صعود عماني على جسد التناقضات «الإقليمية والدولية»

إعداد : مصطفي أحمد مقلد

مقدمة:

تحتفظ عمان بدورٍ فريدٍ في منطقة «الخليج، والشرق الأوسط»، والذي يعبر عن موقعها الإستراتيجي ودورها اللوجستي الحيوي في المنطقة، بجانب انتهاجها “الحياد النَّشِط” تجاه النزاعات الإقليمية، وحتى لعب دورٍ إيجابيٍّ في القضايا التي تحمل أبعادًا دولية، ويتوازى ذلك مع حرصها على عدم الدخول في خلافاتٍ مع أطراف «إقليمية، أو دولية»؛ ما يجعلها تعمل على موازنة علاقاتها مع الأطراف المتنافسة أو المتنازعة، ولذا ليس من الواضح، أن عمان تسعى للريادة السياسية في المنطقة، غير أنها تعمل على أن تكون مركز ثقل دبلوماسي، من خلال العمل لحلِّ النزاعات، والتحوُّل لأهم مركزٍ لوجستي في المنطقة، بعد افتتاح ميناء «الدقم»، والعمل على تطوير وتنويع اقتصادها.

الوساطات الدبلوماسية:

تنتهج عمان سياسة خارجية براغماتية، تركز على مبادئ عدم التدخُّل، والموازنة بين المصالح المتنافسة للدول الأخرى في المنطقة، وهذا النَّهْج مدفوع بأهدافها المزدوجة، المتمثلة في الحفاظ على العلاقات الودية مع جيرانها، وتطوير دورها كوسيط دبلوماسي إقليمي، ومن ناحيةٍ أُخرى، حماية مصالحها الأمنية كدولة صغيرة في موقعٍ إستراتيجيٍّ مهم.

  • دور عمان في خطة العمل الكاملة المشتركة 2015 “الاتفاق النووي الإيراني”:

عقدت عدة اجتماعات سرية، في 2009، بين «الأمريكيين، والإيرانيين» على ساحل «مسقط»، وعلى إثرها، تمَّ اتفاق مبدئي بين «الولايات المتحدة، وإيران»، تم اعتباره نواة الاتفاق النووي الإيراني.

وتلعب الآن عمان دورًا مهمًا؛ لإعادة إحياء الاتفاق النووي، من خلال ربْط الصلات مجددًا بين الطرف «الإيراني، والأمريكي» بشكلٍ أساسيٍّ، وهو ما يظهر في دعوة إيران للسلطنة؛ للعب هذا الدور، وسط ترقُّبٍ أمريكيٍّ، في ضوْء تطورات الدور الإيراني في الحرب الأوكرانية، ويأتي ذلك بعد تعثُّر مفاوضات العودة للاتفاق النووي، في «فيينا»، العام الماضي؛ بسبب ما تقوله «الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي»، بأنه تعنُّت من الجانب الإيراني، وهو ما يظهر في زيارة وزير الخارجية الإيراني، في ديسمبر الماضي، وكذلك محور زيارة المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، روبرت مالي، إلى عُمان، في فبراير 2023.

  • دور عمان في الاتفاق «السعودى – الإيراني» على عودة العلاقات الدبلوماسية:

ساهمت الدبلوماسية العمانية، بالإضافة إلى نظيرتيْها «العراقية، والصينية»، في التوقيع على الاتفاق «السعودي – الإيراني»، الخاص باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الطرفيْن؛ حيث حققت الوساطة العمانية التي تستخدم العديد من المسارات لتعزيز الاستقرار والسلام بالمنطقة، نجاحًا كبيرًا، في وقتٍ تنطلق «مسقط» من مبدئها وهو الحوار.

الإعلان عن نجاح الوساطة العمانية، جاء من خلال الشكر الذي قدمته «المملكة السعودية، وإيران»، حينما أعربتا عن تقديرهما لسلطنة عُمان، على التسهيلات التي قدمتها في جولات الحوار، والتي أسهمت في استئناف العلاقات الدبلوماسية «السعودية – الإيرانية»، وإعادة فتْح سفارتيْهما وممثليهما، وتفعيل اتفاقيات التعاون بينهما.

