حشد عسكرى أمريكى متزايد فى مياه الخليج العربى وسط استعداد إيرانى.. الدلالات والتبعات

إعداد: شيماء عبد الحميد

لا تكاد مياه الخليج العربى تهدأ قليلًا من الصراعات الإيرانية الأمريكية، حتى تحتدم مرة أخرى فى ظل الخلاف النووى مع إيران، وعدد من الأحداث الأمنية والسياسية فى المنطقة، حيث تصاعدت التوترات ذات الصلة بمضيق هرمز مجددًا بين إيران والولايات المتحدة خلال الآونة الأخيرة، ما دفع كثير من المراقبين إلى التحذير من إمكانية عودة حرب ناقلات النفط التى وقعت فى ثمانينات القرن الماضى، خاصةً مع إعلان واشنطن إرسال تعزيزات عسكرية إلى الخليج لمواجهة الخطر الإيرانى، وهو ما يفتح باب التساؤل حول أثر التوتر القائم فى مياه الخليج وانعكاساته على أمن المنطقة الخليجية.

عودة اللعب بورقة ناقلات النفط:

منذ عام 2019 وحتى الآن، تلعب إيران بورقة الملاحة فى مياه الخليج العربى كأداة للضغط من أجل تحقيق مصالحها وأهدافها، مستغلة فى ذلك موقعها الجغرافى والأهمية الإستراتيجية التى يتمتع بها الخليج العربى وخاصةً مضيق هرمز، فكلما حدث توتر فى العلاقات بين طهران وواشنطن أو توقفت المحادثات بشأن البرنامج النووى الإيرانى؛ تلجأ إيران إلى ورقة حرب ناقلات النفط، ومع تجمد المحادثات النووية عاد التصعيد البحرى الإيرانى مجددًا بشكل متزايد فى الأشهر الأخيرة؛ حيث:

  • تشير الإحصائيات إلى تزايد كبير فى الهجمات الإيرانية؛ فبين 2021 ومنتصف يوليو 2023، ضايقت إيران أو هاجمت أو احتجزت ما يقرب من 20 سفينة تجارية ترفع علمًا دوليًا، مما يمثل تهديدًا واضحًا للأمن البحرى الإقليمى والاقتصاد العالمى.
  • أعلنت البحرية الأمريكية استيلاء القوات البحرية الإيرانية يوم 27 أبريل 2023، على الناقلة “Advantage Sweet” والتى كانت ترفع علم جزر مارشال فى حين كانت تبحر فى المياه الدولية لخليج عُمان، مع طاقمها المكون من 23 هنديًا وروسيًا، وكان على متنها 750 ألف برميل من الخام الكويتى والتى كانت تنقله لصالح شركة طاقة أمريكية.
  • فى 3 مايو 2023، عمدت زوارق إيرانية سريعة تابعة للقوات البحرية إلى محاصرة ناقلة النفط اليونانية “Niovi” التى ترفع علم بنما، فى مضيق هرمز مرغمةً إياها على التوجه إلى المياه الإقليمية الإيرانية قبالة سواحل مدينة بندر عباس، بينما كانت السفينة تبحر من دبى الإماراتية لتعبر الخليج باتجاه ميناء الفجيرة فى الإمارات.
  • أعلن الأسطول الخامس الأمريكى يوم 5 يوليو الماضى، منع محاولتين لمصادرة ناقلتى نفط تجاريتين من قبل البحرية الإيرانية فى مضيق هرمز وخليج عُمان، وكانت الناقلتان المستهدفتان هما ناقلة النفط والمواد الكيميائية “تى آر إف موس”، التى ترفع علم جزر مارشال والمملوكة لسنغافورة وتديرها هونغ كونغ، وناقلة “ريتشموند فوياجر”، التى ترفع علم جزر البهاما ومملوكة لليونان وتديرها الولايات المتحدة، والتى كانت تنقل النفط الخام من محطة “رأس الجعيمة” السعودية إلى سنغافورة، فيما كانت الناقلة “تى آر إف موس” قد حملت النفط للتو من السعودية من محطة “ميناء الملك فهد الصناعى” فى الجبيل متجهة إلى الصين.
  • تشير التقارير الأمريكية إلى أن المواجهة مع “تى آر إف موس” انتهت بسرعة وهدوء، إلا أن الحادثة المتعلقة “بريتشموند فوياجر” كانت أكثر خطورة، إذ فتحت حراقة حربية من طراز “باياندور” تابعة للقوات البحرية الإيرانية، والتى كانت على الأرجح المدمرة “آى آر آى إس – نقدى 82″، النار على الناقلة من مسافة قريبة نسبيًا أثناء وجود طائرة استطلاع أمريكية، وذلك باستخدامها أولًا الانفجارات الجوية لإرغامها على تغيير مسارها أو التوقف، ثم توجيهها نيران المدافع الرشاشة الثقيلة مباشرةً إلى منطقة إقامة طاقم السفينة الأمريكية عندما رفض طاقمها الامتثال، وذلك باستخدام قذائف خارقة للدروع من عيار 40 ملم.
  • من جانبها؛ أوضحت إيران أن احتجاز الحرس الثورى الإيرانى لناقلة النفط “ريتشموند فوياغر” جاء بناءً على أمر قضائى صادر بحق الناقلة بعدما اصطدمت بسفينة إيرانية فى خليج عُمان مما أسفر عن إصابة 5 من طاقمها المكون من 7 أفراد، كما أوضحت السلطات الإيرانية أنها طلبت من الناقلة التوقف ولكنها لم تستجيب مما استدعى إطلاق أعيرة نارية عليها.
  • احتجزت القوة البحرية التابعة للحرس الثورى يوم 14 يوليو 2023، ناقلة نفط أجنبية فى مياه الخليج، تحمل مليون لتر من الوقود، وزعمت إيران أن الناقلة كانت تحمل نفط مهرب، وأن قرار الاحتجاز تم بناءً على أمر قضائى صادر من محكمة إيرانية.

