إعداد : حسناء تمام
بعد مرور شهرين على تولي محمد شياع السوداني رئاسة وزراء العراق، جرت تفاعلات واسعة على مستوى الحكومة وعلي أثر هذه التفاعلات نطرح تساؤل رئيس حول التوجهات الرئيسة لسياسة رئيس الوزراء العراقي ، وفي هذا الصدد نلقي نظرة علي أداء حكومة السودان منذ توليه، ونلاحظ أن أداء السودان منذ توليه أعتمد على التحرك في اتجاهات عدة ومع عدة تيارات سواء سياسية داخلية أو خارجية.
أبرز الخطوط الرئيسة التي تقوم عليها سياسة رئيس الوزراء السوداني هو انتهاج سياسة الترضية، وهي السياسة الدبلوماسية القائمة على تقديم التنازلات واسترضاء الأطراف المعادية. ومنذ الأيام الأولى لتنصيب السوداني، بدأت في اتخاذ عدة قرارات اتباعه سياسة الترضية داخليا وخارجيا .
أولا : تطبيق السياسة داخليًا
تعهد بإجراء انتخابات خلال عام: تعهد محمد شياع السوداني، بعد أن نالت حكومته ثقة البرلمان العراقي، بإجراء انتخابات برلمانية خلال عام، في موقفٍ يبدو محاولة منه لمغازلة التيار الصدري. وإنه يتعهد تعديل قانون الانتخابات النيابية خلال 3 أشهر وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام ، بالإضافة إلى إجراء انتخابات مجالس المحافظات وتحديد موعد إجرائها في البرنامج الحكومي. كما تضمّن المنهج الوزاري المقترح تأكيد التزام الحكومة بناء أدوات فعالة لمحاربة الفساد خلال مدة أقصاها 90 يوماً من تاريخ تشكيلها.
وعقب انتخابات العراق، وبعد أن حسم الإطار التنسيقي اختياره للرئيس، وبعد أن تم اختيار محمد شياع السوداني ، وفيما ما بدا أنه انتصار الإطار التنسيقي ، كان من المتوقع أن يحدث تصعيد بناء على هذا الانتصار يتمثل في تصعيد تصريحاته وزراء التيار الصدري، غير أن تصريح السوداني كان مفاجئا، و بالرغم من أنه ليس العامل الوحيد في هدوء التيار الصدر إلا أنه ساعد في حدوث استقرار داخليًا.
استبعاد قانون التجنيد الإجباري: كان ملف التجنيد الإجباري أحد الملفات التي أثارت اختلافات واسعة في الداخل العراقي، ليٌتخذ إجراء بإنهاء الحكومة العراقية الجدل بشأن قانون التجنيد الإلزامي، الذي سعت أطراف سياسية لتمريره في البرلمان، بهدف تحقيق التوازن في المؤسسة العسكرية، إذ تم سحبه بقرار من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وأعيد إلى مجلس الوزراء، وسط تأكيدات بأنّ القانون لن يمرر بسبب رفضه من قوى “الإطار التنسيقي”. وخلال اجتماع لمجلس الوزراء عُقد تم تخويل السوداني صلاحية سحب مشاريع القوانين من البرلمان، وقد وجه بدوره بسحب قانون التجنيد الإلزامي من البرلمان وإعادته إلى مجلس الوزراء، مع قوانين أخر.
تعامله مع المظاهرات بنهج احتوائي : فقد وقعت مظاهرات اعتراضا على حكم بالسجن ثلاث سنوات على ناشط عراقي “حيدر الزيدي” ، بعد اتهامه بإهانة الحشد الشعبي، وإهانة مؤسسات الدولة، بعد كتابته منشورا على تويتر عن “أبو مهدي المهندس”، نائب قائد الحشد الشعبي الراحل.نتج عن هذه التظاهرات قتل اثنين وجرح أكثر من 20 آخرين بعضهم من القوات الأمنية، في الاشتباكات التي شهدتها مدينة الناصرية جنوبي البلاد.
أخذت الحكومة التقليدية الإجراءات المعهودة ،حيال التظاهرات بأنها قامت بتشكيل لجنة للبحث في ارتكاب أعمال العنف، وإقالة بعض المسؤولين الأمنيين، والتأكيد بأن التظاهرات السلمية حق كفله الدستور العراقي، وأن هناك توجيهات واضحة لتوفير الحماية الكاملة للمتظاهرين، والتحقيق مع مرتكبي ضحايا العنف.
قوانين حرية التعبير: تجدد الجدل حول قانون حرية التعبير في العراق، بعد قراءته للمرة الأولى في البرلمان، وهو جدل ممتد لسنوات من قبل ناشطين ومنظمات حقوقية ومهنية مدافعة عن حرية التعبير تعتقد أن القانون بنسخته الحالية يعيق مسار الديمقراطية الناشئ والمتعثر في البلاد.والاعتراضات بمجملها دفعت مجلس النواب دائماً إلى التريث في تشريعه وإقراره وتأجيله إلى الدورات اللاحقة، على أمل أن تكون المراجعات والتعديلات اللاحقة كافية لإقناع المعترضين وتالياً عدم الممانعة على إقراره، وفي ظل حالة الجدل تلك تتصاعد التوقعات بحدوث تدخلات لاحتواء هذا الغضب.
