حروب الشاشة الصامتة.. إلى أى مدى تؤثر على الأمن القومى للدول؟

إعداد: دينا لملوم – ميار هانى

الـمـقـدمـة:

فى 27 أبريل 2007، قررت الحكومة فى إستونيا نقل نُصب تذكارى يعود للعهد السوفيتى من العاصمة تالين إلى مكان آخر، فى محاولة للتخلى عن إِرثها من الاتحاد السوفيتى، إلا أن هذا الفعل أثار الغضب الروسى، بل وانهالت تهديدات بفرض العقوبات، عقب الإقدام على تلك الخطوة.

بعد فترة وجيزة، تعطلت مواقع الأجهزة الحكومية الإستونية والبنوك والصحف؛ جراء هجمات إلكترونية استُخدم فيها ما يقرب من مليون كمبيوتر موزع حول العالم لتعطيل الخدمة الموزعة، استمرت لمدة ثلاثة أسابيع، وتسببت فى إصابة إستونيا بشلل فعلى؛ الأمر الذى جعل حكومة إستونيا تصفه بـ”الأعمال الإرهابية”، كما واجهت الحكومة صعوبة، فى إثبات تنفيذ روسيا لتلك الهجمات، كانت تلك هى الحرب السيبرانية الأولى.

التكنولوجيا الرقمية تغير حياتنا؛ لذا من غير المفاجئ، أن تغير طريقة قتالنا أيضًا، وتُعرف الهجمات السيبرانية بأنها هجمات إلكترونية ضد دولة أو كيان ما، عادةً ما تستهدف المواقع المهمة والبنى التحتية، مثل (النظام الصحى – المياه – محطات الكهرباء – أنظمة البنوك – أنظمة المرور – قطاعات الطاقة والصناعة – الطيران المدنى)، ومحاولة إحداث أكبر ضرر ممكن بها، وكلما اعتمدت الدولة بشكل كبير على الإنترنت، كان التهديد السيبرانى أكبر، وتُجدر بنا الإشارة، إلى أنَّ الدول يمكن أنْ تتعرض لهجوم سيبرانى وهى خارج منظومة الإنترنت، وذلك من خلال زرْع كود خبيث؛ لتدمير المنظومة المستهدفه.

 فما حدث فى عام 2007، لا يتعدى كونه هجمات تعطيل وقتى للخدمات، لينقلب الأمر رأسًا على عقب بعد اكتشاف كود خبيث فى عام 2010، يدعى “Stuxnet”، الذى يعد أول سلاح رقمى فى العالم، وأول إشارة تحذير، تعلن عن عصر الحروب الرقمية.

وأرادت الحكومة الأمريكية، والإسرائيلية، تعطيل – أو على الأقل – تأخير البرنامج الإيرانى لتطوير الأسلحة النووية، دون نشْر جنود على الأراضى الإيرانية، فزرْعتا هذا الكود الخبيث؛ لتعطيل أجهزة الطرد المركزية، الخاصة بتخصيب اليورانيوم، فى موقع “نطنز” النووى الإيرانى، وهو أول مثال لكود خبيث، يقوم بتعديل عمليات تسيير النشاطات فى المنشآت الصناعية، وصولًا إلى التدمير المادى الفعلى للمنشآت المصابة به. وبالفعل، استطاعت تلك الهجمات تأخير تطوير برنامج إيران النووى لمدة عام على الأقل.

وأكد الدكتور “محمد الجندى”، خبير الأمن السيبرانى، “أن المشكلة فى انتشار الـ”كود”، الذى بإمكانه إحداث أى عمل تدميرى فى الواقع الملموس، إنه لن يكون حكرًا على دولة بعينها؛ لأنه طالما موجود فى الفضاء السيبرانى، أصبح بالإمكان لمن يمتلك القدرة، إحداث تعديلات عليه واستخدامه».

