هل جنوب أفريقيا جهة مانحة لـ«داعش»؟

إعداد : مصطفي أحمد مقلد

مقدمة:

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أفراد وكيانات، متمركزة في جنوب أفريقيا؛ لتورطهم في تمويل الإرهاب، في عام 2022، بعد أن كشفت عن دور النشاط المالي لتلك الخلايا التابعة لـ«داعش»؛ حيث قام هؤلاء الممولون الموجودون في جنوب أفريقيا، بتحويل الأموال والتكنولوجيا والسلاح لتلك الجماعات الجهادية، الموالية في جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق.

في سياقٍ موازٍ، لاحظت مجموعة العمل المالي (FATF) موقف جنوب أفريقيا المتراخي تجاه كبح تمويل الإرهاب؛ فرغم وجود القوانين واللوائح لمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، إلا أن تنفيذ تلك القوانين لا يسير بالشكل المطلوب؛ لذا في فبراير 2023، أضافت جنوب أفريقيا إلى القائمة الرمادية، ويأتي ذلك في وقتٍ تواجه فيه الدولة الأفريقية صعوبات اقتصادية، تتمثل في تدنٍّ نسبيٍّ في معدلات النمو الاقتصادي، وصعوبة في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية.

أسباب الاهتمام الـ«داعشي» بجنوب أفريقيا:

شكَّل انتشار ظاهرة الفساد في مفاصل الدولة، وغياب القانون بشكلٍ عامٍ، بجانب تركيز الأجهزة الأمنية على ما يسمى «الأمن السياسي»؛ حيث يتم الاهتمام بالمعارك الحزبية بين الفصائل السياسية، بينما يُهمل الأمن الاقتصادي، عوامل لتسهيل مهام «داعش»؛ حيث لا يتم الاهتمام بتقديم أدلة كافية في عددٍ من قضايا تمويل الإرهاب بما يجعلها قابلة للإلغاء أمام القضاء المُثْقل أيضًا؛ بسبب ارتفاع معدلات الجريمة بجميع أنواعها.

ويبدو أن التنسيق الأمني محدود بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة، ففي أكتوبر الماضي، انتقد الرئيس «رامافوزا» الولايات المتحدة؛ لإصدارها تحذير «ساندتون» ضد الإرهاب، دون استشارته وحكومته، على الرغم من أن مصادر أمريكية ألمحت إلى أنه تم إبلاغ بريتوريا.

كما أن الجوار الجغرافي المباشر لأفرع «داعش» يُعتبرُ ميزةً إستراتيجية: فالحدود المشتركة مع موزمبيق، التي تشهد نشاطًا لفرع «داعش»، تُمكِّنه من نقل الأسلحة والاحتياجات اللوجستية لهذا الفرع عبر الحدود.

كذلك فإن جنوب أفريقيا لا تفي بالمعايير التي تتطلبها مجموعة العمل المالي، للأسباب التالية:

حيث إن فهم تهديدات تمويل الإرهابيين غائبٌ إلى حدٍّ كبيرٍ، وعدم كفاية الإبلاغ عن المخاطر في العديد من القطاعات المالية عالية المخاطر، بالإضافة إلى أن إستراتيجية جنوب أفريقيا لمكافحة الإرهاب، لا تحدد ملاحقة ممولي الإرهاب كأداة تخفيف عملياتية في الحرب ضد الإرهاب.

بجانب ارتفاع حجم وشدة الجريمة، خاصَّةً الجرائم المالية، ويتفاقم هذا بسبب الاقتصاد غير الرسمي الكبير والكميات الكبيرة من النقد والبضائع غير المصرح بها، والتي تعبر الحدود بانتظام خارج الأُطُر المنظمة.

خطوات إيجابية لكن غير كافية:

تشير الحكومة إلى أنها أنشأت «مركز دمج» متعدد التخصصات، في عام 2020؛ لمكافحة غسْل الأموال والجرائم المالية الأخرى، ومنذ إنشائه أدَّى إلى استعادة حوالي 1.75 مليار راند، من الأصول الإجرامية.

