توترات جديدة على الفشقة السودانية

مصطفى أحمد مقلد

مقدمة:

 أفادت صحف سودانية محلية، مساء الأربعاء 19 أبريل الجارى، بأن قوات الجيش السوداني صدَّت هجومًا “إثيوبيًّا”، في منطقة الفشقة الصغرى، وأنه منذ بداية الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، رصدت القوات المسلحة السودانية، المتمركزة على الحدود الشرقية، حركة استنفارٍ ونشاطٍ لدى القوات الإثيوبية ومعسكراتها، كما رصدت عمليات الاستطلاع والرقابة الكثيفة التي تقوم بها.

وأشارت إلى أنّ القوات الإثيوبية، هي قوات إقليم الأمهرة وتتكون من ميليشيات “فانو” وعصابات الشفتة وقدامى المحاربين من جنود وضباط الأمهرة، وقد هدفت تلك القوات لاستعادة الفشقة الصغرى؛ بقصد احتلالها واستغلالها في الزراعة.

إثيوبيا تنفي:

وعلى خلفية ما أوردته وسائل الإعلام السودانية، صرَّح رئيس الوزراء الإثيوبي، بأن هناك أطرافًا تحرض على الصراع، وتعمل تعريض العلاقات بين “إثيوبيا، والسودان” للخطر، وحثّهم على الكف عن ذلك، وفي تغريدة على تويتر، قال “آبي أحمد”: إن بعض الأطراف تنشر مزاعم كاذبة؛ لكسب مزايا سياسية في هذا الوقت الحرج، الذي يواجه فيه شعبيْ “إثيوبيا، والسودان” العديد من التحديات، وهم يزعمون أن إثيوبيا أدخلت قواتها إلى مناطق الحدود السودانية، إننا ندين بشدة هذه المزاعم التي تسعى إلى تلطيخ علاقات حسن الجوار بين البلديْن.

ونوَّه رئيس الوزراء إلى أن إثيوبيا لا تنوي استغلال الوضع الحالي الذي يمر به السودان، في إشارةٍ لتغليب لغة الحوار؛ للوصول لتسوية سياسية حول ترسيم الحدود.

مزيد من التدقيق في الأحداث:

ويمكن للمتابع من خلال التدقيق في بيان رئيس الوزراء الإثيوبي، يجد أن ذلك النفي يشمل القوات الفيدرالية، دون التطرُّق لميليشيات “إقليم الأمهرة”، وهو إغفالٌ من الضروري التنبُّه له عند محاولة قراءة السياقات المُعقَّدة على تلك البقعة الجغرافية، فخلال الأسابيع الماضية، شهدت مدن إقليم الأمهرة الإثيوبي اضطرابات واحتجاجات ضد قرار الحكومة الفيدرالية، حول دمْج قوات الأقاليم الخاصة في القوات الفيدرالية؛ ما أثار اشتباكات عسكرية محدودة بين قوات الأمهرة والجيش الإثيوبي، لكن رئيس إقليم أمهرة “يلكال كيفالي”، اعتبر أن القرار فُهِمَ خطأ، وفسَّره على أنه لا يقضي بنزع سلاح القوات الخاصة، بل إنه مجرد تنظيم لقوات إقليمية، في ظل مؤسسات أمنية اتحادية.

مصالح قوات إقليم الأمهرة:

تتداخل الأحداث والمصالح على حدود الإقليم، فقد عطلت الصدمات – التي حققت سيطرة الجيش السوداني على الفشقة- الأنماط المستقرة لملكية الأراضي والسيطرة عليها، والتي كانت تاريخيًّا قلب إنتاج المحاصيل الزراعية، التي تعتبر حيويةً اقتصاديًّا لكُلٍّ من “السودان، وإثيوبيا”، وكان يتم توجيه عائدات سلسلة التوريد التي تسيطر عليها النخبة في الأمهرة بالمقام الأول؛ لتأمين مجموعة متنوعة من المصالح الإقليمية الخاصة بها.

وانتقلت الشركات والمستثمرون المرتبطون بالأمن إلى قطاع الزراعة المُربِح، وأعادوا توجيه سلسلة التوريد، وترتبط هذه الشركات بمؤسسة الصناعات العسكرية السودانية، وهي مجموعة ضخمة من الشركات التجارية التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية، والتي يرأسها “عبد الفتاح البرهان”.

ومن الطبيعي، أن أصبحت هذه المحاصيل جزءًا لا يتجزأ من النزاعات السياسية المحلية ودون الوطنية والوطنية في كلا البلديْن؛ حيث يتم إعادة تشكيل سلاسل توريد تلك المحاصيل وعائداتها النقدية، ومن ثمَّ يتم استخدام القوة والأرباح؛ لترسيخ قبضة الجهات الفاعلة الجديدة، التي تُعزِّز أنماطًا جديدة للسيطرة على الأراضي؛ ما يؤثر على آليات التكيُّف في المجتمعات المحلية، ويهدد بإذكاء المزيد من الصراع.

