مؤشرات ودوافع تنامي النشاط الداعشى في منطقة الساحل الأفريقي
إعداد/ جميلة حسين محمد
مثَّلت منطقة الساحل بُؤْرةً لتجمُّع الجماعات الإرهابية، منذ 2011، وذلك مع سقوط النظام الليبي؛ ما أدَّى إلى سيادة حالةٍ من عدم الاستقرار، واندلاع العنف فى المنطقة؛ لتصبح منطقة الساحل مصدر قلق وتوتُّر لأمن دول الجوار، كـ«النيجر، ومالي، وتشاد، وبوركينا فاسو، ونيجيريا، وموريتانيا»، وتستغل الجماعات الإرهابية عدم الاستقرار الذي تواجهه تلك الدول؛ لتعزز من أنشطتها بشكلٍ متزايدٍ وسريعٍ بما يضمن السيطرة على رُقَعٍ كثيرةٍ داخل القارة الأفريقية، وخصوصًا في منطقة الساحل غرب أفريقيا، وذلك في ظل محاولة الدول الغربية، ومحاولات مجموعة دول الساحل، التي كانت تضم خمس دول «تشاد / مالي/ النيجر/ موريتانيا / بوركينا فاسو»، وذلك قبل خروج مالي منها، في محاولة مكافحة تفشِّي الإرهاب في المنطقة، ومن أبرز تلك الجماعات «داعش، وبوكو حرام، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وجماعة تحرير ماسينا، وإمارة الصحراء، والمرابطون»، وفي الآونة الأخيرة، بدأت تلك الجماعات في السيطرة على مناطق واسعة من المنطقة، خصوصًا تنظيم داعش غرب أفريقيا، الذي تفشَّى بشكلٍ كبيرٍ داخل المنطقة، وسيطر بالفعل على بعض المناطق، ويحاول جاهدًا في فرض سيطرته على مناطق أُخرى.
مؤشرات تنامى تنظيم داعش داخل المنطقة
تُوجد جُمْلة من المؤشرات التي عبَّرت عن تنامي الإرهاب في المنطقة، فقد أشار مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022، أن هناك 35% من إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب على مستوى العالم، كانت في دول الساحل خلال عام 2021، مقارنةً بـ1% عام 2007؛ ما يشير إلى ارتفاع إجمالي الوفيات بقدر عشرة أضعاف ما بين عام 2007 و2021، في حين سجلت «بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر» أعلى 3 دول أفريقية من حيث إجمالي عدد الوفيات خلال 2021.
وأضاف المؤشر أن منطقة الساحل تعتبر ساحة جديدة للإرهاب العالمي، ونقطة ارتكاز لأخطر الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي يأتي في مقدمتها التنظيم الأخطر والأكثر دمويةً والأسرع نموًا وهو تنظيم داعش «ولاية غرب أفريقيا»، الذي نقل أنشطته داخل المنطقة بعد هزيمته عسكريًّا في سوريا والعراق؛ حيث تسبَّب التنظيم في سقوط متوسط 15 حالة وفاة لكل هجوم في النيجر، بالإضافة إلى سقوط ألف قتيل فقط من جانبه هذا العام، حسب تقرير مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية.
ويتواجد تنظيم داعش على الحدود بين «مالي، والنيجر» في مدينة «غورما»، وفي «أودالان» شمال بوركينا فاسو، و«أغاديس» شمال النيجر، وكذلك شمال شرق نيجيريا، وداخل مدينتيْ «برنو، ويوبي»، وعلى الحدود بين «النيجر، وتشاد، والكاميرون»، في حين يحاول التنظيم فرْض سيطرته على بعض المدن، مثل محاولته لسقوط مدينة «ميناكا» المالية؛ لإقامة إمارة داعشية، وذلك لقربها من طرق التهريب داخل وخارج دول الساحل من ناحية، ومن ناحيةٍ أُخرى، موقعها الجغرافي الذي يُمكِّنُه من الهرب إلى أيّ دولة في حال حدوث أيّ هجوم أو مواجهة قوية، وذلك على الرغم من وجود قوات مالية وقوات فاغنر الروسية، مستغلًا بذلك تدهور وتوتر العلاقات بين عرقيْ «الفولان، والطوارق» في مدينة ميناكا، وبالفعل أحدث التنظيم عدة هجمات على تلك المدينة، أشهرها مذبحة في مارس الماضي، أسفرت عن سقوط حوالي 200 ضحية.
وفي إطار إستراتيجية التنظيم، فإنه يسعى إلى تهجير كُلٍّ من «البدو، والمدنيين» من منطقة المثلث الحدودي؛ من أجل السيطرة على النفط والغاز، وكذلك محاولة السيطرة على المنطقة الحدودية، التي يربط بين «مالي، وتشاد، والنيجر» وصولًا إلى ليبيا، تلك المنطقة التي تتسم دومًا بالقلق وانعدام الأمن؛ وذلك من أجل تهريب السلاح والمسلحين والوقود والمخدرات.
