دوافع وتداعيات نقل السفارة البريطانية الى القدس

دوافع وتداعيات نقل السفارة البريطانية الى القدس

إعداد : مصطفي أحمد مقلد 

دوافع وتداعيات نقل السفارة البريطانية الى القدس

أبلغت رئيسة الوزراء البريطانية “ليز تروس”، رئيس الوزراء الإسرائيلى “يائير لابيد”، في نيويورك خلال لقاء ثنائى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عن “مراجعتها للموقع الحالي للسفارة البريطانية في إسرائيل”.

وفي ظل غياب عملية السلام اليوم وبالتالي أي فرصة واقعية للتوصل إلى اتفاق سلام، فإن أي تغيير في الوضع الراهن فيما يتعلق بواحدة من أكثر القضايا حساسية في هذا الصراع سيكون غير حكيم وقد يكون ضارًا وقد يؤدي إلى العنف، حيث أنه يقوض حل الدولتين ويؤجج وضعًا متقلبًا بالفعل في القدس وبقية الأراضي المحتلة، كما أن نقل السفارة سيكون انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والمسؤوليات التاريخية للمملكة المتحدة.

كما أنه من خلال التفكير في مثل هذه الخطوة، فإن المملكة المتحدة بصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تقوض سلسلة من قرارات الأمم المتحدة التي تدين احتلال إسرائيل وضمها للقدس الشرقية وبناء المستوطنات هناك.

إسرائيل تطيل أمد الصراع  حيث لا تمنح المواطنين الفلسطينيين حقوقًهم، وتسمح للعناصر اليهودية المتطرفة بطرد الفلسطينيين من منازلهم في الشيخ جراح أو سلوان، بالتالى فإن مكافأة إسرائيل بسفارة بريطانية في القدس يكون غير عادل. كما أنه سيخرب مفاوضات السلام المستقبلية ودور المملكة المتحدة في التقريب بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

كان “دونالد ترامب” قد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهي خطوة فاقمت الاشتباكات الدامية بين قوات الأمن الإسرائيلية والفلسطينيين في مايو 2018، وقُتل ما يقرب من 60 فلسطينيًا على أيدي القوات الإسرائيلية، وانتقدت تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية من حزب المحافظين في ذلك الوقت الخطوة، حيث يعتبر نقل السفارات مسألة حساسة للغاية، لأن كل من الإسرائيليين والفلسطينيين يعتبران القدس عاصمة لهما.

رد الفعل العربى والدولى:

عبر الأمين العام لجامعة الدول العربية “أحمد أبو الغيط” عن قلقه العميق عبر خطاب متلفز أمام مؤتمر حزب المحافظين البريطاني إزاء تصريحات “ليز تروس” بشأن التخطيط لنقل سفارة الدولة في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وشدد في خطابه على أهمية الالتزام بحل الدولتين كصيغة متفق عليها للتوصل الى تسوية نهائية بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، وطالب الحكومة البريطانية بتبني سياسات وخطط عملية لإطلاق عملية سلمية تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، كما رفضت الجامعة العربية في بيان لها “أي خطوة أحادية تنتهك القوانين الدولية والوضع التاريخي والقانوني للقدس”.

وفى خطوة جريئة، دعا رئيس البرلمان العربي “عادل العسومي”، روسيا إلى تعزيز موقفها الداعم للقضية الفلسطينية، وقال العسومي خلال لقاءه السفير الروسي بالقاهرة “جيورجي بوريسينكو”، ندعو روسيا إلى تعزيز موقفها الداعم لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها مدينة القدس، وجاء اللقاء لمناقشة سبل تعزيز التعاون العربي – الروسي على المستوى البرلماني، وعدد من القضايا والتطورات على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومنها الأزمة الروسية الأوكرانية الراهنة.

