رسائل عدة… قراءة فى حديث الرئيس السورى

إعداد: شيماء عبد الحميد

فى تصريحات هى الأولى من نوعها منذ عودة سوريا للجامعة العربية، أجرت قناة “سكاى نيوز عربية” يوم 9 أغسطس الجارى، لقاءً خاصًا مع الرئيس السورى بشار الأسد فى قصر المهاجرين بدمشق، تناول خلاله العديد من القضايا الداخلية وآخر المستجدات المرتبطة بعلاقات سوريا الخارجية عربيًا وعالميًا، وقد حظيت هذه المقابلة باهتمام كبير، بالنظر إلى أنها الأولى للرئيس الأسد منذ فترة طويلة، بالإضافة إلى إنها أزالت كثيرًا من الغموض عن العديد من مواقف سوريا من مختلف التطورات الإقليمية والدولية.

قضايا متنوعة ومواقف حاسمة:

لقد أوضح الرئيس السورى بشار الأسد خلال اللقاء مواقف بلاده بشكل واضح من عدد من القضايا الداخلية والخارجية، والتى كانت أهمها ما يلى:

أولًا؛ القضايا الخارجية:

  1. العلاقات مع الدول العربية؛ لم تبدأ سوريا القطيعة مع جوارها العربى ولم تقم بأى عمل ضد أى دولة عربية، حتى عندما عادت إلى الجامعة العربية لم توجه اللوم لأى طرف أو الحديث عن الماضى، بل هى تنظر دائمًا للمستقبل.

بقاء عودة سوريا للحضن العربى شكلية من عدمه، يعتمد على طبيعة العلاقات (العربية – العربية)، حيث هناك بداية وعى لحجم المخاطر التى تؤثر على الدول العربية لكنها لم تصل إلى مرحلة وضع الحلول، وطالما أنه لا يوجد حلول للمشاكل؛ إذًا العلاقة ستبقى شكلية.

مشكلة العرب أنهم لم يبنوا العلاقات على مؤسسات، لذلك العلاقات الثنائية ضعيفة، والعلاقة الجماعية عبر الجامعة العربية ضعيفة أيضًا لأنها لم تتحول إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقى، وتأمل سوريا أن تتمكن الدول العربية من تجاوز هذا الواقع.

  1. العلاقات مع الولايات المتحدة؛ المفاوضات مع الجانب الأمريكى مستمرة منذ سنوات ولكنها لم تسفر عن أى نتائج حتى الآن، ولا يُتوقع بأنه بالمدى المنظور سيكون هناك نتائج من أى مفاوضات تُعقد مع واشنطن لأنها تطلب ولا تريد إعطاء شيئًا فى المقابل.
  2. العلاقات مع إسرائيل؛ تستهدف إسرائيل الجيش السورى بشكل أساسى تحت عنوان الوجود الإيرانى، وسيستمر ذلك طالما بقيت إسرائيل عدوًا، وطالما تتمكن الدولة السورية من إفشال مخططات الإرهابيين ولو جزئيًا.

لم تتلق سوريا أى دعوة للتطبيع مع إسرائيل، وإذا لم يكن هناك استعداد إسرائيلى لإعادة الأراضى السورية المحتلة؛ فلا داعى لإضاعة الوقت لأن موقف دمشق من عملية السلام ثابت وواضح منذ بداية مفاوضات السلام عام 1990.

  1. العلاقات مع تركيا؛ لا يمكن لقاء الرئيس التركى رجب طيب أردوغان دون الالتزام للشرطين المسبقين اللذين وضعتهما دمشق لعقد مثل هذا اللقاء؛ وهما انسحاب القوات التركية ووقف دعم الإرهاب، لأن كلمة من دون شروط مسبقة للقاء تعنى عقده دون جدول أعمال أو تحضير مسبق، بما يعنى أن اللقاء لن يسفر عن أى نتائج، وهو ما لا تريده سوريا، فالدولة تهدف للانسحاب من الأراضى السورية، بينما هدف أردوغان هو شرعنة الوجود التركى فى البلاد، فلذلك لا يمكن أن يتم اللقاء تحت شروط أردوغان.

صرح الرئيس أردوغان مرارًا بأن الانسحاب التركى لن يتم من سوريا مادام هناك إرهاب يهدد الدولة التركية، لكن حقيقة الأمر أن الإرهاب الموجود فى سوريا هو صناعة تركية، جبهة النصرة أو أحرار الشام هى مجرد تسميات مختلفة لجهة واحدة كلها صناعة تركية وبتمويل تركى، إذن عن أى إرهاب تتحدث أنقرة.