وهذا بالفعل ما قامت به إيران، مستغلةً ما تعرضت له، إذ شنت إيران هجومًا باستخدام فيروس (شمعون) فى عام 2012، استهدف شركة (أرامكو) للنفط فى السعودية؛ حيث حذفت من خلاله البيانات من على ٣٠ ألف جهاز كمبيوتر، والـ «كود» أصبح سلاح القرن الحادى والعشرين، ومن الجدير بالذكر أنه ليس مقتصرًا – فقط – على استخدامه من قبل فاعلين من الدول، وعلى سبيل المثال:

أطلق ” مايكل كالسى”، وهو فتى يبلغ من العمر خمسة عشر عامًا والمعروف أيضًا باسم Mafiaboy، هجومًا على مواقع الويب رفيعة المستوى، وتسبَّب فى إغلاقها، مثل (Amazon -CNN  – eBay Yahoo!  – Dell)، فضلًا عن خسارة مليار دولار لتلك المواقع.

ومن الجدير بالذكر، أنه أصبح من الصعب تخيل صراع عسكرى اليوم دون أن يكون له أبعاد إلكترونية سيبرانية، وعلى سبيل المثال:

  • أعلنت «كييف» تعرض عدد من وزاراتها وسفاراتها لهجوم سيبرانى، شل قدرتها على العمل، ومن بينها، وزارة الخارجية، ووزارة التعليم، بالإضافة إلى سفارات أوكرانيا فى الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والسويد، وحدث ذلك قبل الهجوم الروسى على أوكرانيا بنحو شهرين.
  • وفى الساعات الأولى من الحرب مع دخول القوات الروسية شرق أوكرانيا، عطل قراصنة الإنترنت عشرات الآلاف من أجهزة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، ونسبت بريطانيا، والاتحاد الأوروبى هذا الهجوم إلى روسيا.
  • ووفقًا لمايكروسوفت، أنه بعد الغزو الروسى لأوكرانيا، اخترق قراصنة روس العديد من المنظمات الأوكرانية المهمة، منها: شركات الطاقة النووية، والشركات الإعلامية، والهيئات الحكومية، إضافةً إلى وقوع حادثة واحدة ملحوظة، ألا وهى تزامُن ضربة صاروخية ضد برج التليفزيون فى العاصمة كييف، مع هجمات إلكترونية مدمرة واسعة النطاق على وسائل الإعلام فى كييف أيضًا.
  • ومع مواصلة القوات الروسية عملياتها العسكرية فى أوكرانيا، تمَّ استهداف تطبيق روسيا لسيارات الأُجرة، يسمى Yandex Taxi، من قبل قراصنة مجهولين، قاموا من خلاله بإرسال مئات السائقين إلى العنوان نفسه فى العاصمة موسكو؛ ما تسبب فى اختناقات مرورية كبيرة.