قوة ردع أمريكية واستنفار إيرانى:

فى ضوء المناوشات البحرية سالفة الذكر والاتهامات الأمريكية لإيران بالإضرار بأمن الملاحة فى مياه الخليج العربى، قررت الولايات المتحدة تعزيز وجودها العسكرى وخلق قوة ردع مجهزة فى مياه الشرق الأوسط ضد التهديدات البحرية الإيرانية؛ حيث:

  • أرسلت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” فى يوليو 2023، طائرات مقاتلات إضافية من طراز “إف-35، وإف-16″، بهدف منح غطاء للسفن العابرة من مضيق هرمز، وتعزيز سرب مقاتلات “A-10” الهجومية، التى تجرى دوريات فوق المنطقة.
  • تضمنت التعزيزات أيضًا مجموعة الاستعداد البرمائية “يو.إس.إس. باتان”، التى تضم وحدة استكشافية بحرية تحتوى على إمكانيات العمليات الخاصة المعتمدة حديثًا، ومدمرة دفاع صاروخى باليستى إضافية، إلى جانب سفينة “يو.إس.إس. ماك فاول”، وهى مدمرة دفاع صاروخى باليستى من الجيل الثانى من طراز “إيجيس” مجهزة برادار “إيه. إن. سباى-1” مطور، وصواريخ اعتراضية متقدمة من طراز “إس.إم.- 3 بلوك آى، قادرة على الاشتباك فى منتصف المسار مع الصواريخ الباليستية قصيرة المدى بشكل أكثر فعالية.
  • فضلًا عن نشر مدمرة الدفاع الصاروخى الباليستى “يو.إس.إس. توماس هاندر دي.دي. جي.-116” من الجيل الرابع من طراز “إيجيس”، وتتمتع هذه المدمرة بقدرات أكبر من “ماك فاول” ويمكن أن توفر رادعًا أفضل ضد التهديدات الجوية والصاروخية الإيرانية، وقد جاءت إلى الشرق الأوسط وعلى متنها أكثر من 24 طائرة مروحية وثابتة الجناح، منها طائرات إقلاع عمودى من طراز “أوسبري” وطائرات هاريير.
  • أعلنت القيادة المركزية الأمريكية نشرها سربًا من 12 مقاتلة من طراز “إف 35 لايتنينغ 2” فى الشرق الأوسط؛ لتعزيز القدرات الجوية فى منطقة مسؤوليتها، كجزء من العمليات الهادفة لردع إيران عن الأعمال الاستفزازية.
  • أعلنت البحرية الأمريكية يوم 25 يوليو الماضى، إطلاق الطائرة المسيرة من طراز “إيروفيل فليكسوروتور” من المدمرة “يو إس إس كول” فى خليج عُمان.
  • أفادت تقارير وتصريحات لمسؤولين أمريكيين يوم 3 أغسطس الجارى، بأن الولايات المتحدة قد تعرض قريبًا وضع بحارة مسلحين وقوات من مشاة البحرية “المارينز” على متن السفن التجارية التى تعبر مضيق هرمز فى ظل ما يتردد عن محاولات من إيران لاختطاف سفن فى المياه الدولية، وأن الجيش الأمريكى بدأ يدرب بالفعل بعض جنود مشاة البحرية فى الشرق الأوسط ليكونوا على متن السفن، ولكن نشر الحراسة الأمنية سيكون بناءً على طلب رسمى من السفن التجارية المارة.
  • وصل يوم 6 أغسطس الجارى، أكثر من 3 آلاف بحار أمريكى إضافى إلى الشرق الأوسط، كجزء من خطة وزارة الدفاع الأمريكية سالفة الذكر.

