إعداد: ميار هانى – هنا الحصى
مع اتفاق دول “بريكس” للاقتصادات الرئيسية الناشئة، والتى تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، على المرحلة الأولى من توسيع العضوية، والتى شملت خمس دول كأعضاء دائمين فى التكتل من بين أكثر من 40 دولة تقدمت للعضوية، وهى مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران وإثيوبيا والأرجنتين، فى إطار تسريع عملية توسيع المجموعة وزيادة دورها فى النظام العالمى، مؤسسين بذلك “بريكس بلس”، من المقرر أن تنضم هذه الدول إليها اعتبارًا من يناير 2024.
ويعد “بريكس” أحد أهم التكتلات الاقتصادية، إذ يصل الناتج المحلى الإجمالى إلى 31.5%، بينما تبلغ نسبة مجموعة الدول السبع “G7” نحو 30%، وتمثل المجموعة نحو 20% من حجم التجارة العالمية، وتجذب حوالى 25% من الاستثمارات الأجنبية العالمية، كما تشكل حاليًا حوالى 40% من إجمالى سكان العالم، وهو ما يُفسر الزخم الدولى الكبير إزاء قرارات التكتل الأخيرة، لما لها من تأثير يمتد، ليس فقط داخل التكتل، بل مستقبل النظام الاقتصادى العالمى.
فــرص واعــدة
تمثل تلك الخطوة تقدمًا نحو تحقيق الأهداف وإتاحة فرص واعدة، للأعضاء الخمسة من ناحية، والمنضمين حديثًا من ناحية أخرى، ويمكن إيجاز أبرزها على النحو التالي:
أولًا – خطوات نحو تحقيق توازن اقتصادى:
تسعى مجموعة “بريكس” لخلق نظام اقتصادى عالمى أكثر توازنًا، عبر توفير مجموعة من البدائل عما تعتبره هذه الدول أدوات للهيمنة المالية الغربية، وذلك من خلال تفعيل استخدام العملات المحلية للدول الأعضاء لسداد المدفوعات التجارية بديلة عن الدولار الأمريكى، وهو ما بات يُعرف بـ “إلغاء الدولرة”، ودراسة بنك التنمية الجديد إصدار سندات بالعملة المحلية لباقى الدول الأعضاء، وذلك على خطى إصدار سندات بعملتى البرازيل وجنوب إفريقيا، وبالتالى تمويل المشروعات باستخدام العملات المحلية الدول الأعضاء.
ومن شأن تلك القرارات تعزيز قيمة العملة الوطنية، ومواجهة التحديات المتعلقة بتدبير العملة الأجنبية، فضلًا عن تسهيل الوصول إلى التمويل من خلال بنك التنمية الجديد الذى يفتح أفقًا للخروج من القيود المفروضة من قبل صندوق النقد الدولى ومؤسسات التمويل الدولية الأخرى، ومع انضمام الدول الست إلى التكتل، يُتوقع أن يصل النتاج المحلى الإجمالى للمجموعة إلى نحو 37% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وهو ما يمثل إضافة قوية لاقتصاد المجموعة نحو زيادة نفوذها بوصفها لاعبًا عالميًا مؤثرًا فى مواجهة التكتلات الاقتصادية الأخرى، وبالتالى السير على خطوات فى طريق خلق نظام اقتصادى متوازن، فضلًا عن جذب المزيد من الدول النامية الساعية للخروج عن العباءة الاقتصادية الغربية.
ثانيًا – مواجهة الهيمنة الغربية:
يسعى تكتل “بريكس” لمحاولة خلق نظام سياسى عالمى متعدد الأقطاب، لمواجهة الهيمنة الأحادية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الدولى الراهن، مُتبنية خطابًا رافضًا للتصورات الغربية، وعلى الرغم من كون المجموعة اقتصادية فى الأساس، إلا أنه جرى إدخالها فى إطار سياسى من الدرجة الأولى، وهو ما يعد انحرافًا عن الهدف الحقيقى للتكتل، مما قد يحيدها عن الهدف الأهم وهو الاقتصاد.