تأثير الهجمات السيبرانية على الأمن القومى العالمى

تشكل الهجمات السيبرانية تهديدًا صارخًا للأمن القومى للدول، لا سيما حين تستهدف القطاعات الحساسة بالدولة وتنخر فى بنيتها التحتية، كما أن محاولة السطو على المواقع العسكرية والسياسية أو حتى الصناعية فى محاولة للتجسس واستغلال المعلومات التى يتم الحصول عليها يمكن استخدامه كأداة للضغط على الدولة، ومساومتها لكى تتراجع أو تتبنى مواقف محددة فى قضايا معينة، ولعل الشاهد على ذلك يبرز فى محاولة روسيا اختراق شبكات البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية عام ٢٠١٤؛ وذلك للتأثير على الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٦، أيضًا الهجوم الصينى الذى شُن عام ٢٠١٤ بهدف السطو على بيانات متعلقة بالطائرة المقاتلة “فانتوم ٣٥”، وقد أضحت الحروب السيبرانية تشكل خطرًا داهمًا على الدول وأصبحت بديلًا عن الحروب التقليدية باهظة الكلفة، حيث تعمل على ضرب البنى المعلوماتية للدول المستهدفة، وقد تُلحق بها آثار تخريبية تفوق تلك التى تستخدم القوة العسكرية، وذلك عبر استهداف المواقع الحيوية وإغلاقها، إضافة إلى شل حركة أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات، كما أنها تؤدى إلى قطع شبكات الاتصال بين الوحدات والقيادات المركزية وتعطيل أنظمة الدفاع الجوى وإخراج الصواريخ عن مسارها، وقد تكون بمثابة الغزو الثقافى الذى يخترق البنية الفكرية للمجتمعات، عبر غرس أفكار هدامة قد تؤدى إلى إعاقة عمليات التنمية فى الدولة وتنامى الأفكار المتطرفة التى قد تخلق حالة من الغضب الشعبى تجاه السلطة الحاكمة، ومن ثم إثارة الفتن التى تعمل على تقويض أسس ودعائم الدولة، كل هذه الأمور تشكل حزمة من الخروقات التى تهدد الأمن القومى للدول، وبشكل خاص فى الدول الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا والصين، وغيرها، كما أن هذه الدول تزداد فرصها فى الهيمنة الإلكترونية واسعة المدى؛ نظرًا لامتلاكها بنية تحتية تكنولوجية متقدمة يمكن أن تستخدمها فى حروبها مع أى دولة، أو حتى لتحقيق مصالحها، وفى هذا الصدد يشير تقرير صادر عن وكالة الأمن القومى الأمريكى إلى أن هناك حوالى ٢٣٢ جهاز حاسب آلى عبر العالم يتم اختراقه فى كل دقيقة، وتُصنف التهديدات السيبرانية للأمن القومى إلى أربع فئات، وذلك على النحو التالى:

الجريمة السيبرانية:

يُنظر للجرائم السيبرانية على أنها اللجوء إلى وسائل قائمة على استخدام الحواسيب للقيام بأعمال غير قانونية، وذلك من أجل الاستيلاء على معلومات معينة أو اختراق شبكات بشكل غير مشروع.

الإرهاب السيبرانى:

يُعرف بأنه هجوم منظم من قبل الجماعات الإرهابية تشنه على البنى التحتية والأنظمة والشبكات بدافع التخريب وتنفيذ العمليات الإرهابية، وقد وفرت لهم هذه التقنية مساحات افتراضية جديدة تمكنهم من إجراء تدريبات افتراضية، ناهيك عن تقنية مثل “جوجل إيرث” التى تتيح لهم جمع المعلومات الاستخباراتية حول أهدافهم.

الحروب السيبرانية:

تعد الحروب السيبرانية بمثابة خطوة أولية تبدأ بحملات التخريب وتعطيل الإنترنت وصولًا إلى حدوث حالة من الحرب عبر استخدام الوسائل الإلكترونية؛ ونظرًا لتعاظم خطر هذا النوع من الحروب، فقد لجأت العديد من الحكومات إلى اعتماد الحرب الإلكترونية كغيرها من الحروب التقليدية سواء البرية أو البحرية أو الجوية.

التجسس السيبرانى:

يندرج هذا النوع من التجسس ضمن أشكال التجسس التقليدى من خلال استخدام وسائل تكنولوجية فائقة، وتدخل معظم الهجمات السيبرانية المتطورة ضمن هذا الفصيل، حيث يتم الحصول على معلومات سرية بطريقة غير قانونية؛ بهدف تحقيق أغراض معينة، والحصول على ميزات اقتصادية أو إستراتيجية أو عسكرية، ومثال على ذلك، الهجوم على “اكويفاكس”؛ الذى تمخض عنه فقدان معلومات شخصية عن ١٤٣ مليون مستهلك أمريكى، علاوة على ذلك هجمات الفيروس الشهير “فيروس الفدية الإلكترونية” الذى تعرضت له عدة دول عبر العالم.

