حل البرلمان التونسي يضع البلاد في مهب الريح

رابعة نورالدين وزير

شهدت الساحة التونسية حدثًا كبيرًا، مطلع الشهر الجاري، فقد أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيّد، في كلمةٍ بثَّها التليفزيون التونسي الرسمي، خلال ترؤسه اجتماعًا لمجلس الأمن القومي، في 30 مارس (2022)، عن حلِّ البرلمان، المُعلقة أعماله، منذ ثمانية أشهر، عقب القرارات الاستثنائية، في 25 يوليو الماضي، وقد مثَّل هذا القرار نقطة تحول مفصلية بالنسبة للمرحلة الاستثنائية في تونس، خصوصًا في ظلِّ السياق المضطرب، الذي تعيشه البلاد سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وما سيحمله هذا القرار من تداعيات على المشهد في تونس.

فقد أدت جلسة البرلمان، وتفاعل الرئيس حولها إلى تصعيد الأزمة السياسية في تونس، ولكن لم يتضح بَعْدُ، ما إذا كان هذا سيؤدي إلى تغييرٍ فوريٍ في سيطرته على مقاليد السلطة؛ لذا فسنحاول خلال السطور التالية، الوقوف على ملابسات هذا القرار، وتداعياته على الأزمة السياسية، التي تعيشها تونس في الوقت الحالي.

تونس تعيش في سياقٍ مضطربٍ

يأتي قرار الرئيس التونسي، بحل البرلمان التونسي، في ظل سياقٍ مضطربٍ، تعيشه تونس، على كافة المستويات، وهو السياق الذي يمكن إبراز معالمه على النحو التالي:

جاء قرار الرئيس التونسي بحلِّ البرلمان المُجمَّد، على خلفية عقد 120 نائبًا لجلسة افتراضية، أسفر عنها، صدور قرار بإلغاء الإجراءات الاستثنائية، المتخذة في 25 يوليو الماضي؛ حيث صوَّت 116 نائبًا من المشاركين بـ(نعم)، كما أكد النواب المشاركون في الجلسة، على رفضهم للمرسوم الرئاسي، الخاص بحلِّ المجلس الأعلى للقضاء، وعدم اعترافهم بشرعية المجلس المؤقت الجديد، وندَّد المشاركون بما وصفوه بـ”محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية”، ودعوا إلى فتح حوارٍ وطنيٍ شاملٍ؛ لإنقاذ البلاد من أزمتها (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية)، وهو تحرُّك مثَّل تصعيدًا نوعيًّا، من الاتجاهات السياسية التونسية، الرافضة للمسار الذي اتخذ في مرحلة ما بعد 25 يوليو الماضي، حتى إن بعض الدوائر، اعتبرت أن هذا التحرُّك قد يدفع باتجاه “أزمة شرعية” في البلاد، واستنساخ السيناريو الليبي في تونس.

كما تزامن قرار حلِّ البرلمان المُجمَّد مع تعقُّد المشهد السياسي التونسي، ودعوة العديد من القوى السياسية إلى إجراء حوارٍ وطنيٍ شاملٍ بالبلاد؛ تمهيدًا لتوافقٍ بين القوى السياسية، حول آليات التعاطي مع أزمات البلاد.

كما لم تقتصر حالة الاستقطاب والتشتُّت التي تشهدها تونس، والتي تزامن معها قرار حلِّ البرلمان، على المشهد السياسي فقط؛ إذ إنه يأتي تزامنًا مع تفاقُم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، في ضوْء تأخُّر دفْع رواتب بعض مؤسسات القطاع الحكومي، ونقْص بعض المواد الأساسية من السُّوق التونسية، والخلاف بين حكومة (نجلاء بودن) والاتحاد التونسي العام للشغل، حول خطة الإصلاح الاقتصادي؛ إذ يرفض الاتحاد  الإصلاحات الاقتصادية؛ التي تقترحها الحكومة التونسية؛ للحصول على تمويلٍ من صندوق النقد، خصوصًا أنها تتضمن “وقف التوظيف، وتجميد الأجور لمدة 5 سنوات في القطاع العام، وبيْع بعض الشركات العامة، ورفْع الدعم نهائيًّا في غضون 4 سنوات”.

مدى دستورية قرار الحل، وأبرز التفاعلات حوله

وعلى الرغم من وجود تناقضٍ في استناد رئيس الجمهورية إلى الدستور؛ إذ قال في حديثه أمام مجلس الأمن القومي، قبل أيامٍ من حلِّ البرلمان: إن الدستور لا يتيح حلّ البرلمان، إلا أن الرئيس اتخذ القرار بالحل، مستندًا لنفس الفصل؛ حيث ينص الفصل 72 من دستور 2014، في تونس، على أن “رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور، وهي المادة التي اعتمد عليها الرئيس، قيس سعيّد، في اتخاذ خطوة حلِّ البرلمان، وإن كان لا يوجد ما يشير حرفيًّا إلى أن الرئيس بإمكانه حل المؤسسة التشريعية، إلا أن تأويل هذا الفصل، “يخول للرئيس القيام بذلك”، قياسًا على نظرية الدفاع الشرعي لدى الأفراد والأشخاص، وهو مبرر لارتكاب أفعال إجرامية للدفاع عن النفس والمال والحرمة، فالدولة أيضًا لها الحق في ذلك، بالاستناد إلى هذه النظرية، إلى جانب نظرية الضرورة.