ثانيا: إدارة الملفات الخارجية
زيارة إيران بالرغم من تنفيذها هجمات : بعد زيارتين قصيرتين لكل من الأردن والكويت، زار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إيران، في محاولات لاحتواء خلافات على خلفية القصف الذي ينفذه الحرس الثوري الإيراني على مواقع ومقرات لأحزاب كردية إيرانية ناشطة في إقليم كردستان العراق، ،وفي كل ذلك يكرر رئيس الوزراء السوداني أنه لن يسمح أن يكون العراق مصدر تهديد لدول الجوار ترجمت زيارته بأنها محاولة انتزاع التزام من المسؤولين الايرانيين بعدم تكرار قصف كردستان ، لاشك أن توقيت الزيارة كان مفاجئا ، بل وربما سبب إحراج لرئيس الوزراء السوداني ، لكن ربما يساهم ذلك في تخفيف ضربات إيران، تجاه اقليم كردستان.
مشاركته في القمة العربية الصينية، وقمم عربية أخرى : إذ شارك رئيس الوزراء العراقي في القمة العربية الصينية ،وبحسبه فإنها فرصة لتحقيق تعاون أكبر مع الصين، والاستفادة من الخبرات المختلفة للجانب الصيني، وأن العلاقات العراقية الصينية قوية ومتينة، وأنه يتطلع لعلاقات أقوى، وهذا الحضور من ناحية أخري له دلالة بالصحة العراقية بدول الجوار والمحيط العربي.
كما عقدت في منطقة البحر الميت الأردنية، النسخة الثانية من «قمة بغداد»، بتطلعات سياسية واقتصادية جديدة، وبحضور سفراء الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي ومجموعة العشرين والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن المعتمدين لدى المملكة الأردنية . وتتطلع «قمة بغداد للتعاون والشراكة» إلى قرارات تدعم العراق وسيادته وأمنه واستقراره، وتطوير آليات التعاون معه بما يعزز الأمن والاستقرار، ويسهم في عملية التنمية في المنطقة. وتناقش ضمن أولويات جدولها تحديات تتعلق بالأمن الغذائي والأمن الدوائي وأمن الطاقة في المنطقة والعالم.
تنسيق مع الجانب الأمريكي: تنسيق مستمر متبادل بين الطرفين الأمريكي والعراقي منذ تولي الشياع وفي 20 نوفمبر بحث رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، مع السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانوسكي سبل تعزيز الشراكة بين البلدين. وناقشها مع السفيرة الاميركية سبل تطوير العلاقات بين الدولتين في مختلف المجالات. ومع ذلك أبلغت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني بأنها لن تتعامل مع الوزراء وكبار المسؤولين المنتمين لفصائل صنفتها واشنطن على قائمة الإرهاب كما بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال اتصال هاتفي، مع منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، العلاقات الثنائية والشراكة بين البلدين.
وهو ما يعني أن رئيس الوزراء يتبع انفتاحا علي كافة القوى ، حتى المتنافس علي النفوذ في لعراق ، بل وأكثر انفتاحًا على قوى أخرى مثل الصين، وأن خلفية تياره المقربة من إيران لا تمنعة من العمل في اتجاه التعاون العربي رغم التنافس السياسي المذهبي بين الجانبين. أو التنافس الأمني بين الولايات المتحدة وإيران أو الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين.
ثالثًا: ملامح سياسة الترضية التي يتبعها السوداني
مفهوم الترضية في حالة رئيس الوزراء العراقي يقدر بمدى استجابته لصعود تهديدات داخلية و خارجية ، ويُنظر إليها باعتبارها سياسة تقوم على تقديم تنازلات أحادية الجانب ، غالبًا على حساب أطراف خارجية، دون أن تُقدِّم الأطراف الأخرى أي تنازل في المقابل باستثناء وعود بممارسة سلوك أفضل في المستقبل. وبعبارة أخرى هي محاولة تجنب الوقوع مجددا في حرب مدمرة ، غير محسوبة النتائج .
خاصة أن لا اتفاق بين القوى الداخلية والخارجية للوقوف في صف السوداني الجميع في حالة ترقب او على الاقل لم يتضح موقفها تماما ، والوجه الأخر لسياسة الترضية في حالة العراق هي المهادنة وتعني مصالحة مؤقتة و تَرْك الخصومة إلى حين، خصوصًا أن سياسية المهادنة سياسة مرنة يمكن أن تصدر بأشكال مختلفة.
بالأخير يمكن القول أن اتجاه رئيس الوزراء العراقي الذي اعتمده في التعامل مع معظم الملفات سواء سياسية داخلية أو خارجية أو ملفات اقتصادية أو أمنية، قائم بشكل أساسي علي الاسترضاء ، ولا شك أن التحركات المشار إليها سالفًا نجحت في احتواء الداخل العراقي ،وفرض حالة من الهدوء النسبي في العراق، خصوصا مع التيار الرئيس المنافس، كما أتت بنتائج إيجابية بشأن الملفات التي تثير جدلًا.
لكن تلك السياسيات تضع الحكومة في موضع رد الفعل،ولا تكن فاعلة في تبني استراتيحات مستقبلة، كونها سياسات مؤقتة ومسكنة، كما تبدي قدر من المرونة ربما تكون مفرطة، كما أنها لم تكن كافية في احتواء الأوضاع الداخلية ، والتظاهرات بشأن الأوضاع المعيشية.وبوجه عام فعدم إعلان هذه الرؤية أدي إلي حالة من الترقب والمتابعة الصامتة لتحركات الحكومة العراقية من بين متفق ومرحب بها وما بين من يرى أن تحركاتها ترقيعية وبلا رؤية. ولا يمكن حسم إذا ماكان سيستمر في هذا النهج ويتبع مطلقا سياسة الترضية أم أنها أقرب للمهادنة لحين ضبط ملفاته المختلفة ، والتحرك بناء عليه.