فى سياق موازِ، بعثت دول عربية كالإمارات والبحرين برسالة رسمية إلى “ليز تروس” تحثها فيها على الامتناع عن نيتها المعلنة لنقل السفارة البريطانية إلى القدس، وتأتى مخاوف دول الخليج من أن يُنظر إليها على أنها متواطئة مع الخطوة المثيرة للجدل وأنها أعدت الأرضية لها من خلال الاعتراف بإسرائيل.

علاوة على ذلك، ذكرت مصادر عربية في تقرير الجارديان أن الخطة “غير القانونية وغير الحكيمة” يمكن أن تعرض للخطر المحادثات بشأن صفقة التجارة الحرة ذات القيمة العالية بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي المقرر استكمالها هذا العام.

قال الفلسطينيون إن أي تحرك من جانب بريطانيا لنقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس سيكون “انتهاكا صارخا للقانون الدولي، حيث صرح “حسام زملط” السفير الفلسطيني في إسرائيل:”من المؤسف للغاية أن تستخدم رئيسة الوزراء ليز تروس ظهورها الأول في الأمم المتحدة للالتزام باحتمال انتهاك القانون الدولي من خلال الوعد بـ ‘مراجعة’ موقع السفارة البريطانية في إسرائيل”.

كان الرئيس الأمريكي “جو بايدن” قد جدد دعوة واشنطن طويلة الأمد لحل الدولتين، لكنه لم يتراجع عن قرار ترامب المثير للجدل بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

أما داخل بريطانيا، فقد أصر حزب الخضر الاسكتلندي على أنه يجب على “ليز تروس” استبعاد نقل سفارة المملكة المتحدة في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، بعد أن أدت خطوة مماثلة من قبل دونالد ترامب إلى احتجاجات عنيفة وأعمال عنف قبل أربع سنوات، حيث سُيظهر ذلك أن تروس تدعم الحكومة الإسرائيلية المتطرفة وظروف الفصل العنصري التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين، وسيزيد ذلك بلا داع من احتمالية وقوع أعمال عنف.

دوافع القرار:

تحدثت “ليز تروس” في حفل “أصدقاء إسرائيل المحافظين” في برمنغهام خلال سباقها الإنتخابى مع “سوناك” أثناء الانتخابات الداخلية لحزب المحافظين لتولى زعامة الحزب ومنصب رئاسة الحكومة، وقالت للجمهور أن “المملكة المتحدة ستدافع عن إسرائيل” ووصفت نفسها بأنها صهيونية، وأنه لا شيء يمكن أن يكون أكثر أهمية لإظهار الصداقة بين إسرائيل والمملكة المتحدة من هذه الخطوة، فقد تعهدت بأنها ستتخذ هذه الخطوة إذا أصبحت رئيس الوزراء البريطاني القادم على أمل حشد الدعم خلال الإنتخابات.

تأتى تلك الخطوة في وقت أجبرت فيه “تراس” ووزير المالية “كواسي كوارتنغ” على التراجع عن خطتهما لخفض ضريبة الدخل بالنسبة إلى الأكثر ثراء في وقت يعاني المواطنون البريطانيون العاديون أسوأ أزمة معيشة منذ أجيال، وقوبلت الخطة بانتقادات واسعة من معارضين في الحزب المحافظ وبعدم رضا عميق عكسته استطلاعات الرأي، بينما زعزعت استقرار أسواق المال نظراً إلى اعتمادها على مليارات الجنيهات الاسترلينية كديون حكومية إضافية.

ما دفع وزير المالية للتخلى عن خطته الرامية إلى إلغاء المعدل الضريبي البالغ 45 في المئة والمخصص لأصحاب المداخيل الكبرى ليتحول إلى ضريبة دخل بالنسبة العادية (20 في المئة) بعد اعتراض حاد في صفوف المحافظين، وذلك في تراجع مهين خلال مؤتمر الحزب.