وخلال العقد الماضى، بدأت المجموعة فى ترسيخ نجاحها لمحاولة تعميق نمط التفاعلات التبادلية داخل النظام، ومع انضمام الدول الست إلى “بريكس” ، يُتوقع أن تمارس المجموعة تأثيرًا كبيرًا نحو تعميق البناء الشبكى داخل النظام العالمى.
ثالثًا – تعزيز التكامل التنموى بين الدول الأعضاء:
تتسم كل دولة عضو بالتكتل الاقتصادى بالتميز فى مجالات بعينها؛ وعلى سبيل المثال، تتميز الصين فى مجال الثورة الصناعية، والذى يشمل (الذكاء الاصطناعى – وتقنيات الجيل الخامس”5G”- والتصنيع الذكى)، وبالتالى قد تعمل الصين على استغلال هذا التجمع من خلال بناء شراكات صناعية، كجزء من التنافس مع نظيرتها الأمريكية على صدارة هذا المجال، وهو ما ينعكس على تعزيز قدرات دول التكتل فى هذا الصدد.
وتتميز روسيا فى مجال الحبوب ومصادر الطاقة، ومن ضمن مساعى موسكو للالتفاف على العقوبات الغربية على خلفية الحرب فى أوكرانيا، قرر الرئيس “بوتين” تغيير مسار تجارته من الصادرات النفطية والحبوب وغيره، إلى دول التكتل وغيرها من الأسواق الناشئة بدلًا من نظيرتها الغربية، وهو ما تجلى فى ارتفاع الصادرات الروسية بشكل ملحوظ، خاصة من النفط لكل من الصين والهند، خلال الأشهر التى تلت الحرب الأوكرانية، وهو ما صب بالأخير فى مصلحة التجمع. وتتميز الهند، بشكل أساسى، فى مجال تكنولوجيا المعلومات، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فى مجال النفط، وبالتالى يعد انضمام دول جديدة لـ “بريكس” خطوة إيجابية ومُحفزًا لانضمام مزيد من الدول، لإمكانية مساهمتها فى تحقيق قدر من التكامل بينهم من خلال الاستفادة من خبرات الدول فى مجالاتها المختلفة، مما قد يصب بالنهاية فى مصلحة التكتل ككل.
رابعًا – طـرح “بريكس” كممثل لدول الجنوب العالمى:
تسعى منظمة “بريكس” لطرح نفسها باعتبارها ممثلًا وشريكًا فى تنمية دول الجنوب بديلًا عن الغرب، وهو ما انعكس فى استجابة المجموعة لدعوات تسريع إجراءات توسيع قاعدة عضويتها، والتأكيد على وجود مساعٍ فى الوقت الراهن لتعزيز تمثيل مصالح القوى الصاعدة والناشئة، ويعد الحضور القوى لدول الجنوب خلال القمة الأخيرة بـ”جوهانسبرغ” مؤشرًا على الرغبة فى إصلاح النظام العالمى الحالى والتحرر من الهيمنة الغربية، لما لها من تأثير على فرص النمو الاقتصادى لتلك الدول.
ويزيد من جاذبية “بريكس” لدول الجنوب كونها تحظى بقوة اقتصادية متنامية قادرة على توفير فرص للاستثمار والتجارة، وخاصةً مع إنشاء بنك التنمية الجديد فى 2014، الذى يُعتبر بديلًا عن صندوق النقد والبنك الدوليين، إلى جانب آلية سيولة تسمى “ترتيب احتياطى الطوارئ “CRA”، وعليه تسعى المجموعة لموازنة النفوذ الغربى من خلال طرح نفسها كشريك بديل لدول الجنوب العالمى.