  • الموقف العمانى تجاه المشكلة السورية:

تبادل مسؤولو الدولتيْن الزيارات على مدار السنوات الأخيرة، وإن كان على مدى زمني متباعد، ومن الواضح، وجود رغبة قوية لدى عمان، في دعم عودة سوريا للجامعة العربية، فزيارة «بشار الأسد» إلى عمان، الشهر الماضى، مثَّلت دفعةً جديدةً؛ لإعادة الحكومة السورية المعزولة إلى السياسة «الإقليمية، والدولية».

كان قد اختلف نهج “مسقط” تجاه الصراع السوري عن نهج دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فلم تدعم المعارضة في سوريا، وفي المقابل، ترى «دمشق»، أن «مسقط» شريك دبلوماسي مهم؛ للوصول إلى دول مجلس التعاون الخليجي الثرية الأُخرى، في الوقت الذي تسعى فيه للحصول على دعم مالي؛ لإعادة الإعمار بعد الحرب.

مؤيدو التطبيع مع «الأسد»، يرون عودة سوريا للجامعة العربية ضرورة؛ لإبعاده تدريجيًّا عن إيران، بالتالي؛ يُنظر لزيارة «الأسد» لعمان على أنها خطوة في هذا الاتجاه، لكن في واقع الأمر، فإن زيارة «الأسد» إلى عمان لها أهمية في الشكل فقط، فمن المعروف، أن عمان ليست حريصة على إبعاد «الأسد» عن دائرة «طهران»، على العكس من ذلك ، استمرت عُمان في علاقات جيدة مع نظام «الأسد»، على مدار الـ 12 عامًا الماضية، على الرغم من أن هذه العلاقات لم تكن في بعض الأحيان على مستويات عالية، وفي أحيان أُخرى تجري تحت الطاولة؛ لذا تظل أهمية الزيارة في كونها دعائية، وممهدة لعودة «الأسد»، ولاعتبار عمان محطة مهمة؛ لدفع العلاقات «الخليجية – السورية».

  • عين عمان على الملف اليمني:

منذ عام 2015، انخرطت عُمان بلا كللٍ في دبلوماسيةٍ نشطةٍ؛ لتخفيف التوتُّر، في محاولةٍ لإنهاء الصراع في اليمن، كانت عُمان في وضْعٍ جيِّدٍ للعب الدور الصعب، المتمثل في تجميع مختلف الفصائل المتحاربة، لكن النفوذ الهامشي لعمان على الجهات المتنافسة، وإحجام تلك الجهات عن تقديم تنازلات ذات مغزى، قد أعاقا بشكلٍ متكررٍ جهود «مسقط»؛ للترويج لحلٍّ سياسيٍّ دائمٍ لمشاكل اليمن المؤلمة.

في سياقٍ آخر، توسَّطت عُمان في العديد من عمليات تبادُل الأسرى بين مختلف الأطراف المتصارعة في الحرب، وتعمل عُمان حاليًا على تسهيل المحادثات المباشرة بين المسؤولين «السعوديين، والحوثيين»؛ لاستعادة وقف إطلاق النار رسميًّا، في عام 2022، وتحقيق حلٍّ سياسيٍّ للصراع في نهاية المطاف، ويمكن القول: إن “مسقط” حقَّقت قفزةً كبيرةً إلى جانب «بغداد»، في البحث عن حلٍّ سياسيٍّ للصراع في اليمن، من خلال الجهود الأوسع، التي تمَّ بذْلها بالتوسُّط في المصالحة بين «الرياض، وطهران»، والتي من المنتظر، أن تنعكس إيجابيًّا على الملف اليمني.

تلعب سلطنة عُمان دورًا مهمًا في إحلال السلام باليمن، البعض يعتبره “إيجابيًّا، إلا أنه بطيء، فقد قام وفد عماني بسلسلة زيارات إلى «صنعاء»، خلال العام الماضي، وحتى بداية العام الجاري؛ من أجل الخروج بموافقة «الحوثيين» على تمديد الهدنة التي توسَّطت فيها الأمم المتحدة، وانتهت مطلع أكتوبر الماضي، لكن جهود عُمان تصطدم برفْض جماعة «الحوثي» وتعنُّتها.

