خلفاً لليز تراس.. ريشى سوناك رئيساً لوزراء بريطانيا

خلفاً لليز تراس.. ريشى سوناك رئيساً لوزراء بريطانيا

اعداد : ميار هاني 

ريشى سوناك رئيساً لوزراء بريطانيا

ينتظر “10 داوننج ستريت” ساكنه الجديد، “ريشى سوناك”، الذى تم انتخابه من قبل حزب المحافظين، الاثنين 24 أكتوبر، كزعيم للحزب وبالتالى رئيسا للوزراء .

وقد أفسح له الطريق إنسحاب رئيس الوزراء السابق “بوريس جونسون” من المعركة الإنتخابية، لصالح وحدة حزبه وبلاده حسب قوله، بالرغم من اعتقاده أنه كان بإمكانه الفوز بالإنتخابات وقيادة الحزب إلى تحقيق فوز آخر فى انتخابات 2024 العامة.

 هذا إلى جانب إنسحاب منافسته “بينى موردنت” قبل دقيقتين من إعلان النتائج، وعقب إعلان إنسحابها، تعهدت بتقديم “الدعم الكامل” لوزير المالية الأسبق سوناك.

وبذلك حل ريشى سوناك محل ليز تراس، أقصر رئيسة وزراء فى تاريخ بريطانيا (44 يوماً)، والتى اضطرت إلى تقديم استقالتها بعد أن أطلقت برنامجاً اقتصادياً مع وزير المالية ” كواسى كوارتنج” يقوم مضمونه على اقتراض الحكومة المليارات لخفض الضرائب من أجل تحقيق نمو اقتصادى سريع، إلا انه تسبب فى اضطرابات بالأسواق المالية تمثل فى تدنى قيمة عملة الجنيه الاسترلينى، ترنح سوق السندات، فضلا عن انهيار الثقة فى الإدارة الاقتصادية المحافظة. حيث صرحت قائلة بأنها “لا تستطيع الاضطلاع بمقتضيات التفويض” الذى انتُخبت بموجبه.

ومن الجدير بالذكر أن سوناك كان رافضًا لخطة تراس للتخفيضات الضريبية الفورية، واصفًا اياها بأنها “خيالية” من شأنها رفع التضخم.

ويعد سوناك، أصغر رئيس وزراء بريطانى منذ قرنين (42 عاماً)، وأحد أغنى السياسيين، فضلاً انه يعد أول رئيس وزراء بريطانى غير أبيض من أصول هندية. وقد سلك الطريق المعتاد للنخبة البريطانية، فقد إلتحق بجامعة “أكسفورد” حيث حصل على درجة علمية فى الفلسفة والسياسة والاقتصاد، ثم ماجستير إدارة الأعمال من جامعة “ستانفورد” فى كاليفورنيا.

وفى عام 2014، التحق بالبرلمان وأصبح نائباً عن حزب المحافظين لدائرة “ريتشموند فى يوركشاير”، واستطع ان يرتقى بوتيرة سريعة وسلسة فى السلك الوزارى بأن أصبح وكيلاً لوزارة الدولة لشؤون الحكم المحلى فى 2018، ووزيراً للمالية قبيل ظهور كوفيد-19، ثم رئيساً لوزراء بريطانيا فى صعود صاروخى من نوعه.

 وهنأ كل من نواب حزب المحافظين والوزراء الحاليون والقادة السابقون سوناك بتولى المنصب – كما فعل قادة أيرلندا والهند ورئيس المجلس الأوروبى.

ويقول البيت الأبيض إن الرئيس جو بايدن يتطلع إلى العمل معه سوناك. كما قالت كاتيا أدلر، محررة قسم أوروبا فى بى بى سى، إن قادة الاتحاد الأوروبى “تنفسوا الصعداء بشكل خاص” لفوز سوناك لأنهم يعتقدون أنه “بالغ وواقعى” مقارناً ببوريس جونسون.

