تمويل الأحزاب السياسية في إفريقيا
بقلم السفير محمد سالم الصوفي: المدير العام للمعهد الثقافي الأفريقي العربي
تعرف إفريقيا مزيدا من القوانين لضبط مصادر تمويل الأحزاب السياسية سواء كانت المصادر خاصة أو عمومية سعيا إلى إضفاء مزيد من الشفافية على المسألة ولكن دون اكتمال إجراء وسائل الرقابة الضرورية.
تشكل مسألة تمويل الأحزاب السياسية أمرا شائكا في أغلب الدول الإفريقية في ظل غياب التأطير القانوني كما هي الحال في السنغال ولذلك يتم التعامل مع مسألة تمويل الأحزاب السياسية بطرق متباينة جدا.
فالمبالغ الممنوحة للتشكيلات السياسية في القارة تتراوح بين لا شيء في نيجيريا ومصر والسودان وبوتسوانا وعدد من بلدان غرب إفريقيا ومبلغ 33,5 مليون أورو في المغرب مرورا ب 8 و9 ملايين أورو في كينيا وإفريقيا الجنوبية. بالنسبة للمغرب تضاعف دعم الدولة لتمويل الأحزاب السياسية 4 مرات بين سنتي 2020 و2021 السنة الانتخابية. وقد مكن قرار جديد من تخصيص غلاف 33,5 مليون أورو سنة 2021 مقابل 7,4 مليون أورو سنة 2020 من أجل تمويل الحملات الانتخابية التشريعية الجهوية والبلدية.
والهدف كما صاغه الملك محمد السادس سنة 2018 هو مواكبة التشكيلات السياسية قصد تحسين جودة التشريعات والسياسات العمومية ويتعلق الأمر بمساعدة تكميلية مخصصة لتمويل أعمال الدراسات والبحوث التي تقوم بها الأحزاب حسب ما تقرر في سنة 2022.
وقد تم منح المخصصات المالية لجميع الأحزاب السياسية التي قدمت مرشحين في الانتخابات التشريعية بشرط أن تغطي ترشيحاتها ثلث الدوائر الانتخابية فقد تم دفع حصة سنة 2021 هي الأولى قدرها 69000 أورو ثم حصتين أخريين حسب عدد المقاعد المتحصل عليها ونسبة تمثيل النساء التي انتقلت في المغرب من 10,7% سنة 2002 إلى 24,1% سنة 2022.
وفي الطرف الآخر من القارة تناضل جمهورية وسط إفريقيا ضد الرشوة باعتمادها قانون سنة 2018 دخل حيز التنفيذ سنة 2021 وينص على أن الهبات التي تقدمها الجهات الخاصة إلى الأحزاب السياسية إذا تجاوزت 100.000 راوند أي 5600 أورو يجب أن يتم الإعلان عنها كل ثلاثة أشهر لدى اللجنة الانتخابية المخولة للتحقيق في هذه المسائل ويتعرض المخالفون للغرامة ويمنع القانون على الأحزاب أن تتلقى أكثر من 15 مليون راوند في السنة أي 84 مليون أورو من نفس المصدر، في حين تم تحديد سقف التمويلات الخارجية ب 5 مليون راوند مخصصة لمجالات محددة مثل دعم التكوين وكانت النتيجة هي أن حزب المؤتمر الإفريقي والتحالف الديمقراطي صرحا بتلقيهما على التوالي 3,16 و2,5 مليون أوروبين أبريل وديسمبر 2021.
وبلغ مجموع الهبات المصرح بها في السنة المالية 2021-2022 تسع مليون أورو أي أكثر بقليل من مستوى الدعم العمومي لتمويل الأحزاب السياسية كما كان مقررا سنة 1997.
وفي مكان آخر كان موضوع الدعم العمومي للأحزاب مجالا لتجاوزات عديدة أدت إلى اختفائه نهائيا كما هي الحال في نيجيريا سنة 2010. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في هذا البلد سنة 2023 فقد أصدرت الحكومة سنة 2022 تشريعا ليس فقط من أجل تقديم الدعم للأحزاب السياسية ولكن على العكس من ذلك من أجل تحديد سقف للنفقات الباهظة التي لا يمكن من الآن فصاعدا أن تتجاوز 12 مليون أورو بالنسبة للمرشح الرئاسي حسب القانون الجديد والفكرة من القانون حسب معديه هي ضمان مستوى أدنى من المساواة بين الأحزاب السياسية التي لا يمتلك أكثرها الوسائل الموجودة عند الأحزاب الأخرى التي تقودها شخصيات ثرية.
ويحدد القانون نفقات الحملة بمبلغ 2,3 مليون أورو بالنسبة لمنصب حاكم إحدى الولايات و235 ألف أورو بالنسبة لمقعد مجلس الشيوخ و165 ألف بالنسبة لمقعد في الجمعية الوطنية، والمشكل الوحيد هو أن هذه الترتيبات التي تم الإعلان عنها بنص القانون ستبقى حبرا على ورق نظرا لصعوبة تطبيق إجراءات الرقابة فاللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة لا تمتلك الوسائل وتضطر في حالة خرق القانون إلى اللجوء للقضاء.
أما في كينيا فتخصص نسبة 0,3% من الإيرادات العمومية للأحزاب السياسية، و هي التي عانت كثيرا من تبعات أحداث العنف ما بعد انتخابات 2007-2008 التي خلفت أكثر من 1500 قتيل تبحث الآن عن طريق لتهدئة المشهد السياسي القابل للاشتعال في أي لحظة وقد بدأت سنة 2011 بتخصيص 0,3% من مصادر الميزانية لتمويل الأحزاب السياسية من أجل تحسين الديمقراطية ويتم تسيير الإعانات العمومية للأحزاب بواسطة مكتب تسيير دعم الأحزاب السياسية الذي ينشر كل سنة تقريرا مفصلا وقد منحت هذه الهيئة في السنة الانتخابية 2020-2021 قرابة 8 ملايين أورو ل 73 حزبا مسجلا على اللوائح الرسمية وقد حرصت السلطات على إضفاء مزيد من الشفافية حتى وإن كانت المصادر تتحدث عن حالات من الرشوة والاحتيال قد حصلت هنا وهناك
هذه الأمثلة تعطي صورة عن مسألة تمويل الأحزاب السياسية في القارة الإفريقية.