكثر وعرب أقل، حتى تكون الدولة يهودية، ولذلك قامت إسرائيل بعملية تهجير كبرى عام 1948، حيث جرى تهجير ما يقرب من 850 ألف فلسطيني، ما يعني أكثر من 60% من سكان فلسطين كلها، ونحو 90% من الذين يتواجدون في الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل عام 1948، وفي 1952 قامت بإخلاء عدد من المدن والقرى الفلسطينية وطرد أهلها مثل المجدل وعسقلان، وبعد هزيمة 1967 قامت أيضًا بعملية تهجير كبرى وبالأخص من الضفة الغربية.

مساعي التهجير إلى سيناء والتعامل المصري معها:

لم تفلح سنوات السلام بين مصر وإسرائيل في إبعاد الرغبة الإسرائيلية القديمة والمتجددة في التخلص من عبء قطاع غزة بإلقائه على مصر؛ وقد استغلت إسرائيل الحرب الراهنة لإعادة إحياء الملف مرة أخرى، فسارعت منذ هجوم 7 أكتوبر بدعوة الفلسطينيين بقطاع غزة إلى النزوح والفرار تجاه مصر، تمهيدًا لتوطينهم في سيناء.

كما أوصت وثيقة مسربة من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية يوم 13 أكتوبر، بإعادة توطين الفلسطينيين من غزة قسرًا في شمال سيناء، وبناء منطقة عازلة على طول الحدود الإسرائيلية لمنع عودتهم، وتزامنت الوثيقة مع حملة قادها زعيم الليبراليين في حزب الليكود أمير وايتمان، تدعو إلى نقل سكان غزة إلى مصر.

وفي حقيقة الأمر؛ فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء ليست جديدة، بل قدمت أطراف إسرائيلية سياسية وأمنية وعسكرية، عدة مشاريع لرؤساء مصر المختلفين، تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من غزة وإعادة تشكيل الوجود السكاني في المنطقة، باعتبار ذلك حلًا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن تلك المشاريع:

  • عندما زار تيودور هرتزل، القاهرة في 23 مارس 1903، حاول أن يطالب بإقامة دولة لليهود في شبه جزيرة سيناء، ورُفض الأمر آنذاك، وفي عام 1918، حاول بعض اليهود شراء أراضي في شبه جزيرة سيناء، والسلطات المصرية رفضت آنذاك وقررت بأنه لا تملك للأجانب في سيناء، وكذلك في عام 1958، كان هناك مشروع صهيوني لتبادل أراضي ما بين غزة وسيناء بهدف إبعاد الفلسطينيين إليها.
  • في 2004، اقترح الجنرال الإسرائيلي غيورا إيلاند، الذي شغل منصب رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي ورئيس مجلس الأمن القومي، مشروع إقامة غزة الكبرى بحيث تقتطع مساحة من غزة لإسرائيل وتُضم مساحة من سيناء لغزة.
  • ووفقًا للمشروع؛ تتم مضاعفة مساحة غزة ثلاث مرات، وذلك بضم 600 كيلومتر مربع أو أكثر من سيناء، بما يشمل جزءًا من الشريط الممتد بنحو 24 كيلومترًا على طول شاطئ البحر المتوسط من رفح غربًا حتى العريش، بالإضافة إلى شريط يقع غرب كرم أبو سالم جنوبًا، لتوطين الفلسطينين بها.
  • مقابل هذه الزيادة على أراضي غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12% من أراضي الضفة الغربية التي ستضمها إسرائيل إليها، شاملة الكتل الاستيطانية الكبرى، وغلاف مدينة القدس والقدس نفسها.
  • في المقابل؛ اقترح آيلاند تعويض مصر بمساحة 200 كيلومتر مربع من صحراء النقب شمال غرب مدينة إيلات، بحيث تساهم هذه المنطقة في الربط بين مصر والأردن وتحقيق منافع اقتصادية للبلدين ودول الخليج عبر إيجاد ممر إلى البحر المتوسط لتصدير النفط إلى أوروبا.
  • وحديثًا، ظهرت هذه الخطط في مشروع صفقة القرن، الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2020، والتي اشتملت على حزم تحفيزية للدول العربية الملاصقة لفلسطين، وعلى رأسها مصر.
  • ومع اندلاع الحرب في غزة، كشفت دراسة مسربة عن خطة إسرائيلية لتوطين مليوني فلسطيني في مصر بقيمة 8 مليارات دولار لبناء مدن للفلسطينيين في سيناء، ودفع تعويضات قد تصل إلى 30 مليار دولار للدولة المصرية على أن يتم تجريف غزة بالكامل وبناء مستوطنات إسرائيلية عليها، فضلًا عن تخصيص نصف مليار دولار لتطوير منشآت ومرافق الطاقة في سيناء وجعل مدنها قابلة للحياة وجاذبة للاستثمار، وتخصيص نصف مليار دولار لتطوير منشآت ومرافق المياه في سيناء لجذب مزيد من الاستثمار والأيدي العاملة المستدامة، وتخصيص نصف مليار دولار لإنشاء شبكة طرق متكاملة بين مدن سيناء لتدعيم البنية التحتية الجاذبة للاستثمار.
  • ويُشار في هذا السياق أيضًا إلى تصريح الوزيرة غيلا غمليئيل مؤخرًا بأنه “إذا كانت هناك ضرورة سياسية لإقامة دولة فلسطينية ولا مفر من ذلك، يجب دراسة إقامتها على أراض عربية مثل سيناء”.