لذا تستضيف «مسقط» محادثات ثنائية بين «السعودية، وميليشيات الحوثي»، بشأن إنهاء الحرب في اليمن؛ على أمل تعزيز وقف إطلاق النار غير الرسمي، والتخطيط لإنهاء الحرب الأهلية، أو تحقيق خطوةٍ مبدئيةٍ إيجابيةٍ، تتعلق بخفْض التصعيد بين «السعودية، والحوثيين» في إطار مساعدة تأمين حدود وأراضي المملكة، ثم مناقشة الوضع اليمنى الداخلي في مرحلةٍ تاليةٍ، وهو ما يمكن استنباطه من تصريح الأمير “خالد بن سلمان” وزير الدفاع السعودي: “إنَّ الأمور الداخلية فيما يتعلق بالملف اليمني هي أمور داخلية، لا يمكن للسعودية أن تلعب دورًا فيها”، ويأتي ذلك في إطار رغبة السعودية في التهدئة.

  • موقف عمان تجاه السلام في الشرق الأوسط:

تتمسك عمان بالدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، بالتأكيد على عدالة القضية الفلسطينية، وضرورة الرجوع إلى حلِّ الدولتيْن؛ لإنهاء الصراع «الفلسطيني – الإسرائيلي»، وفي هذا السياق، ناقش مجلس الشورى العماني، إمكانية تعديل قانون المقاطعة الإسرائيلي، لعام 1972، الذي يحظر الاتصال بأي كيان أو شخص إسرائيلي؛ بهدف توسيع نطاق التجريم، وتوسيع مقاطعة إسرائيل.

وأدلى وزير خارجية عمان، بتصريحٍ لافتٍ لوكالة الأنباء الإيرانية، رحَّب فيه بتصويت مجلس الشورى، ووصف الخطوة، بأنها “تجسيد لتطلُّعات الشعب العماني ودول المنطقة الأخرى؛ للوصول إلى حلٍّ عادلٍ وشاملٍ للقضية الفلسطينية، وفْق المعايير الدولية ومبادرة السلام العربية”.

لكن يرى مراقبون، أنه تصرُّفٌ غير جِدِّيٍّ، فمثلا؛ تستضيف السلطنة مركزًا دوليًّا مهمًا، وهو (مركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه)، وإسرائيل عضو به، وهو يهتم بقضايا المياه في منطقة الشرق الأوسط، كما أنه في فبراير الماضي، فتحت سلطنة عمان مجالها الجوي للطائرات الإسرائيلية، رغم عدم اعترافها بالدولة العبرية، وسيختصر ذلك وقت الرحلة إلى آسيا، ويقلل التكاليف للمواطنين الإسرائيليين، ويساعد شركات الطيران الإسرائيلية على أن تكون أكثر قدرة على المنافسة”.

تعكس المساحة التي تم إنشاؤها لمجلس الشورى ومقدار الحرية المسموح بها، إرادة ورغبة صانعي القرار العمانيين، في استخدام الهيئة في لعبة المساومة السياسية الإقليمية، علاوةً على ذلك، فإن رمزية التعديلات المقترحة وتوقيتها ودلالاتها، وكذلك الضجيج الإعلامي الذي صاحبها، تشير إلى أن هناك ما هو أكثر من تداعياتها التشريعية المباشرة.

في أكتوبر 2018، استضاف السلطان قابوس، في ذلك الوقت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في زيارة مفاجئة، ومع ذلك، لم تتخذ عُمان خطوات على نهْج «الإمارات العربية المتحدة، والبحرين»، في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تحت شعار “اتفاقيات أبراهام” لعام 2020، التي توسَّطت فيها الولايات المتحدة، ورأى محللون، أن الزيارة في ذلك الوقت، مثَّلت محاولة عمانية؛ لتجاوز التوتُّرات بين «عمان، والولايات المتحدة»، خلال رئاسة «ترامب»، الذي مارس ضغوطًا على عمان؛ بسبب علاقاتها مع إيران.

ويشير ما سبق، أن التحرُّكات العمانية، تحاول الجمْع بين إحلال السلام وتحقيق المصلحة القومية، وأن ذلك لا يعيقها عن هدفها الأساسي في دعْم السلام العادل، فيما يخص القضية الفلسطينية، فهي ترى أن الحل لا بُدَّ أن يكون بين «الفلسطينيين، والإسرائيليين»، وهو ما لا ينطبق على اتفاقات «أبراهام»، “فلا توجد وصفةٌ للنجاح في غياب حلٍّ للفلسطينيين”، وتعتبر أن “السلام الاقتصادي وحده لن ينجح”.