أسباب تنامي النفوذ الداعشى
أدَّت ما عُرفت بـ«الحرب الكونية على الإرهاب»، والتي بدأت عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، واشتدت وطْأَتُها في مرحلة ما بعد 2011، مع صعود تنظيم داعش، وسيطرته على مساحات واسعة من الأراضي «السورية، والعراقية»، وصولًا إلى هزيمته في 2017 و2019، إلى توجُّه تنظيمات العنف والإرهاب نحو إيجاد ملاذاتٍ آمنةٍ بديلةٍ لمناطق النفوذ التقليدية، ولا يوجد أكثر من القارة الأفريقية كبيئة خصبة لهذا الغرض، وخصوصًا الدول التي تعاني من عدم الاستقرار والهشاشة والاضطرابات الأمنية، وهي بيئة استغلَّها تنظيم داعش للتمدد في المنطقة، ويأتي في مقدمة أسباب تنامي النفوذ الداعشي، معاناة دول منطقة الساحل من عدم الاستقرار على المستوييْن «السياسي، والأمني»، إثْر حدوث انقلابات عسكرية بها، خاصةً في «مالي، وتشاد، وبوركينا فاسو»، أدَّت تلك الانقلابات إلى تراجُع الدور الفرنسي في السيطرة على تلك المناطق، التي تمثل مناطق سيطرة وحماية وولاية بالنسبة لها حتى بعد زوال الوجود الاستعمارى بها، وخروج القوات الفرنسية المعنية بمكافحة الإرهاب من مالي؛ ما يمثل حوالى 2400 جندي فرنسي، ذلك الخلل أحدث بدوره تقدُّمًا واستغلالًا إرهابيًّا من قِبَلِ التنظيم ليتواجد في المشهد بقوة.
كما يستغل التنظيم سوء الأوضاع في النيجر؛ لإحداث العديد من الهجمات، والتي كان من أبرزها؛ أعمال الشغب والعنف في مثلث الرعب الحدودي، كما يطلق عليه البعض، وهو المنطقة الحدودية لدول «مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو»، ذلك الهجوم الذي أدَّى إلى سقوط حوالي 33 شخصًا، ونزوح العديد من السكان، وكذلك الهجوم على منطقة «ميامي»، بالقرب من الحدود «المالية – النيجرية»؛ ما أحدث اشتباكات عنيفة بين داعش والقوات النيجرية، مدعومة بقوات برخان الفرنسية؛ لتصبح النيجر مهددةً بالتنظيم الداعشىي في الشمال، وتنظيم بوكو حرام في الجنوب، وذلك في إطار إستراتيجية التنظيم للسيطرة على أجزاء شاسعة من المنطقة.
كذلك تحاول تنظيمات العنف والإرهاب توظيف الموقع الإستراتيجي المهم لمنطقة الساحل؛ من أجل تعزيز نفوذها الجيوسياسي، فضلًا عن استغلال ظروف هذه المنطقة، خصوصًا في ظل جفاف التربة والصراعات القبلية وانتشار الفقر ونقص الغذاء، فضلًا عن أن منطقة الساحل تعتبر من أكثر المناطق الغنية بالمواد الخام كـ«الذهب، والنفط، واليورانيوم، والفحم»، وبالتالي فهي تمثل فرصة بالنسبة للتنظيم؛ لخلق موارد مالية جديدة، ودعم اقتصادياته.
ويمثل ضعف قدرة مجموعة دول الساحل الخمس لمكافحة الإرهاب، أحد الأسباب الرئيسية لتنامي أنشطة التنظيم، فعلى الرغم من وجود قوة دولية مشتركة في ثلاث مناطق حدودية في «الغرب، والشرق، والوسط»، بالغرب؛ حيث الحدود بين «موريتانيا، ومالي»، والشرق حيث الحدود بين «النيجر، وتشاد»، وأخيرًا الوسط بين «النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو»، إلا أن تلك القوات غير قادرة على مكافحة الهجمات الإرهابية بشكلٍ رادعٍ وقويٍ، خصوصًا مع حالة الغضب الشعبي تجاه هذه القوات، ونظرة بعض الشعوب الأفريقية إليها، على أنها تمثل أحد الأشكال الحديثة للاستعمار؛ ما يؤدي إلى مقاومتها، أو على الأقل عدم التعاون معها.
ومما سبق، يمكن القول: إن سعي تنظيم داعش إلى التمدد وبناء إستراتيجية طويلة المدى، تضمن حضورًا مُسْتَدامًا في منطقة الساحل الأفريقى؛ ناتجًا عن سعي التنظيم لاستغلال حالة غياب الأمن وانتشار الفوضى وعدم الاستقرار السياسي لدول منطقة الساحل، وكذلك انعدام الأمن على الحدود بين دول الساحل؛ ما يسهل على التنظيم عمليات التهريب، بالإضافة إلى السعي لاستغلال التوتُّر القبلي من ناحية، واستغلال العناصر الحيوية والطبيعية لتلك الدول من ناحيةٍ أُخرى، فضلًا عن ضعف الوجود الإقليمي وكذلك الدولي في ملف مكافحة الإرهاب داخل منطقة الساحل، تلك الأسباب تجعل التنظيم يتمدد وينتشر بقوة داخل المنطقة، ويحاول جاهدًا إثارة القلق وتزايد عملياته وهجماته الإرهابية الدموية؛ لإقامة إمارة داعشية جديدة تنطلق من أفريقيا.