دعوات عراقية متجددة حول ملف مخيم الهول

إعداد: جميلة حسين محمد

بعد سقوط آخر معاقل داعش بمحافظة دير الزور السورية فى 2019 وتحول واحد من أهم مخيمات السورية فى مدينة الحسكة الواقع على الحدود السورية العراقية  مخيم “الهول” إلى بيئة حاضنة تضم حوالى من 55 إلى 60 ألف شخص من النازحين، وكذلك عوائل تنظيم داعش من الجنسيات العراقية والسورية وأيضًا الأوروبية كأستراليا وألمانيا وهولندا وفرنسا وكندا وبريطانيا، وغالبية تلك العناصر من النساء والأطفال وفقًا لبيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أصبح الأمر ينذر بالخطر حول بقاء هذا المخيم على الداخل السورى وأمن واستقرار الدول المجاورة له خاصة العراق التى تجددت دعواتها حول إنهاء ملف النزوح ورغبتها فى تفكيك مخيم الهول وإغلاقه بالكامل بمساعدة المجتمع الدولى، ومحاولة الحد من مخاطر هذا المخيم على مستوى المنطقة والعالم، الذى يراه بعض الخبراء بمثابة قنبلة موقوتة يجب العمل على حلها قبل فوات الآوان.

وقد شهد المخيم خلال الأربع سنوات الماضية حوالى 150 جريمة قتل، كان نصيب العام الماضى منه فقط 36 جريمة، فضلًا عن حالات التهريب والاعتداء والتعذيب، كذلك يضم المخيم نساء داعش المتشددات اللاتى تأثرن بفكر أزواجهن من التنظيم، الأمر الذى ينعكس على الفكر المتطرف لدى النشء الجديد، وطبقًا لبيانات الأمم المتحدة فإن النساء والأطفال فى المخيم أصبحوا أشد تطرفًا من جيل داعش الذى تم القضاء عليه ويرجع بعض الخبراء ذلك الأمر إلى الظروف التى تم احتجازهم فيها، فضلًا عن الظروف المعيشية الصعبة ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية مما يشكل عبئًا من الناحية الإنسانية على الإدارة الذاتية.

دعوات عراقية

استطاعت الحكومة العراقية نقل 1393 عائلة يتضمنوا حوالى 5569 شخصًا، آخرهم 168 عائلة تم نقلهم الشهر الماضى وإيداعهم فى “مركز الجدعة للتأهيل المجتمعى” الواقع جنوب الموصل مركز محافظة نينوى من أجل إخضاعهم للتأهيل النفسى قبل إدماجهم فى مناطق سكنهم مرة أخرى، وما زال المخيم يحتوى طبقًا لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية على ما يقرب من 7000 عائلة أى حوالى 25 ألف مواطن عراقى ولكن نقل هؤلاء يستغرق مدة طويلة؛ ومن ناحية أخرى تسلمت السلطات العراقية 3 آلاف عنصر إرهابى من تنظيم داعش كانوا فى سجون شمال شرق سوريا، وسيتم التحقيق معهم ومحاكمتهم أمام القضاء العراقى، أخرهم 50 عنصرًا عراقيًا سلمتهم قوات سوريا الديمقراطية الشهر الماضى و جارِ تحويلهم للجهات المختصة لعرضهم على القضاء العراقى.

وأكدت الحكومة العراقية ضرورة حل مخيم “الهول” لما يشكله من تهديد مباشر على أمن العراق وسلامة أراضيه ومواطنيه، وحثت الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة على سحب رعاياها من المخيم الذى يشوبه حالة من العنف والتطرف، خاصة لدى الأطفال الذين ترعرعوا وسط الأفكار المتطرفة داخل هذا المخيم، ومن ثم سيكونون نشأً إرهابيًا يجب التصدى له بقوة، وعليه دعا مؤخرًا مستشار الأمن القومى العراقى “قاسم الأعرجى” إلى عقد مؤتمر دولى حول مخيم “الهول” فى سوريا وذلك قبل نهاية العام الحالى.