لذا بعد سيطرة السودان على الفشقة، تعرَّض “آبي أحمد” لضغوطٍ؛ للدفاع عما يعتبره الأمهرة حلفاءه خلاله حربه على الـ”تيجراي”، غير أن الجيشيْن “الإثيوبي، والسوداني” يتجنبان المواجهة المباشرة بشكل أساسي؛ لذا فإنه تزامنًا مع الاشتباكات في الخرطوم بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع، اعتقدت الميليشيات الأمهرية، أنّ الفرصة مواتية لاستعادة الفشقة، بعد سحب القوات السودانية من الفشقة؛ للمشاركة بالقتال في ولاية الخرطوم، وتتعزَّز مطامع الأمهرة مع اقتراب موسم الزراعة.

وتهتم الأمهرة بالفشقة بشكل كبير، خاصة عند وضع اتفاق بريتوريا بين الحكومة الإثيوبية والـ”تيجراي” في الاعتبار؛ حيث جاء في الاتفاق ما يثير حَنَقَ الأمهرة، ويتمثل ذلك في الشعور بأن سيطرة الأمهرة على غرب “تيجراي”؛ نتيجة الحرب على “تيجراي”، بالتحالف مع الجيش الإثيوبي، لم تعُدْ مؤكدة؛ حيث نصَّ الاتفاق على استعادة قوات “تيجراي” لمناطق جنوب وغرب الإقليم، وهو ما تسعى الحكومة الإثيوبية لتحقيقه، حتى ولو على المدى البعيد؛ ما يُزيد من المطالبات القومية الأمهرية على الفشقة.

كذلك ما جاء في الاتفاق حول نزع سلاح القوات الإقليمية؛ ما يعتبره الأمهريون نُكرانًا لدورهم في الحرب، وتهديدًا لهم في مواجهة السودان؛ حيث لن يستطيعوا مهاجمة الحدود مجددًا، وكذلك في مواجهة الـ”تيجراي”، إذا تجددت الاشتباكات.

ومن ناحيةٍ أُخرى، قد تتجدد بالفعل المواجهة بين قوات أمهرة وقوات الـ”تيجراي”، في ضوء أنه لا يزال وجود إريتريا وتحالفها مع ميليشيات الأمهرة مصدر قلق، بالنظر إلى قدرة أسمرة الواضحة على تأجيج التوترات،  خاصةً بعد أن رجح مراقبون، أن اللجنة الأمنية والعسكرية المكلفة بنزْع السلاح ودمْج الميليشيات في الجيش، قد “غضت البصر عن بقاء بعض قوات “تيجراي” مسلحة، في المناطق المتاخمة لإقليم الأمهرة؛ تحسُّبًا لأيِّ مواجهات بين الطرفيْن؛ حيث سيجنب ذلك الجيش النظامي من الدخول مباشرة في تلك المواجهات، كما سيمنحه مبررًا للمطالبة بنزع سلاح كافة الميليشيات، بما في ذلك الذهاب إلى “تعديل دستوري، يتضمن إلغاء البنود التي تنص على تشكيل قوات خاصة بالأقاليم”.

بجانب ما سبق، فإن الأجواء مشحونة بين “الأمهرة، والسودان”، ويعود ذلك للتعاطف السوداني مع سكان الـ”تيجراي” خلال الحرب، وأبرز مواقف التعاطف؛ هو استقبال الآلاف من اللاجئين، وتملك قوات الأمهرة ميزةً إستراتيجيةً، هي السيطرة على غرب “تيجراي” لمنع تحوُّلها إلى منفذٍ بري بين الـ”تيجراي، والسودان”.

ختامًا:

يظهر بشكلٍ جليٍّ انكفاء “السودان، وإثيوبيا” إلى حدٍّ بعيدٍ على مشاكلهما الداخلية؛ فبالنسبة لإثيوبيا تسعى لدمج قوات الأقاليم في القوات الفيدرالية، وإكمال تنفيذ اتفاق بريتوريا، ويسعى السودان لإحلال السلام من خلال الحلول السياسية، وفق ما ترى الأطراف المدنية والقوى الدولية، أو الحسم العسكري، وفق ما يتصور “البرهان، وحميدتي”، وفي ظل ذلك، تنخفض فرص تجدُّد الاشتباكات حول الفشقة، غير أن ميليشيات الأمهرة قد تخرق تلك التوقعات؛ لتهاجم خارج السياق الفيدرالي الإثيوبي المنطقة بين الفيْنة والأُخرى، بالنظر إلى زيادة فُرص التصعيد العسكري بيْن الطرفيْن المتنازعيْن في الداخل السوداني.

كلمات مفتاحية