ديمقراطية فارغة: قراءة في المشهد الإسرائيلي

إعداد: جميلة حسين محمد 

شهدت إسرائيل موجة من المظاهرات والاحتجاجات السبت الماضي في عدة مدن من أجل مناهضة خطة الحكومة الجديدة لإصلاح النظام القانوني وإدخال تعديلات على منظومة القضاء وإضعاف سلطة المحكمة العليا، وتضمنت الاحتجاجات شعارات تردد من أجل إنقاذ الديمقراطية، ومحاولة منع الإطاحة بالنظام السياسي لإسرائيل والمعمول به منذ نشأتها عام 1948، ولحقتها مظاهرات يوم الاثنين الماضي أيضًا ضد الإصلاح القضائي المقترح من جانب طلاب الجامعات في الجامعة العبرية بالقدس، وجامعة تل أبيب، وجامعة حيفا، وعشرات المؤسسات التعليمية الأخرى.

ووصل عدد المتظاهرين إلى حوالى 80 ألف إسرائيلي في مدن متفرقة من (تل أبيب) و(حيفا) و(القدس المحتلة)، وعكست شعارات المتظاهرين تنوع المطالب، ومن أبرزها “حان وقت إسقاط الديكتاتور” إشارة إلى المطالبة باستقالة رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”، و”حكومة العار” و”لا ديمقراطية مع الاحتلال” و”ديمقراطية ديمقراطية”. وكانت تلك التظاهرات بدعوة من ساسة وعسكرين إسرائيليين سابقين مثل “جادي إيزنكوت” رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، و”إيهود باراك” رئيس الوزراء الأسبق، وأيضًا “بيني جانتس” وزير الدفاع السابق؛ وقد حذر الأخير قبل اندلاع تلك المظاهرات من تداعيات تنفيذ خطة الحكومة وعبر قائلا: “إن نتنياهو يسعى إلى إشعال الفتنة والكراهية بين مختلف الشرائح المجتمعية الإسرائيلية”.

مسببات الاحتجاجات

بعد مرور حوالى أسبوعين من تنصيب الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتي وصفها البعض بأنها الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، تم إطلاق خطة من جانب وزير العدل الإسرائيلي “ياريف ليفين”، من أجل إجراء تغييرات جذرية في السلطة القضائية من شأنها الحد من صلاحيات الأخيرة وإضعاف المحكمة العليا، في مقابل تعزيز مكانة وصلاحيات السلطتين التنفيذية والتشريعية المتمثلة في الكينست وذلك من خلال ما يلى:

  • أولًا: تمكين الحكومة والأحزاب السياسية من التحكم في لجنة اختيار القضاة في المحاكم الإسرائيلية عبر تعيين أعضاء في اللجنة من الأحزاب والسياسيين، ومنع إشراك القضاة في عضويتها.
  • ثانيًا: الحد من من صلاحيات المستشار القضائي للحكومة، وكذلك المستشارين القضائيين لمختلف الوزارات، حيث تمنح الصلاحية للوزير تعيين أو إقالة أي مستشار قضائي في مكتبه.
  • ثالثًا: منح نواب البرلمان سلطة إمكانية إلغاء قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة، والسماح بإعادة وضع قانون رفضه القضاة قيد التطبيق، وذلك في إطار ما يسمى بند “الاستثناء”.
  • رابعًا: تشريع قانون “فقرة التغلب” الذي سيقلل من صلاحيات المحكمة في إلغاء قوانين للكينست أو  قرارات صادرة عن الحكومة أو المؤسسة الأمنية والعسكرية،  وتمكين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تشريع أي قانون قد يمس بالحقوق الأساسية للإنسان.
  • خامسًا: تغيير قانون الحصانة البرلمانية لأعضاء الكنيست والوزراء ورئيس الوزراء، بحيث لا يواجهون التحقيق أو المحاكمة خلال توليهم منصبهم، أي تشريع “القانون الفرنسي”.
  • سادسًا: إلغاء بند “الاحتيال وخيانة الأمانة” في القانون الجنائي والعقوبات، بحيث يتحول السياسي والموظف الحكومي إلى رجل فوق القانون، مما يؤدى إلى تفضيل المصلحة الشخصية للمسؤولين على الصالح العام.

ومن ثم فإن تلك الخطة تسهم في تقويض الديمقراطية الإسرائيلية، من خلال تسييس تعيين القضاة، الذين يتم اختيارهم في الأساس من قبل لجنة مشتركة من القضاة والمحامين والنواب وبإشراف وزارة العدل، وتقويض استقلالية المستشارين القانونين، وكذلك ضعف الرقابة القضائية والحد من قدرتها على إبطال القوانين والقرارات سواء الصادرة من الحكومة أو الكنيست؛ ومن ناحية أخرى تعزيز حصانة النواب والوزراء من التحقيقات التي يمكن أن تتم أثناء تأديتهم مهامهم.