وخلال مؤتمر تم عقده فى بغداد الشهر المنصرم حول مخيم “الهول” شمال شرقى سوريا، بحضور مسؤولين عراقيين وممثل الأمم المتحدة فى العراق وبعض أعضاء التحالف الدولى ضد داعش وسفراء عدة دول حث العراق على نقل قضية المخيم من كونها قضية محلية إلى قضية دولية، أكد ضروة إعادة المواطنين من المخيم الذى يؤوى العديد من عائلات تنظيم داعش إلى ديارهم.

وأطلقت مستشارية الأمن القومى اجتماعًا فى مركز النهرين للدراسات الإستراتيجية حول رؤية العراق فى ما يخص مخيم “الهول” السورى بمشاركة كلًا من رئيس جهاز الأمن الوطنى (حميد الشطرى)، ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق الركن (قيس المحمداوى)، ووكيل مديرية الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية، ومستشار رئيس الوزراء لحقوق الإنسان (زيدان خلف)، وممثل عن جهاز الاستخبارات الوطنى، وشخصيات أكاديمية ومسؤولين فى وزارة الخارجية العراقية، وبحضور ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة فى العراق (جينين بلاسخارت)، وسفراء الاتحاد الأوروبى والدول العربية والأجنبية العاملين فى العراق، وخلص بيان هذا الاجتماع إلى أن الحكومة العراقية بعد إعلان النصر على داعش وتحرير المدن التى اغتصبت، بدأت بحملة إعمار تلك المناطق بموازاة العمل على إعادة بناء الإنسان وتأهيله للتخلص من آثار الإرهاب، وتعطى للمخيم اهتمام خاص وتمنحه الأولوية، فضلًا عن تأكيد الحكومة على أن مخيم الهول السورى يشكل تهديدًا خطرًا على العراق والعالم ويجب تفكيكه، مشددًا على أهمية تماسك المجتمع الدولى إيجاد حل حقيقى لهذه الأزمة.

الرؤية الدولية لملف مخيم الهول

صرح الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” قائلًا “إنه وعلى الرغم من الهزيمة الإقليمية لـداعش منذ أكثر من 4 سنوات، لا يزال هناك أكثر من 50 ألف طفل وامرأة ورجل فى مخيم الهول وغيره فى شمال شرقى سوريا، فى ظروف أمنية وإنسانية قاسية”، بوصفه للمخيم كأسوأ مخيم موجود فى العالم. فضلًا عن إشادته بالدور العراقى فى إعادة مواطنيه من هذه المخيمات مع تجديد دعوته لجميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة للمساعدة فى تسريع عمليات عودة المواطنين إلى بلدانهم الأصلية باعتبارها أولوية ملحة.

كما طرحت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة فى العراق (جينين بلاسخارت) رؤية الأمم المتحدة فيما يتعلق بمخيم الهول مع تأكيدتها أن “ما خلفه داعش الإرهابى هو إرث معقد وعلينا أن نتصدى له جميعًا”، وحذرت من خطرًا تحول الأطفال فى المخيم إلى إرهابيين فى المستقبل الأمر الذى يستلزم نقلهم وإعادة تأهيلهم فكريًا وسلوكيًا وتضافر المجتمع الدولى للسيطرة على الوضع فيما يخص إغلاق ملف مخيم الهول وحسمه بشكل كامل.