  • موقف عمان خلال الأزمة الخليجية (2017 -2021):

ظهر التحرُّك العُماني كمُكمِّل للوساطة الكويتية على المستوى الدبلوماسي، فلم يكن مفاجئًا أن عمان لم تنضم إلى المقاطعة «الدبلوماسية، والاقتصادية» لقطر، فكان سعي «مسقط» الدائم، هو الحفاظ على موقفٍ محايدٍ داخل دول مجلس التعاون الخليجي؛ فموقف عمان من الأزمة، والذي يتماشى أيضًا مع مصالحها الخاصة، ظهر في ارتفاع العلاقات التجارية بين «قطر، وسلطنة عمان»، وتوفير مصادر بديلة للمواد الغذائية وغيرها من السلع، وبالتالي؛ كان دور عُمان في هذا الصدد محوريًّا إستراتيجيًّا لقطر، وكان بمثابة إخبار سياسي لكيفية وضْع السلطنة في هذه الأزمة.

عملت عُمان أيضًا كمركز للشحن العابر للبضائع والأشخاص المتجهين إلى قطر؛ لتكملة خدمات «السفن، والطائرات» القطرية، التي مُنعت من عبور المياه الإقليمية «السعودية، والإماراتية» والمجال الجوي، وتمَّ تدشين ممرات بحرية جديدة، ووضعها قيد الاستخدام الفوري للسفن، التي تحمل مئات الحاويات بين مينائي «صحار، وصلالة» العمانيين، وميناء «حمد» الجديد بـ«الدوحة»، كما زاد تعاون المستثمرين «العمانيين، والقطريين» منذ الأيام الأولى للأزمة.

السعي وراء توازن العلاقات:

عمان بين «الصين والهند»:

من المعروف، أن «الصين، والهند» متنافستان على المستوييْن «الإقليمي والدولي»، وتعمل كل منهما على التضييق على مصالح الآخر، في إطار سعيْهما لمدِّ النفوذ والسيطرة، وتقوية الاقتصاد، وحتى السعيْ للعب دور دولي أكبر.

  • عمان في قلب مبادرة «الحزام والطريق» الصينية:

لمشاركة عُمان دورٌ محوريٌ في مبادرة «الحزام والطريق»؛ لما تؤديه السلطنة من دعم للمبادرة في «المحيط الهندي، ومنطقة الشرق الأوسط»؛ فمشاركة السلطنة في المبادرة، تأخذ خصوصيّة مختلفة في منطقة الخليج العربي؛ إذ إنَّ السلطنة تجمعها مع الصين علاقاتٌ ذات أبعادٍ أعمق وأكثر اتساعًا، وتستفيد عمان من العوائد الإيجابيّة المتوقعة على الاقتصاد، مع بدْء الاستثمارات الصينيّة في السلطنة، التي منها دعم برنامج التنويع الاقتصادي.

الموقع الجغرافي المميز لعمان، بقربها من أهم ممرات الطاقة في العالم، وإطلالها على «بحر العرب، والمحيط الهندي، ومضيق هرمز»، ووقوعها على طرق الشحن الرئيسة، يُعزِّز قدرة الصين على تأمين حضورها الجيوسياسي في المنطقة، ويفتح المجال أمام الشركات الصينيّة؛ للوصول إلى أسواق المنطقة، ويُعدُّ ميناء «الدقم» أحد أهم الأهداف الطموحة لـ«بكين»؛ نظرًا لموقعه على خطوط التجارة بين «آسيا، وأفريقيا»، والصين تسعى إلى تحويله لعصَبِ التجارة والتصنيع «الصيني – العُماني».

  • التعاون «العماني – الهندي»:

يشمل التعاون «الهندي – العُماني» طيْفًا واسعًا من النشاطات التجارية والاستثمارية والمتعلقة بالطاقة، وخلال السنوات القليلة الماضية، تعاونت «مسقط، ونيودلهي» في مجال الأمن البحري، في منطقة المحيط الهندي، خصوصًا فيما يتعلق بمهمات محاربة القرصنة.

