بقلم السفير : محمد الصوفي
يخوض الدبلوماسيون في روسيا وأوكرانيا منذ غزو أوكرانيا في 24 فبراير 2022 سباقا محموما على الساحة الإفريقية، فقد تعددت أسفار المسؤولين السامين من البلدين إلى القارة الإفريقية وكثرت الاتصالات الهاتفية التي أجراها رئيسا البلدين مع نظرائهم الأفارقة من أجل كسب مساندة دول القارة .
وبعد مرور عام على اندلاع الأزمة يتساءل المراقبون عن من كسب قصب السبق في التأثير؟ وما هي الامتيازات التي تعتمد عليها روسيا وتلك التي تعتمد عليها أوكرانيا في هذا السباق الدبلوماسي على الساحة الإفريقية؟ مع أن مناسبات التصويت في الأمم المتحدة وفي المحافل الدولية الأخرى ما زالت تظهر أن نحو النصف من الدول الإفريقية ترفض وصف ما حدث بأنه عدوان روسي على أوكرانيا، الأمر الذي جعل وسائل الإعلام تطرح السؤال حول ما إذا كانت هناك خيبة أمل بالنسبة لجهود أوكرانيا لكسب مساندة الدول الإفريقية.
سفير أوكرانيا المعتمد في السنغال وفي أربعة بلدان أخرى في غرب إفريقيا يرد على ذلك بقدر كبير من الواقعية حيث يعترف بأن روسيا تتوفر على رصيد كبير من التعاطف في إفريقيا ويرجع ذلك، بالنسبة للحرب القائمة، إلى الصعوبة بالنسبة للكثير من البلدان الإفريقية في ما يخص فهم أسباب وانعكاسات حرب روسيا ضد أوكرانيا.
ولكن السفير الأوكراني في دكار يذكِّر بأن الوضعية بدأت تتغير منذ بعض الوقت فيقول إنه منذ اندلاع الغزو الروسي لبلاده في فبراير 2022 بدأت بعض البلدان الإفريقية تنتبه ولو ببطء لفهم الوضعية الحقيقية وقال إنه لابد من الاعتراف بأن عدد الدول التي بدأ موقفها يتزحزح عن الجانب الروسي بدأ يزيد ولو ببطء ولابد من الاعتراف بذلك حسب تعبيره.
وردا على ملاحظة كون روسيا بالاعتماد على علاقاتها السابقة مع منظمة المؤتمر الإفريقي في جنوب إفريقيا وعضويتها في تحالف ابريكس الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وإفريقيا الجنوبية اكتسبت مكانة هامة على الساحة الإفريقية وربما يعود ذلك لإهمال أوكرانيا للقارة الإفريقية طيلة السنوات العشرين الأخيرة وهو ما يعترف به السفير الأوكراني في السنغال وغيره من المسؤولين في خارجية أوكرانيا الذين وجهت لهم الملاحظة.
فقد اعترف هؤلاء بأن أوكرانيا قد أضاعت الكثير من الزمن في ما يخص الحوار مع إفريقيا ولكنها بدأت تتدارك الأمور في السنوات الأخيرة وكثفت من الاتصالات ويضرب الدبلوماسيون الأوكرانيون مثالا على ذلك بأن المكالمات الهاتفية بين الرئيس الأوكراني فولوديميرزيلنسكي منذ اندلاع الأزمة في 24 فبراير 2022 مع رؤساء و قادة الدول الإفريقية قد وصلت 24 اتصالا هاتفيا في حين أنه خلال سنتين قبل ذلك لم يجر مع هؤلاء القادة سوى ثلاث محادثات هاتفية فقط أي أن أوكرانيا تحاول استدراك ما فات ويتطلب ذلك حسب المراقبين حضورا دبلوماسيا مكثفا على الساحة الإفريقية.
ومن الخطوات التي اتخذتها كييف في هذا الاتجاه فتح عشر سفارات أوكرانية في إفريقيا خلال الفترة الأخيرة وتنوي فتح عشر سفارات أخرى خلال السنة الحالية ليصل عدد السفارات الأوكرانية في القارة إلى نحو العشرين.
نشاط الدبلوماسية الأوكرانية على القارة الإفريقية يأتي بالتزامن مع الرحلات المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف خلال الأسابيع الماضية بين العواصم الإفريقية لتسليم الدعوات لقمة إفريقيا وروسيا المنتظرة في شهر يوليو في مدينة سينبترسبرك الروسية ويراهن الدبلوماسيون الأوكرانيون على أن عدد رؤساء الدول والحكومات الذين سيحضرون هذه القمة سيكون أقل من عددهم في القمة الروسية الإفريقية السابقة في سوتشي عام 2019.
وفي مقابل ذلك تحضر أوكرانيا من جانبها لعقد قمة أوكرانية إفريقية تقول المصادر الدبلوماسية إن المسؤولين في أوكرانيا يعدون لهذه القمة ويؤكد هؤلاء الدبلوماسيون أنها ستنعقد آخر السنة الحالية أو في الربع الأول من سنة 2024، يعني ذلك أن القمة الروسية المقبلة وتلك التي تحضر لها أوكرانيا ستمثلان مؤشرا ملموسا لقياس مدى تأثير أو نفوذ البلدين في القارة الإفريقية ولكن كل هذا يجري على الساحة الدبلوماسية في حين تستمر المعارك شرسة على ساحة القتال و الحرب ،كما يقال ،هي طريقة أخرى لممارسة السياسة فالأمور إذن ستبقى رهينة بمآلات هذه الحرب.