زيـارة مـاكـرون للـصـين.. مـحـاولـة لإيـجـاد “طـريـق يـؤدى إلى الـسـلام” فى أوكـرانـيـا

إعـداد: مـيـار هانـى

الــمــقــدمــة: 

التقى الرئيس الفرنسى “إيمانويل ماكرون” نظيره الصينى “شى جين بينج” فى العاصمة الصينية بكين، الأربعاء 5 أبريل الجارى، فى زيارة استغرقت 3 أيام أجرها “ماكرون” على رأس وفد يتألف من قادة أعمال وفنانين ومسؤولى متاحف.

تكتسب الزيارة أهمية لاصطحاب “ماكرون” رئيسة المفوضية الأوروبية، “أورسولا فون دير لاين”، إلى بكين، والتى دعاها للمشاركة فى المحادثات مع القيادة الصينية دلالةً على أن الرئيس الفرنسى يحمل رسالة أوروبا بأكملها.

وتأتى الزيارة إلى الصين فى خضم أجواء محلية وعالمية غير مستقرة، إذ تشهد فرنسا إضرابات واضطرابات نتيجة لإصلاحات نظام التقاعد الذى لم يحظَ بتأييد شعبى، وعلى المستوى الدولى، إعلان موسكو إرسال 10 مقاتلات إلى “بيلاروسيا” تستطيع حمل أسلحة نووية تكتيكية؛ ردًا على قرار بريطانى بتزويد أوكرانيا بقذائف خارقة للدروع تحتوى على اليورانيوم المنضب، بالإضافة إلى تراجع مخزون الأسلحة فى دول بأوروبا، نتيجة إرسال أسلحة على نحو غير مسبوق نحو أوكرانيا، فضلًا عن خروج مظاهرات عارمة فى بعض بلدان أوروبا نتيجة ارتفاع الأسعار.

كما تتزامن الزيارة مع تنامى الزيارات المتبادلة من جانب المسؤولين الأوروبيين والمسؤولين الصينيين، فقد شهد شهر نوفمبر 2022 زيارة قام بها المستشار الألمانى “أولاف شولتس” للعاصمة بكين، تلتها زيارة “شارل ميشيل” رئيس المجلس الأوروبى للصين، خلال شهر ديسمبر من العام الماضى، ثم زيارة “بيدرو سانشيز” رئيس الوزراء الأسبانى للصين خلال شهر مارس المُنصرم.

ويُعد هذا اللقاء الثانى منذ اندلاع الحرب فى أوكرانيا، إذ جاء اللقاء الأول بينهما خلال قمة مجموعة العشرين التى عُقدت فى نوفمبر من العام الماضى فى العاصمة الإندونيسية “بالي”، وقد شهدت الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات من قِبل الشركات والمؤسسات الثقافية الفرنسية والصين.

دوافــع مــتــعــددة

هناك جملة من الدوافع تفسر زيارة ماكرون إلى الصين، والتى يمكن عرضها على النحو التالى:

دخـول الـصـيـن فـى وسـاطـة مـن أجـل خـفـض الـتـصـعـيـد فـى أوكـرانـيـا: 

يعد تشجيع الصين على القيام بدور وساطة بين طرفى الصراع لتقصير أمده والوصول إلى السلام، أحد الأهداف الرئيسية للزيارة التى يقوم بها الرئيس الفرنسى إلى الصين، وعلى الرغم من دعمه لأوكرانيا بجانب القوى الغربية، إلا أنه يؤكد أهمية الحوار مع روسيا تمهيدًا للتوصل إلى تسوية للحد من إطالة أمد هذه الحرب.

حيث دعا “ماكرون” نظيره الصينى إلى المساعدة فى وقف الحرب، وقال للرئيس “شى” خلال لقائه فى بكين: “أعلم أنه يمكننى الاعتماد عليك فى إعادة روسيا إلى رشدها، وإعادة الجميع إلى مائدة التفاوض”.

وقال “شى” إن لدى بلديهما القدرة والمسؤولية لحماية السلام العالمى، إذ ترى فرنسا أن الصين قد تكون الدولة الوحيدة فى العالم التى تتمتع بقدرة كافية لممارسة الضغط على روسيا وإقناعها بتقليص طموحاتها من وراء الحرب بسبب علاقتها القوية مع روسيا.

 كما أكدت الصين، عقب نجاح وساطتها بين السعودية وإيران، أنها لم تعد بلدًا يراقب الأزمات ويكتفى بإصدار بيانات بلغة متحفظة؛ وعليه، تسعى فرنسا إلى أن تتدخل الصين بشكل فورى لتمارس بأقصى درجة ممكنة الضغط على روسيا لوقف النزاع.

الـتـصـدى لأى نـيـة صـيـنـيـة مـسـتـقـبـلـيـة قـد تـظـهـر لـتـسـلـيـح روسـيـا:

تخشى القوى الأوروبية أن يتحول الدعم الاقتصادى والدبلوماسى من جانب بكين لموسكو إلى دعم عسكرى، فعلى الرغم من أن الصين لا تدعم روسيا فى حربها مع أوكرانيا، لكنها فى المقابل تدعمها فى صراعها مع حلف شمال الأطلسى “ناتو” لأنها تراه صراع نفوذ.

ولم تظهر أى دلائل حول وجود دعم عسكرى صينى لروسيا، على عكس إيران وكوريا الشمالية التى ثبت تزويدُها لروسيا بالأسلحة والذخيرة، إلا أنه فى حال تحقق هذا الأمر، فمن شأنه أن يُشكل عاملًا لكسر التوازن الذى عمل الغرب على تكريسه فى أوكرانيا على طول جبهات القتال، ويسهم فى اتساع نطاق الحرب.

