إعداد : ميار هانى
لأول مرة منذ بدء حرب بلاده مع روسيا، فى فبراير الماضى، يقرر الرئيس الأوكرانى، فولوديمير زيلينسكى، السفر إلى واشنطن؛ للقاء الرئيس الأمريكى، جو بايدن، وإلقاء كلمةٍ أمام جلسة للكونجرس، فما هو توقيت الزيارة ودلالاتها؟ وكيف تراها روسيا؟ وكيف سيكون الرد الروسى بعد تزويد أوكرانيا بمنظومة “باتريوت”؟
توقيت الزيارة
في إطار رؤية عدد من المحللين الاستراتيجين يوجد عدة عوامل دفعت بالزيارة فى هذا التوقيت، ألا وهى:
- التحركات الروسية فى بيلاروسيا تثير مخاوف أوكرانيا؛ حيث تزامنت زيارة الرئيس “زيلينسكى”، مع إنهاء الرئيس، فلاديمير بوتين، زيارته الأولى منذ 3 سنوات إلى بيلاروسيا، مع وجود مخاوف تتعلق بمحاولة استخدام بيلاروسيا مرةً أُخرى كنقطة انطلاق لهجومه التالى، فى محاولةٍ أُخرى؛ للاستيلاء على “كييف”، وفرض تغيير النظام.
- تحركات روسيا فى الجبهة الشرقية وفى “باخموت”، فضلًا عن الاستعداد لهجوم روسى وشيك على “خيرسون”، التى أحرزت فيها “كييف” مكاسب ميدانية.
- معاناة أوكرانيا من أزمة كهرباء خانقة؛ حيث باتت معظم أنحاء أوكرانيا من دون تدفئة أو كهرباء، بعد الضربات الروسية المتكررة على شبكات الطاقة.
- تأتى الزيارة فى وقتٍ من المقرر فيه، أن يُصوِّت “الكونجرس” على حزمة مساعدات، بقيمة 45 مليار دولار لبلاده، وهى أكبر شريحة من المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، لتبلغ إجمالى المساعدات، بأكثر من 100 مليار دولار، إلا أن ذلك يتزامن مع الأيام الأخيرة، من سيطرة الحزب الديمقراطى على مجلس النواب، وقبل تولِّى الحزب الجمهورى قيادة المجلس؛ إذ لا يوجد ضمانات، أن تسير المساعدات الأمريكية كما هى الآن؛ بسبب وجود انقسامات بداخل الجمهوريين؛ حيث يؤكد المشككون منهم، أن الولايات المتحدة ليس لديها مصالح حيوية فى أوكرانيا، وأن تدفُّق الأموال نحو “كييف” مفرط فى السخاء، إضافةً أن الحرب تصرف الانتباه عن عددٍ كبيرٍ من المشكلات فى الداخل الأمريكى، والتى تتطلب الاهتمام؛ لذا ذهب “زيلينسكى” فى خطوةٍ إستراتيجيةٍ؛ لحشد دعم معنوى ومالى إضافى، وسار على خط رفيع؛ حيث لم يربط نفسه بشكلٍ وثيقٍ بالرئيس الأمريكى؛ فى جعل دعم الولايات المتحدة للحرب يبدو وكأنه جهد للديمقراطيين فقط، وإنما أيضًا للجمهوريين، مؤكدًا أنه يتوقع الحفاظ على دعم “الكونجرس”، بغض النظر عن الأغلبية الحزبية.
رسائل عديدة:
- أول هذه الرسائل، تمثَّلت فى ملابس الرئيس “زيلينسكى”، والذى ظهر مرتديًا الزىّ العسكرىّ، وقميصه الأخضر الزيتونى، بدلًا من البدلة الداكنة وربطة العنق، مثل بقية الرؤساء الزائرين، وكأنه جاء من جبهة القتال على التوِّ؛ طالبًا المساعدة، وفى ذلك رسالة لشعبه وحلفائه، فضلًا عن خصومه، بأن الحرب مستمرة، وأنه وشعبه مستعدون لمواصلة القتال، وفى المقابل، التقاه الرئيس “جو بايدن” بربطة عنق، مخططة باللونيْن “الأزرق، والأصفر”، بينما ارتدت زوجته، معطفًا أزرق سماويًّا، وخلال خطابه بداخل “الكونجرس” الذى تخلَّله تصفيق حاد، وصل إلى ذروته عندما قدم لـ”الكونجرس” علمًا لأوكرانيا، وقَّع عليه الجنود فى “باخموت”، وهى مدينة على خط المواجهة فى شرق أوكرانيا، وطلبوا منه تسليمه للرئيس “جو بايدن” و”الكونجرس”، كل ذلك يؤكد على التضامن القوى بين الولايات المتحدة وأوكرانيا.
