مصطفي أحمد مقلد
مقدمة:
تضاعفت الاستثمارات الصينية في إفريقيا، مع إطلاق مبادرة “الحزام والطريق” 2013، التي ساهمت في وجود فرص عمل للمواطنين الصينيين، وجذْب آلاف الشركات الصينية للعمل في إفريقيا؛ بالتالي، مثَّلت سلامة المواطنين وتلك الأصول، بالإضافة إلى تأمين الطرق البحرية، التي تهددها القرصنة على طول السواحل الإفريقية، وحتى زيادة الاهتمام الصيني بمدِّ نفوذها عبر القارة في ضوء التنافس الجيوسياسي الدولي على إفريقيا ومواردها، ذريعةً للصين “للتدخل” في إفريقيا، من خلال ذراع جديد، هو “شركات الأمن الخاصة”.
كما أنه في الآونة الأخيرة، واجهت المصالح الصينية في إفريقيا تهديدات، ناشئة عن الجرائم المنظمة المحلية، بالتالي، يُنظر إلى مبادرة “الحزام والطريق” على أنها فرصة من قِبَلِ الشركات الأمنية الخاصة؛ لتعزيز وجودها في إفريقيا.
كذلك مثَّلت الحرب الأوكرانية “2022” بدايةً لتحوُّل اهتمام مجموعة «فاجنر» الروسية بشكلٍ كبيرٍ نسبيًّا للحرب هناك، واعتبار إفريقيا أولويةً ثانيةً، بجانب تضرُّر النفوذ الفرنسي في غرب إفريقيا، وما ترتب عليها تخفيض عدد قواتها في ذلك الإقليم، ويمكن الإشارة إلى تنامي نفوذ الجماعات الإرهابية والصراعات الإقليمية في وسط القارة في «الكونغو، وإفريقيا الوسطى»، بمثابة دفعة مهمة لنفوذ شركات الأمن الصينية.
الهدف من تلك الشركات:
استخدام الصين لمثل هذه الشركات ليس مُوثَّقًا بشكلٍ جيدٍ، فالبيانات الحكومية محدودة للغاية، حول ذلك الملف؛ لذا فإن كيفية استخدام الصين لهذه الشركات في الماضي، وكيفية تخطيط الصين لاستخدامها في المستقبل، يُمثِّلَان علامة استفهام، من الضروري تقصِّي الحقائق بشأنها، وتأتي الفجوة في الأدبيات حول الشركات الأمنية الخاصة الصينية في وقتٍ مهمٍ؛ حيث تتصاعد المنافسة بين الصين وغيرها من القوى الكبرى على النفوذ في إفريقيا.
غير أنه يمكن استقراء أن مشاركة “بكين” في – مهمات دولية لمكافحة القرصنة في القرن الإفريقي وخليج غينيا- دفعت الحكومة الصينية إلى مراجعة خطة عملها في إفريقيا، وتبنِّي منهجٍ جديدٍ، حول أمن إفريقيا وعلاقته بالنمو الاقتصادي الإفريقي، وهو استخدام الشركات الأمنية الخاصة؛ للقيام بالمهام الأمنية والعسكرية، نيابةً عن الحكومة الصينية؛ لتحقيق مصالحها وحماية مشاريعها في القارة.
ومن المعلوم أن المجال البحري هو عنصر أساسي في مبادرة “الحزام والطريق”؛ لذا استخدمت الصين “الشركات الأمنية الخاصة”؛ لتوفير حراس مسلحين لحماية صناعة الشحن من القراصنة، وتقديم خدمات الاستجابة للاختطاف والفدية، لا سيما في أنحاء القرن الإفريقي.
وفي حين تشترك كُلٌّ من الشركات الأمنية الصينية الخاصة والشركات العسكرية الروسية الخاصة، في حماية الأصول من العنف؛ إلَّا الشركات الأمنية الصينية الخاصة، تختلف عن نظيراتها الروسية، في أنها تهدف في الوقت الراهن إلى حماية المصالح الاقتصادية الصينية، وتلبية حاجة أمنية لحماية الاستثمارات الصينية في إفريقيا، بينما الأخيرة تشارك بنشاطٍ في تطوير القدرات القتالية للحكومات، التي تعتبرها روسيا ضروريةً لأهدافها الجيوسياسية في القارة الإفريقية حتى وإن كانت الحكومة الروسية تنكر وجود منفعة عامة أو علاقة بينها وبين هذه الشركات العسكرية الروسية الخاصة.
أداة نفوذ غير مفعَّلة
تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 20 إلى 40 شركة خاصة صينية، تعمل في الخارج في حوالي 40 دولة، فبينما يصل العدد الكلي لأكثر من 5000 شركة أمنية خاصة محلية، ويمكن فهْم تلك الهُوَّة في الأعداد، من خلال النظر إلى طبيعة اللوائح المحلية والقانون الصيني، اللذيْن يحظران على الصينيين، حمْل الأسلحة النارية داخل الصين وخارجها؛ ما يمنع الشركات الأمنية الصينية الخاصة، من أن تصبح قوةً عسكريةً خاصةً ذات نفوذ، وهذه القيود أيضًا تجعل الخدمات الأمنية المطلوبة من قِبَلِ الشركات الصينية المملوكة للدولة والشركات الخاصة في الدول الإفريقية بسيطة، متمثلة في توفير خدمات الحراسة.
