سيناريوهات المشهد الليبي في ظل وجود حكومتين

حسناء تمام كمال

تكاد ليبيا تنخرط في صراع آخر، إذ توالت التعقيدات والتنافسات السياسية بعد فشل إجراء الانتخابات الرئاسية في ليبيا في 24 ديسمبر، وبدأ يشكك الأطراف في بعضهم البعض وتفاقم غياب الثقة بينهم، أنعكس ذلك في قرار البرلمان بإقالة حكومة عبد الحميد الدبيبة، وتشكيل حكومة جديدة يرأسها باشاغا، وهذا ما رفضه الأول، لنصبح أمام حكومتان في ليبيا،  أسفر وجودهم عن مأزق سياسي جديد، وإعادة تشكيل المواقف الداخلية والمواقف الإقليمية والمنخرطين في الصراع الليبي، بناء على مواقفهم من هاتين الحكومتين.

أولًا: تحركات مضادة لكسب الشرعية

في 1 مارس بأغلبية 92 صوتاً من أصل 101 نائب حضروا الجلسة منَح مجلس النواب الليبي الثقة لحكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، لتكون بديلة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة لكن استمر الأخير في رفض التخلي عن السلطة إلا لسلطة منتخبة، ومنذ ذلك الحين ودخل الطرفان في ما يمكن تسميته بأنه محاولة لكسب اعتراف دولي ومحلي بشرعية كلًا منها، وكُثِفت التحركات التي يجريها الطرفان، في محاولة كلًا منهم تثيبت قدمه وكسب تحركًا دوليًا يدعم البقاء في السلطة.

الدبية يستعين بالدول الأوروبية وأطراف محلية : تركزت تحركات الدبيبة على محاولة حشد الدول الأوروبية وبعض الحلفاء الأقليميين، للاعتراف به حكومة رسمية، بجانب محاولة تعزيز تواجده الميداني في المدن المختلفة من ليبيا وخصوصًا طرابلس، فالتقى الدبيبة مع سفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية لكلًا من: الإتحاد الأوروبي، المملكة المتحدة، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، إسبانيا، اليونان، هولندا، تركيا، الكونغو، قطر، الجزائر، تونس، المعتمدين لدى ليبيا، وذلك في محاولة منه  لدعم موقف حكومة الوحدة الوطنية كسلطة تنفيذية منتخبة.

أما فيما يتعلق بتحركات توطيد صلته بالأطراف المحلية،فاستقبل وفدين من الرحيبات ونالوت، اللذين عرضا المطالب والاحتياجات الخدمية لمناطقهم، كما التقي أعضاء المجلس الاجتماعي للطوارق.

باشاغا يستعين بالأطراف الأقليمية ويعول علي البرلمان: يعول باشاغا في الحشد لشرعيته على البرلمان الليبي الذي منحه الثقة ويلعب الأخير بدوره على كسب ثقة الأطراف الإقليمية الرئيسية الفاعلة في المنطقة ، كما يحاول التحرك لضمان عدم توجيه أي شكوك لقرر البرلمان بتشكيل الحكومة عن رفضه أي تدخل في قرارات المجلس، وشدد على أنها قانونية وغير قابلة للتصديق من أي جهة كانت، وكانت تلك رسالة محددة وجهها لمستشارة الأمم المتحدة الخاصة بليبيا، ستيفاني وليامز.

ويرجح أن الفاعلون الرئيسيون في المنطقة مستجيبون لدعوات عقيلة التي تصب في صالح حكومة باشاغا، فدعت الولايات المتحدة الأمريكية، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الحكومة المكلف من البرلمان فتحي باشاغا، إلى التهدئة ووقف التصعيد في الاتصالات مع جميع الأطراف، هذا البيان أتى بعد اتصالات الدبيبة بالسفراء المشار إليها، وهو ما يمكن اعتباره دعم ضمني من الولايات المتحدة للحكومة الجديدة.

كما أصدرتا مصر والسعودية بياناً مشتركاً ثمنا من خلاله إجراءات المجلس باعتباره الجهة المنوط بها سن القوانين ومنح الشرعية للسلطة التنفيذية، في إشارة إلى اعتراف البلدين بالحكومة الليبية التي منحها مجلس النواب الثقة ويترأسها فتحي باشاغا.

ووبالحديث عن التحركات المركزة ، يخطط باشاغا للقاءات تشمل بعض المدن التي تنشط فيها العديد من المجموعات المسلحة، التي عارضت علانية تكليفه من مجلس النواب برئاسة الحكومة الجديدة، وهذا  في سبيل نزع فتيل الأزمة، ومنع التصعيد، حيث لوحت بعض المجموعات باستخدام القوة لمنع دخول حكومة باشاغا إلى طرابلس لبدء مهامها.