وفي ديسمبر 2022 تم التوقيع على تشريعيْن رئيسييْن من قبل الرئيس:

قانون تعديل القوانين العامة، وقانون تعديل حماية الديمقراطية الدستورية من الإرهاب والأنشطة ذات الصلة، وهذه القوانين واسعة النطاق، وتهدف إلى:

1) تعديل القوانين الخمسة الحالية التي تحكم الملكية الاستئمانية والمنظمات غير الربحية والشركات والقطاع المالي والاستخبارات المالية.

2) تعزيز أحكام تشريعات مكافحة الإرهاب الحالية وتوسيعها لتشمل جوانب، مثل؛ الإرهاب السيبراني، مع النص على فرض عقوبات مالية أكثر صرامة عند الضرورة.

وفي 13 يناير 2023، التقى وفد رفيع المستوى مع مجموعة (FATF) في الرباط؛ لتقديم مُلخَّص للتقدم المُحْرَز في معالجة أوجه القصور، لكن تلك الجهود لم تكن كافية، وفْق ما رأت «FATF».

ما هي مجموعة العمل المالي«FATF»؟

تأسست عام 1989، كمنظمة حكومية دولية، تحت إشراف مجموعة الدول الصناعية السبع G7، وهي تضع سياسات تهدف إلى مكافحة غسيل الأموال الدولي، وفي عام 2001، تم توسيع نطاق تركيزه ليشمل تدابير تحديد ومكافحة تمويل الإرهاب الإقليمي والعالمي، والمنظمة تراقب أُطر العمل الواجبة التي تهدف إلى منْع تمويل أنشطة متنوعة، مثل؛ تجارة الأسلحة غير المشروعة والاحتيال الإلكتروني وتجارة المخدرات، وبالتالي؛ فإن لها قدرة هائلة بالحُكْم على دولة بأنها في وضْعٍ جيِّدٍ أو لا.

ماذا تعني الإضافة للقائمة الرمادية؟

عند إضافة بلدان إلى القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي، فإن ذلك يُعدُّ بمثابة إشعارٍ للمؤسسات المالية، مثل؛ البنوك والمستثمرين، بأن الدولة ليست بيئة ترحيب للعمليات التجارية، وهذا يشكل تهديدًا للنمو المالي لجنوب أفريقيا ووضعها كقائد إقليمي، فوفقًا لصندوق النقد الدولي، تعاني البلدان المدرجة في قائمة «FATF» عادةً من خسارة صافية متوسطة، تبلغ 7.68٪ من تدفُّق رأس المال إلى دولها بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

ويمكن أن تكون التكلفة المالية المترتبة كبيرة، إذا علمنا أن الأمر يستغرق في الغالب من 2 إلى 5 سنوات، حتى تتم إزالة بلد من القائمة الرمادية، بمجرد تلبية المتطلبات الإلزامية، وقبولها على النحو الواجب من قِبَلِ مجموعة العمل المالي «FATF».

يجب أن تتوقع جنوب أفريقيا أيضًا ضغوطًا إضافيةً من دول، مثل؛ الولايات المتحدة المهتمة بمواجهة المنافذ الاقتصادية الروسية، في وقتٍ قرَّرت فيه جنوب أفريقيا، الاحتفاظ بعلاقات اقتصادية وثيقة مع روسيا، خاصة أن الولايات المتحدة تلعب دوْرًا حاسمًا في مجموعة العمل المالى.

لكن وزارة الخزانة الوطنية في جنوب أفريقيا، قالت: إنها تتوقع أن يكون لهذه الخطوة تأثير محدود على الاستقرار المالي وتكاليف ممارسة الأعمال التجارية، على أنها ستواصل العمل لمعالجة مخاوف مجموعة العمل المالي، وستدرس كيف تمكنت «موريشيوس» ودول أخرى، من إزالة نفسها من القائمة الرمادية، كما تعهَّد البنك المركزي بتعزيز إشرافه، والتأكد من امتثال المقرضين التجاريين والمؤسسات المالية الأخرى بشكلٍ كاملٍ لالتزاماتهم؛ لحماية سلامة النظام المالي وحمايته.