ويمكن القول: إن التعاون الأمني البحري، هو أهم مجالٍ من مجالات التعاون «الهندي – العُماني»؛ إذ يتمتع الطرفان بتفاهماتٍ كبيرةٍ في هذا المجال؛ حيث يتيح ذلك الوصول الهندي إلى الموانئ البحرية في عُمان، وهو أمر مهم لسببين:

فالهند تُعزِّز جهودها البحرية في المحيط الهندي، في مواجهة الخطر المتزايد ضد الأمن البحري الهندي، خصوصًا في الساحل الغربي، ومن ناحيةٍ أُخرى، فإن ميناء «الدقم»، الذي يقع على الساحل الشرقي لسلطنة عُمان، ويُطلُّ على «الخليج العربي، والمحيط الهندي»، يسهل التواجُد الهندي فيه الوصول إلى أهداف إستراتيجية، تسمح لها بمواجهة النشاط البحري الصيني في منطقة المحيط الهندي.

كذلك يمثل وجود مئات الشركات الهندية، التي تعمل في سلطنة عمان، مجالًا هائلًا لزيادة تعزيز التعاون بين البلديْن، وتشمل المجالات التي يمكن تعزيز الأعمال فيها «الأمن الغذائي، وسلاسل التوريد، وأمن الطاقة، والطاقة المتجددة»، بما في ذلك «الهيدروجين الأخضر، والأمونيا الخضراء، والرقائق الدقيقة، وأشباه الموصلات، والتكنولوجيا».

الاهتمام الأمريكى المتجدد بعمان:

وقَّعت «الولايات المتحدة، وسلطنة عمان» اتفاقيةً، تسمح للبحرية الأمريكية، بالوصول إلى الموانئ العمانية ذات الأهمية الإستراتيجية في «الدقم، وصلالة»؛ ما يمنحها سيطرةً أكبر على الممر المائي الإستراتيجي، بالقرب من إيران، كما يساعد الاتفاق الولايات المتحدة على مواجهة الاستثمارات الصينية المتنامية هناك.

وتجري القوات العُمانية بانتظام تدريبات عسكرية ثنائية مع قوات القيادة المركزية الأمريكية، وآخرها تدريبات “تمرين الحارس الذي لا يقهر 2023” في مارس الجاري، بالإضافة إلى التدريبات متعددة الأطراف، التي تشارك فيها «الولايات المتحدة، ودول خليجية، وقوات عربية أخرى».

تقع الموانئ العمانية لـ«الدقم، وصلالة» خارج مضيق «هرمز» مباشرة، وهو منفذٌ ضيِّقٌ يخرج من خلاله حوالى خُمْس تجارة النفط العالمية من الخليج العربي، وبذلك يتحقق للولايات المتحدة مزيدٌ من المرونة؛ لإجراء العمليات البحرية، في حالة حدوث تصعيدٍ مع إيران، والاتفاقية تعكس أيضًا التنافس العالمي المتصاعد بين «الولايات المتحدة، والصين».

ولتعدُّد المصالح وتشابكها، فقد أطلقت الدولتان أول حوارٍ إستراتيجيٍّ، الشهر الماضي؛ بهدف تدعيم الشراكة الإستراتيجية، من خلال مجموعة اتفاقيات «اقتصادية، وعسكرية، وعلمية»، وتفعيل آلية عملٍ؛ لتعظيم فوائد اتفاقية التجارة الحرة الموقَّعة بين البلديْن، وقضية التعريفات الجمركية، وتعزيز التجارة والاستثمار في المجالات الإستراتيجية.

العلاقات مع روسيا:

وعلى الرغم من الموروثات التاريخية السلبية وتحالفات عمان الوثيقة مع «المملكة المتحدة، والولايات المتحدة»، فقد شهدت العلاقات الدبلوماسية بين «روسيا، وسلطنة عمان» تقدُّمًا كبيرًا، في الوقت الذي تسعى فيه عُمان إلى تنويع علاقاتها مع القوى غير الغربية.