فبعد 24 ساعة فقط من إصرار ليز تراس على المسير قدماً بخطة الخفض– التي تستهدف أغنى أغنياء بريطانيا الذين يكسبون أكثر من (170 ألف دولار) سنوياً– تراجع وزير المالية تحت ضغوط شرسة، وقالت تراس لـ (بي بي سي)، إن إلغاء ضريبة 45 في المئة كانت فكرته وحده.

من النادر، إن لم يكن غير مسبوق، أن يصل رئيس وزراء إلى السلطة ثم ينهار بالسرعة ذاتها التي تنهار بها “ليز تراس”، حيث تعد هذه أقصر فترة شهر عسل سياسي في التاريخ، يتمكن معظم رؤساء الوزراء وحكوماتهم من الصمود لأشهر عدة في الأقل مستفيدين من حسن النية قبل أن تتعكر الأجواء، وفي بعض الحالات، كما حدث خلال ولاية توني بلير المميزة بين عامي 1997 و2000، استمر “شهر العسل” أكثر من ذلك.

ووقع أكثر من 100 ألف شخص على التماس حكومي يطالب بإجراء انتخابات عامة فورية، وبذلك يكون الاقتراح المنشود قد حصل على العدد الأدنى المطلوب من التواقيع كي يطرح على طاولة البرلمان وينظر فيه.

ويرى مراقبون أن أسباب نقل السفارة “أيديولوجية جزئيا، ولمغازلة الولايات المتحدة سعيا لاتفاق تجارة حرة معها”، وأن تلك الخطوة لا تعد مفاجئة لأن جماعة ويستمنستر المحافظين ليسوا على اتصال مع الرأي العام الحقيقي في الشرق الأوسط ولا يلتقون إلا مع من يشاركهم صهيونيتهم المتطرفة.

العلاقات بين حزب المحافظين وجماعة أصدقاء إسرائيل:

عندما واجهت إسرائيل أحلك أوقاتها في حرب يوم الغفران عام 1973، رفض رئيس الوزراء المحافظ “إدوارد هيث” الإذن للطائرات الأمريكية -التي تعيد تزويد إسرائيل بالوقود- بالهبوط في المملكة المتحدة، ثم كان الاعتراف بمدى انهيار العلاقات هو الذي أدى إلى تشكيل مجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين (CFI)، ومن هنا لعبت CFI دورًا رئيسيًا في تثقيف السياسيين المحافظين حول إسرائيل، ويُعتقد الآن أن 80 في المائة من أعضاء البرلمان المحافظين هم أعضاء في المجموعة البرلمانية لـ CFI.

الضغط المؤيد لإسرائيل قانوني بواسطة جماعات الضغط داخل بريطانيا، إلا أنه غير شفاف بشكل قاطع، فأنماط التبرعات من أعضاء (CFI) لمرشحي حزب المحافظين تكون أحيانًا مبهمة. وعلى الرغم من كونها تتألف بالكامل تقريبًا من أعضاء البرلمان وأعضاء حزب المحافظين، إلا أنها مسجلة كجمعية “غير مسجلة”، هذا يعني أنها غير موجودة كمنظمة، ولكن كمجرد مجموعة من الأفراد.

لقد أثبتت “مجموعات أصدقاء إسرائيل” في مجلس العموم وجودها بقوة في فجوات الحياة السياسية البريطانية، فحضورها المكثف في مؤتمرات الحزب، ووجبات الغداء والعشاء جزء متأصل من المشهد الاجتماعي في وستمنستر، والتبرعات جزء حيوي من التمويل السياسي. ونتيجة لذلك توجد الآن بيئة يشعر فيها النواب والوزراء بالحذر من انتقاد السياسة الخارجية لإسرائيل.

