إعداد: أحمد محمد فهمي
أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان بعد توليه المنصب رسميًا وأداء اليمين، تشكيل حكومته الجديدة والتى تتكون من 17 وزيرًا بجانب منصب نائب رئيس الجمهورية، وشهد الإعلان عن التشكيل تغيير 16 عضوًا من أعضاء مجلس الوزراء الرئاسى السابق فيما احتفظ كلًا من وزيرى الصحة والسياحة بمناصبهم.
وفى ضوء تأكيد الرئيس أردوغان بأن ولايته الأخيرة سيركز فيها على معالجة الوضع الاقتصادى وحل مشكلات زيادة الأسعار والتضخم، إلى جانب التركيز على عمليات إعادة الإعمار فى المناطق المتضررة من الزلازل وغيرها من السياسات التى تَبين تأثيراتها خلال المرحلة الانتخابية، فقد ظهر ذلك جليًا فى تشكيل حكومته الجديدة والتى اختير أغلب وزرائها وخاصة فى وزاراتها الرئيسية من خارج الحزب الحاكم، واعتمد على الشخصيات التكنوقراط بهدف دعم نجاح وضمان تنفيذ الأجندة الرئاسية التى وضعها لمدة خمس سنوات قادمة، والتى على رأسها الاستعداد للانتخابات البلدية القادمة لتعزيز مكانة الحزب الحاكم، وتنفيذ رؤية “قرن تركيا” لتعزيز المكانة التركية إقليميًا ودوليًا.
مغزى تغييرات الوزراء:
بعدما أسفرت الانتخابات البرلمانية عن فوز 16 عضوًا من أعضاء مجلس الوزراء الرئاسى السابق وأصبحوا نوابًا لحزب العدالة والتنمية فى البرلمان الجديد ومن أبرزهم: وزير الدفاع “خلوصى أكار” عن ولاية قيصرى، ووزير الداخلية “سليمان صويلو” عن ولاية إسطنبول، ووزير الخارجية “مولود تشاووش أوغلو” عن ولاية أنطاليا، ووزير المالية “نور الدين نباتى” عن ولاية مرسين وغيرهم من الوزراء، بجانب نائب رئيس الجمهورية السابق “فؤاد أقطاى” عن ولاية أنقرة[1]، تأكد خروجهم من التشكيل القادم للحكومة نظرًا لأن الدستور التركى يمنع الجمع بين عضوية البرلمان والحقيبة الوزارية، على الرغم من إمكانية تقديم استقالتهم للبرلمان فى حالة اختيار أردوغان لهم كوزراء وهو ما حدث فى اختيار أعضاء الحكومة السابقة بعد الانتخابات العامة عام 2018، بعد استقالة الوزراء السابقين: الداخلية سليمان صويلو، والخارجية مولود تشاووش أوغلو، والعدل عبدالحميد غل، والمالية بيرات البيرق، لينضموا للتشكيلة الحكومية بعد فوزهم فى الانتخابات البرلمانية.
التشكيلة الوزارية الجديدة ودلالاتها:
ضمت التشكيلة الوزارية الجديدة 15 وزيرًا جديدًا فى أكبر حملة لتجديد المناصب الوزارية، فى حين حافظ كلًا من وزيرى السياحة “محمد نورى إرصوى” والصحة “فخر الدين كوجا” على مناصبهما، ويشار إلى أن الوزيرين قد قاما بإسهامات ملموسة أثناء عملهما فى الحكومة السابقة، فـ”إرصوى” قد أسهم فى زيادة إيرادات الدولة بما يقدر بحوالى 12 مليار دولار نتيجة ازدهار قطاع السياحة منذ توليه المنصب فى عام 2018، كما برز أيضًا دور “فخر الدين كوجا” فى مكافحة جائحة “كوفيد-19” بالإضافة إلى تركيزه على تسريع عملية بناء المستشفيات الطبية وتعزيز البنية التحتية للقطاع الصحى[2]، مما جعل بقائهما يسهم فى تقوية الحكومة الجديدة.
ومن أبرز المناصب الوزارية التى تم تغيرها وزارة الخارجية التى تولاها “هاكان فيدان” رئيس جهاز الاستخبارات السابق، والدفاع التى تولاها “يشار غولر” رئيس هيئة الأركان السابق، والداخلية التى تولاها “على قايا” والى إسطنبول السابق، والخزانة والمالية التى تولاها “محمد شيمشك” والذى تولى هذا المنصب سابقًا بين عامى 2009 و2015، بجانب تعيين جودت يلماز نائبا للرئيس.
