إعداد: مروة سماحة
وسط حالةٍ من الشُّغُور السياسي والتأزُّم الاقتصادي التي يعيشهما لبنان، توجَّه وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، إلى لبنان ، يوم الجمعة ١٣ يناير، بدعوةٍ من نظيره اللبناني، عبد الله بو حبيب، في زيارةٍ لمدة ثلاثة أيام؛ وأُجريت مباحثاتٌ حول عدة ملفات مرتبطة بالمنطقة والوضع بلبنان، والشِّق المتعلق بـ”هِبَةِ الفيول الإيرانية”، وعلى غرار العادة اللبنانية المنقسمة على ذاتها، فقد لاقت هذه الزيارة استقطابًا كبيرًا في الداخل اللبناني، وتزامن مع ذلك، بدْء القصْف على الجبهة الإيرانية وحلفائها في “بيروت”.
توقيت الزيارة
تختلف زيارة “عبد اللهيان” الثالثة إلى “بيروت” عن سابقتيْها، فيما يتعلق بكلٍّ من الوضع “الإقليمي، والدُّولي” لإيران، فتأتي هذه الزيارة وسط انسدادٍ في أُفُق المفاوضات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، ناهيك عن الضغوط التي تُمَارَسُ على إيران “داخليًّا، وخارجيًّا”؛ نتاج الوضع الداخلي المتأزِّم المُثْقَل بالاحتجاجات ضد النظام.
وفي سياقٍ متصلٍ، تأتي هذه الزيارة وسط استمرار الشُّغُور السياسي بلبنان، ولا تنفصل عما يحدث من تدويل الأوضاع به، فتزامنت تلك الزيارة مع تحقيقات الوفد القضائي الأوروبي في لبنان، وكأنها بمثابة دولةٍ خارجةٍ عن النظام المالي العالمي، وذلك بدوره يُشكِّلُ مَدْخلًا لسياسةٍ “أوروبية – أمريكية” جديدةٍ؛ لفرض شروط ليست بالهيِّنة على لبنان؛ للخروج من أزمتها الاقتصادية، كما تأتي هذه الزيارة بالتوازي عما طرح من النيّة في عقْد قمةٍ ثلاثيةٍ أو رباعيةٍ بـ”باريس” الشهر الجاري، ومن المفترض أن تضم هذه القمة ممثلين عن الدول المعنيّة؛ للبتِّ في الملف اللبناني؛ وهي “الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وقطر، والسعودية”، مستبعدةً إيران، بالرغم من كوْنها لاعبًا إستراتيجيًّا أساسيًّا بالمنطقة.
ومن جهةٍ أُخرى، تأتي هذه الزيارة وسط توتُّرات ومخاوف إقليمية، إزاء تشكيل الحكومة اليمينية، الأكثر تطرُّفًا بإسرائيل، والتي من المتوقع، أن يكون لها سِجَالٌ غير منتهٍ من الانتهاكات والاعتداءات على الفلسطينيين، وكذلك موقفها إزاء اتفاق الغاز، الذي سبق وتمَّ توقيعه بين لبنان وحكومة “لابيد” السابقة، وقد سبق أن أبدى “نتنياهو” غضبه الشديد نحو ذلك الاتفاق، واعتبره تهاونًا كبيرًا في حقِّ إسرائيل، وهذا ما يثير مخاوف الدولة اللبنانية، ولا سيما وأن عقدت لبنان آمالًا اقتصاديةً كبيرةً على حقول الغاز، فضلًا عن التضييق الإسرائيلي على إيران، بقصفها لمخازن أسلحة إيرانية، بمطار “دمشق، وحيطة”، وقد هدَّدت إسرائيل الشهر الماضي بقصْف مطار “بيروت”، حال تبيُّن استخدامه في تهريب أسلحةٍ إيرانيةٍ.
مخرجات الزيارة
- ملف الطاقة
ومن أهم الملفات التي أخذت حيِّزًا كبيرًا من أجندة “عبداللهيان” إبَّان لقائه بكبار المسؤولين في لبنان، هي وقوف إيران بجانب لبنان، وتأكيدها الدائم على دعمها، فيما يخُصُّ كافَّة المجالات، التي سبق وأعلنتها “طهران”، وخصوصًا في المجاليْن “الاقتصادي، والطاقة” وما يرتبط بـ”الهِبَةِ الإيرانية”، التي أعلنت عنها إيران في وقتٍ سابقٍ، وقد أكَّدها أمين عام “حزب الله”، فضلًا عن ذلك طرح بعض المواضيع الثنائية التي تهم البلديْن من علاقاتٍ مشتركةٍ على خلفية تطوُّر الأحداث في المنطقة، وعلى خلفية تفاقُم الأزمة “الاقتصادية – السياسية” في لبنان.