لذا اتجهت عمان لتحسين علاقاتها مع روسيا؛ حيث تتبنى البلدان مواقف مشتركة تجاه الأزمات الأمنية الإقليمية، كانت عُمان الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي، التي لم تُعلِّق العلاقات الدبلوماسية مع حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد، في عام 2011، وكان ينظر إلى هذه السياسة بشكلٍ إيجابيٍّ في «موسكو»، كما تتوافق معارضة عمان؛ للتدخُّل العسكري، بقيادة السعودية في اليمن بشكلٍ وثيقٍ مع وجهات نظر «موسكو».

تواصل «موسكو» مع عُمان كان الأكثر نجاحًا في سوريا، ويؤشر لذلك استعداد عمان لمساعدة جهود روسيا؛ لتأمين عودة «الأسد» إلى جامعة الدول العربية، ومشاركة الشركات العمانية إلى جانب نظيراتها الروسية، في معرض إعادة بناء سوريا، في سبتمبر 2019، وعلى الرغم من أن تعاون روسيا مع الإمارات العربية المتحدة بشأن سوريا، قد توسَّعَ بشكلٍ كبيرٍ، إلا أن عدم رغبة عمان في الضغط على «موسكو»، بشأن الوجود الإيراني في سوريا، يضمن أن تظل «مسقط» شريكًا مفيدًا لروسيا في سوريا.

لذا تحرص عمان على تعميق العلاقات مع روسيا وشموليتها، وهو ما ظهر في الإعلان عن التواصُل بين سلطان عمان مع «بوتين»، خلال الشهر الجاري، وهدفت المشاورات لدفع الاهتمام لتوسيع التعاون «التجاري، والاقتصادي» وتنفيذ مشاريع مشتركة متبادلة المنفعة، خاصةً في مجال النقل واللوجستيات.

التوسُّط بين «أوكرانيا وإيران»:

بعد تصاعُد حِدَّة التوتُّر بشأن صادرات الطائرات بدون طيار الإيرانية إلى روسيا، اجتمع المسؤولون «الإيرانيون، والأوكرانيون» في الأشهر الأخيرة، في عمان، ويمكن الرَّبْط بين التقدُّم في المحادثات المتعثرة؛ لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، لعام 2015، ومعالجة مبيعات الأسلحة الإيرانية إلى «موسكو»، وبالنظر إلى المستقبل، من المرجح، أن تواصل «إيران، وأوكرانيا» المحادثات، والتي تُعدُّ شرطًا أساسيًّا لأيِّ تفاهُمٍ سياسيٍّ، قد يدفع لوقْف مشاركة إيران “غير المباشرة” في الحرب الأوكرانية، مقابل مكاسب سياسية بالنسبة لإيران.

الإنماء الاقتصادي:

استثمرت سلطنة عمان أموالًا طائلةً في تطوير بنْيتها التحتية (المطارات، والموانئ، ومناطق التجارة الحرة، والمناطق الصناعية)؛ حيث في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، مع ارتفاع عائدات النفط، سجلت البلاد فائضًا في الميزانية، قدره (927 مليون دولار)، ووعدت بزيادة الإنفاق على المشاريع التنموية ذات الأولوية وخفْض ديونها.

وقَّعت «مسقط» أيضًا العديد من اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول العربية، ودول الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة والولايات المتحدة، هذه الاتفاقيات تخفض أو تعفي الأطراف من الرسوم الجمركية، كما تبنَّت حكومة «مسقط» سياسات لتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

كذلك تطمح عمان في أن تكون نقطة دخول الخليج، وبذلك تنافس هيمنة الإمارات في مجال الخدمات اللوجستية، من خلال تحقيق طموحات الإستراتيجية الوطنية اللوجستية، 2040م؛ بجعْل السلطنة مركزًا لوجستيًّا عالميًّا، وتحسين تصنيفها في المؤشرات الاقتصادية الدولية.

ختامًا:

تتمتع عمان حاليًا بميزات كبيرة عن جيرانها، مثل؛ الموقع الجغرافي وطموحها الاقتصادي ومكانتها السياسية، باعتبارها واحةً للحوار، ومساهمًا في صنْع السلام؛ ما يوفر لعمان لعب دوْرٍ مهمٍ في المنطقة، من خلال جمْع الأطراف المتنازعة على أرضها، وبالتالي؛ يحقق ذلك لها نفوذًا أكبر.

كلمات مفتاحية