  1. العلاقة مع حماس؛ الحكومة السورية لم تطلب من حماس الوقوف معها، فكيف يدافعون عن الدولة السورية ولا يوجد لديهم جيش وهم بضع عشرات فى سوريا، وموقف حماس هو موقف غدر ونفاق لأنها ادعت أنها تقف مع المقاومة وفى نفس الوقت حملت علم الاحتلال الفرنسى لسوريا.

علاقة سوريا اليوم بحماس هى علاقة ضمن مبدأ عام وهو أن دمشق تقف مع كل طرف فلسطينى يقف ضد إسرائيل لكى يسترد حقوقه، أما العلاقات مع حماس لا يمكن أن تعود كما كانت عليه فى السابق، فحاليًا ليس لحماس مكاتب فى سوريا ومن المبكر الحديث عن مثل هذا الشيء.

  1. الأزمة اللبنانية؛ لقد ابتعدت سوريا عن الملف اللبنانى منذ أقل من عقدين من الزمن، ولم تتدخل لحل أزمة لبنان حاليًا فهى لا تدعم أى مرشح أو تقف ضد أى مرشح، حيث ترى دمشق أن ليس لأى طرف خارجى سواء سوريا أو غيرها أن يساعد فى حل الأزمة اللبنانية إن لم يكن هناك إرادة لدى اللبنانيين من أجل حل أزمتهم، فعندما يكون هناك توافق بين الشعب اللبنانى، عندها فقط يمكن الحديث عن حل هذه الأزمة.
  2. التحالفات الخارجية؛ عبر الرئيس السورى عن رغبته فى تعزيز علاقات بلاده بالمحيطين الإقليمى والدولى، مؤكدًا تمسكه بالعلاقات الوثيقة التى تجمع بلاده بروسيا وإيران، والتى أثبتت أن سوريا قد أحسنت فى اختيار حلفائها بشكل صحيح.

ثانيًا؛ القضايا الداخلية:

  1. الحرب السورية والمعارضة؛ كان من الممكن أن تتفادى سوريا هذه الحرب لو أنها خضعت لكل المطالب التى كانت تُطلب أو تُفرض عليها بقضايا مختلفة، فى مقدمتها التخلى عن الحقوق والمصالح السورية، ولكن لو كانت الحكومة ذهبت فى هذا الاتجاه، لكانت تفادت الحرب ولكن كانت ستدفع ثمنًا أكبر بكثير لاحقًا، لذلك لو عاد الزمن إلى الوراء، فسوف يتبنى النظام نفس السياسية.

فكرة التخلى عن السلطة لم تكن مطروحة؛ لأن رحيل الرئيس يكون بإرادة ورغبة الشعب وليس بضغوط خارجية، لأن وقتها سيكون هروبًا وليس تخليًا عن السلطة، وبالنظر إلى المظاهرات التى طالبت برحيل السلطة، فإنها لم تتعدَ الـ100 ألف فى كل المحافظات فى مقابل عشرات الملايين من السوريين.

المعارضة التى يتم الاعتراف بها هى المعارضة المصنعة محليًا لا المصنعة خارجيًا، المصنعة محليًا يعنى أن تمتلك قاعدة شعبية وبرنامجًا وطنيًا ووعيًا وطنيًا صادقًا، أما المصطنعة خارجيًا، فهى تعمل وفق أجندات لصالح جهات أجنبية.

كان الشعب السورى واعيًا بالسيناريوهات الإعلامية التى حاولت خلق الرعب، كما كشف الغايات الحقيقية وراء استهداف النظام السورى والإطاحة بالرئيسين معمر القذافى وصدام حسين، فالمستهدف لم يكن الرئيس القذافى وإنما كانت ليبيا، ولم يكن الرئيس صدام حسين، وإنما كان العراق، وأيضًا المستهدف لم يكن الرئيس بشار، بل كانت سوريا.

لا علاقة لبشار الأسد بالسياسة، ولا تُناقش معه هذه القضايا، خاصةً أنه ما زال شابًا وأمامه مستقبل علمى لم ينهه بعد، وبالنسبة لمستقبل عمله على مستوى العمل العام؛ فهو يعود للقبول الوطنى لأى شخص وإن كان هو لديه رغبة بالعمل العام.

