رضوى رمضان الشريف
أكَّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في اجتماعٍ برلماني في أنقرة، الأربعاء «الأول من يونيو»، بأن تركيا سوف تبدأ مرحلةً جديدةً؛ لتأمين حدودها مع سوريا، وذلك بتجهيز الجيش والاستخبارات العسكرية لعملية عسكرية، واسعة النطاق، في شمال سوريا؛ بهدف إتمام المنطقة الآمنة على الحدود الجنوبية، بعمق 30 كيلو مترًا، تستهدف منطقتي «تل رفعت، ومنبج»، ومناطق أخرى من جهة الشرق.
وتستهدف العمليات العسكرية التركية المزمعة، منطقتي «تل رفعت، ومنبج»، ومناطق أخرى من جهة الشرق، تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، ووحدات حماية الشعب الكردية، والتي تُعدُّ مدعومةً من الولايات المتحدة والتحالف الغربي، ضد تنظيم الدولة الإسلامية الجهادي، ولكن أنقرة هي الدولة الوحيدة التي تصنف «قسد» كجماعة إرهابية، وترى فيه «واجهة» لحزب العمال الكردستاني، المصنف من قِبَلِ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كتنظيم إرهابي.
وفي مقابل تصريحات أنقرة، أكَّد مصدر رسمي في وزارة الخارجية السورية، بأن إقبال تركيا على تلك الخطوة ستكون منتهكة للقانون الدولي وسيادة ووحدة أراضي سوريا، كما أن تصريحات النظام التركي تتناقض مع مُخْرَجات «حوار أستانة».
كما أثارت تصريحات الرئيس التركي قلق واشنطن، وحذَّرت أنقرة من شنِّ أيّ عمليةٍ عسكريةٍ جديدةٍ في شمال سوريا، مؤكدةً أن هذا التصعيد يعرض أرواح العسكريين الأمريكيين المنتشرين في المنطقة للخطر.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس: إن الولايات المتحدة «قلقة للغاية» إزاء هذا الإعلان، وأضاف، أن واشنطن ستدين أيَّ تصعيد، وتؤيد الإبقاء على خطوط وقْف إطلاق النار الراهنة.
دوافع التصعيد
الدافع الأول: مكاسب شعبوية
ترتبط خطوة الرئيس التركي «أردوغان» في المقام الأول، بإعادة تموضعٍ للقوات التركية، التي بدأت بالتحرُّك فعليًّا، مع تعزيز مناطق نفوذها من جانب حدودها الجنوبية، والحد من نفوذ الأكراد، خاصةً أن تزايُد قدرات قوات الحماية الذاتية الكردية؛ ارتباطًا بخضوع مناطق شمال شرقي سوريا لقوات التحالف الغربي ضد تنظيم «داعش»، بالتوازي مع توجُّه انفصالي من قِبَلِ إدارة الحكم الذاتي، هو أمرٌ لطالما أقلق أنقرة، التي عدَّت التنظيمات الكردية «فصائل إرهابية» تهدد أمنها القومي.
وبالتوازي مع رغبة أنقرة في استغلال الانشغال الدولي بالحرب الأوكرانية، تحاول الحكومة التركية، إيجاد حدث يغطي على مشاكلها الداخلية، كتراجع شعبية الحزب الحاكم، والأزمة الاقتصادية، ومشاكل أخرى تعاني منها البلاد، وبالرغم من ذلك، قد ينظر البعض إلى أن العملية العسكرية المزمعة، مرتبطة بالسباق الانتخابي القادم في يونيو 2023، والحد من التهديد الكردي، والانتهاء من ملف اللاجئين، وهي أوراق رابحة بالنسبة للمرشحين، علاوةً على الورقة الاقتصادية، كتحسين العُمْلة التركية.
الدافع الثاني: مساومة غربية
البعض يرى بأن شنَّ العملية العسكرية شمالي سوريا، قد يكون ثمنًا لموافقة أنقرة، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي «الناتو» على انضمام «السويد، وفنلندا» لهذا التحالف العسكري، بضرورة تخلِّي كلا الدولتين عن دعم جماعاتٍ كردية، خاصةً أن الإدارة الأمريكية ودولًا فاعلةً في «الناتو» تُجْري اتصالات عديدة؛ لإقناع تركيا بالموافقة على انضمام الدولتيْن إلى الحلف.