الوضع الحالي:

وافقت جنوب أفريقيا بعد إدراجها على اللائحة الرمادية، على تنفيذ خطة العمل التصحيحية، المكونة من ثماني نقاطٍ لمجموعة العمل المالي، والتي تتضمن إظهار زيادة مُطّردة في التحقيقات والمحاكمات المتعلقة بغسيل الأموال.

بجانب وضع إستراتيجية وطنية محدثة وشاملة لمكافحة تمويل الإرهاب، وإصدار عقوبات مالية محددة الهدف ضد ممولي الإرهاب، وتواجه خطة العمل تحديات، مثل؛ تحسين الإشراف على المؤسسات غير المالية، والتي تشمل الوكالات العقارية والمحاسبين والمراجعين ومطوري العقارات وتجار المعادن الثمينة، الذين يُسهِّلُون في كثيرٍ من الأحيان غسيل الأموال، ويتعين على هذه الجهات مراعاة العناية الواجبة لتدفُّق رأس المال لمنْع المجرمين من إخفاء مكاسبهم غير المشروعة خلْف الصناديق المجهولة.

تأثير «داعش» في جنوب القارة:

من المهم قطْع التمويل وجميع أشكال الدعم عن المنظمات الإرهابية، وحتى معاقبة الأطراف التي تجمعها مصالح مشتركة مع تلك التشكيلات الإرهابية، رغم عدم وجود توافُق أيديولوجي، وتتأكد الحاجة لذلك عند معرفة أن شركة النفط الفرنسية العملاقة «توتال إنرجيز» انسحبت من موزمبيق، في أبريل 2021، معلنةً وجود قوةٍ قاهرةٍ تُجْبِرُها على التخلِّي عن مشروعٍ للغاز الطبيعي المُسَال، بقيمة 20 مليار دولار، وهو أكبر استثمارٍ خاصٍّ في أفريقيا، بعد أن اجتاح مسلحون تابعون لتنظيم «داعش» أراضي قريبة من المشروع في مارس.

كما تزايد عدد النازحين في مقاطعة «كابو ديلجادو» في موزمبيق، من 70 ألف شخص في العام 2020 إلى 700 ألف شخص، في عام 2021، ومازال مستمرًا في الارتفاع؛ بسبب وقوع جرائم، مثل؛ قطع الرؤوس والاغتصاب؛ حيث تعمل الجماعات السلفية المسلحة، مثل؛ «داعش»، على تحويل الصراعات المحلية إلى منصات انطلاق لحركة عالمية.

وتعتبر «كابو ديلجادو» أول موطئ قدم للحركة السلفية المسلحة في جنوب أفريقيا، وذلك بعد الاختفاء شبه الكامل من سوريا والعراق؛ بفضل ضربات التحالف الدولي، وتضييق الخناق على التنظيم هناك؛ لذا بات واضحًا أن التنظيم يسعى لنقل فكرة خلافته إلى أفريقيا، فقد أعلن عن إقامة ولايتيْن رسميتيْن جديدتيْن للتنظيم الإرهابي بمنطقة الساحل وموزمبيق، في مارس ومايو الماضييْن على التوالي.

ختامًا:

يبدو أن هناك تحديًا جديدًا وخطيرًا يواجه اقتصاد جنوب أفريقيا وسمعتها، يتمثل في ضرورة مواجهة الشبكات الداعمة للتنظيمات الإرهابية؛ ما يحتاج جهودًا مؤسسية وأمنية وبيئة تشريعية قوية، تشرع جنوب أفريقيا في تدعيمها، ويترافق ذلك التحدي مع رهانات الدولة الأفريقية، فيما يخص البيئة الدولية، فقد واجهت انتقادات بعد توطيد علاقاتها مع روسيا.

من ناحيةٍ أُخرى، يُمثِّل تمدُّد «داعش» في القارة تحديًا أمنيًّا أمام الجهود الأفريقية بشكلٍ أساسيٍّ، والجهود العالمية بشكلٍ عامٍ؛ فتداعياته تُهدِّد بمزيدٍ من إهدار الفُرص، وعقبة أمام التنمية في أفريقيا، خاصَّةً مع تزايد الاهتمام الدولي بأفريقيا بعد الحرب الأوكرانية.

كلمات مفتاحية