  1. قضية اللاجئين؛ خلال السنوات الماضية عاد إلى سوريا أقل من نصف مليون بقليل ولم يسجن أى شخص من بينهم، كما ُصدر قانون عفو عن كل من تورط بالأحداث خلال السنوات الماضية ما عدا الجرائم المثبتة التى فيها حقوق خاصة، ولكن هذه العودة توقفت ليس بسبب الخوف من السجن ولكن بسبب واقع الأحوال المعيشية، حيث إن البنى التحتية مدمرة بسبب الإرهاب، فكيف يمكن للاجئ أن يعود من دون ماء ولا كهرباء ولا مدارس لأبنائه ولا صحة للعلاج، وهذه أساسيات الحياة.

يُجرى الآن حوار بين سوريا وبين عدد من الجهات فى الأمم المتحدة المعنية بالجانب الإنسانى، وبدأ النقاش معهم بشكل عملى حول مشاريع العودة وكيفية التمويل وما هى متطلباتها بالتفاصيل.

  1. محاربة الإرهاب؛ من يتحمل مسؤولية قتل المدنيين وتهجير الملايين منهم هو الإرهاب ومن وقف مع الإرهاب، وليس الدولة السورية التى كانت تقاتل ضد الجماعات الإرهابية، وتقوم بدورها وفقًا لأحكام العرف والدستور، فالمسؤولية تقع على من اعتدى، وليس المُعتدى عليه.
  2. تجارة المخدرات؛ الدولة السورية لا تدعم تجارة الكبتاجون، وبينما حاول الغرب وبعض الدول الإقليمية استخدام موضوع المخدرات لأغراض سياسية ضد سوريا، كانت الدولة من أول المتحمسين والمتعاونين من أجل مكافحة هذه الظاهرة لأنها ظاهرة خطيرة، ومن غير المنطقى أن تكون الدولة معها. كما أن تجارة المخدرات كانت موجودة دائمًا، ولكنها ازدهرت خلال الحرب وهذا شيء طبيعى، ولكن من يتحمل المسؤولية فى هذه الحالة هى الدول التى ساهمت فى خلق الفوضى فى سوريا وليست الدولة السورية.

الرسائل والدلالات:

اعتبر عدد من المراقبين والدبلوماسيين، أن مقابلة الرئيس السورى بشار الأسد حملت العديد من الدلالات والرسائل إزاء الملفات الإقليمية والدولية، خاصةً فيما يتعلق بالعلاقات العربية، معتبرين أن هذه المقابلة تُعد خارطة طريق لسياسات النظام السورى الداخلية والخارجية خلال الفترة المقبلة، ويمكن إيضاح أبرز هذه الرسائل على النحو التالى:

  1. وصف الرئيس السورى العلاقات العربية بالشكلية والتصريح بأن الجامعة العربية ليست مؤسسة بالمعنى الحقيقى، يشير إلى تعثر فى مسار التطبيع العربى السورى، خاصةً وأن هذه التصريحات تأتى على نحو مغاير تمامًا لحديثه الإيجابى عن العلاقات العربية فى القمة العربية التى عُقدت فى السعودية فى مايو الماضى، وهو ما قد يؤكد الحديث عن تراجع الحماسة العربية للتطبيع مع النظام السورى، مع تأجيل تعيين سفير سعودى جديد وإعادة افتتاح سفارة الرياض فى دمشق.

وهناك عدة أسباب قد تساعد على تفسير التراجع فى ملف عودة العلاقات العربية السورية؛ منها عدم التزام الحكومة السورية بإستراتيجية خطوة مقابل خطوة التى أسفرت عنها الاجتماعات التشاورية بشأن سوريا والتى عُقدت قبل القمة العربية مثل اجتماعى جدة وعمان التشاوريين، إلى جانب تجاهل النظام السورى للشروط العربية التى وُضعت كأساس لعودة العلاقات مثل إعادة اللاجئين وقف تهريب الكبتاجون من سوريا إلى الأردن وبعض دول الخليج العربى.

  1. توضح تصريحات الأسد عن الحرب والمعارضة، عقلية النظام السورى وتمسكه بمبدأ عدم التنازل، حيث رغم ما شهدته الساحة السورية من متغيرات على مدى 12 عامًا، ما زالت بنية النظام وعقليته ثابتة فى تناول الملفات الداخلية، وهو ما يؤكده قوله خلال المقابلة أن “لو عاد الزمن إلى الوراء، فسوف يتبنى النظام السياسة نفسها”.