تأثير الخطوة على الصراع الفلسطينى الإسرائيلى:

تسعى إسرائيل في الوقت الراهن لبناء خطة جديدة في التعامل مع “حركة حماس” في قطاع غزة، والبناء على ما تم في المواجهة الأخيرة-أغسطس الماضى- التي لم تشارك فيها “حماس” لاعتبارات داخلية متعلقة بمصالح الحركة ومخططها ومسعاها للاستمرار في حالة التهدئة، وهو ما تم تقييمه في إسرائيل على أنه “استراتيجية منضبطة”، وتعمل في اتجاه الحفاظ على المصالح الاستراتيجية مع إسرائيل، وعدم الوقوع في خسائر حقيقية قد تكلف الحركة كثيراً من التبعات.

ويتفق المستويان السياسي والأمني في إسرائيل في الوقت الراهن على أن “حركة حماس” باتت شريكاً حقيقياً، وهو ما سيساعد على الانتقال إلى مرحلة أخرى من التعاملات تتجاوز منح التسهيلات أو فتح المعابر، والسماح بالعمالة الفلسطينية القادمة من غزة بالتحرك إلى الداخل الإسرائيلي، إلى استراتيجية أكثر وضوحاً وشمولاً وتقديم قائمة تحفيزية يحتاجها القطاع بالفعل مع محاولة الفصل بين حركة “حماس” وسائر الفصائل الفلسطينية الأخرى، التي لا تزال ترفع “لواء المواجهة” وتريد الاستمرار في “المقاومة ومنازلة إسرائيل”، وهو ما سيتطلب استراتيجية مختلفة. ويستند مضمون الاتفاق إلى خطة الاقتصاد مقابل الهدوء، وجرى التوصل إليه عبر وسيط ثالث على مدى السنوات الخمس الماضية.

هناك قناعات إسرائيلية حقيقية تتجه إلى ضرورة اتباع استراتيجية حذرة، خصوصاً أن “حماس” لديها حساباتها الجديدة التي ستتعامل بها مع عدم الوقوع في خطأ المتعاون مع إسرائيل على أرضية واحدة. ومن ثم فإن إسرائيل، وهي تخطط للتعامل الراهن مع “حماس”، تضع في تقديراتها قراءتها الواعية لما يجري في رام الله والقدس، لا سيما وأن المخاوف الإسرائيلية ما تزال قائمة من دخول رام الله ونابلس وجنين على خط المواجهات لما يجري في القدس يومياً، القابل للاشتعال في أي وقت.

في سياق مواز، الحكومة الإسرائيلية تدرك حجم العلاقة العضوية التي تربط بين طهران و”حركة الجهاد”، وأنها تمثل الذراع الإيرانية على ساحة العمل الفلسطيني، وتتقدم على “حركة حماس” لاعتبارات تاريخية وسياسية وخلفيات أيديولوجية، باعتبار أن “الجهاد” لم تخرج من رحم جماعة الإخوان مثل “حماس”، الأمر الذي يعطيها هامشاً أكبر من “حماس” سياسياً وعقائدياً، ويسمح بأن تكون أقرب إلى طهران ومشروعها، ما يمثل مدخل لايران في لتشكيل الفعل ورد الفعل الفلسطينى ضد اسرائيل، ما قد يدفع لتصعيد العنف مجددا إذا سعت إسرائيل لضم القدس الشرقية، وإعلان القدس كاملة عاصمة لها.

المواجهات مع إسرائيل لا تقتصر على الفصائل المسلحة فى غزة، حيث ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات عسكرية شبه يومية في شمال الضفة الغربية، كما تدور اشتباكات بالوتيرة نفسها بين القوات الإسرائيلية ومسلحين فلسطينيين منذ التصعيد الذي بدأ في مارس الماضي، عندما نفذت هجمات استهدفت إسرائيليين وأسفرت عن مقتل 20 شخصاً، وتشكل نابلس هدفاً للعمليات الإسرائيلية منذ ظهور فصيل مسلح جديد يحمل اسم “عرين الأسود” ويمثل على ما يعتقد أنه تحالفاً فضفاضاً من المجموعات.