خامسًا – دعـم الأعضاء فى المؤسسات الدولية:
تتمتع الدول الخمس الأعضاء فى المجموعة بمكانة سياسية كبيرة على الساحة الدولية، لاسيما مع وجود الصين وروسيا ضمن الأعضاء الدائميين فى مجلس الأمن، وهو ما يمكنهم من عرقلة القرارات التى تمثل تهديدًا لمصالحهم، وقد انعكس “بريكس” كتكتل فى السلوك الانتخابى للدول الأعضاء فى المؤسسات الدولية، إذ كان الموقف الرسمى للصين فى جلسات التصويت بمجلس الأمن فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية هو «الامتناع» عن التصويت، كما امتنعت باقى أعضاء المجموعة عن التصويت ضد قرارات إدانة الحرب بالجمعية العامة للأمم المتحدة، عدا البرازيل، ومع ذلك انتقدت استخدام صراحةً لفظ “العدوان الروسى” فى القرارات الأممية، وتأكيد الأعضاء أن لروسيا مخاوف أمنية مشروعة من توسع حلف الناتو شرقًا، فضلًا عن إعرابهم عن القلق إزاء العقوبات أحادية الجانب ولما لها من تداعيات على الاقتصاد العالمى وإمدادات الطاقة وتهديد الأمن الغذائى العالمى. وعليه، قد يمثل التكتل حائطًا دفاعيًا للدول الأعضاء فى المؤسسات الدولية، كما هو الحال مع دعم موسكو ضد الرأى العام العالمى.
تـحـديـات مُـحـتـمـلـة
يبقى نجاح مجموعة “بريكس” فى تحقيق أهدافها مرهونًا بتجاوز جُملة من التحديات المُحتملة، وذلك على النحو التالى:
أولًا – توسيع الانقسامات بين دول “البريكس”:
على الرغم من المكاسب السياسية والاقتصادية التى ستعود بالنفع على دول المجموعة من توسيع “بريكس”، إلا أن التباينات الواضحة بين القدرات الاقتصادية للدول الأعضاء، ووجود اختلافات مُتعلقة بأهداف السياسة الخارجية، ناهيك عن الخلافات القائمة بين الصين والهند بسبب النزاع الحدودى والتنافسات السياسية، تُشكل عائقًا أمام التحركات الراهنة للمجموعة لتحقيق أهدافها المشتركة نحو إعادة هيكلة النظام الدولى والدفع إلى نظام مُتعدد الأقطاب.
وعلى سبيل المثال، تتبنى الصين وروسيا موقفًا أكثر تشددًا من الهند تجاه الغرب، وهو ما بدى فى انتقاد بكين وموسكو تحالف “أوكوس” الذى يضم كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، فى حين تعهدت الهند بدعمها للتحالف. وعليه، قد يؤدى توسيع “بريكس” إلى زيادة التحديات المتعلقة باتخاذ قرارات متفق عليها فى إطار مجموعة تعتمد على الإجماع، الأمر الذى من شأنه أن ينعكس على تباين فى الرؤية داخل التكتل، وفى المقابل، توجد رؤية مغايرة ترى إمكانية الصين على استيعاب التباينات الحالية لدول المجموعة، فضلًا عن التباينات المحتملة بين بعض الأعضاء الجدد، وذلك لقدرة بكين على تجاوز الخلافات حول قضايا مثل توسيع العضوية، وتحقيق طموح الصين فى جلب مزيد من الدول ضمن صفوفها.
ثانيًا – تحركات غربية مضادة
قد تحاول الولايات المتحدة الاستفادة من التباينات الداخلية فى المجموعة، كونها شديدة التنوع تضم دولًا صديقة وكذلك خصومًا ومنافسين فى الوقت نفسه. وعليه، قد تسعى واشنطن لمحاولة التركيز على التباينات بين دول التكتل، وخاصةً عبر وسائل الإعلام الخاصة بها. ومع وجود اختلاف بين دول المجموعة حول موقفها من الغرب، كحرص الهند على تعزيز التعاون مع الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، قد تسعى واشنطن بتعزيز الجهود الدبلوماسية، الثنائية والمتعددة الأطراف، مع دول المجموعة بشكل فردى، وتوظيف احتياج بعض الدول للولايات المتحدة ومساوماتها على حدود دورها داخل التكتل، فضلًا عن الضغط على الدول الراغبة بالانضمام للتكتل واستغلال حاجتها إلى مساعدات المؤسسات الاقتصادية الغربية.