الأمر الذي من شأنه دعم فساد المسؤولين والمس بحقوق الأقليات، حيث يمكن لهذه الخطة، إذا تم تحويلها إلى قانون، أن تسهل على الحكومة التشريع لصالح المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة دون القلق بشأن الطعون في المحكمة العليا، وترى المعارضة أن التغييرات التي جاءت بها تلك الخطة يمكن أن تؤدى إلى إلغاء المحاكمة الجنائية الجارية لرئيس الوزراء “نتنياهو”، المتهم فيها بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.

تداعيات الخطة المقترحة

  • بالنسبة للمعارضة:

بعد تلك الاحتجاجات التي شنتها المعارضة على الحكومة الجديدة، أكدوا على أن تلك التظاهرات والاحتجاجات ستكون السبت من كل أسبوع، وقد يتطور الأمر  إلى عصيان مدني، لأن المحامين والقضاة يهددون بعدم الامتثال أمام المحاكم، وكذلك أفراد من الشرطة هددوا بعد الامتثال للأوامر، بالإضافة إلى دعوتهم لتصعيد الحركة الاحتجاجية، بإضرابات لشل اقتصاد البلاد.

من ناحية أخرى فقد أكد مؤشر الديمقراطية الإسرائيلي السنوي الصادر عن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية على الانقسامات العميقة والمتنامية في المجتمع الإسرائيلي، ووجد أدلة على هبوط الثقة في المؤسسات العامة خاصة الكينست الإسرائيلي، وعدم الرضا عن الوضع الحالي والتشاؤم بشأن المستقبل.

  • بالنسبة للحكومة:

أمام تلك الأحداث يرفض نتنياهو التراجع عن تلك الخطة، ويؤكد استمرارية الحكومة في العمل على إصلاح المنظومة القضائية، وفسر ذلك بأنه نال بالانتخابات تكليف واضح من الشعب لتنفيذ خطة إصلاح القضاء، ومن ثم فإن إصلاح النظام القضائي هو إرادة الناخبين، الذين أدلو بأصواتهم للحكومة الجديدة لدعم إصلاح نظام العدالة.

من ناحية أخرى أكد الرئيس الإسرائيلي “إسحاق هرتسوج” على أهمية القضاء بأنه أحد دعائم الديمقراطية الإسرائيلية، وضرورة حمايته من التدخل السياسي، فقد أعلن عن قلقه بشأن هذا الخلاف بين الحكومة والمعارضة، وعليه فمن المفترض إجراء اتصالات من جانبه بين الحكومة والمعارضة لتفادى تلك الأزمة التي تواجهها إسرائيل، خاصة بعد تلقيه التقرير المتعلق بتقييمات الاستطلاع السنوي سالف الذكر.

  • بالنسبة للفلسطينين:

يمكن أن يؤدى فشل الحكومة في مواجهة مواطنيها واستمرارية المظاهرات وتطورها إلى التصعيد ضد الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة أو ساحة النقب الفلسطيني، وعلى الصعيد الأخر فإن الحكومة اليمينة الجديدة تحاول ترسيخ تقنيين مبدأ أطلقوا عليه (الفوقية اليهودية) واعتمادها كقيم أساسية للنظام الإسرائيلي، مما ينتج عنه توسيع دائرة الانتهاكات المستمرة ضد الفلسطينيين، وتوسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وفرض القوانين الإسرائيلية في الضفة الغربية، بالإضافة إلى إلغاء وسائل الحماية القانونية المدنية للفلسطينيين في الضفة والقدس وداخل الخط الأخضر(عرب 48).

وختامًا:

إن خطة الإصلاح المتبعة من جانب الحكومة تعتبر دعوة إلى التمرد عليها وبداية لسلسة من المظاهرات، لما تنص عليه من السيطرة على السلطة القضائية وتقويض صلاحياتها، وتمهد الطريق للفساد الحكومي وانتهاك الحقوق المدنية، أمام هذا المشهد هل سيصل “نتنياهو” إلى التجاوب مع المعارضة ومحاولة إيجاد حل وسط لتفادى تطور الأمر إلى العصيان المدني، مع الحرص على مصلحة التحالف اليميني المتطرف، ومصلحة إسرائيل دوليًا، خاصة أمام الإدارة الأمريكية؟ أم ستستمر الحكومة والكينست في المضي قدمًا نحو تنفيذ تلك الخطة، فمن ستكون كلمته الأخيرة؟

كلمات مفتاحية