      أثارت تلك التحركات الأمريكية حفيظة إيران؛ وفى أول رد إيرانى، قال المتحدث باسم الأركان المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجى، إن دول المنطقة قادرة على ضمان أمن الخليج بنفسها، فيما قال قائد الحرس الثورى حسين سلامى أن ليست هناك حاجة على الإطلاق لوجود القوات الأمريكية أو حلفائها الأوروبيين أو غير الأوروبيين فى المنطقة، ولم تكتفِ طهران بالتصريحات فقط، بل أخذت خطوات استنفار عسكرية تحسبًا لأى تحرك أمريكى ضد السفن التابعة لها، حيث:

  • أجرى الحرس الثورى مناورات عسكرية مفاجئة بدأت يوم 2 أغسطس الجارى، بمشاركة وحدته البحرية وميليشيا الباسيج، حملت اسم “إسحاق دارا” وهو قيادى قُتل فى مواجهات مباشرة مع القوات الأمريكية خلال حرب الناقلات التى شهدتها منطقة الخليج خلال حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق.
  • وقعت المناورات فى جزيرة أبو موسى الإماراتية التى تسيطر عليها طهران، وأيضًا فى محيط جزيرتى طنب الكبرى وطنب الصغرى اللتين تقعان قرب مضيق هرمز، حيث تشرف هذه الجزر الإستراتيجية على المضيق، وبالتالى من يسيطر على هذه الجزر يرصد بسهولة حركة الملاحة البحرية فى الخليج، مما يجعلها مركزًا ملائمًا للرقابة العسكرية.
  • شهدت المناورات انتشار 1500 عنصر بين 30 رجل دين من ميليشيا الباسيج؛ الذراع التعبوية للحرس الثورى، ومشاركة 50 جنديًا فى التدريب على اعتداء جوى بطائرات مروحية، واستخدام طائرات مسيرة جوية وبحرية، وقاذفات وراجمات صواريخ، وقوارب “ذو الفقار” التى تحمل على متنها صواريخ.
  • قامت وحدات مختلفة من بحرية الحرس الثورى الإيرانى، بما فى ذلك وحدات القتال البحرية المزودة بالصواريخ والطائرات دون طيار ووحدات الرد السريع والحرب الإلكترونية والوحدات المحمولة جوًا، المدعومة من القوة الجوية للحرس الثورى الإيرانى، بالتجهيز لممارسة مجموعة من التكتيكات العسكرية فى التدريبات، واستخدمت البحرية التابعة للحرس الثورى الإيرانى أيضًا زوارق سريعة لإطلاق الصواريخ تصل سرعتها إلى 90 عقدة، ومركبات جوية دون طيار، وزودت السفن بحرية بأسلحة تعمل عن بُعد تعمل بالذكاء الاصطناعى، وطائرات برمائية، وصواريخ بالستية بحرية دقيقة الضربات.
  • شملت المناورات أيضًا إطلاق قوارب سريعة جديدة تحمل على متنها منصات لإطلاق صواريخ كروز بحرية يصل مداها لـ600 كيلومتر.
  • أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية، يوم 24 يوليو الماضى، تزويد القوات البحرية فى الجيش الإيرانى والوحدات الموازية لها فى الحرس الثورى، بأنواع مختلفة من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز المزودة بالذكاء الاصطناعى والتى يتراوح مداها بين 300 و1000 كيلومتر، وذلك بعد أيام من إرسال الولايات المتحدة مقاتلات وسفنًا إلى المنطقة لردع التهديدات وتأمين السفن التجارية.
  • أعلنت إيران عن دخول صاروخ كروز إستراتيجى بعيد المدى باسم “أبو مهدى المهندس” إلى الخدمة، رغم أن الصاروخ مدرج على قائمة العقوبات الأمريكية، ويأتى تزويد الوحدات البحرية بالصاروخ الجديد بعد ثلاث سنوات من إعلان طهران إنتاجه فى أغسطس 2020.
  • يبلغ مدى الصاروخ 1000 كيلومتر، وهو مزود برأس حربية ويزيد قدرات الدفاع البحرى الإيرانى أضعاف المرات السابقة، فضلًا عن قدرته على التحليق على علو منخفض وتخطى أنظمة الرادار وخوض الحرب الإلكترونية.
  • الصاروخ لديه قدرة على إبعاد حاملات الطائرات من المياه الإقليمية القريبة من إيران، ويمكن إطلاقه من السفن والفرقاطات والمدمرات والمنصات الثابتة، ويمكنه تحديث نظام التوجيه والملاحة أثناء التحليق حتى بلوغه الهدف النهائى.