- يتحدث “زيلينسكى” بشكلٍ متكررٍ إلى زعماء العالم، عبر الهاتف والفيديو، ويستضيف بانتظامٍ قادة أجانب فى العاصمة “كييف”، إلا أن اختيار “واشنطن” وجهةً خارجيةً أُولى للرئيس الأوكرانى، يدل على أنها صاحبة القول الفصْل فى الحرب، أى لن يكون هناك سلام دون موافقتها، ولن تأخذ المعارك مسارات معارضة لإرادتها.
- كشفت الزيارة، تركيز أوكرانيا بالحفاظ على المساعدات الأمريكية، التى لعبت دورًا رائدًا فى الحرب، مع عدم وجود قادة أوروبيين، يلجأ إليهم الرئيس الأوكرانى؛ للحصول على دعمٍ مماثلٍ، فوفقًا للباحثة فى مجلس العلاقات الخارجية، “ليانا فيكس”، فإن الأوكرانيين يرون أن الولايات المتحدة هى القائد الحقيقى لهذه الحرب، ليس بسبب دعمها العسكرى الكبير، والذى وصل إلى 50 مليار دولار، لكن أيضًا بسبب تردُّد الحلفاء الأوروبيين فى المُضى قُدُمًا لتقديم المساعدات بأنفسهم، مفضّلين انتظار تعهُّد الولايات المتحدة بالدعم قبل المتابعة خطوةً بخطوةٍ، مشيرةً إلى عدم ظهور أى دولة أوروبية كقاطرة تقود وراءها الاتحاد الأوروبى، وتجدر الإشارة، أن “واشنطن” قد أعلنت عن تقديم حزمة مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا، بقيمة 1.85 مليار دولار، تشمل مليار دولار؛ لتعزيز قدرات أوكرانيا على الدفاع الجوى، أى نظام “باتريوت” القادر على إسقاط صواريخ عابرة للقارات، وصواريخ باليستية قصيرة المدى، وفقًا لوزير الخارجية الأمريكى “أنتونى بلينكن”، والذى طالما طالب الرئيس “زيلينسكى”، بالحصول عليه؛ لمواجهة الضربات الصاروخية الروسية المتكررة، إلا أن “واشنطن” لم تُصْغِ لهذا الطلب فى الأشهر الماضية، بالإضافة إلى تزويدها بمجموعة معدات حيوية.
- أرسلت “واشنطن” رسالةً لـ”الكرملين” والعالم، مفادها، أنها لا ترى – حتى الآن- طريقةً دبلوماسيةً، تسمح بحلِّ النزاع “بشروط عادلة”؛ ما يدل على استمرار الحرب، فضلًا أنها ستظل داعمًا لأوكرانيا، طالما أن الأمر يتطلب ذلك، فإن البيت الأبيض ينظر إلى الحرب فى أوكرانيا، باعتبارها صراعًا لا يمكنها خسارته ببساطة؛ خوفًا من أن هزيمة أوكرانيا ستشجع “بوتين”، وتكشف الضعف الأمريكى لمنافسين وخصومٍ، مثل “الصين، وإيران”.
كيف ترى روسيا زيارة “زيلينسكى” لـ”واشنطن”؟
قد حذَّرت “موسكو” خلال الأيام الماضية، من الصدام المباشر مع “واشنطن”، واعتبر “الكرملين”، أن تزويد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوى “باتريوت” خطوة استفزازية، وأنها ستكون هدفًا مشروعًا للقوات الروسية، كما صرَّح “دميترى بيسكوف”، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، أن الرئيس الأمريكى، جو بايدن، ونظيره الأوكرانى، زيلينسكى، رفضا الإصغاء “للمخاوف الروسية”، مضيفًا: “كل هذا يؤدى بالتأكيد إلى تفاقُم النزاع، ولا يبشر بالخير لأوكرانيا”.
كيف سيكون الرد الروسى بعد تزويد أوكرانيا بمنظومة باتريوت؟
ستضيف منظومة “باتريوت” لأوكرانيا قوةً حيويةً جديدةً للدفاع عن مدنها ضد الهجمات الصاروخية الروسية،فالهدف منها مساعدة أوكرانيا على الصمود أمام الضربات الروسية المتكررة؛ نظرًا لاعتماد روسيا بشكلٍ مُكثَّفٍ على الصواريخ بدلًا من الطائرات المقاتلة، وفى هذا الإطار، من المتوقع أن روسيا لن تأخذ الأمر فى إطارٍ تصعيدىٍّ، بمعنى أن المنظومة ستكون هدفًا مشروعًا لروسيا، ولكن فى الوقت نفسه، هى تعلم أنها محاولة من إدارة “جو بايدن”؛ لجعل أوكرانيا أكثر قدرة على التصدى فقط، وليس لقيادة هجومٍ مضادٍ على روسيا، لكن عندما تتحول نوعية الأسلحة الأمريكية إلى أسلحة تستطيع الهجوم بشكلٍ مُكثّفٍ على الأراضى التى ضمتها روسيا أو على العمق الروسى، فعندها سيكون لروسيا ردّ فعلٍ آخر؛ لأنه سيتعلق بأمنها القومى الإستراتيجى.