ثالثًا: صعوبات أمام مبادرة “إلغاء الدولرة”
تحظى مبادرة “إلغاء الدولرة”، بقيادة الصين وروسيا، والاعتماد على العملات المحلية خلال التعاملات التجارية، بقبول واسع داخل دول “بريكس”، فضلًا عن كونها أحد أبرز المحفزات لانضمام دول الجنوب العالمى، إلا أن اعتماد دول التكتل عدا روسيا، على علاقات اقتصادية وثيقة مع الغرب، يُشكل تحديًا أمام التخلى بشكل تام عن استخدام الدولار الأمريكى فى التعاملات الدولية، ومع توسيع المجموعة لقاعدة عضويتها، يزيد من تعقيد الأمور.
مـصـر فـى تـكـتـل “بـريـكـس”: مـكـاسـب اقـتـصـاديـة واعـدة
يتيح “بريكس” أنظمة دفع بديلة وعملة رقمية مشتركة، كما ذكر سلفًا، ومع اعتماد المجموعة الجنية المصرى فى سلة عملاته بالبنوك المركزية، يتيح فرصة للدولة باستخدام عملتها المحلية خلال معاملاتها الخارجية مع دول المجموعة، وهو يسهم فى حل مشكلات تدبير العملة الأجنبية، وتقليل فاتورة التجارة والاستيراد بالدولار، وبالتالى رفع قيمة الجنية المصرى.
كما سينعكس انضمام مصر لبنك التنمية الجديد على تعزيز قدرتها فى دعم تنميتها المستدامة ومعالجة قضايا السيولة، وبناء على ذلك تستطيع مصر تنويع مصادر تمويلها بإجراءات وشروط ميسرة بوصفه بديلًا اقتصاديًا جوهريًا فى مواجهة الشروط المشددة لمؤسسات الإقراض الأخرى، كالبنك وصندوق النقد الدوليين. ومع ذلك، يجب أن نكون حذرين فى التفاؤل وأن نضع فى الحسبان أن انضمامنا ليس هو الحل لمشاكلنا الاقتصادية.
وفى السياق، يُرجح أن تعزز عضوية مصر فى المجموعة من حجم التبادل التجارى بينها وبين دول التكتل، والتى شهدت بالفعل ارتفاعًا فى عام 2022، إذ بلغت 31.2 مليار دولار عام 2022، بزيادة سنوية 10.5% وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وبلغت صادرات مصر لدول المجموعة 4.9 مليارات دولار مقارنة ب 4.6 مليارات دولار، وفى المقابل، بلغت الواردات المصرية من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا 26.4 مليار دولار العام الماضى، بارتفاع 11.5% من 23.6 مليار دولار فى 2021، كذلك احتلت السوق الهندية الوجهة الأولى للسلع المصرية ضمن المجموعة عام 2022 بقيمة 1.9 مليار دولار، تليها الصين بقيمة 1.8 مليار دولار، وروسيا بقيمة 595 مليون دولار.
وخلاصة القول: يعزز انضمام الدول الست لـ “بريكس بلس” من ثقلها اقتصاديًا وجيوسياسيًا لتمتع التجمع بقوة سياسية واقتصادية مُتنامية، وهو الأمر ذاته لدول “بريكس” الخمس الرئيسية من انضمام أعضاء جدد إلى سياسات هذا التجمع الصاعد من خلال عدة محاور، إلا أن تحقيق أهداف التجمع نحو إعادة هيكلة النظام الدولى باتجاه التعددية القطبية والحد من هيمنة الدولار، مرهونًا بجُملة من التحديات، أهمها القدرة على تجاوز النقاط الخلافية بين الدول الأعضاء حول الملفات المشتركة، والتصدى للتحركات الغربية الساعية للتضييق عليها.