الدلالات والتبعات:

لا شك أن تعزيز الحشد العسكرى الأمريكى فى المنطقة والخطوات المقابلة التى اتخذتها إيران، تحمل مخاطر وتبعات جمة على أمن الخليج العربى، نظرًا لما تضمنه من دلالات ترتبط بالسياق والتوقيت؛ وذلك وفقًا لما يلى:

أولًا؛ الدلالات:

أ. تغير النهج الأمريكى تجاه التواجد فى الشرق الأوسط؛ تعزيز الوجود العسكرى الأمريكى فى مضيق هرمز يعكس تغيرًا نسبيًا طرأ على فكر إدارة الرئيس “جو بايدن” الذى تمثل فى خفض التدخل العسكرى الأمريكى فى الشرق الأوسط، وتركيز الاهتمام والموارد فى منطقة شرقى آسيا والمحيط الهادئ.

ولكن هناك بعض العوامل التى طرأت قد تكون غيرت من هذا الفكر؛ منها أن إدارة “بايدن” اكتشفت بعد مواقف حلفائها من دول مجلس التعاون تجاه الحرب الروسية الأوكرانية أن لإدارة الولايات المتحدة ظهرها لهؤلاء الحلفاء أثمانًا باهظة، على رأسها اتجاه تلك الدول إلى شركاء منافسين لواشنطن وفى مقدمتهم الصين وروسيا، لذلك تعمل الولايات المتحدة على إعادة هيكلة سياساتها الخارجية.

كما يرتبط التغير المفاجئ فى السياسة الأمريكية بدرجة كبيرة بمحاولة وقف التوجه الخليجى المتنامى للتعاون مع إيران عسكريًا، بعد أن وجدت دول مجلس التعاون أن أحد بدائلها فى التصدى للتهديدات الإيرانية هو التنسيق والتعاون مع مصدر التهديد ذاته فى ظل ضعف أو تردد أو غياب الموقف الأمريكى الرادع للتهديدات الإيرانية فى الخليج العربى.

ب. عمق الخلافات المتصاعدة بين واشنطن وطهران فى ملف الاتفاق النووى؛ تعزيز القدرات العسكرية الأمريكية يهدف إلى تعظيم الضغوط على طهران لانتزاع تنازلات فى المفاوضات غير المباشرة التى تجرى حاليًا بوساطة سلطنة عُمان، وكسب أكبر قدر من الامتيازات على طاولة المفاوضات النووية عبر التلويح لايران أن جميع الخيارات ستكون مطروحة على الطاولة فى حال فشل العملية التفاوضية.

ج. إبقاء مضيق هرمز مفتوحًا أمام الملاحة من بين أولويات إدارة بايدن؛ وذلك لضمان عدم ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، فى ظل الضغط الذى تتعرض له الأسواق جراء الحرب (الروسية – الأوكرانية)، حيث يُعد المضيق أحد أهم المضائق البحرية والتجارة النفطية فى العالم، حيث يمر منه حوالى ثلث تجارة النفط العالمية، أى ما بين 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميًا، ولذلك أى عرقلة للملاحة فيه سيؤدى إلى إحداث فوضى فى سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع تكاليف التوريد وأسعار الطاقة.

د. احتدام التنافس الدولى على مياه الخليج العربى؛ أضحت السيطرة على مضيق هرمز والتجارة الدولية العابرة منه أحد أهم أدوات الضغط والتهديد وتوازن القوى بالنسبة لبعض الفاعلين الإقليميين مثل إيران، وقد باتت هذه الصراعات تُترجم فى المزاحمة والاستقطاب الواقع فى مضيق هرمز، ومع زيادة الأهمية الإستراتيجية للمضيق نتيجة لتبعات الحرب (الروسية – الأوكرانية) وخاصةً أزمتى الغذاء والطاقة؛ انتقل الصراع من مواجهة عسكرية عادية أو صراع اقتصادى وتجارى إلى مواجهة اقتصادية وجيواستراتيجية فى مضيق هرمز والتى أحد أشكالها حرب الناقلات، والاستهداف المتبادل بين واشنطن وطهران.