وخلاصة ما سبق يمكن القول إن الجريمة الإلكترونية لا يمكن فصلها بشكل دقيق عن الحروب والإرهاب الإلكترونى، خاصة فى الحالات التى يكون فيها المهاجمون جهات تابعة للدولة أو مجموعات أو منظمات، والمحصلة النهائية تكمن فى تأثير هذه العوامل على الأمن القومى للدول وأيضًا المساس بالوضع الاقتصادى لها.

الأمن القومى فى عصر الذكاء الاصطناعى

أضحى العالم فى حقبة من التقدم والتطور التكنولوجى الذى تحكمه الآلة بشكل كبير، ويؤدى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى إلى حزمة من التهديدات السياسية والعسكرية والأمنية وطيدة الصلة بالأمن القومى للدول، ويمكن تناول أبرز هذه التهديدات فى الآتى:

إحلال الآلة محل الإنسان:

لقد دقت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى ناقوس الخطر، حيث باتت تحل محل الإنسان بشكل تدريجى فى العديد من الوظائف والمهن، وهو ما يدفع إلى تسريح العمال والموظفين، وبالتالى زيادة معدلات البطالة؛ نظرًا للإمكانيات المتطورة التى تمتلكها أجهزة الذكاء الاصطناعى بشكل يعادل أو يفوق قدرات البشر، وقد يتم استحداث مهن جديدة مرتبطة بهذه التقنية، الأمر الذى قد يؤدى فى نهاية المطاف إلى حدوث تصدعات فى هيكل القوى العاملة والإنتاجية، ومن ثم احتمالية حدوث حراك من قبل العاملين وإحداث فوضى فى البلاد، بيد أن ارتفاع معدلات البطالة ينجم عنه عواقب وخيمة تشكل فى مجملها تهديدًا جسيمًا للأمن القومى للدول.

اتساع نطاق الأسلحة ذاتية التشغيل:

تتسارع وتيرة استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل “الدرونز” من قبل عدة دول، الأمر الذى يثير حالة من الهلع؛ نتيجة لتزايد الخسائر البشرية التى تنجم عن الغارات التى تقوم بها هذه الطائرات خاصة إذا تم استخدامها فى مناطق سكنية كثيفة السكان، وتشير الدراسات إلى أن حوالى ٨٠٪ من الوفيات الناجمة عن هجمات الطائرات من دون طيار تحدث فى صفوف المدنيين، كما أنها تفتقر للقدرة على التمييز بين الأهداف العسكرية ونظيرتها المدنية، وبالتالى إحداث إصابات بين المدنيين بدلًا من توجيه الهدف نحو العدو المستهدف.

إرهاب الذكاء الاصطناعى:

شهدت الفترة الأخيرة لجوء بعض التنظيمات الإرهابية إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى شن عملياتهم المختلفة، وتوظيف الدرونز فى الهجوم على القواعد العسكرية ومواقع تخزين النفط والمطارات، واستهداف الدول المجاورة، أيضًا يتم استخدام السيارات ذاتية القيادة من قبل هذه الجماعات وذلك مثلما حدث فى هجوم برشلونة عام ٢٠٠٧، وشن هجمات فى برلين عام ٢٠١٦، وتمكن هذه التطبيقات التنظيمات الإرهابية من تنفيذ هجماتها التقليدية عن بعد دون الزج بالتابعين لها لتنفيذ هذه الهجمات.

إنتاج أسلحة بيولوجية:

يتم استخدام الذكاء الاصطناعى فى بعض الأحيان لإنتاج وتطوير الأسلحة البيولوجية، حيث يمكن التلاعب بالمضادات الحيوية والأدوية، وإنتاج عقاقير سامة يمكن توظيفها من قبل الجماعات المتطرفة والمختبرات البيولوجية؛ لاستخدامها فى ضرب الدول المستهدفة وتهديد أمنها القومى بكافة أبعاده وأشكاله.

