إعداد: رضوى الشريف
تطور مهم في المشهد الليبي، من شأنه إعادة ترتيب الأوراق السياسية لأطراف الصراع، بعد خسارة خالد المشري، رئاسة المجلس الأعلى للدولة، أمام عضو المجلس محمد تكالة، وكان ذلك خلال جلسة رسمية عقدها المجلس الأعلى للدولة، الأحد 6 أغسطس، بمقره بالعاصمة طرابلس؛ لانتخاب مكتب رئاسة المجلس؛ حيث تنافس على منصب رئيس المجلس أربعة مترشحين هم، خالد المشري، وناجي مختار، ومحمد تكالة، ونعيمة الحامي.
وحصل “المشري” في الجولة الأولى من التصويت على 49 صوتًا، ومحمد تكالة على 39 صوتًا، وناجي مختار على 36 صوتًا، ونعيمة المشري على 4 أصوات، وفي الجولة الثانية بين أكثر المترشحين تصويتًا، حصل تكالة على 67 صوتًا، بينما حصل “المشري” على 62 صوتًا، وتشترط اللائحة الداخلية للمجلس حصول الفائز بمنصب رئيس المجلس على 66 صوتًا من أصل 137 عضوًا هم كامل أعضاء المجلس، بينما شارك 130 عضوًا في جلسة التصويت.
وترددت أنباء حول حصول تكالة على دعم أطراف مقربة من رئيس الحكومة منقضية الولاية، عبد الحميد الدبيبة؛ كي يفوز أمام “المشري” الذي أخذ موقفًا مؤيدًا لتشكيل حكومة موحدة جديدة تشرف على الانتخابات؛ الأمر الذي يرفضه “الدبيبة”.
يُذكر أن عقب اختيار أعضاء المجلس الأعلى للدولة، محمد تكالة، رئيسًا جديدًا للمجلس، عقد مجلس النواب في اليوم التالي (الإثنين) جلسة رسمية لطرح القوانين الانتخابية التي أنجزتها لجنة “6+6” المشتركة بينه وبين المجلس الأعلى للدولة للنقاش، وانتهت بإحالة جملة من الملاحظات إلى اللجنة لتضمينها؛ بهدف إصدارها بشكل نهائي، وتركز ملاحظات مجلس النواب على تعديل البند الخاص بإجراء الانتخابات الرئاسية من جولتيْن، والاكتفاء بواحدة، بالإضافة إلى تعديل شرط تنازل المرشحين من مزدوجي الجنسية عن جنسيتهم (الأجنبية) قبل خوض سباق الانتخابات، بأن يتنازل عنها المرشح بعد فوزه.
وحتى الآن، لم يصدر عن رئاسة مجلس الدولة الجديدة ما يبين مواقفها حول ما إذا كانت ستسير وفق سياسات المجلس السابقة إبان رئاسة “المشري”، أم أنها ستغير نهجها؟
أسباب خسارة “المشري”
فاز “المشري” برئاسة الأعلى للدولة خمس مرات متتالية، منذ 2018، والتي تُجرى مرة كل عام، لكنه خسر الانتخابات السادسة بفارق 5 أصوات فقط؛ ما يعكس حدة الانقسام داخل المجلس.
أحد الأسباب الرئيسية لهزيمة “المشري”، دخوله في صراع مع حكومة “الدبيبة”، وجناحه في مجلس الدولة، ومضيه في توافقات مع رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، رأى فيها البعض تراجعًا عن المواقف المبدئية المعلنة للمجلس، خاصة ما تعلق بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية للرئاسة.
فالتعديل الدستوري الثالث عشر، الذي أقره مجلس النواب، وأصدره في الجريدة الرسمية قبل تصديق المجلس الأعلى للدولة عليه، قسّم الأخير إلى فئتيْن، الأولى: تلتف حول “المشري”، والثانية: تتشكل من 54 عضوًا، اعترضت على التعديل وقاطعت الجلسات.
وما زاد في استياء الكتلة المعارضة لـ”المشري”، تنازل ممثلي مجلس الدولة في لجنة “6+6” عن مبدأ رفض ترشح مزدوجي الجنسية في الجولة الأولى من الانتخابات، ثم تمرير خريطة طريق الانتخابات بـ36 صوتًا من إجمالي 137 عضوًا، حضر منهم 56 عضوًا؛ أيْ أقل من ثلثيْ الحاضرين.
ولم يعتد أعضاء مجلس الدولة تمرير قوانين وقرارات مصيرية دون نصاب، وهي ممارسات لطالما انتقدوها في مجلس النواب.
كما أن صمت “المشري” إزاء تعديل مجلس النواب قانون التنظيم القضائي، وتعيينه “مفتاح القوي” على رأس المجلس الأعلى للقضاء، ترك انطباعًا سلبيًّا لدى أعضاء مجلس الدولة والقوى الفاعلة في المنطقة الغربية.
رغم أن لـ”المشري” قبل ذلك وقفة صارمة، عندما قرر مجلس النواب إنشاء محكمة دستورية بدل الدائرة الدستورية، أجبر فيها الأخير على التراجع وتجميد التعديل القانوني.
فرغبة “المشري” في تغيير حكومة “الدبيبة”، وسعيه إلى تجنب محاولات المبعوث الأممي تشكيل إطار بديل عن مجلسيْ “النواب، والدولة”، دفعاه للتقارب مع عقيلة صالح، وتقديم عدة تنازلات، أغضبت حلفاءه في مجلس الدولة وبالمنطقة الغربية، وحتى داخل حزبه السابق العدالة والبناء؛ ما أضاع عليه كرسي رئاسة المجلس.