ومنذ منتصف مايو، يعارض «أردوغان» الانضمام المحتمل لـ«فنلندا، والسويد» إلى حلف شمال الأطلسي؛ إذ تتّهم تركيا البلديْن، وخصوصًا «السويد»، بأنهما تؤويان أعضاء من حزب العمال الكردستاني، إضافةً إلى فرْض البلديْن حظرًا على توريد الأسلحة إلى تركيا، في عام 2019، في أعقاب الهجوم العسكري التركي على شمال سوريا، الذي استهدف وحدات حماية الشعب.
وعلى الرغم من معارضة الرئيس أردوغان لـ«السويد، وفنلندا»، إلا أنه قد يكون على استعدادٍ للتفاوض، والموافقة في النهاية، على توسيع التحالف، ولكن مقابل الضغط على «السويد»، ومراجعة موقفها، بشأن حزب العمال الكردستاني وأنشطته.
وتستغل تركيا هذه الفرصة أيضًا؛ لتذكير الحلفاء بمخاوفها الأمنية الدولية والمحلية، ورفع صوتها عاليًا؛ ليسمعه الآخرون.
هل ستُقْدِم تركيا على تلك الخطوة؟
لا يوجد مجال للاستهانة بالتهديدات التركية، واستبعاد إقدام أنقرة على القيام بها؛ حيث تترافق تلك التهديدات مع تصعيدٍ عسكريٍ متكررٍ، شَمِلَ خطوط التَّماس، منذ مطلع شهر أبريل الماضي، وتركيا التي كانت قد طرحت في السنوات الأولى من عمر الحرب السورية، فكرة إقامة منطقة عازلة شمالي سوريا؛ بهدفٍ مُعْلَنٍ، هو حماية المدنيين، شنَّت منذ عام 2016، ثلاث عمليات عسكرية في الشمال السوري، كان هدفها القضاء على المسلحين الأكراد، وإبعاد سيطرتهم عن المناطق القريبة من حدودها، هي: «عملية درع الفرات» (بين مدينتي أعزاز وجرابلس) عام 2016، وعملية «غصن الزيتون» (عفرين) عام 2018، وعملية «نبع السلام» (بين مدينتي تل أبيض ورأس العيْن) عام 2019.
وتخضع المناطق التي كانت مسرحًا للعمليات الثلاث – الآن- إلى سيطرة فصائل المعارضة السورية، المدعومة من أنقرة، وهي تجاور مناطق ما زالت خاضعةً لسيطرة قوات سورية الديمقراطية، ذات الأغلبية الكردية.
وعلى غرار تلك العمليات القتالية التي شنَّها الجيش التركي السابق ذكرها، يبدو جليًّا إعداد إسطنبول لخطة توسعية، تضع لمساتها الأخيرة.
وبالرغم من أن المتحدّث الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية، كان قد شدَّد بعدم وجود أيّ تغييراتٍ في مواقع انتشار القوى الدولية؛ أي قوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، وتتواجد عناصره في مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، إلا أن القوات الكردية تتأهب للمواجهة التي ترى حدوثها وشيكًا، وينقسم متابعو المشهد هناك حول الرهان على دعْم واشنطن ودول التحالف لقوات سوريا الديمقراطية، والبعض الآخر يبادر بترجيح تخلِّي الولايات المتحدة عنهم، مقابل مكاسب في الصراع «الأوروبي الأمريكي – الروسي» المشتعل في أوكرانيا والقابل للتوسع.
في النهاية، يمكن القول: إن التصعيدات التركية الحالية تأتي لتجدد رؤية المخطط التركي التوسعي، مستغلةً بذلك تغيير الظروف الدولية، التي أدَّت إلى الإطاحة بكل التعهدات والسيناريوهات ومُجْرَيات التسويات السياسية، وكذلك العمليات الميدانية، ودخول روسيا في الحرب الأوكرانية، المستمرة منذ 3 أشهر، يشجع بعض الدول لإعادة النظر في خططها التوسعية، ويجعل الأمر يتطور بشكل غير مخططٍ له.