تأثير الهجمات السيبرانية على الاقتصاد العالمى

مما لا شك فيه أن الهجمات الإلكترونية تشكل تهديدًا واضحًا للدول بشكل أو بآخر، ويعد تهديد الاستقرار المالى وتصاعد حدة الحروب التجارية بين الدول أحد أوجه المعارك الصامتة، بالإضافة لما يلى:

أولًا- تهديد الاستقرار المالى للدول:

فى حال استهداف المهاجمين الإلكترونيين المؤسسات المالية العالمية كالبنوك، يصبح العالم أمام كارثة حقيقية؛ نظرًا لتشابك اقتصاديات العالم، وبالتالى فأى هزة فى اقتصاد دولة ما يعقبها خلل فى اقتصادات الدول الأخرى المندرجة فى هذه الشبكة، كما أنها تؤدى إلى خلل فى الأنظمة المالية وقد تدفع إلى انهيار البورصات والأسواق المالية، ومن ثم تكبيد الدول خسائر مادية فادحة، وإحداث تشكيك فى المنظومة الأمنية، خاصة إذا أدت هذه الهجمات إلى التأثير على ودائع الأفراد والمدفوعات الخاصة بهم.

ثانيًا – زيادة حدة الحروب التجارية بين الدول:

يكمن خطر هذا النوع من الهجمات فى كونه يخترق الأسرار والمعلومات الاقتصادية الحساسة، ولعل الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية أبرز شاهد على ذلك، وتعود جذور هذه المعضلة لحقبة الرئيس دونالد ترامب، حيث اتهمت واشنطن بكين بسرقة معلومات متعلقة بالمنتجات والصناعات الأمريكية، فى محاولة لتقليدها وإغراق الأسواق الكبرى بها، وهو ما يؤدى إلى إحداث ضربة غير مباشرة للاقتصاد الأمريكى، وبحسب إحصائيات فمن المتوقع أن تتخطى تكلفة الهجمات الإلكترونية على الاقتصاد العالمى حاجز الـ١١,٥ تريليون دولار خلال العام الحالى، وتعد الولايات المتحدة من أكثر دول العالم تعرضًا لهذه الهجمات.

ثالثًا – التحول الرقمى وتهديد الأمن السيبرانى:

يشهد عالم اليوم حزمة من التحولات الرقمية واسعة المدى، والتى يزداد نطاق انتشارها يومًا بعد الآخر، وعليه إذا لم يتوافر غطاء أمنى رقمى قوى، سوف يشكل ذلك تهديدًا كبيرًا للأمن السيبرانى للدول، خاصة فى ظل تسارع اعتماد الصناعات المختلفة على المنتجات التكنولوجية الحديثة، وبالفعل ازداد عدد الهجمات السيبرانية العام الماضى؛ لذا فلابد من وضع قضية الأمن السيبرانى على قمة أولويات المؤسسات الصناعية والشركات الكبيرة أو حتى الصغيرة، بالإضافة إلى الهيئات الحكومية والمستشفيات وغيرها من الكيانات التى تندرج تحت مظلة التحول الرقمى.

أرقام وحقائق 2 حروب الشاشة الصامتة.. إلى أى مدى تؤثر على الأمن القومى للدول؟

الـجـهـود الـمـصـريـة فـى مـواجـهـة الـتـحـديـات الـسـيـبـرانـيـة

لم تكن مصر فى مأمن من الهجمات السيبرانية، فقد تأثرت كغيرها من الدول، حيث تعرضت شركة الشحن “ميرسك” لهجوم إلكترونى، وصلت تكلفته حوالى ٣٠٠ مليون دولار، إضافة إلى شركة النقل التشاركى “كريم” وشركة النقل الجماعى “سويفل”، وقد تعرضت مصر فى عام ٢٠٢١ لأكثر من ٤٦ مليون هجمة إلكترونية.

