حلقة جديدة من مسلسل التصعيد الإسرائيلي

إعداد : مصطفى أحمد مقلد

مقدمة:

اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي «المسجد الأقصى»، واعتدت على المعتكفين داخله بالضرب، واعتقلت عددًا منهم، وأعلنت الشرطة الإسرائيلية، توقيف “أكثر من 350” شخصًا في «الحرم القدسي»، وذلك قُبَيْل بدْء «عيد الفصح اليهودي»، الذي يتم الاحتفال به، من “5 إلى 12” أبريل الجاري، وبرَّرته سلطات الاحتلال، بوجود من وصفتهم بالمحرضين داخل المسجد، وعقب إخراج المعتكفين والمصلين، اقتحم مستوطنون باحات الأقصى، تحت حراسة مُشدَّدة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكانت جماعات يهودية متطرفة، قد دعت إلى اقتحام الأقصى، وذبْح القرابين داخل باحاته، بالتزامن مع «عيد الفصح اليهودي».

في المقابل، لبَّى مئات المصلين دعوةً من القُوى والفصائل الوطنية والإسلامية للاعتكاف في المسجد؛ للتصدي لدعوات الجماعات اليهودية؛ لاقتحام المسجد، وخرجت مسيرات في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية؛ تنديدًا بما يجري في المسجد الأقصى.

وضع الأقصى:

عبَّرت الدول العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، عن استنكارهم اقتحام الشرطة الإسرائيلية الأقصى، وحثُّوا إسرائيل على احترام الوضع القانوني والتاريخي فيه، إلَّا أن «تل أبيب» أعلنت سعيها إلى الحفاظ على الوضع الراهن، وذلك خلافًا للمطالبات «الفلسطينية، والأردنية، والعربية»، باحترام “الوضع التاريخي والقانوني للأقصى”؛ إذ إن الوضع الراهن بات يختلف عن التاريخي والقانوني مع التغيُّرات التي تُجريها إسرائيل فيه، خلال السنوات الماضية.

واتهم مستشار ديوان الرئاسة الفلسطينية لشؤون «القدس»، إسرائيل بالسعي لفرض أمرٍ واقعٍ لتقسيم «الأقصى»، وإنهاء الوصاية الأردنية على المُقدسَّات في «القدس»، والقضاء على الوضع التاريخي والقانوني؛ لفرض سيادتها على «الأقصى»؛ لتحقيق التقسيم الزماني والمكاني، الذي يسعى إليه الاحتلال والمستوطنون في «المسجد الأقصى»، كما حصل في «المسجد الإبراهيمي» بمدينة «الخليل»، الذي قسَّمته إسرائيل إلى جُزْأَيْن، واحد للمسلمين والثاني لليهود.

محاولة احتواء التوتُّرات:

أصدرت حكومة «نتنياهو»، خلال شهر مارس الماضي، تصاريح لـ9 نقاطٍ استيطانيةٍ، أقامها مستوطنون يهود في الضفة الغربية، وأعلنت بناءً جماعيًّا لوحدات جديدة في مستوطنات قائمة، في تحرُّكٍ أثار استياءً شديدًا حتى من جانب الولايات المتحدة.

لذا خلال زيارته، طالب وزير الدفاع الأمريكي إسرائيل، باتخاذ خطوات لتقليل التوتُّرات في الضفة الغربية، وعبَّر عن انزعاج «واشنطن» من عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وتوسيع المستوطنات والخطاب التحريضي.

وفي سياقٍ موازٍ، كان اجتماعٌ عُقِدَ في 26 فبراير، في «العقبة» بالأردن، التقى خلاله «مسؤولون أمنيون، وسياسيون “أردنيون، ومصريون، وفلسطينيون، وإسرائيليون، وأمريكيون بارزون”»، وكان الأول من نوعه منذ أعوام، أخفق في وقْف العنف، على رغم تعهدات «إسرائيلية، وفلسطينية»، بخفْض التصعيد؛ لذا تكرَّر الاجتماع تلبية لدعوة «القاهرة» في مدينة «شرم الشيخ»؛ استكمالاً للتفاهم الذي تمَّ التوصُّل إليه في «العقبة».

