بقلم السفير محمد الصوفي
مستشار الشؤون الأفريقية
يُجرى قادة مالي و بوركينا افاسو و النيجر الأعضاء في ما أصبح يُعرف بتحالف الساحل سلسلة اتصالات و صدرت عنهم تصريحات على مختلف المستويات بشأن إصدار عملة موحدة لهذا التحالف. و مع أن اجتماع وزراء خارجية دول التحالف الأخير في واغادوغو لم يتم التطرق إلى موضوع العملة الموحدة بصفة مباشرة ،إلا أن قادة دول التحالف لم يترددوا في تصريحات سابقة في إعلان أنهم بصدد إصدار هذه العملة الموحدة.
لإصدار العملة الموحدة يجب على دول تحالف الساحل الخروج أولا من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لدول غرب إفريقيا الذي تستخدم الدول الثمانية الأعضاء فيه الفرنك الغرب إفريقي كعملة موحدة.
لكن الانسحاب من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لدول غرب إفريقيا سيترتب عليه فقدان الدول المنسحبة للامتيازات التي ما زالت تستفيد منها حتى اللحظة لأنها حين انسحبت من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في يناير الماضي لم تعلن انسحابها من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لدول غرب إفريقيا ربما محافظة على حزام أمان لاقتصادياتها كما يشير أحد الدبلوماسيين من المنطقة لأن البلدان استمرت في الاستفادة من نفس الامتيازات التي كانت تحصل عليها من الإكواس بموجب عضويتها في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لدول غرب إفريقيا.
يتعين إذن على دول مالي والنيجر وبوركينافاسو ليتحقق خروجها من منطقة الفرنك الإفريقي وتتمتع بسياسة نقدية خاصة بها أن تقبل بفقدان الامتيازات التي تمنحها عضوية الاتحاد الاقتصادي والنقدي لدول غرب إفريقيا وهي الامتيازات التي تعتمد عليها هذه الدول حاليا للحد من الانعكاسات الاقتصادية والبشرية السلبية التي ترتبت على خروجها من منظمة الإكواس فذلك هو الثمن الذي يتعين على دول ما أصبح يعرف بتحالف الساحل أن تدفعه للخروج من منطقة الأفرنك وامتلاك عملة موحدة خاصة بهذا التحالف.
ورغم كون الأفرنك الغرب إفريقي يعدُّ من تركة حقبة الاستعمار إلا أن قوته تعتمد على الناحية الرمزية فقط منذ بعض الوقت، ذلك أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وفرنسا قررتا في نهاية 2019 التوقيع على وثيقة الموت البطيء لهذه التركة الاستعمارية من خلال استبدال إفرنك غرب إفريقيا في بلدان منظمة الإكواس بعملة خاصة بهذه الدول اختاروا لها تسمية الإيكو.
إلا أن إصدار هذه العملة يمثل عملية معقدة وطويلة المدى ومن المقرر أن يتم إصدار هذه العملة سنة 2027 وهو أجل ليس نهائيا حسب بعض المصادر وفرنسا لم تعد منذ نحو أربع سنوات عضوا في هيئات البنك المركزي لدول غرب إفريقيا ولم تعد لديها إلزامية تخزين نصف احتياطي العملة الصعبة في الخزينة الفرنسية ففرنسا لحد اليوم تلعب دور الضامن المالي فقط للحفاظ على القيمة المتماثلة الثابتة بين الأورو و الأفرنك الإفريقي لضمان قيمته التبادلية.
ولكن إذا خرجنا من السياق السياسي ودخلنا المجال الاقتصادي والنقدي البحت فإن دول تحالف الساحل حسب الخبراء لكي تصدر عملة خاصة بها يجب أن تمتلك احتياطات كبيرة من العملة الصعبة لتضمن استقرار عملتها الجديدة والمعروف أن مالي والنيجر وبوركينافاسو مجتمعة لا تمتلك هذا الاحتياطي ولكن تمتلك المواد الأولية خاصة الذهب بالنسبة لمالي وبوركينافاسو والبترول واليورانيوم بالنسبة للنيجر ولكن خبراء الاقتصاد يعتبرون هذه الدول في المرحلة الحالية لا تتوفر على أرصدة تمكنها من أن تلعب دور الضامن لعملتها الجديدة.
ولا يقتصر إصدار عملة خاصة لهذه الدول على امتلاكها رصيدا معتبرا من العملة الصعبة بل لابد أيضا من أن تمتلك هذه الدول بنية تحتية لسك هذه العملة والاستثمار لتكييف أنظمة الدفع مع العملة الجديدة بالإضافة إلى تكوين رصيد تثبيت وإنشاء بنك للاستثمار.
ويبدو أن هذه المتطلبات لا تحد من عزيمة قادة تحالف الساحل مع أنهم لم يحددوا سقفا زمنيا لتحقيق هذا الطموح الكبير ولا تتعلق الاعتبارات فقط بالشروط المادية لخروج تحالف الساحل من منطقة الأفرنك ولا تتوقف فقط على انعكاسات هذا القرار ولكن الموازنة بين الامتيازات والمخاطر بالنسبة للدول الثلاث المعنية بإصدار هذه العملة تطرح أسئلة أخرى تتعلق بالاستقرار النقدي على المدى الطويل للعملة الجديدة وجاذبيتها بالنسبة للمستثمرين الخارجيين بالإضافة إلى قدرة هذه الدول على تكوين أرصدة على الأسواق العالمية وفي جميع الأحوال فإن سكان هذه الدول هم الذين سيستفيدون أو يتضررون من تبعات هذا القرار الطموح والسياسي في نفس الوقت.