تداعيات التغيير الجديد
بدأ محمد تكالة مشواره السياسي، في أكتوبر 2011، عقب الاحتجاجات الواسعة التي أسقطت نظام حكم الزعيم الليبي، معمر القذافي، في ذات السنة، بعمله كعضو للمجلس المحلي بمدينة الخمس، ثم في عام 2012، أصبح عضوًا في المؤتمر الوطني العام، الذي حكم البلاد آنذاك، وفي عام 2016، أخذ عضوية مجلس الدولة، وهو هيئة استشارية، وأصبح أحد أعضاء لجنة الحوار به، كما كان عضوًا في ملتقى الحوار الوطني الليبي المشكل عام 2020؛ بغرض وضع خريطة طريق للخروج من أزمة الانقسام السياسي في البلاد.
ولا يعرف لتكالة أيَّ نشاط سياسي خارج مجلس الدولة، وداخل المجلس أظهر ميْلًا للمشاركة في السياسات الاقتصادية للدولة، وتولَّى رئاسة لجنة تنمية وتطوير المشروعات الاقتصادية والاجتماعية بالمجلس، إلا أنه مؤخرًا انضم للتيار الرافض للتعديل الدستوري داخل المجلس، وشارك في رفض تشكيل لجنة “6+6” المشتركة بين مجلس الدولة ومجلس النواب، وكذلك تمرير مجلس الدولة خريطة الطريق.
وحول تداعيات إزاحة “المشري” من قيادة المجلس على مسار التوافق بين مجلسيْ “النواب، والدولة”، فمن غير المرجح وقوع تغييرات جذرية في سياسات مجلس الدولة، فرئيس المجلس ليس وحده من يقرر طبيعة المرحلة المقبلة، بل التكتلات والتوازنات داخل المجلس وخارجه.
وتكالة على عكس المشري، شخصية تكنوقراطية لا يحظى بدعم حزبي، أو مدينة قوية مثل “الزاوية، أو مصراتة، أو الزنتان، أو طرابلس”، ولا من كتائب قوية؛ ما يجعل قدرته على التأثير في قرارات المجلس مقتصرة على شخصيته واستطاعته نسج تحالفات داخل المجلس وخارجه، ذلك بجانب أن فرق الأصوات بينهم ليست بشيء يُذكر؛ ما يدل على وجود قوة كبيرة لاتزال تدعم توجهات “المشري”.
سيناريوهات محتملة
السيناريو الأول: (التفاؤلي)
سيحاول تكالة الوقوف على أرضية مشتركة بين كافة الأطراف الليبية، خاصة أن غموض توجهات تكالة يُصعِّبُ من إمكانية قراءة دوره المستقبلي، فالبعض يتحدث عن قربه من رئيس حكومة الوحدة في طرابلس، وآخرون يرونه قريبًا من حكومة مجلس النوب في بنغازي؛ لذا سيحاول التموضع في مكان وسط، يصعب معه التنبؤ بما يمكن أن يأخذه من مواقف في المرحلة المقبلة.
وهذا هو السيناريو الأقرب لحدوثه في تلك الحالة، خاصة وأن تكالة شخصية ذات سجل أبيض فلا يُعرف عنه الكثير، ولا بُدَّ أن تجربته ضمن لجنة الحوار صقلت عنده رؤيته للملف الليبي، وتصوره لحل الأزمة، وتحريك الملف السياسي للأمام بشكل توافقي مع باقي أطراف الصراع.
السيناريو الثاني: (الخطي)
المضي قُدُمًا على نفس سياسات “المشري”، ومواصلة ما تم إنجازه في الأشهر المنصرمة، واستمرار أعمال لجنة “6+6” المشكلة من ست أعضاء من مجلس النواب وست من مجلس الدولة.
السيناريو الثالث: (التشاؤمي)
التصعيد العسكري وانزلاق البلاد إلى المزيد من الانقسامات الداخلية؛ لأن خسارة “المشري” للرئاسة لا تعني غياب الكتلة المؤيدة له داخل المجلس؛ الأمر الذي يدفع لتوقع أحد احتماليْن يؤديان إلى نفس النتيجة، وهما: إمَّا أن تفقد هذه الكتلة توازنها بعد خسارة “المشري”، وبالتالي يتعزز مركز الرئيس الجديد، خاصة إذا ثبُتت صحة الأنباء عن وجود تقارب مع رئيس حكومة طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، أو أن تظل الكتلة المؤيدة لـ”المشري” منظمة وفاعلة ومعارضة لتكالة، وفي كلا الحالتيْن سيزيد ذلك من الانقسامات، وسينعكس بشكلٍ سلبيٍّ على قوة المجلس في مواجهة مجلس النواب، والتنافس على التأثير في المشهد السياسي الليبي؛ ما قد يؤدي إلى تصاعد القتال بين الفصائل المسلحة؛ ما سيزيد من حدة الصراع الداخلي في نهاية المطاف.
خلاصة القول:
تولي تكالة رئاسة مجلس الدولة، لا يعني بالضرورة تغييرًا جذريًّا في توجهات المجلس، بقدر ما يخضع ذلك للتوازنات والتحالفات بين مختلف التكتلات، وعلاقة المجلس بالحكومة والمجلس الرئاسي والكتائب الأمنية المسيطرة على المنطقة الغربية.
لذا فإن الأسابيع القليلة المقبلة ستكون كافية لرؤية تغير ملحوظ في أداء المجلس الأعلى للدولة ودوره في الأزمة الليبية، وذلك حتى تشكيل لجنة حوار وترشيح شخصيات تمثل المجلس، وحينها فقط ستظهر ملامح التغيير لسياسة المجلس ورؤية رئاسته.