جاء هذا التغير الواسع فى تشكيل الحكومة الحالية لوزراء من بين كوادر الوزارة نفسها، فقد كان وزراء “الزراعة والغابات” و”الصناعة والتكنولوجيا” و”الطاقة والمصادر الطبيعية” الجدد نوابًا للوزراء فى السنوات الماضية، كما كان وزير “المواصلات والبنية التحتية” الجديد مديرًا عامًا للطرق البرية، ووزير الداخلية الجديد واليًا على إسطنبول، ووزير التعليم الجديد مستشارًا سابقًا فى الوزارة،[3] مما يمنحهم فهمًا شاملًا للملفات المهمة التى يتم تنفيذها حاليًا لضمان تحقيق طفرة فى السياسات التركية على الصعيدين الداخلى والخارجى، ولإثبات موقفه أمام الرأى العام الداخلى فى جدية خطواته لإصلاح الأوضاع الداخلية، وخاصة فى الملف الاقتصادى والرأى العام الخارجى فى التأكيد على استمرار سياسة الاستقرار المتبعة فى الفترة الأخيرة.
كما يريد أردوغان تحقيق إنجازات ملموسة قبل الانتخابات البلدية القادمة فى مارس المقبل والتى يرغب من خلالها استعادة المدن الكبرى (أنقرة وإسطنبول) من قبضة المعارضة، بالتالى فإن اختيار أعضاء الحكومة الحالية يعتبرها خطوة فى تحقيق أهدافه لتعزيز مكانة الحزب الحاكم فى آخر الاستحقاقات الانتخابية قبل اختيار من سيخلفه فى الانتخابات العامة القادمة.
مهام الحكومة الجديدة:
تحسين الأوضاع الاقتصادية:
عاد محمد شيمشك صاحب الخبرات الاقتصادية الواسعة والحاصل على لقب “وزير مالية أوروبا الناشئة لعام 2013” مرة أخرى لتولى وزارة الخزانة والمالية، وقد سبق له وأن تولى المنصب بين عامى 2009 و2015 وذلك فى رسالة واضحة من أردوغان إلى أولوية الملف الاقتصادى فى مهام عمل حكومته الجديدة وحاجته لمعالجة الأزمات الاقتصادية التى تعرضت لها تركيا جراء السياسات التى وضعتها حكومة العدالة والتنمية السابقة، وتحديدًا من وزير المالية السابق وصهر أردوغان بيرات البيرق، بالتالى صار يعول على الوزير الجديد اتباع سياسات اقتصادية تسهم فى عودة الاستقرار وإلى إعطاء رسائل إيجابية للأسواق العالمية، وهو ما أكده شيمشك بأن خفض معدل التضخم إلى مستويات منخفضة على المدى المتوسط يعتبر أحد أولوياته الرئيسية، كما أنه لم يبق خيارًا أمام تركيا سوى العودة إلى أساس عقلانى فالاقتصاد التركى القائم على القواعد والذى يمكن التنبؤ به سيكون مفتاح الوصول إلى الرفاهية المنشودة، كما لفت إلى أن الحكومة ستعطى الأولوية للاستقرار المالى الكلى من خلال تعزيز الجودة والقدرات المؤسسية، فى ظل ظروف من التحديات العالمية المتزايدة والتوترات الجيوسياسية.
استكمال تصحيح مسار السياسة الخارجية:
جاء تعيين هاكان فيدان وزيرًا للخارجية والذى كان يتولى رئاسة جهاز الاستخبارات على مدى 13 عامًا، والمسؤول والمطلع على العديد من الملفات الإستراتيجية لتركيا أبرزها الملفين السورى والليبى، فى إطار رغبة الرئيس أردوغان فى استكمال الخطوات التى بدأتها تركيا نحو تصحيح مسار سياستها الخارجية التصالحية التى بدأت قبل أكثر من عامين مع الدول التى كانت فى حالة عداء معها وأبرزها دول الخليج ومصر، كذلك استكمال المفاوضات مع سوريا حول العديد من الملفات ومنها ملف عودة اللاجئين السوريين التى أصبحت حتمية بالنسبة لأردوغان للنهوض بالأوضاع الداخلية ومواجهة المعارضة فى الانتخابات البلدية القادمة، كما أن فيدان سيكون على عاتقه تطبيق سياسة الرئيس أردوغان التطلعية نحو تعزيز المكانة والقوة الإقليمية والدولية لتركيا خلال المرحلة المقبلة، ومواصلة العمل مع الجميع لتأسيس نظام عالمى أكثر عدلًا وسلامًا.