وعلى هذا، التقى مستشار الأمن القومي الأميركي “جايك سوليفان” فى الرابع من أكتوبر الحالي، المسؤول في السلطة الفلسطينية “حسين الشيخ” في البيت الأبيض للتأكيد على ضرورة اتخاذ إجراءات لنزع فتيل التوتر في الضفة الغربية، وأهمية امتناع جميع الأطراف عن الأعمال الأحادية التي تهدد الاستقرار وضرورة تعزيز المؤسسات الفلسطينية. ما يؤكد على ضرورة ابتعاد الطرف الفلسطينى أو الإسرائيلى عن اتخاذ خطوات من شأنها إفتعال توتر يزيد من تعقيد المشهد ويقلل من فرص السلام.

الدخول الروسى على خط الصراع الفلسطينى الإسرائيلى:

ارتباطا بالحرب الاوكرانية، فانها قد تلقى بظلالها على الصراع الفلسطينى الاسرائيلي حيث يرى مراقبون أن روسيا تسعى إلى بناء محور لدول ومنظمات تعادي واشنطن، فى الوقت الذى تبحث فيه  “حماس” عن مظلة دولية، على الرغم من أن زيارة وفد حركة “حماس” بقيادة رئيس مكتبها السياسي “إسماعيل هنية” إلى موسكو ليست الأولى من نوعها، لكنها تأتي في ظل عزلة وعقوبات دوليتين تتعرض لها روسيا بعد حربها على أوكرانيا.

الزيارة تأتي بدعوة من وزارة الخارجية الروسية، ويلتقي خلالها هنية بوزير الخارجية الروسي لبحث آفاق العلاقات الثنائية بما يخدم القضية الفلسطينية، لكن السفير الفلسطيني الأسبق لدى روسيا “نبيل عمرو” قلل من أهمية زيارة وفد حركة “حماس” إلى موسكو، واصفاً إياها “بحملة العلاقات العامة التي تهدف إلى تحقيق مصالح كل من روسيا وحركة حماس”.

هناك رغبة روسية في لعب دور دولي وإقليمي متعاظم، واستعادة العالم متعدد الأقطاب، وبناء محور لدول والمنظمات التي تعادي الولايات المتحدة الأميركية، كذلك تبحث حماس عن شرعية عربية ودولية في ظل “تمتعها بشرعية مع إدارتها حكم قطاع غزة”، تحاول الحركة التماشي مع الطرح الروسي انطلاقاً من أن روسيا دولة في الرباعية الدولية ولها وجودها الدولي، ومحاولة من الحركة لمناكفة الولايات المتحدة، وإزعاج إسرائيل في توقيت مهم حيث تدهورت العلاقات الروسية الإسرائيلية بسبب دعم الأخيرة أوكرانيا فى حربها مع روسيا، وتحاول حماس الإستفادة من الموقف الروسى الداعم لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وبالتالى محاولة حث روسيا على لعب دور دولى لقطع الطريق على حصول إسرائيل على اعتراف دولى بأحقيتها بكامل مدينة القدس.

وقامت روسيا بمد جسور الصلة مجددا بين النظام السورى وحماس -التى تحاول في ظل التغيرات التي تمر بها المنطقة العربية والإقليمية- بناء وتطوير علاقات راسخة وقوية مع سوريا، وهو ما يجعل حماس يعود لمحور ايران والنظام السوري الذي وفر للحركة غطاء سياسى ودعم عسكري قبل قطع العلاقات، وهو ما قد يهدد مجددا العلاقات بين الحركة وإسرائيل فى حال إقدام الاخيرة على ضم أحياء جديدة من القدس الشرقية أو قيادة حملة دولية لانتزاع اعتراف بأن القدس عاصمة لها.