 ومن المتوقع تفاقم التحديات أمام خليفة تراس بناءً على المعطيات الحالية:

  • فمن الناحية الإقتصادية، تشهد بريطانيا عاصفة إقتصادية متمثلة فى ركود وارتفاع تضخم يصل إلى 10.1% وهو أعلى مستوى فى 40 عاماً والأعلى بين دول مجموعة السبع، فضلاً عن أزمة الطاقة التى باتت تتسبب فى معاناة العديد من المواطنين.

وفيما يلى سنتناول بعض المؤشرات الإقتصادية التى تعكس حجم الاضطراب الذى يشهده الاقتصاد البريطانى:

فبحسب تقرير ل “مكتب الإحصاءات الوطنى”، فمنذ منتصف عام 2021، ازداد عبء الدين على الدولة بشكل كبير، الناتج عن التضخم وليس بسبب ارتفاع الدين.

كما بلغ الدين العام خارج البنوك العامة 2450.2 مليار جنيه استرلينى فى نهاية شهر سبتمبر، ما يمثل 98% من إجمالى الناتج المحلى وزيادة بـ2.5 نقطة مئوية من إجمالى الناتج المحلى على مستواه قبل عام.

كما ان الاقتراض العام يشهد زيادة خارج المصارف بنسبة 2.2 % بوتيرة سنوية ليبلغ 20 مليار جنيه استرلينى فى سبتمبر، فى أعلى مستوى له منذ بدء إصدار هذه البيانات قبل ثلاثين عاماً، باستثناء الرقم القياسى خلال الجائحة.

  • ولا تقتصر متاعب المملكة المتحدة على الإضطراب الشديد للأوضاع الإقتصادية، بل يشهد البلد أيضاً اضطراب سياسى متمثل فى وجود إنقسامات وخلافات سياسية بداخل حزب المحافظين، بالتوازى مع صعود شعبية حزب العمال، حيث أظهرت استطلاعات الرأى تقدم حزب العمال المعارض وذلك لأول مرة منذ نهاية تسعينيات القرن الماضى، وبحسب ما أعلنه معهد استطلاعات “يوغوف” فقد تقدم حزب العمال بـ33 نقطة.

وبخصوص محيطنا العربى، ما هى السياسات التى من المتوقع ان يتبناها “ريشى سوناك” إتجاة الدول العربية:

توقع طارق فهمى، أستاذ العلاقات الدولية، أن تركز السياسة الخارجية لرئيس الوزراء الحالى على المقاربة الاقتصادية بدرجة أكبر من السياسية، نظراً لأنه رجل أقتصاد من الدرجة الأولى، وذلك من خلال البحث عن أسواق اقتصادية فى الدول العربية ومنطقة الخليج. وعلى الجانب الأخر، توقع عدم انخراطه فى مزيد من التدخلات سواء كان فى الملف السورى أو العراقى أو الليبى، كون بريطانيا بدأت التحرك فى الملف الليبى مع حكومة ليز تراس الماضية.

وأضاف: “وبالتالى أعتقد أن السياسة الخارجية البريطانية ستركز على الملفات الاقتصادية مع الدول العربية ومع الأسواق العربية وليس على قضايا سياسية”. وفى ختام حديثه قال: “فليس من المطروح أن يركز سوناك أو حزب المحافظين على قضية بعينها في العالم العربى، ولكنه سيكتفي بالتحالفات الاقتصادية بعيدًا عن الملفات السياسية”.

وختاماً، تعيش بريطانيا الأن أزمة اقتصادية عمقتها رئيسة الوزراء المستقيلة ليز تراس، وسيرث سوناك هذه التركة، سيواجهة المشكلات الإقتصادية نفسها والانقسام الحزبى نفسه. ولكن هل يمكن لسوناك تصليح ما أفسده الأخرون وأن يرضى بسياساته الإقتصادية ليس فقط حزب المحافظين، ولكن أيضًا الأسواق المالية العالمية؟ هل سيستطيع توحيد حزبه مرة أخرى؟ وعلى المستوى الخارجى، هل ستشهد العلاقات الإقتصادية بين بريطانيا والدول العربية طفرة؟ علينا  فقط ان ننتظر ونرى.

كلمات مفتاحية