وفي تقييم هذه التحالفات المختلفة، لمحاولة قياس مدى قوة كلا الطرفين، نجد أن بالرغم من أن تحركات الدبيبة أعتمد فيها على الحشد بالكثافة العددية، إلا أن تحركات البرلمان كانت أكثر تركيزًا وموجها لمن لهم تأثير فعلي في المسار الليببي، مستندا في ذلك على شرعية وقانونية قرار البرلمان السلطة العليا في البلاد، وهذا في حد ذاته قد يكون مؤشر من مؤشرات حسم شرعية الحكومتين.

ثانيًا: حتى لا تنزلق ليبيا نحو صراعات جانبية جديدة”ضرورة التوافق”

إن لم تُحل الأزمة قبل دخول حكومة الدبيبة طرابلس، سيكون ذلك بمثابة فتح باب لانقسامات جديدة، ستنتج هذه الانقسامات صراع فرعي جديد بين الأطراف، وانصراف عن الهدف الرئيس الخاص بإجراء الانتخابات، وفي هذا الاتجاه، نؤكد أنه لا بديل أمام الأطراف، سوى أن يتوصلوا لاتفاق لإنهاء الأزمة،  وتحقيق مكاسب مشتركة لكلًا منهم، وتدعم خطوات إيجابية نحو الانتخابات، وقد تكون الخيارات المطروحة أمام الأطراف للتوافق كمايلي:

المبادرة الـأممية: وهي المبادرة التي طرحتها مبعوث الأمم المتحدة وتقترح تشكيل لجنة مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة لإيجاد قاعدة دستورية للانتخابات، وقد سعت المبعوثة الأممية من خلال اجتماعات إلي حشد الأطراف الليبية حولها، وبالفعل دعم المجلس الرئاسي للمبادرة الأممية، لكن رفضها مجلس النواب واعتبرها تخلق مسارات موازية؛ فمجلس النواب يريد التوصل إلى حل يكون مبينًا بالأساس على قراره بتشكيل حكومة جديدة، وهو ما يجعل المبادرة الأممية بالرغم من أهميتها، ليس لديها فرصًا في القبول.

وساطة من دول الجوار: هًنا يفتح المجال إلي دور يقوم به وسيط يلقى قبولا من كافة الأطراف الليبية؛ لتقديم حلول يمكنها أن تقرب وجهات النظر المختلفة بين الأطراف، وتخلق أجواء لوقفة من شأنها إحداث توافق بين الأطراف المختلفة، لكن فعليًا لم يظهر وسطاء يعرضون ذلك حتى الآن، ومن الوسطاء المرجحون في هذا الصدد مصر، باعتبار ما لها من قبول بين أطراف الأزمة، وحرصها على استقرار الداخل الليبي، وتقدميها ما من شأنها إتمام العملية الانتخابية، خصوصا في ظل رفض مجلس النواب الليبي للمبادرة الأممية  وهو ما يجعل البحث عن وسيط بديل ضرورة.

 ثالثًا: السيناريوهات المحتملة

التوصل إلي حل توافقي: هذا السيناريو المرجو، ويعول هذا السيناريو علي التوصل إلي اتفاق بين الأطراف، سواء من خلال الوساطة الأممية أو من خلال وساطة أطراف أخرون في ليبيا، وقد يكون التوصل إلى اتفاق مدفوع بمعرفة الطرفان بعدم جدوى استمرار الوضع على ماهو عليه أو الدخول في صدام جديد، وهذا السيناريو هو الذي يجب أن يعمل الجميع على الوصول إليه تجنبًا لدخول ليبيا في مأزق جديد، وقد يجد فرصة لأن يصبح واقعًا، خصوصا في ظل تصريحات الطرفان بعدم رغبتهم في أن تندلع أعمال عنف مجددًا.

 بقاء الوضع كما هو عليه: ويرجح هذا السيناريو أن يستمر الوضع كما هو عليهه، أي وجود حكومة باشاغا وممارسة عملها، ورفض الدبيبة تسليم السلطة بشكل سلمي، وتمسكه بالتسليم بعد إتمام الانتخابات، وذلك مع عدم دخول باشاغا إلى طرابلس، و عمل الحكومة من خارج طرابلس، وهذا السيناريو يستند إلى تباعد وجهات النظر بين الأطراف الليبية المختلفة حتى الآن، ويبقى هذا السيناريو غير مستبعد.

 تصادم الحكومتين ميدانيا: مرتبط هذا السيناريو بدخول طرابلس دون أن يجري أتفاق بين الدبيبة و باشاغا، وبالتالي  سينتج عن هذا استمرار حكومتين في طرابلس، ينقسم بناء عليها الإدارات، وتتعدد الولاءات الإدارية، في تبعيتها لأيًا من الحكومتين، هذا قد يفضي إذا تفاقم الصراع السياسي إلى مسلح، وهذا السيناريو الأٍسوء الذي يجب أن يتوخى.

 

كلمات مفتاحية