أوضح بيان اجتماع «القاهرة»، أن حكومة إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، جدَّدتا استعدادهما والتزامهما المشترك، للتحرُّك بشكلٍ فوريٍّ؛ لإنهاء الإجراءات الأُحادية، لفترة من 3 إلى 6 أشهر، ويتضمن ذلك التزامًا إسرائيليًّا، بوقْف مناقشة أيِّ وحدات استيطانية جديدة، لمدة 4 أشهر، ووقْف إصدار تراخيص لأيِّ نقاطٍ استيطانيةٍ، لمدة 6 أشهر.

كما أكَّد الجانبان مجدَّدًا، التزامهما الراسخ بكافة الاتفاقات السابقة بينهما، خصوصًا؛ الحق القانوني للسلطة الوطنية الفلسطينية، في الاضطلاع بالمسؤوليات الأمنية في المنطقة (أ) بالضفة الغربية، تماشيًا مع الاتفاقات القائمة، واتفقا على استحداث آلية للحدِّ من العنف، والتصدِّي للتحريض والتصريحات والتحرُّكات التي قد تتسبب في اشتعال الموقف، وآلية أُخرى لاتخاذ الخطوات اللازمة؛ لتحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني، طبقًا لاتفاقات سابقة، بما يُسْهِم بشكلٍ كبيرٍ في تعزيز الوضع المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية، على أن ترفع هذه الآلية تقارير لقيادات الدول الـ5 في أبريل، عند استئناف فعاليات جلسة الاجتماع في «شرم الشيخ».

وأكدت الأطراف التزام عدم مساس الوضعية التاريخية القائمة للأماكن المقدسة في «القدس»، كما شدَّدت في هذا الصدد، على الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية.

استمرار الانتهاكات:

غير أن إسرائيل صادقت على تعديل قانون فكِّ الارتباط، الذي يتيح العودة للاستيطان في 4 مستوطنات على الأقل في الضفة، كما باشرت بلدية «القدس»، بإجراءات تنظيمية وميدانية؛ لبناء حيِّ استيطاني جديد في «القدس»، وبمجرد بنائه، سيتحقق فصْلٌ جغرافيٌّ بين «القدس، وبيت لحم» في الضفة، ويُشكِّلُ هذا الفصل واحدًا من أخطر الخطوات التي تعمل إسرائيل على تنفيذها؛ لفرض أمرٍ واقعٍ على الأرض، يمنع إقامة دولة فلسطينية.

توتُّرات موازية:

وافقت إسرائيل على تشكيل “حرس وطني”، تحت قيادة «بن غفير»؛ للتركيز على الاضطرابات في مناطق فلسطينيِّ «القدس، والضفة، وعرب 48»، لكنها أرجأت قرار تعيين قائد له، بعد أن عبَّر خصوم «بن غفير» السياسيون، عن قلقهم من تحوُّل القوة إلى “ميليشيات” طائفية، وتدور نقاشات حول جعلها تابعة لقوة الشرطة، أو هيئة مستقلة، تابعة لـ«بن غفير» مباشرةً، وبذلك تصبح أداة بطْشٍ سياسيةٍ.

تعليق الجامعة العربية:

حذَّرت جامعة الدول العربية من “دوامة عنف تهدد الاستقرار في المنطقة، وعقدت الجامعة العربية، اجتماعًا طارِئًا على مستوى المندوبين الدائمين في مقرها بـ«القاهرة»؛ لبحث التحرُّك العربي والدولي، ورفضت الجامعة التي اجتمع مجلسها؛ بناءً على طلب الأردن “المحاولات الرامية إلى تغيير الوضع التاريخي والقانوني، القائم في المسجد الأقصى المبارك وتقسيمه، زمانيًّا ومكانيًّا، ومحاولة السيطرة على إدارة الأوقاف الإسلامية الأردنية في «القدس» المحتلة، والاعتداء على موظفيها، ومنعهم من ممارسة عملهم.

مجلس الأمن:

عقد «مجلس الأمن» جلسةً طارئةً مغلقةً؛ لمناقشة الانتهاكات الإسرائيلية في «المسجد الأقصى»، بطلب «أردني – فلسطيني» مشترك، وبالتنسيق مع «الإمارات العربية المتحدة، والصين»، في وقتٍ تصاعدت فيه حِدَّة التوتُّر بين فصائل المقاومة المسلحة في قطاع «غزة، وإسرائيل»؛ حيث دعا وزيران في الحكومة الإسرائيلية؛ لتصعيد عسكري في «غزة، والضفة الغربية»، بعد أن أطلقت الفصائل الفلسطينية عِدَّةَ صواريخ تجاه إسرائيل.