وقال: لقد بحثنا سُبل تنمية التعاون “الاقتصادي، والتجاري، والسياحي”، في إطار تنمية البلديْن، ويُسْعِدُنا أننا توصَّلْنا إلى اتفاقٍ، خلال زيارتي الأخيرة إلى لبنان، وتحقّق بعض التقدُّم فيه؛ من أجل الحدِّ من معاناة لبنان من الضغوط الاقتصادية، وقد زار وفد لبناني “طهران”، وناقش سُبل التعاون وتزويد لبنان بالوقود.
- محادثات مع السعودية
كما أفاد “أمير عبد اللهيان” عن مدى أريحيّة إيران بالمحادثات الجارية بين” سوريا، وتركيا”، مؤكدًا ترحيبها بإعادة فتح السفارتيْن “الإيرانية، والسعودية” في كلا البلديْن، وعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى حالتها الطبيعية.
- بحث موقعيّة حركة المقاومة.
أشار وزير الخارجية إلى موقف “طهران” إزاء المقاومة في كُلٍّ من “لبنان، وفلسطين” أمام التهديدات التي تُمثِّلُها الحكومة الإسرائيلية المُشَكَّلة حديثًا، وسياسة الصَّلَف التي ستعتمدها تلك المنظومة، حِيَالَ دول المنطقة، ولا سيما أنها الأكثر تطرُّفًا في تاريخ إسرائيل، وشدَّد على دعْم إيران لهذه المقاومة.
ملف الاستحقاق الرئاسي
دعا “عبداللهيان” جميع التيارات السياسية في لبنان، بالسيْر على طريق الحوار، والاتفاق في أسرع وقتٍ؛ لانتخاب رئيسٍ لهذا البلد، وإتمام العملية السياسية في لبنان.
وفي سياقٍ متصلٍ، أكَّد على عدم تدخُّل إيران في الشأن اللبناني الداخلي، وأن التيارات السياسية بلبنان، لديها وعيٌ كافٍ وخبرات جديرة لانتخاب رئيسٍ جديدٍ.
ختامًا
بالنظر إلى مُخْرَجات زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى “بيروت”، نَسْتَشِفُّ أن تلك الزيارة تقع في إطار تحصين المواقع، ولا سيما أنها تأتي في لحظةٍ سياسيةٍ أساسيةٍ في المنطقة، ولا سيما بعزْم إيران زيارة “دمشق” في وقتٍ لاحقٍ، ثمَّ التوجُّه مباشرةً إلى “أنقرة”.
وفي السياق نفسه، تسعى إيران من خلال ذلك اللقاء، تأكيد وجودها في لبنان وفي المنطقة، والهدف منه تثبيت الحضور، وتجميع القوى الحليفة، سواء في الداخل اللبناني أو مع الفصائل الفلسطينية.
كما تُمثِّلُ هذه الزيارة تواصُلًا إيرانيًّا في المنطقة ككل، على إثْر تحرُّكيْن أساسييْن، أولاً: اللقاءات “الروسية – السورية – التركية” من دون مشاركة إيران، وثانيًا: اللقاءات التي يتمُّ التحضير لها حول لبنان، في العاصمة الفرنسية “باريس” ومن دون مشاركة “طهران” أيضًا؛ لذلك فإن الإشارة الجوهرية من قِبَلِ “طهران” بأنها حاضرةٌ وموجودةٌ، ولا يُمْكِنُ القيام بأيِّ تسويةٍ بدونها.
وقد تعكس هذه الزيارة بُعْدًا إقليميًّا، خاصَّةً في ظلِّ الضغوط التي تُمَارَس على “طهران” من الداخل، فتقول الخارجية الإيرانية: إنها حاضرةٌ في الخارج، وهنا لا بُدَّ من الوقوف عند حديث رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، أفيف كوخافي، حين أشار إلى إعداد الجيش الإسرائيلي، العام الماضي، لثلاث خُطط لضرب إيران، بالإضافة إلى الخطاب الإسرائيلي الدائم عن المنْع المستمر لإيران، من تشكيل قوةٍ مشابهةٍ لقوة “حزب الله” في الجنوب السوري، وهذا ما يستدعي جُهُوزِيَّةً إيرانيةً دائمةً مع الحلفاء.