وهذا يشير إلى أن استخدام الشركات الأمنية الخاصة، يُعدُّ محاولةً للحفاظ على وجود عسكري متحفظ في إفريقيا، وتجنُّب اعتبارها قوة استعمارية، من خلال منْع إشراك جيش التحرير الشعبي في تأمين مصالحها بشكلٍ مباشرٍ؛ حيث تحاول الصين المحافظة على عدم لفْت الأنظار، باعتبار أنها تتمسك بمبدأ “عدم التدخُّل” في سياستها الخارجية.
ويمكن اعتبار ذلك متنفسًا، عند العلم بأن الصين كانت تصارع “أزمة قدامى المحاربين لجيش التحرير الشعبي الصيني”، الذين يحتجون لتسليط الضوء على ظروفهم السيئة، وهو الوضع الذي تفاقم بعد إعلان الرئيس “شي جين بينغ” إعفاء آلاف الجنود من الجيش الصيني.
كذلك لا تريد الصين مقارنة شركات الأمن التابعة لها بمجموعة «فاجنر» الروسية أو شركة الأمن الأمريكية المنحلة “بلاك ووتر”؛ بهدف تلافي إلحاق الأذى بسمعتها في القارة، على الرغم من ذلك، يأتي التعاقد الأمني الصيني مع العديد من المخاطر؛ بسبب الافتقار إلى الشفافية، وضعف الضوابط الوطنية، والتأثير غير المبرر على نُخب النظام والتوتُّرات الاجتماعية.
وفي الوضع الحالي، تتصدر شركات الأمن الخاصة الغربية قائمة الشركات الأمنية الخاصة في إفريقيا، ومن بينها؛ شركة “كاسي” الأمريكية الخاصة، التي تنشط في مختلف القواعد العسكرية، التابعة لـ”القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا” (أفريكوم)، وتعمل في إفريقيا أيضًا شركة “سيكوبكس” الفرنسية، والشركتان البريطانيتان “Aegis Defense Services” و “G4S” والشركة الكندية “GardaWorld”، إضافةً إلى مجموعة “أوميغا” الاستشارية الأوكرانية ومجموعة “Dyck”، و”إكسليس” الألمانية، وشركة “فاجنر” الروسية، وعلى هذا؛ فإنه على الصين أن تسلك طريقًا طويلًا، إذا أرادت أن تحقق نفوذًا من خلال نشر تلك الشركات.
تحديات:
على الرغم من نموها، تواجه الشركات الأمنية الصينية العديد من التحديات، فتدنِّي مستوى التدريب، والحاجز اللغوي، وعدم الانفتاح على الجنسيات الأُخرى، ونقْص الخدمات اللوجستية؛ يجعل من الصعب حاليًّا العثور على شركة عسكرية صينية خاصة، تتمتع بقدرات تشغيلية، مثل “Academi” أو “Wagner Group”.
بالإضافة إلى رواتب الموظفين المنخفضة للغاية، التي لا تشجع على انضمام نخبة ولا جنود إلى الشركات الصينية، والحاجز القانوني الذي يتعلق بالتشريعات الصينية، التي لا تتكيف بشكلٍ جيِّدٍ مع السياق العالمي للشركات العسكرية الخاصة؛ فالتشريعات المتعلقة بالأسلحة شديدة التقييد، حتى بالنسبة للشركات التي لديها تراخيص (قانون جمهورية الصين الشعبية، بشأن مراقبة الأسلحة النارية، الذي تم اعتماده في عام 1996، لا يسمح إلا لجيش التحرير الشعبي والشرطة والميليشيات تمتلك أسلحة).
أخيرًا:
في ظلِّ عدم وجود إستراتيجية واضحة، تفتقر إلى المرونة، ولا تخضع إلا لنشر عملائها الصينيين، ولا تدخل سوق الأمن الدولي لصالح الشركات أو المصالح الأخرى.
نماذج لشركات الأمن الصينية:
Shanghai Zhongchenwei Security Service Group
Beijing DingtaiAnyuan Guard & Technology Research Institute
ShengzhenZhongzhouTewei Security Consultant
Beijing Guanan Security & Technology
Shandong Huawei Security Group
ونظرًا لأن السوق المحلي مشبعٌ، تبحث بعض الشركات في الخارج لتوسيع أعمالها، وبالتالي، فإن البصمة الدولية لشركات الأمن الخاصة الصينية آخذة في التوسُّع، وهنا تظهر شركات، مثل: “HXZA” “HuaxinZhongan (Beijing) Security Service” التي أصبحت أول شركة أمن خاصة في آسيا تحصل على شهادة “ICoCA” عام 2019، علمًا بأن ” “IcoCAهي مبادرة لأصحاب المصلحة المتعددين، تأسست كجمعية سويسرية غير ربحية؛ الغرض منها هو تعزيز مدونة قواعد السلوك الدولية وإدارتها، والإشراف عليها، وتعزيز توفير الخدمات الأمنية المسؤولة، واحترام حقوق الإنسان والقانون الوطني والدولي.