وعلى صعيد آخر، أعلن وزراء خارجية دول التحالف الدولى لهزيمة داعش خلال اجتماعهم الأخير الشهر الماضى المنعقد فى الرياض زيادة عدد الأعضاء إلى 86 عضوًا لحشد الجهود وتوسيع النطاق الجغرافى لعمليات مكافحة التنظيم، ومع تصويب نظره نحو ما يدور داخل مخيم الهول الواقع على الحدود  بين سوريا والعراق، وأكد بيان الاجتماع أهمية إيجاد حلول للنازحين فى المخيم بشكل آمن وإنساني، وتحسين الظروف الأمنية ووصول المساعدات الإنسانية لهولاء العناصر المقيمين فى مخيم الهول كما وعد التحالف بالمساهمة بشكل أفضل فى الحاجات الأساسية المستمرة الإنسانية ومساعدة إعادة الإدماج للعائدين والتدابير الأمنية، وتحقيق الاستقرار للمجتمعات المحررة من داعش فى جميع أنحاء شمال شرقى البلاد.

وقد حذر وزير الخارجية الأمريكى “أنتونى بلينكن” أثناء الاجتماع من فكرة الإبقاء على مسلحى تنظيم داعش فى المخيم مما يهدد بعودة التنظيم، فضلًا عن دعوته الدول إلى استعادة رعاياها من مسلحة التنظيم الأجانب باعتبارها خطوة مهمة فى سبيل تفكيك مخيم الهول فى سوريا.

وفى إطار أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الثالث لرؤساء وكالات مكافحة الإرهاب المنعقد فى نيويورك فى يوم الحادى والعشرين من الشهر الماضى، ركزت الحكومة العراقية والتى مثلها مستشار أمنها القومى “قاسم الأعرجى” على ملف مخيم الهول واعتبرته تهديدًا مباشرًا على الأمن القومى العراقى، ودعا الأمم المتحدة والمجتمع الدولى إلى دعم العراق فى جهود مكافحة الإرهاب وخاصة فى ملف مخيم الهول والعمل على تفكيكه، والتقى “الأعرجى” وكيل الأمين العام لشؤون مكافحة الإرهاب “فلاديمير فورونكوف” وقدم مقترحًا لتعيين ممثل خاص للأمين العام فى شأن إعادة الدول لرعاياها من مخيم الهول شمالى سوريا.

تراجع دور قوات سوريا الديمقراطية

على الرغم من الحملات الأمنية الواسعة التى تشنها قوات سوريا الديمقراطية لتطيهر المخيم من العناصر المتطرفة التى تنشأ داخله، فضلًا عن دعواتها المتكررة للمجتمع الدولى لإيجاد حلول للمخيمات فى الشمال السورى إلا أن غالبية تلك المحاولات تبوء بالفشل مما يشير إلى احتمالية عودة تلك العناصر المتطرفة للحياة بعد انحسارها، وواقع الأمر أن ادارة المخيم بالنسبة لـ«قسد» تكلفهم الكثير من الوقت والمال والقوى العاملة لشراء الأسلحة وتدريب الجنود فى الوقت المحتمل لأى مواجهة مستقبلية مع تركيا فى ضوء التقارب المستمر بين دمشق وأنقرة، وذلك التقارب سيكون على حساب إدارتهم لمخيم الهول لذلك عملوا على تقليل مستوى الأمن فى المخيم على مدى الفترة الماضية.

معوقات العودة                               

1- النظرة المتشددة بشأن عودة الأسر من مخيم الهول:

تحتاج بعض المدن إلى التواصل مع بعض شيوخ وكبار العشائر والشخصيات التى لديها نظرة غير توافقية مع عودة عوائل الدواعش إلى المجتمعات مرة أخرى، فبالنسبة للمجتمع العراقى لاقى العديد من الاعتراضات على تلك العودة ودمجهم مرة أخرى فى المجتمع خوفًا من تشكيلها خطر على أمن البلاد، الأمر الذى جعل ملف إعادة العائلات العراقية من مخيم الهول السورى يتعرض لحملات إعلامية من قبل الفصائل المسلحة العراقية وتم توجيه اتهامات لتلك العائلات بارتباطها بتنظيم داعش.