غير أن جلسة «مجلس الأمن» انتهت دون التوصُّل لتوافقٍ، إزاء التطورات، وبحسب مطلعين، فإن «واشنطن» عرقلت إصدار بيان للمجلس، يُدين العنف ضد المدنيين، واستهداف الأماكن المقدسة، ولم يعلق «البيت الأبيض» على هذه المعلومات.

وهذه هي المرة السابعة هذا العام، التي يجتمع فيها أعضاء المجلس، بشأن “الحالة في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية”؛ حيث يجتمع المجلس عادةً، مرةً في الشهر، في إطار هذا البند من جدول الأعمال، وسيجتمع المجلس رسميًّا في 25 أبريل الجاري، على المستوى الوزاري؛ لمناقشة القضية الفلسطينية، في اجتماعٍ مفتوحٍ، يترأَّسه وزير الخارجية الروسي “لافروف”.

مواجهات متجددة:

شنَّت طائرات حربية إسرائيلية، الأربعاء، غارات على قطاع «غزة»، على موقع تدريب تابع لـ”كتائب عز الدين القسام” (الجناح المسلح لحركة حماس)، غرب مخيم «النصيرات» للاجئين، في وسط القطاع، وضربت أهداف جنوب غرب مدينة «غزة»، بعد إطلاق عدة صواريخ من القطاع على جنوب إسرائيل.

وتجدَّدت المواجهات ليل الخميس؛ حيث هاجمت إسرائيل أهدافًا في القطاع، وأُخرى جنوب لبنان، تابعة لحركة “حماس”، في أعقاب هجماتٍ صاروخيةٍ، من لبنان، استهدفت إسرائيل، وفي بيانٍ للجيش الإسرائيلي، صرَّح أنه “لن يسمح «حماس» بالعمل من داخل لبنان، ويُحمِّل دولة لبنان مسؤولية كل نيران موجهة تنطلق من أراضيها”.

وعليه؛ تقدَّم لبنان بشكوى رسمية لـ«مجلس الأمن» الدولي، “على أثر القصف الإسرائيلي المتعمد، لمناطق في جنوب لبنان؛ ما يشير إلى أن الأمور لا تسير لتصعيدٍ عسكريٍّ على هذه الجبهة؛ حيث أكدت وزارة الخارجية اللبنانية، في بيانٍ “حرص لبنان على الهدوء والاستقرار” في الجنوب، داعيةً “المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف التصعيد”.

هذا بجانب أن الجيش اللبناني فكَّك صواريخ كانت مُعدَّةً للإطلاق، تمَّ العثور عليها في محيط بلدتيْ «القليلة، وزبقين» في قضاء «صور»، وهي المنطقة التي جرى منها إطلاق رشقات من الصواريخ، باتجاه إسرائيل.

ختامًا:

تزداد فرص التصعيد في جميع الاتجاهات، سواءً مع «حماس»، أو حتى في «القدس والضفة»، وقد تنزلق الأحداث إلى مواجهةٍ عسكريةٍ جديدةٍ، في «غزة»؛ ما سيقود لجهود وساطة إقليمية ودولية؛ للتهدئة كالعادة، ويمكن ربْط ذلك بالرهان، الثابت لدى «نتنياهو»، على إثبات أنه الوحيد القادر على مواجهة التهديدات الأمنية، وبالتالي؛ يمنحه ذلك فرصةً للحشْد الداخلي؛ للمضي قُدُمًا في خطته؛ للإصلاح القضائي التي أرجأ مناقشتها، حتى نهاية أبريل، ذلك أن إسرائيل تواجه إشكاليةً حقيقيةً متعلقةً في الأساس بغياب الرؤية؛ للتوافق والتقارُب، على رغم محاولات الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، التي تعمل في إطار بناء شراكات وطنية، والحوار بين الأحزاب السياسية، وإعادة خلْط الأوراق، فربما  يفيد ذلك في عودة «نتنياهو» بقوةٍ عند مناقشة الإصلاحات القضائية أمام «الكنيست»، خاصةً بعد تراجُع الاتحاد العمالي عن الإضراب.

كلمات مفتاحية