إعداد : حسناء تمام
خلال شهر فبراير الجاري، شهدنا حالةً من النشاط الإسرائيلي الدبلوماسي في علاقاتها مع أفريقيا، فمن ناحيةٍ، أجرى «محمد إدريس ديبي»، الرئيس التشادي الانتقالي، زيارةً إلى إسرائيل، شهدت افتتاح «السفارة التشادية» هناك؛ لتعكس مرحلةً جديدةً من التقارُب «التشادي – الإسرائيلي» عقب مرحلة من الانقطاع، من ناحيةٍ أُخرى، أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، زيارةً إلى الخرطوم، استغرقت يومًا، التقى خلالها رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، وتأتي الزيارات؛ بهدف تعميق العلاقات بين الطرفيْن، وتعزيز التواجُد الدبلوماسي، وفي هذا الإطار، نحاول فهْم أبرز مؤشرات ودوافع هذا التقارُب.
أولًا: المؤشرات
تُمثِّل الزيارات المتبادلة بين كُلٍّ من «إسرائيل، وتشاد»، امتدادًا لتحرُّكات إسرائيل، في توسيع التطبيع مع «الدول العربية، والأفريقية»، التي بدأت في عام «2018، 2019»، والتي توقَّفت لعدة أسبابٍ، منها؛ «جائحة كورونا»، ثم الحرب «الروسية – الأوكرانية»، والآن تتجه إلى استئناف هذه التطلُّعات.
فكانت آخر زيارةٍ أجراها الرئيس التشادي، تلك التى أُجريت في 25 نوفمبر 2018م، والتي أعقبها زيارة «نتنياهو» إلى تشاد، في 20 يناير 2019م، والتي ترتَّب عليها عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفيْن، ومع رحيل الرئيس «ديبي» في أبريل 2021م، وصعود «ديبي الابن» لرئاسة المرحلة الانتقالية في البلاد، شهدت العلاقات «التشادية – الإسرائيلية» حالةً من الفُتُور، سعت إسرائيل إلى إعادة العلاقات مع الـ«ديبي الابن»، بدأ بتعيين سفيرٍ غير مقيمٍ لدى تشاد، في مايو 2022م.
أما مع السودان، فقضية تطبيع العلاقات مع إسرائيل من بين أبرز القضايا المطروحة على أجندة العمل الانتقالي السوداني، منذ أن التقى رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أوغندا، في فبراير عام ٢٠٢٠.
كما يمكن الاستدلال على العزْم الإسرائيلي بالعودة إلى أفريقيا، من مؤتمرٍ عُقِدَ في يونيو الماضي، في باريس، بعنوان “التحديات والفرص” لـ”عودة إسرائيل إلى أفريقيا” وخلال المؤتمر، سجَّلت «الدولة العبرية» بعض النجاحات في “القوة الناعمة” لكنها ما زالت ترغب في تكثيف عملها، وتحقيق مكاسب دبلوماسية، وأعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد، أنها “أولوية”، مشيرًا إلى الروابط “التاريخية” بيْن «إسرائيل، والقارة».
ثانيًا: الدوافع
استغلال حاجة السودان الاقتصادية:
يستأنف السودان عملية التطبيع بدافعيْن، الأول: إغراء حلِّ أزمته الاقتصادية من جهةٍ، والثاني: لحذفه من قائمة الإرهابيين في الولايات المتحدة، وهذا التطبيع المتوقع؛ يعني أن “إسرائيل” نجحت في ابتزاز السودان، بعدما نجحت في تعزيز علاقتها بجنوب السودان.
ومن القضايا الكبرى هنا، أن «الولايات المتحدة، وإسرائيل» شريكان في الضغط على السودان، من خلال تصنيفه في قوائم الإرهاب، وفرْض العقوبات عليه، هذا يدفع أحيانًا لإجباره على إقامة علاقة استخباراتية أمنية مباشرة مع “إسرائيل”، كما ستوفر هذه الخطوة لإسرائيل موطئ قدمٍ في منطقة البحر الأحمر، بالنظر إلى الأهمية الإستراتيجية الكبيرة للمنطقة، من الناحية «التجارية، والعسكرية، والاقتصادية، والأمنية».
استغلال الحاجة التشادية الأمنية:
تواجه السلطة الانتقالية في تشاد، عددًا من التحديات الداخلية، التي تحتاج إلى دعْمٍ خارجيٍّ، ومنها؛ يمكن أن تستفيد من الخبرات الإسرائيلية فيها، مثل؛ دعم المرحلة الانتقالية، والتغلُّب على التحديات الأمنية، وتبادُل الخبرات، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظَّمة والعابرة للحدود، والدعم في مجالات «الاقتصاد، والصحة، والتعليم، والابتكار التكنولوجي، والتقنيات الزراعية والمائية، والطاقة المتجددة»، بجانب الحاجة التشادية لفتح مجالٍ للتعاون مع «واشنطن» قد يمُرُّ عبْر إسرائيل، من ناحيةٍ أُخرى، تبدو تشاد فاعلًا مناسبًا لإجراء التعاون معها؛ لتعزيز التعاون في وسط أفريقيا، ومن ناحيةٍ أُخرى، البقاء بالقرب من التفاعلات التي تشغل الفاعلين الدوليين المتنافسين في منطقة «الساحل، والصحراء».