وفى هذا الصدد، صرح مكتب الرئيس الفرنسى بأن الرئيس “ماكرون” سيحذر نظيره الصينى من أن تقديم الدعم العسكرى لروسيا فى حربها ضد أوكرانيا سيكون “كارثيًا”. وعليه، تسعى فرنسا للتصدى لأى نية صينية مستقبلية قد تظهر لتسليح روسيا.

وقـف تـلـويـح مـوسـكـو بـاسـتـخـدام الـنـووى: 

فى تطور لافت، أعلنت موسكو إرسالها 10 مقاتلات إلى بيلاروسيا تستطيع حمل أسلحة نووية تكتيكية؛ ردًا على قرار بريطانى بتزويد أوكرانيا بقذائف خارقة للدروع تحتوى على اليورانيوم المنضب، الأمر الذى أثارمخاوف لدى أوروبا من استخدام أسلحة كيميائية أو بيولوجية.

وقد أعلنت الصين رفضها استخدام الأسلحة النووية فى أوكرانيا ومعارضة حتى التهديد باستخدامها أو نشرها، كما سبق أن ضمنت هذا الموقف فى خطتها لتحقيق السلام فى أوكرانيا عبر تبنيها فكرة تقليص الأخطار الإستراتيجية، وهو الأمر الذى رحب به الرئيس الفرنسى ماكرون، مشيدًا بجهود بكين لإدانة أى استخدام لهاتين الوسيلتين.

وفى هذا السياق، أكد ماكرون أنه سيطلب من الصين التدخل لضمان عدم وصول الأمور إلى هذا الحد، وإقناع روسيا بالتهدئة.

إعـادة تـقـيـيم الـعـلاقـات مـع بـكـيـن: 

تسببت الحرب (الروسية – الأوكرانية) بأزمة عميقة لأوروبا تمثلت فى ارتفاع معدلات التضخم وفواتير الطاقة، إلى جانب اضطرارها إلى رفع إنفاقها الدفاعى فى وقت تتعرض فيه الدول الأساسية لإضرابات واضطرابات، وبالتالى يسعى الاتحاد الأوروبى لتنشيط اقتصاده، ويرى أن الصين أقرب له فى هذه النقطة من روسيا، خاصة وأنها خارج أى عقوبات غربية، إلى جانب التخفيف من حدة توثيق العلاقات بين بكين وموسكو.

وفى هذا الصدد، أشار “ماكرون” إلى أن العالم بحاجة إلى حوار معمق بين الشرق والغرب وأن بلاده بحاجة للحوار مع الصين بشأن العلاقات الاقتصادية، فمن المُتوقع تركيز الزيارة على آليات تعزيز العلاقات على الصعيد الدبلوماسى والاقتصادى بين الصين وفرنسا والاتحاد الأوروبى؛ ويُشارك فى تلك الزيارة حوالى 60 رئيس شركة فرنسية، بالإضافة إلى الخبراء الاقتصاديين، وعدد من الفنانين وصانعى الأفلام.

وتعد الصين  الشريك التجارى الأول للاتحاد الأوروبى، إذ تشير معطيات مؤسسة “يوروستات” للإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبى، إلى أن حجم التبادلات التجارية بين الاتحاد الأوروبى وبكين قد بلغ 856 مليار دولار، منها 626 مليار واردات أوروبا من الصين، و230 مليار دولار واردات الصين من أوروبا، وتعدّ هولندا أكبر دول الاتحاد الأوروبى استيرادًا من الصين، فى حين أن ألمانيا هى أكبر مُصدر للسلع والبضائع إلى بكين.

مـسـاعـى فـرنـســا إلـى تـعـزيـز حـضـورهـا عـلـى الـسـاحـة الـدولـيـة:

تسعى باريس لتوظيف التفاعلات الناتجة عن الحرب (الروسية – الأوكرانية) لتعزيز مكانتها على الساحة الدولية بوصفها فاعلًا محوريًا، فضلًا عن رغبتها فى تأكيد بحثها عن مصالح أوروبا ككل وليس فقط عن مصالحها هى فقط، وذلك من خلال مبادرتها بتوجيه أوروبا نحو الصين واصطحاب الرئيس “ماكرون” لرئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”.

الخــاتــمــة:

مما سبق يمكننا القول إن فرنسا ترى الصين باعتبارها طرفًا «لا يمكن تجاوزه» أمام التحديات الكثيرة التى يشهدها العالم بدءًا من الحرب (الروسية – الأوكرانية)، فهى على عكس الولايات المتحدة الأمريكية لا تصنف الصين باعتبارها عدوًا أو مصدر تهديد، بل تصنف الصين شريكًا ومنافسًا منهجيًا، وتَعتبِر فرنسا أن هذا الاعتدال فى التعامل يجعلها شريكًا تستمع إليه الصين.

 وتشكل زيارة “ماكرون” اختبارًا لمدى جدية الصين فى إطلاق مفاوضات جِدية لوقف الحرب، وهو الأمر المرهون بإرادة اللاعبين الآخرين، وفى حال حدوثة، سيكون مسار إقناع بكين بالضغط على روسيا لإيقاف الحرب فى أوكرانيا مسارًا طويلًا، نتيجة لعدم رغبة الرئيس الروسى “بوتين” فى بدء المفاوضات إلا بعد الاعتراف بالمكاسب التى حقَّقها على الأرض، وهو الأمر التى لم تعترف به الصين حتى الآن، إلى جانب رغبة الرئيس الأوكرانى “زيلينسكي” بعدم البدء فى التفاوض إلا بعد نجاح هجومه المضاد، الأمر الذى يعتبره العديد من المحللين أن كلمة السر الأخيرة ستأتى من الولايات المتحدة.

كلمات مفتاحية