هـ. خيار إيران للتهدئة فى الإقليم ليس إستراتيجيًا؛ لأن الجوهر والأسس الأيديولوجية للنظام الإيرانى قائمة على فكرة تصدير الثورة والتوسع والتدخل فى شؤون الدول الأخرى، وأكبر دليل على ذلك بقاء الممارسات الإيرانية البحرية كما هى، وسلوك طهران هذا يعنى أن عملية خفض التصعيد السياسى الراهنة بينها وبين دول الخليج العربى، والتى يجسدها استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بوساطة الصين فى 10 مارس الماضى، ليست كافية لضمان الأمن البحرى فى الخليج وحول شبه الجزيرة العربية.

ثانيًا؛ التبعات:

هذا المشهد سيكون له انعكاساته الأمنية المختلفة على المنطقة الخليجية، ولكن اختلفت الآراء بشأن تلك الانعكاسات؛ وتراوحت بين المواجهة المفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران، والمناوشات البحرية المحدودة بين الجانبين، وهو ما يمكن إيضاحه على النحو التالى:

أ. السيناريو الأول؛ عودة حرب الناقلات من جديد فى الخليج: يرى هذا السيناريو أن بعد قرار الولايات المتحدة وضع قوة عسكرية على متن الناقلات البحرية التجارية، سيكون هناك تصعيد عسكرى أمريكى يجرى فى الخليج، مما ينذر باندلاع حرب بحرية مفتوحة بين واشنطن وطهران، خاصةً وأن القوى العسكرية التى قررت الولايات المتحدة نشرها، ستصبح أهدافًا لنيران طهران، وبالتالى وجودهم يحمل خطرًا إضافيًا يتمثل بجر الولايات المتحدة إلى صراعات مسلحة أكبر.

سيؤدى هذا السيناريو إلى الإضرار بأمن الملاحة البحرية الخليجية وحركة النقل البحرى، وربما سيكون لها انعكاسات سلبية على التجارة العالمية إذا ما تضررت الملاحة الخليجية كثيرًا نتيجة تصاعد التوتر، كما سيؤدى إلى تعطل إمدادات النفط إلى السوق الدولية.

ب. السيناريو الثانى؛ الاكتفاء بمواجهات صغيرة دون التحول لحرب مفتوحة: يفترض هذا السيناريو أن تستمر حالة المراوحة بين الطرفين بشأن التهديدات المحدودة للطرفين دون أن يؤدى ذلك إلى تطور التهديد إلى مستويات أعلى، وهذا التصعيد المحدود خلال الأشهر القليلة المقبلة قد يشمل سجالًا دبلوماسيًا واحتكاكات بحرية ومصادرة ناقلات نفطية فى خليج عُمان، وربما ضربات متبادلة بين القوات الأمريكية والميليشيات المتحالفة مع إيران.

ويستبعد هذا السيناريو أن تشهد مياه الخليج مواجهات مباشرة بين الجانبين، مرجعًا ذلك لأسباب مختلفة منها: تعلم واشنطن أن الدخول فى مواجهة بحرية فى مياه الخليج حاليًا ربما لا يفيدها، وقد يدفع روسيا والصين حينها لدعم طهران فى سبيل الانتقام من واشنطن، كما أن التقارب الخليجى الإيرانى يمثل معضلة كبيرة لواشنطن، حيث كانت الولايات المتحدة تواجه إيران عبر حلفائها بالخليج، لكن اليوم سيكون من الصعب الاعتماد عليهم، واستخدام أراضيهم فى حال فكرت بالقيام بأى هجمات ولو محدودة، فضلًا عن القلق الأمريكى والإقليمى من تأثر التجارة الدولية نتيجة التصادم مباشرة مع الهجمات الإيرانية فى المياه الإقليمية للمنطقة الخليجية، وهو ما يدفع الولايات المتحدة وحلفاءها الإقليميين إلى تجنب تصعيد التوتر الأمنى هناك.

وإجمالًا:

لا شك فى أن مياه الخليج العربى تتمتع بأهمية إستراتيجية دولية تجعلها فى قلب اهتمام القوى الإقليمية والدولية، وينعكس ذلك فى حجم الوجود العسكرى الدولى فى هذه المنطقة، والتوتر الحالى بين إيران والولايات المتحدة ما هو إلا إحدى صور التنافس والاستقطاب الذى تشهده منطقة الخليج العربى استغلالًا لأهميتها، مما يهدد بأن يكون الخليج ساحة حرب محتملة، الأمر الذى سيكون له تداعيات أمنية خطيرة لا تمس أمن دول المنطقة فقط، بل سيكون لها انعكاسات دولية خاصةً فيما يخص التجارة العالمية واستقرار سوق الطاقة.

كلمات مفتاحية