تعزيز خطوات مكافحة الإرهاب:
جاء تعيين والى إسطنبول السابق “على يرلى كايا” فى وزارة الداخلية، ورئيس الأركان السابق “يشار غولر” فى وزارة الدفاع، فى إطار تنفيذ الوعود الانتخابية فى تعزيز الخطوات الملموسة فى مكافحة الإرهاب، فالرجلين مطلعين بشكل كبير على هذا الملف ولهما إسهامات سابقة وخبرة واسعة، فغولر كان رئيس هيئة الأركان وجاء توليه منصب وزير الدفاع فى إطار تسلسله الوظيفى خلف الوزير السابق خلوصى أكار، وكان يشارك فى إدارة العمليات العسكرية التى يشنها الجيش التركى على حزب العمال الكردستانى فى كافة مناطق نشاطه، كذلك فإن أردوغان يرغب من القيادة الجديدة للجيش الاستمرار فى استكمال مشاريع الصناعات الدفاعية والتى حققت فيها تركيا طفرة واضحة، وجاء “كايا” والذى كان واليًا سابقًا فى عدة ولايات فى شرق البلاد ذات الأغلبية الكردية والتى كانت تنشط بها الهجمات المسلحة التى يشنها حزب العمال الكردستانى، بالتالى فإن خبرته فى إدارة ومتابعة عمليات مكافحة الإرهاب سوف تسهم بالدفع بالعمليات الأمنية التى تشنها وزارة الداخلية وقواتها الأمنية فى تحقيق أهدافها.
تنفيذ رؤية “قرن تركيا”:
تعهد الرئيس أردوغان بعد أدائه القسم الدستورى فى البرلمان التركى، وخلال رسالة كتبها فى الدفتر الخاص بضريح كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية، بتنفيذ رؤية “قرن تركيا” والتى تعد من أهم محاور برنامجه الانتخابى لأنها تعتبر تطورًا إستراتيجيًا للسياسة التركية من مرحلة “العثمانية الجديدة” والتى لم تعد مواكبة للفترة الحالية إلى مرحلة “قرن تركيا” والتى فسرها أردوغان بأن المئوية الأولى من الجمهورية التركية كانت مئوية الاستقلال، بينما المئوية الثانية هى مئوية المستقبل، وأبرز مسارات تلك الرؤية هى[4] الحاجة إلى دستور جديد بدلًا من الدستور الحالى الذى وضع بعد انقلاب عام 1982، كذلك مسار “تركيا الجديدة” التى تقابل عادةً “تركيا القديمة” التى كانت ضعيفة وغير فعالة ومشغولة بالعديد من الأزمات الداخلية والخارجية، والمسار الثالث يتمثل فى فكرة التفوق الأخلاقى حيث يركز على قضايا القيم والنجاح والسلام فى تركيا والعالم، بالتالى يعول أردوغان على حكومته الجديدة فى تنفيذ تلك الرؤية وأن تكون تركيا من الدول الرائدة عالميًا سياسيًا واقتصاديًا وعلميًا وفى مختلف المجالات.
وإجمالًا:
فإن الحكومة الجديدة ومهام عملها تشير إلى عزم أردوغان على تنفيذ وعوده الانتخابية وخاصة الملف الاقتصادى الذى يتصدر الأولويات للشارع التركى، ومعالجة السلبيات التى نتجت عن السياسات السابقة، وكذلك العمل على تنفيذ “المبادئ” التى اتفق عليها مع المرشح الخاسر سنان أوغان حول استكمال الحرب على الإرهاب وكذلك ترحيل اللاجئين السوريين بشكل آمن.
المصادر:
[1] “تركيا.. انتخاب 16 عضوًا من مجلس الوزراء الرئاسى أعضاء فى البرلمان”، وكالة الأناضول التركية، 15/5/2023، متاح على: https://cutt.us/jQIA6.
[2] “15 وزيرا جديدا.. إلى أى مدى تكشف تشكيلة حكومة أردوغان عن سياساته الجديدة؟”، موقع الجزيرة نت، 4/6/2023، متاح على: https://cutt.us/EaC14.
[3] سعيد الحاج، “رسائل ودلالات التشكيلة الحكومية الجديدة فى تركيا، موقع الجزيرة نت، 4/6/2023، متاح على: https://cutt.us/rydMh.
[4] سعيد الحاج، ” “قرن تركيا”.. رؤية إستراتيجية أم دعاية انتخابية؟”، موقع الجزيرة نت، 13/11/2022، متاح على: https://cutt.us/sqWlN.