كما أن تأكيد الرئيس السورى أنه لم يكن مستهدفًا بشخصه بل الوطن ككل، يدل على أنه يرى أن أى مطالبة لرحيله عن السلطة مؤداه إسقاط الدولة، وفيما يخص رؤيته للمعارضة؛ فإنه قلل من شأنها واعتبر أنها صناعة خارجية تتبع دول أجنبية، كما أنكر أى مسؤولية قد تقع على عاتقه على تضخم الأزمة السورية، بل حمل الدول الداعمة للإرهاب والفوضى، كامل المسؤولية عن ذلك.

  1. حديث الأسد عن لقاءه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، واشتراطه بانسحاب القوات التركية مسبقًا قبل هذا اللقاء، يعنى أن الجهود الروسية لتطبيع العلاقات بين النظام السورى وأنقرة باتت فى وضع صعب للغاية وهذا يستدل عليه من عدة مؤشرات؛ منها تجمد المحادثات الرباعية بين روسيا وإيران وسوريا وتركيا التى أدارتها موسكو لتحقيق هذا الاختراق، فضلًا عن التصعيد التركى المتزايد الذى يشهده الشمال السورى الآن ضد قوات قسد، ومن ثم؛ فإن اللقاء بين الأسد وأردوغان لن يتم إلا بالوصول إلى شروط (تركية – سورية) مشتركة، ولكن الأوضاع الحالية تثبت أن الوصول لهذه الوضعية صعب للغاية فى الوقت الحالى، وهذا الأمر يمكن أن يعيد لورقة المعارضة السورية قوتها بالنسبة لأردوغان للاستفادة منها، أى عودة المشهد السورى للتصعيد الذى كان عليه سابقًا.
  2. حديث الأسد عن فتح باب الحوار مع الجانب الأمريكى، هو رسالة للبيت الأبيض يأمل منها أن تسهم فى تعديل النظرة الأمريكية للحكومة السورية، لرفع العقوبات عنها والدخول فى حوار تفاهمات تعدل من سياساتها نحوه، وذلك رغبةً من النظام السورى فى أن يكسر عزلته الدولية بعدما نجح فى كسر عزلته الإقليمية بعودته إلى الجامعة العربية فى مايو الماضى.
  3. تصريح الرئيس السورى بشأن قضية اللاجئين وتنصله من أى مسؤولية فيما يخص تعثر عودة اللاجئين السوريين، وإلقاء كامل المسؤولية على تدمير البنية التحتية التى أكد أنها نتاج للحرب الإرهابية التى شُنت على الدولة السورية بدعم من عدة دول أجنبية، وللاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، يبعث رسالة مفادها أن دمشق تشترط مساهمة عربية كبيرة فى إعادة الإعمار لكى يتمكن النظام من إعادة اللاجئين.

كما أن ربط الأسد عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بتحسين الظروف المعيشية فى البلاد، يُعد إشارة واضحة إلى أن نظامه لا يرحب بعودة هؤلاء، وأنه غير مستعد لتقديم تنازلات لتسهيل مهام الأمم المتحدة للتوصل إلى حل وفق القرار الدولى 2254، تفتح الطريق أمام رفع العقوبات الغربية والعربية بالتدريج.

  1. أما فيما يتعلق بتجارة الكبتاجون، وهى واحدة من الأركان الأساسية فى عملية التطبيع العربى مع الأسد، لم يبد النظام أى تحرك لوقفها أو ضبطها، بل أنه انكر مسؤوليته عنها وألقاها على ما أسماه “الدول التى ساهمت فى خلق الفوضى فى سوريا”، وهو ما يُعد نسف واضح لجوهر المبادرة العربية تجاهه، التى أملت أن يكون من ثمار عودة سوريا لمقاعدها، تبنيها محاربة تجارة المخدرات وتصديرها.

وإجمالًا:

تُعد المقابلة التى أجراها الرئيس السورى وتصريحاته الحاسمة فيما يخص مختلف القضايا سواء كانت الداخلية والخارجية، خارطة طريق ترسم المعالم الأساسية لسياسات النظام السورى خلال الفترة المقبلة، والتى قد تؤثر على مختلف الأمور كمسار التطبيع مع تركيا أو استكمال عملية تطبيع العلاقات (العربية – السورية) التى لم تتطور منذ إعلان عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

كلمات مفتاحية