يضع هذا الاعتراف “HXZA” جنبًا إلى جنب، مع 17 شركة أمنية خاصة أخرى، من أفضل الشركات من جميع أنحاء العالم، والتي حصلت أيضًا على شهادة “ICoCA” ويرسِّخُ مكانة الشركة، وتظهر جهود الشركة في مجال خدمات الأمن البحري في خليج عدن، والساحل الشرقي لـ«إفريقيا، والمحيط الهندي»، وتقدم الشركة خدمات متخصصة تركز على العملاء لحماية أصول العملاء والموظفين، من خلال تنفيذ إستراتيجيات مخصصة؛ لتخفيف التهديدات، والتي تعمل في الوقت نفسه، على تبسيط العمليات وتقوية الموقف الأمني مع تقليل التكاليف، وبناء علامة تجارية مسؤولة.
مستقبل شركات الأمن الصينية:
إن تطورات المشهد الأمني، وتزايد المنافسة في القطاع الأمني في إفريقيا، تعطي انطباعًا، بأن طبيعة أعمال الشركات الأمنية الصينية في إفريقيا، قد تنتقل قريبًا من الحراسة البسيطة إلى الأنشطة العسكرية المعقدة، خاصةً في المناطق أو البلدان التي تعاني من الصراع وعدم الاستقرار؛ حيث تكون الخدمات الأمنية المطلوبة أكثر تطوُّرًا وتكلفة، من حيث المطالب الأمنية الإضافية ومتطلبات الموارد البشرية.
كذلك الافتقار إلى احتمالات الانتشار الشامل لجيش التحرير الشعبي في الخارج، واستمرار الحاجة إلى الأمن للمواطنين الصينيين؛ يعني أن استخدام الشركات الأمنية الخاصة سيكون سائدًا، وسيتعين على الصين أيضًا إدارة وظائف ما بعد التقاعد لنخبها العسكرية وجنودها، الذين يمثلون 57 مليون شخص؛ ليتم دمجهم في نسيجٍ اقتصاديٍّ ديناميكيٍّ للغاية.
من ناحيةٍ أُخرى، فإن وجود ما يقدر بـ 20 إلى 40 فقط من الشركات الأمنية الخاصة الصينية، تعمل في الخارج، من أصل 5000 شركة خاصة، تعمل محليًّا يشير إلى وجود فرصة كبيرة للنمو المستقبلي لشركات الأمن الخاصة الصينية، خاصةً أنه من الواضح، أن الطلب على الشركات الأمنية الصينية، فضلًا عن العرض المحتمل لها، في وضْع يسمح لها بالتوسُّع، لا سيما على طول مبادرة “الحزام والطريق”، في المجال البحري، وفي تدريب الشرطة الأجنبية وقوات الأمن في البلدان النامية.
أما من الناحية الإستراتيجية، سيتعين على بكين الاختيار بين النموذج الروسي للشركات الأمنية الخاصة، الذي يقوم على الجغرافيا السياسية والنهج العسكري، أو النموذج الغربي الآمن والقانوني، ولكنه موجَّه في المقام الأول نحو تحقيق الربح، ويمكن أن يكون الحل مختلطًا، من خلال اعتماد كلا الاتجاهين.
ختامًا
تتعدد مسارات التنافس بين الصين والغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة، وتمثل شركات الأمن الخاصة، إحدى تلك المسارات؛ لذا فإن ذلك المسار جديرٌ بالاهتمام، عند ملاحظة تأثير تلك الشركات على الاستقرار وتطورات الصراعات في القارة الإفريقية، خاصَّة بعد المستجدات الأخيرة على أرضي القارة، المواكبة للحرب الأوكرانية، واشتعال سباق انتزاع النفوذ بين روسيا والغرب، والتي كانت شركات الأمن الخاصة إحدى وسائله.
على أنه، من غير المرجح على المدى القريب، أن تحصل الشركات الأمنية الخاصة الصينية على المستوى نفسه من الاحتراف، والاعتراف الدولي، مثل نظيراتها الأجنبية، لكن ينظر الغرب بعيْن الريبة لتلك الشركات الصينية، باعتبار أنها إذا تُركت دون معالجة، فستواصل الصين تأكيد نفوذها الأمني في الخارج، من خلال وسائل غير تقليدية وغير علنية، كما أن التعتيم الصيني على عرْض قوتها سيعيق قدرة الولايات المتحدة على فهم التأثير الأمني للصين على المصالح الأمريكية، علاوةً على ذلك، فإن انتشار تلك الشركات الصينية ينطوي على خطر إزاحة الولايات المتحدة كشريك أمنيٍّ مفضلٍ.