الكتلة التصويتية:
للقارة الأفريقية التي يبلغ عددها 54 دولةً، وفقًا للأمم المتحدة، كتلة تصويتية هائلة، تظهر أهمية هذه الكتلة في القرارات الأممية المختلفة، وفي قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، وهو ما يجْدُر أخذها في الاعتبار، بشأن السلوك التصويتي للدول الأفريقية؛ إذ تسعى إسرائيل لكسْب تصويت الأفارقة في المسائل المتعلقة بها، وكسْر الكتلة التصويتية الأفريقية المؤيدة للقضية الفلسطينية، وفي عام 2022، فوَّتت تشاد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ لإحالة النزاع «الإسرائيلي – الفلسطيني» إلى محكمة العدل الدولية.
من ناحيةٍ أُخرى، تسعى لكسْب الأفارقة في الاتحاد الأفريقي، خصوصًا بعد أن نجحت الدبلوماسية الجزائرية، في تنسيق مواقفها مع الدول الكبرى بالاتحاد الأفريقي، وكلّلت بتجميد قرار منْح إسرائيل صفة مراقبٍ في الاتحاد.
إيران جزء من المعادلة:
وتسعى إسرائيل لمواجهة إيران وقواتها الممتدة في منطقة الساحل، لا سيما «حزب الله»، خاصةً بعد أن أشارت تقارير المخابرات الإسرائيلية إلى تعاوُن عناصر من «حركة حماس» الفلسطينية، بدعْمٍ من «طهران، وحزب الله»، مع أفراد الجالية «اللبنانية – الأفريقية»، وأكَّدت علاقتها مع الأحزاب السياسية «العربية، والإسلامية» في تشاد؛ ما يهدّد مصالح إسرائيل في المنطقة، وجدير بالذكر، أن زيارة الـ«ديبي» جاءت بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الإيراني لموريتانيا؛ ما يعكس حجم التنافُس بيْن الجانبيْن على الساحة الأفريقية.
المواقف الأفريقية ستكون أكثر براجماتية:
لإسرائيل علاقات مع حوالي 40 دولة أفريقية، وكذلك تواجُدٌ دبلوماسيٌّ بمستويات مختلفة فيها، ويبلغ عدد سفارتها 14 سفارةً في أفريقيا، وهذا العدد مُرشَّح للزيادة، خصوصًا في ظلِّ موجة التطبيع «العربي – الإسرائيلي» الأخيرة، ومنها؛ يتوقع أن يكون هناك تحرُّرٌ أفريقيٌّ من ربْط علاقته بإسرائيل، فيما يخُصُّ القضية الفلسطينية، والصراع «العربي – الإسرائيلي»، على غرار مواقف بعض الدول الأفريقية، في الفترة من عام 1967 وحتى عام 1973، نهاية هذه المرحلة، بلغ عدد الدول المقاطعة لإسرائيل 42 دولةً أفريقيةً.
احتياج إسرائيلي داخلي:
من خلال إعادة التطبيع في السودان، واستقبال رئيس تشاد، وفتْح سفارةٍ في «تل أبيب»، يحاول «بنيامين نتنياهو» الهروب، وإنقاذ نفسه، في ظلِّ التحديات الداخلية، وذلك بعد مظاهرات تطالب بإسقاط حكومته وفشله الأمني الكبير، مع تصاعد المقاومة في مدينة القدس والضفة الغربية المحتلة.
إسرائيل حليف أمريكا القادم في أفريقيا:
في ظلِّ حُمَّى التنافُس بين القُوى الكُبْرى على العودة إلى أفريقيا، وزيادة التواجُد «الروسي – الصيني» في أفريقيا، وحالة الرَّفْض للتواجُد الفرنسي، وعدد من القوى الاستعمارية الأوربية، فالولايات المتحدة لا يُتوقع أن يكون لديها قدرة على تحمُّل أخطاء أوروبا، خاصةً أنها تتمتع بذاكرةٍ نظيفةٍ خاليةٍ من الاستعمار لأفريقيا؛ ما يجعل إسرائيل – التي تُوصف بأنها ابنة الولايات المتحدة- الشريك الرئيس القادم، الذي يمكن الوثوق به.
سيناريوهات محتملة
سيناريو تفاؤلي:
يرجح التوسع في الحراك الإسرائيلي
يتوقع هذا السيناريو أن يتوسع الحراك الإسرائيلي في جميع أنحاء أفريقيا، وفي منطقة الساحل على وجه الخصوص؛ استنادًا إلى احتياج عددٍ من الدول الأفريقية إلى مزيدٍ من التعاوُن والمساعدة في بعض المجالات، خصوصًا في ظلِّ تأثير الأزمات الدولية على معظم الدول الأفريقية، في العاميْن الماضييْن، هذا بجانب السعي إلى استغلال أوضاع عدم الاستقرار السياسي في عددٍ من الدول، إضافةً للرعاية الأمريكية لملفات التطبيع الإسرائيلية، والترحيب الأمريكي بالدور الإسرائيلي، في ظلِّ تنافُس القُوى الدُّولية المناوئة لأمريكا في أفريقيا.
وجود حراك مضاد للتحرك الاسرئيلي :
ويتوقع هذا السيناريو أن يكون هناك حراك مضاد للتحركا الإسرائيلي يعيق تغلغلها سياسيا في الداخل الأفريقي ، وخصوصا تجاه رغبتها في التواجد في الاتحاد الأفريقي ، وأن يواصل كلا من الجزائر وجنوب أفريقيا القيام بهذا الدور ، وهذا السيناريو غير مستبعد أيضًا، غير أنه مرجح أن كون الحرك المضاد مقتصر – علي الأقل عل يالمدى القريب- تجاه التواجد الإسرائيلي في الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب ، مع قبول تواجدها الاقتصادي.