أما فيما يخص الرد المصري على هذه المشاريع والمحاولات المتكررة لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، فقد قوبلت بالرفض التام والقطعي من مختلف الإدارات المصرية السابقة، وهو نفس الموقف الذي أبدته القيادة المصرية الحالية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي تجاه الدعوات المتكررة منذ بدء الحرب بالنزوح إلى الأراضي المصرية، وقد جاء الموقف المصري على النحو التالي:

أ. تحذير رئاسي؛ أكد الرئيس المصري الرفض الحاسم لأي مشروع لتصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار عبر تهجير السكان في الأراضي المحتلة إلى مصر والأردن، مشددًا على أن حكومته تعتبر الحصار الإسرائيلي على غزة، بما في ذلك تقييد المياه والغذاء والوقود ومنع تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بمثابة مخطط لطرد الفلسطينيين من القطاع إلى مصر.

كما حذر الرئيس السيسي من أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، يعني نقل القتال إليها بحيث تكون قاعدة لضرب إسرائيل، وبالتالي إتساع رقعة الصراع، والإضرار بعملية السلام بين الدولتين، كما شدد خلال كلمته في قمة القاهرة للسلام، على أن تصفية القضية الفلسطينية لن يحدث أبدًا على حساب مصر.

ب. التحرك على محور التنمية؛ زار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يوم 31 أكتوبر، شمال سيناء بصحبة عشرات المسؤولين والسياسيين، وبينهم شخصيات تنتمي لأحزاب معارضة، إضافة إلى شخصيات إعلامية وفنية لإطلاق المرحلة الثانية من مشروع تنمية سيناء، التي ستتكلف أكثر من 360 مليار جنيه، أي نحو 12 مليار دولار.

وجدد مدبولي خلال الزيارة، التأكيد على الرفض المصري لأي أفكار أو مخططات بشأن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، مشددًا خلال لقائه شيوخ وعواقل سيناء بمقر الكتيبة 101 بالعريش، على “استعداد الشعب المصري لبذل ملايين الأرواح لحماية سيناء”، موضحًا أن بلاده لن تسمح أبدًا أن يُفرض عليها أي وضع ولن يُسمح بحل أو تصفية قضايا إقليمية على حسابها.

ج. دعم شعبي؛ دعت القيادة المصرية إلى النزول إلى الشارع للتعبير عن تأييد الموقف المصري إزاء القضية الفلسطينية وخاصةً فيما يخص التهجير إلى سيناء، وبالفعل خرج الشعب المصري في مظاهرات تعبر عن دعم شعبي واسع للسياسة المصرية تجاه هذا الملف.

وخلاصة القول؛ إسرائيل لديها مشروع توسعي في المنطقة لم ولن تتنازل عنه لأن لديها قناعة بأن الأرض لن تتحمل إلا دولة وشعب واحد وهما الدولة اليهودية والشعب اليهودي، لذا من الضروري على الدول العربية أن تعي أن هناك احتمال كبير بأن يكون الهدف المعلن من إسرائيل بشأن حربها على غزة وهو القضاء على حركة حماس، ليس فقط الهدف الوحيد من هذه الحرب، بل إنها قد تكون وسيلة لخدمة مشروع إسرائيل الكبرى بحدودها الجغرافية الواسعة، والتي سيمهد قيامها تشكيل الشرق الأوسط الجديد الذي تحدث عنه نتنياهو في سبتمبر الماضي.

بينما من جانبها؛ لا بد أن تدرك إسرائيل أن هذا المشروع أمامه العديد من العراقيل، ومنها: التهجير القسري للفلسطينيين من غزة إلى سيناء المصرية، حتى وإن تم، فلن تستطيع تل أبيب السيطرة على القطاع، كما أنه وفي ظل الصراع الدولي والاستقطاب الحالي، لن يكون من الصعب على المقاومة الفلسطينية إيجاد داعمين إقليميين ودوليين يرغبون في إغراق واشنطن وتل أبيب في مستنقع يستنزفهما طويلًا، وبما أن الولايات المتحدة واعية لهذا الاحتمال، لذا سيكون دعمها لإسرائيل ضمن حدود ومهل زمنية معينة.

فضلًا عن أن الولايات المتحدة نفسها باتت مستنزفة إلى حد ما بعد حروب فاشلة وتغيرات هائلة شهدها العالم في العقدين الأخيرين، وبالتالي فهي لن تسلم لإسرائيل مهمة إعادة تشكيل الشرق الأوسط، لأن ذلك من شأنه تغيير جميع الترتيبات التي كلفت واشنطن كثيرًا حتى تثبتها في الشرق الأوسط.

وأيًا كانت أهداف إسرائيل التوسعية؛ فإن مصر لن تتخلى عن أرضها ولن ترضخ لهذا السيناريو الكارثي الذي سيكون مهد للصراع والحرب والإضرار البالغ بالأمن القومي المصري، ومن ثم؛ أي تصعيد إسرائيلي بهذا الشأن سيقابله تصعيد مصري، فمصر لديها عدة سيناريوهات للتعاطي أمنيًا وعسكريًا مع إسرائيل، حال تعرضت لتهديد في أمنها القومي.

كلمات مفتاحية