وأعلن مؤشر الأمن السيبرانى “چى سى أى” الصادر عن الاتحاد الدولى للاتصالات عن حصول مصر خلال ٢٠٢٠ على المركز الـ٢٣عالميًا بين ١٨٢ دولة، وقد اتخذت مصر خطوات مهمة لدعم الأمن السيبرانى من أهمها، تأسيس مجلس أعلى للأمن السيبرانى عام ٢٠١٥ ووضع إستراتيجية وطنية للأمن السيبرانى ٢٠١٧-٢٠٢١، إلى جانب تأسيس المركز الوطنى للاستعداد لطوارئ الحاسبات والشركات، كما جاءت مصر فى المرتبة الأولى عالميًا فى تنافسية قطاعى الإنترنت والهاتف خلال ٢٠٢١ وفقًا لمؤشر المعرفة العالمى.

  • إحصائيات مهمة:
  • تم شن قرابة ٢٣٦,١ مليون هجمة من برامج الفدية فى النصف الأول من عام ٢٠٢٢.
  • ٧١٪ من المنظمات فى جميع أنحاء العالم تعرضت لهجمات برامج الفدية فى عام ٢٠٢٢، حيث تحدث هجمات برامج الفدية كل ١٠ ثوان.
  • ٧١٪ من بين جميع الهجمات الإلكترونية ذات دوافع مالية، تليها سرقة الملكية الفكرية، ثم التجسس.
  • تواجه الطائرات المقاتلة من طراز إف ٣٥ هجمات إلكترونية من قبل صواريخ العدو.
  • من المتوقع أن تتجاوز التكلفة العالمية السنوية للجرائم الإلكترونية ٢٠ تريليون دولار بحلول عام ٢٠٢٦.
  • هناك ٢,٢٤٤ هجومًا إلكترونيًا يوميًا، أى ما يعادل أكثر من ٨٠٠ ألف هجوم سنوى، وهذا ما يقرب من هجوم واحد كل ٣٩ ثانية.
  • يعد اختراق الشبكة أو البيانات هو أكبر خرق أمنى يؤثر على مرونة المؤسسة وحساباتها، حيث تأثرت ٥١,٥٪ من الشركات بهذه الطريقة فى عام ٢٠٢٢.
  • الجريمة المنظمة مسئولة عن ٨٠٪ من جميع انتهاكات الأمن والبيانات.

سـبـل الـتـصـدى للـهـجـمـات الـسـيـبـرانـيـة

تتعدد سبل التصدى للهجمات السيبرانية على الصعيدين الوطنى والدولى، وذلك على النحو التالى:

أولًا: الـجـهـود الـوطـنـيـة:

بناء الجيوش السيبرانية:

لكى تتمكن الدول من التصدى للهجوم الإلكترونى، تقوم ببناء الجيوش السيبرانية، وتخصص ميزانيات ضخمة لتطوير مجال الدفاع والحماية والهجوم، وكدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التى تشهد اختراقات دائمة لأمنها السيبرانى، نجد أنها تتصدر المشهد فى تكوين جيوش إلكترونية لمجابهة هذا الخطر، وعلى شاكلة واشنطن، نجد كوريا الشمالية، التى تقتطع من ميزانيتها لتأسيس بنية إلكترونية دفاعية ضد المهاجمين الإلكترونيين.

رفع مستوى الوعى السيبرانى:

وذلك من خلال سعى الدولة على تشكيل هيئات وطنية للأمن السيبرانى؛ تهدف إلى رفع مستوى الوعى الإلكترونى، ووضع السياسات والإستراتيجيات اللازمة لذلك، ناهيك عن سن تشريعات وطنية، مثل قانون مكافحة الجرائم السيبرانية.