وقد جاءت ردود الفعل تتلخص في جانبين، أحدهما، يرى أن قرار حلّ البرلمان قد جنّب البلاد الدخول في وضعٍ خطيرٍ، من خلال وجود سلطتين: واحدة رسمية تنفيذية، وأخرى موازية، من خلال البرلمان المعلّقة أشغاله، ممثلًا في حزب “التحالف من أجل تونس”، كما يرى فريقٌ آخر، أن قرار حل البرلمان أثار جدلًا سياسيًّا وقانونيًّا، مثل “الحزب الجمهوري”، “حركة النهضة”، كما تصاعدت الإدانات من المجتمع الدولي، ممثلًا في (الولايات المتحدة، وألمانيا، وتركيا).

بعد تناول دستورية قرار الحل، وأبرز ردود الفعل حوله، ننتقل إلى ما يمكن أن يترتب على هذا الإجراء.

تداعيات الأزمة تونس على موعد مع وجه آخر للأزمة السياسية

ربما تفرض خطوة الرئيس التونسي بحل البرلمان، العديد من التداعيات، والتحولات على المشهد التونسي، في المرحلة المقبلة، ويتمثل أبرزها في:

1- يتوقع أن تزيد خطوة حل البرلمان من حدة الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، خصوصًا في ضوْء الشكوك التي تثيرها القوى المناوئة لها، حول مدى “قانونية وشرعية” هذه القرارات، فبالنسبة لقرار حل البرلمان، فقد جاء استنادًا إلى الفصل 72 من الدستور، إلا أن بعض القوى بدأت في التركيز على الحالات التي يتم فيها حل البرلمان، ومن هذه الحالات “مرور 4 أشهر على تكليف مرشح الحزب المتحصل على أكبر عددٍ من مقاعد مجلس نواب الشعب، دون حصول الحكومة على الثقة.

2- من الممكن أن يمثل هذا القرار دافعًا وعاملًا محفِّزًا للرئيس التونسي؛ لاستكمال رؤيته؛ لإعادة هيكلة جذرية للنظام السياسي في تونس، خصوصًا في ظلِّ غياب المحكمة الدستورية، وهو الاعتبار الذي يجعله يملك منفردًا، صلاحية تأويل الفصول الدستورية، وعلى الأرجح، ستشمل هذه التغييرات تعديل الدستور الحالي، والنظام السياسي، من خلال إعادة النظام الرئاسي، وتبنِّي نظام “البناء القاعدي” –هو النظام الذي تبناه الرئيس التونسي في برنامجه الانتخابي، والذي يعتمد على أن يتكون هذا الهرم في أعلى مستوى له من مجالس محلية، على عدد المعتمديات في تونس، أي 264 مجلسًا محليًّا، يتم انتخاب أعضائه وعضواته، عن طريق الاقتراع المباشر على الأفراد من كل عمادة، وينبثق عن هذه المجالس، مجالس جهوية على عدد الولايات في تونس؛ أي 24 مجلسًا جهويًّا، ويعد كل مجلسٍ عضوًا واحدًا، ممثلًا عن كل معتمدية- وتعديل القانون الانتخابي وغيره من التغييرات، التي أشار إليها الرئيس التونسي، خلال برنامجه الانتخابي.

3- من المنتظر، أن تجتمع لجنة مقترحات المواطنين، خلال الفترة المقبلة، وتعد الخطوط العريضة لاستفتاءٍ على الدستور، في 25 يوليو القادم، على أن يتم تنظيم انتخابات نيابية جديدة، في 17 ديسمبر المقبل، لكن تنفيذ هذه الاستحقاقات في موعدها، قد يواجه عددًا من التحديات، في ضوْء التطورات التي تشهدها تونس، خصوصًا في ظل الغموض المحيط بماهية التعديلات الدستورية، التي ستتم، والتعديلات التي ستطرأ على النظام والقانون الانتخابي.

إجمالًا: الواقع يعكس أزمةً حقيقيةً في إدارة الشأْن العام، من خلال انقسامات حادّة، تشق المشهد السياسي، وتحتاج إلى إدارة حكيمة، قادرة على تجميع كل الفرقاء السياسيين على طاولة الحوار؛ للخروج من حالة الاستثناء التي طال أمدها، إلى وضع الاستقرار، والانكباب على الملفات (الاقتصادية، والاجتماعية، والمالية)، التي لم تعُدْ تحتمل المزيد من التأجيل، كما أن حدوث أيّ من  التداعيات السابقة، يتوقف على مدى المرونة التي ستبديها أطراف الأزمة في تونس؛ لبناء مسارٍ وطنيٍ تشاركيٍ؛ لحلحلة الأزمات التي تعاني منها البلاد، والتعاطي معها بفاعلية.

 

كلمات مفتاحية