الموقف الأوروبى:

يتزامن ذلك مع حرص أوروبي على استبعاد المستوطنات الإسرائيلية من “اتفاق ثقافي”، الاتفاق بحسب ما ذكرته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” تضمنت “بنداً إقليمياً” يعترف فقط بالأراضي الإسرائيلية ذات السيادة، في حين أن المشاريع التي تتجاوز الخط الأخضر في القدس الشرقية والضفة الغربية عام 1967 ومرتفعات الجولان في شمال إسرائيل، غير مؤهلة للتمويل، وكان الاتحاد الأوروبي هدد عام 2013 بطرد إسرائيل من البرنامج حتى وافقت الأخيرة على ألا تذهب الأموال إلى مشاريع في مستوطنات الضفة الغربية.

وعلى أثر استخدام بينت حق “الفيتو” الممنوح له بموجب الاتفاقات الائتلافية، بعث سفير إسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي “حاييم ريغف” برقية مستعجلة إلى وزارة الخارجية، حذر فيها من أن عدم المصادقة على الاتفاق، سيلحق ضرراً كبيراً بصورة إسرائيل وبقدرتها على عقد اتفاقات أخرى مع الاتحاد الأوروبي في المستقبل، وأن إسرائيل بموجب الاتفاق ستخسر 20 مليون يورو بشكل فوري، حصلت عليه كإعفاء من الاتحاد الأوروبي في إطار استثمارها في برنامج “Creative Europe”.

يأتى قرار بينيت بفرض “فيتو” بأثر رجعي على انضمام إسرائيل لخطة “أوروبا الإبداعية” الذي يعتبر متنفساً للمؤسسات الثقافية المحلية، بمثابة “رد انتقامي” على رئيس الوزراء الإسرائيلي “يائير لبيد” لتأييده العلني لحل الدولتين من على منصة الأمم المتحدة، والذي اعتبره خروجاً عما توافق ائتلاف التغيير عليه.

وأشار مكتب “جوزيب بوريل” إلى أن “المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتشكل عقبة رئيسة أمام تحقيق حل الدولتين وإرساء سلام عادل ودائم وشامل بين الأطراف، وأن الاتحاد لن يعترف بأي تغييرات تطول حدود ما قبل عام 1967، بما في ذلك تلك المتعلقة بالقدس والتي لم يتفق عليها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي”.

وفي بيان مشترك لمتحدثي وزارات خارجية لإثنى عشر دولة أوروبية، نشر على موقع الخارجية الألمانية، جددت الدول “دعوتها لتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (2334) لعام 2016 بجميع أحكامه، والذي يؤكد عدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، بما فيها القدس الشرقية، ويطالب بالوقف الفوري لأنشطة الاستيطان”.

يمثل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى أحد أكثر القضايا حساسية فى الشرق الأوسط تلك المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية وإستقرارها مهم للقوى الدولية، وتحاول الاطراف الإقليمية دفع عملية السلام فى ضوء الشرعية الدولية وقرارات الإمم المتحدة، لكن بسبب تعقيدات الشأن الداخلى لكل من إسرائيل والفلسطنيين ومحاولة كل طرف إيجاد مظلة دولية لقراراته وتحركاته على الأرض، فقد تعطلت عملية السلام.

ويأتى اعتزام ليز تراس نقل السفارة البريطانية للقدس بمثابة حجر عثرة جديد لدفع عملية السلام، وهو ما يمثل وعد انتخابى وقرار يحمل دوافع تخص الشأن الداخلى البريطانى وكذلك محاولة الإستفادة منه على المستوى الدولى.

لم يتم حسم الأمر بشكل نهائى فيما يخص تلك الخطوة لذا تضغط أطراف داخلية وأطراف عربية لمنع اكتمالها باعتبارها خطوة تجعل بريطانيا منحازة لإسرائيل بشكل يتنافى معه قدرتها على لعب دور وساطة ويقلل من مصداقيتها فى محاولتها إنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى بشكل عادل يضمن قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وفق الشرعية الدولية وما اتفقت عليه الجماعة الدولية.

كلمات مفتاحية