2- صعوبات الدمج وإعادة التأهيل:

على الرغم من الجهد المبذول من الجانب العراقى لإجلاء النازحين من مخيم الهول، إلا أنها تواجه تباطؤ ملحوظ فى تلك العملية، حيث تحرص على اتخاذ عدة إجراءات أمنية عبر جهاز الأمن الوطنى من خلال الحصول على قوائم بأسماء النازحين والعائدين للعراق وتدقيق أسمائهم واتهاماتهم قبل منح الموافقة لوزارة الهجرة على ترحيلهم، ويبدو الأمر معقدًا ويحتاج إلى تدقيق كبير حيث هناك عناصر من تلك العوائل المرتبطة بداعش متورطة فى الإرهاب وتحمل الفكر المتطرف، ومن ثم ففكرة دمجها أمر بالغ الصعوبة وكذلك إعادة تأهيلها تحتاج إلى تدخل خارجى ووجود مؤسسات متخصصة فى هذا الشأن كذلك التنسيق المجتمعى لتفادى تعرض تلك العائلات  لمخاطر فى حال عودتهم إلى مناطق سكنهم مثل عمليات الانتقام.

3- الحاجة إلى عنصر التمويل:

تقف جدية تعامل العراق مع هذا الملف الشائك أمام حاجة برامج إعادة عراقى الهول إلى ميزانيات كبيرة من أجل تهيئة الظروف المناسبة لهذه العوائل المكونة من النساء والأطفال، وتوفير الحاضنة الملائمة لهم والأماكن المهيأة لاستقبالهم وذلك بعد أن تتم تسوية وضعهم الأمنى وكذلك إعادة دمجهم فى المجتمع كمواطنين لديهم حقوق وعليهم واجبات، الأمر الذى يحتاج إلى الدعم الدولى من خلال تدخل المنظمات الإنسانية الدولية لتوفير برامج ملائمة وكذلك تقديم التمويل المناسب الذى تحتاجه ليس فقط الدولة العراقية ولكن الدول الأخرى التى لديها عائق مع هذا العنصر.

4- رفض استقبال الدول لرعاياها:

يوجد عدد كبير من الدول الأوروبية التى لم تبادر بسحب مواطنيها من المخيم ولم تهتم بهذا الملف بالشكل المراد، واكتفى عدد قليل بإعادات محدودة، وذلك تخوفًا من الفكر المتطرف الذى تحمله تلك العوائل، فضلًا عن تفادى أى هجمات محتملة على أراضيها، بينما رفض أغلبها استقبال عوائل مقاتلى التنظيم على الرغم من أنهم يحملون جنسيات دولهم بل أن بعض الدول اتخذت عدة إجراءات عقدت من الأمر، حيث أسقطت عن البعض جنسيتهم حتى تقطع الطريق أمام عودتهم إلى بلدانهم، وقامت الكثير من تلك الدول بتقنين هذا الأمر حيث وضعت تشريعات خاصة تسمح لها بتجريد زوجات الدواعش وأطفالهم من الجنسية حتى تتخلص من أى أعباء أو مطالبات قانونية أو أممية.

وختامًا؛ أمام ما يتضمنه مخيم الهول الذى يؤوى مقاتلى تنظيم داعش وعوائلهم وما يشهده من حوادث أمنية متكررة، فإن بقائه بمثابة تهديد على الداخل السورى والدول المجاورة له بخاصة العراق الذى يقع على حدودها وتحاول جاهدة لحل تلك المعضلة الأمنية التى تهدد أمنها وأمن مواطنيها، ولكن يحول الأمر أمام عدة صعوبات بالغة التعقيد تحتاج إلى تدخل وتنسيق دولى وقرارات دولية صارمة وحث الدول المعنية على ضرورة استعادة رعاياها ووقت كافٍ حتى يستنى تفكيك المخيم وإخلائه من العناصر المتواجدة به فى ظروف أمنة إلى أوطانهم وإعادة تأهيلهم نفسيًا وثقافيًا ودمجهم مرة أخرى، فضلًا عن العثور على العناصر الإرهابية الذين هم بمثابة خلايا داعش النائمة والتحقيق معهم ومحاكمتهم أمام القضاء.

 

كلمات مفتاحية