تفعيل آلية الجدران النارية:

تعد تقنية الجدران النارية أو ما يعرف بجدران الحماية من أهم الوسائل التى تعمل على صد الهجمات السيبرانية، حيث تقوم على تنقية المواقع غير الموثوق بها فى الحواسيب، مع مراقبة العمليات التى تمر عبر الشبكة الإلكترونية، أيضًا الركون إلى مضادات الفيروسات التى تستخدم لاكتشاف البرامج الضارة والتصدى للأضرار المحتمل حدوثها جراء ذلك، كما يمكن لهذه الآلية أن تتصدى لبرامج التجسس الإلكترونى.

ثانيًا: المساعى الدولية

الحد من سباق التسلح الإلكترونى:

فى ظل تسارع وتيرة الهجمات الإلكترونية، تسعى الدول إلى تسليح فضاؤها الإلكترونى بشكل أدى إلى خلق نوع من التنافس بين بعضها البعض، وهو ما قد ينتج عنه نشوب حرب سيبرانية تعقبها خسائر فادحة؛ نظرًا لامتلاك الأطراف المتحاربة قوة تكنولوجية هائلة، وقد ظهرت بوادر سباق التسلح فى الصراع الروسى مع إستونيا وجورجيا، ولعل أبرز شاهد على هذا السباق هو فيروس “ستاكسنت” الذى وجه ضد البرنامج النووى الإيرانى، وفى هذا الصدد نلاحظ أن زيادة وتيرة التسلح الإلكترونى يخلق معه عدم قدرة دولية لاحتواء هذا الخطر.

تأطير الممارسات السيبرانية:

كنتيجة للتقدم الملحوظ فى التكنولوجيا السيبرانية، أضحى المجتمع الدولى يتخوف من خطورة هذا التطور؛ لذلك كانت هناك رغبة ملحة من قبل العديد من الدول نحو السعى لتأطير العالم السيبرانى وسن تشريعات وقوانين على المستوى الوطنى لمعاقبة الجهات أو الأطراف التى تُقدم على الحرب الإلكترونية، وبناءً عليه تم إبرام اتفاقية بودابست بشأن الجريمة الإلكترونية عام ٢٠٠١، ليس ذلك فحسب بل تم وضع العديد من المعايير والأطر القانونية الحاكمة لهذا المجال، إلا أن الأمر يتوقف على فعالية التنفيذ وانصياع الدول لهذه المعايير.

الـخـاتـمـة:

مؤخرًا بات العالم يشهد تطورًا ملحوظًا فى تقنيات الذكاء الاصطناعى التى ربما تشكل تهديدًا يفوق التهديدات التى يتخوف منها العالم فيما يتعلق بالرعب النووى، حيث إن هذه التقنيات آخذه فى التطور بشكل يفوق الوصف، يتحكم فى القرارات المصيرية للدول، بل يكاد يتحكم فى مصير البشر ذاتهم، ومن ثم التأثير على أمن واستقرار الدول، وعليه لابد من تأطير قواعده الحاكمة ووضع حدًا لهذا التطور السريع، الذى ربما تكون عواقبه وخيمة لا يستطيع أحد السيطرة عليها، وبالتأكيد فإن الهجمات السيبرانية التى يشهدها عصر الثورة الصناعية أصبحت بمثابة الآفة التى تتفشى بشكل مزمن عبر شاشات صامتة؛ لتؤدى فى النهاية إلى شن حروب بلا دماء، ولكن قد يصل مداها إلى أبعد من ذلك، حيث وضع أسس أرض خصبة يدور عليها صراع ملتهب لا يمكن السيطرة عليه، وخلاصة القول، لابد من وجود قواعد قانونية نافذة تتحكم بشكل كبير فى منفذى هذه الهجمات وفرض عقوبات رادعة على الدول التى تتبع هذه الآلية، حتى يتم ضمان تحقيق الأمن السيبرانى، والحيلولة دون نشوب حروب مجهولة المصير.

كلمات مفتاحية