صلاح عبد الحق مرشدًا للإخوان: ما هو مصير الجماعة ؟

إعداد/ جميلة حسين محمد

فى ظل حالة التأزم التى تعيشها جماعة الإخوان المسلمين والخلافات بين قيادتها خاصة بعد وفاة “إبراهيم منير” القائم بأعمال المرشد العام للجماعة وقائد جبهة لندن، أعلنت جبهة لندن عبر موقعها الرسمى يوم الأحد الموافق 19 من شهر مارس الجارى تعيين “صلاح عبد الحق” قائمًا بأعمال المرشد العام وذلك بإجماع الأصوات وبتأييد من مجلس الشورى المصرى والعالمى كقائد جديد للجماعة.

فمن هو صلاح عبد الحق؟ وما الظروف المحيطة بتعيينه ودلالتها؟ وما موقف جبهة إسطنبول من اختياره؟ وأخيرًا ماذا عن مستقبل الجماعة العالمى؟

من هو صلاح عبد الحق؟

ينتمى “صلاح عبد الحق” إلى مجموعة “القطبيين” أى الذين تتلمذوا على يد “سيد قطب”، وقد التحق بالتنظيم منذ المرحلة الثانوية وكان عضوًا فى تنظيم 1965 الذى تم اعتقاله فى السجن الحربى، وقد رافق حينها “محمد بديع ومحمود عزت”، وبعد خروجه من السجن عام 1974 مارس نشاطه من خلال العمل الإسلامى الطلابى فى الجامعات المصرية، وقد تخرج فى كلية الطب بجامعة عين شمس، وأصبح طبيبًا للأمراض الجلدية.

وتولى “عبد الحق” مسؤولية المنتدى الإسلامى العالمى للتربية لأكثر من 15 عامًا، الأمر الذى جعله يحصد شهرة واسعة بالمجال التربوى والدعوى، بالإضافة إلى أفكاره التى تعتبر امتدادًا لأفكار “سيد قطب”، وتم اختياره عضوًا بمجلس الشورى العام بجماعة الإخوان، وكذلك ممثلًا عن رابطة الإخوان المسلمين المصريين فى الخارج خلال تولى “إبراهيم منير” أعمال المرشد العام.

لكن لم يتوقع البعض اختيار “عبد الحق” نظرًا لعدم توليه أى منصب تنفيذى أو إدارى فى التنظيم، وعدم انخراطه فى أى صراع على القيادة أو الأموال من قبل، فكان بعيدًا عن هياكل التنظيم وليس لديه احتكاك بشباب التنظيم، وتوقع البعض اختيار قيادات أخرى يمكنها القيادة ولديها ما يكفى من الخبرة لإدارة الجماعة أمثال “محمود الإبيارى، محمد البحيرى، محمد الدسوقى، حلمى الجزار، وأسامة سليمان”.

ومع الإعلان عنه تم انتخاب هيئة إدارية عُليا جديدة لإدارة شؤون الجماعة، ومن أبرز الشخصيات التى تم انتخابها فى الدورة الانتخابية الجديدة المهندس “محمد البحيرى”، والدكتور “محى الدين الزايط”، ومسؤول القسم السياسى فى الجماعة الدكتور “حلمى الجزار”، والمتحدث الإعلامى  “صهيب عبد المقصود”، وآخرين.

الظروف المحيطة

شهدت عملية اختيار قائم جديد بأعمال المرشد تأخرًا فى الإعلان عنه نظرًا لاتباع نفس نهج الجماعة القديم من الانقسامات حول هوية القائد، ليواجه التنظيم أزمة شرعية لقيادة الجماعة، بالإضافة إلى تعدد الاختلافات داخل جبهة لندن ذاتها حول صعوبة اختيار بديل تنطبق عليه سمات شخصية “منير” التى جعلته طرفًا فعالًا فى التنظيم.

واستمرارًا لحالة الانقسام داخل التنظيم تعمق الخلاف بين جبهات الجماعة من جديد عند اختيار “عبد الحق” لما سبقه من إعلان جبهة إسطنبول الأمين السابق للجماعة “محمود حسين” قائمًا بأعمال المرشد كخطوة استباقية باعتباره عضو مكتب الإرشاد الوحيد خارج السجون، ولكن جاء اختيار جبهة لندن عاصفًا بهذا الإعلان باختيار “صلاح عبد الحق” قائمًا بأعمال المرشد العام، خاصة لما تردد من أن اختياره كان تنفيذًا لوصية الراحل “إبراهيم منير”، أما عن اختلافات جبهة لندن ذاتها فهناك مجموعات داخلها ترفض تنصيب “عبد الحق” بهذا المنصب فى مقابل تأييد شخصيات أخرى كـ”حلمى الجزار ومحمد البحيرى”، وكذلك هناك عقبات فى تسويقه داخل صفوف التنظيم فى الداخل المصرى، فيراه بعض الخبراء فى الإسلام السياسى أنه ليس الشخصية التى تجبر الجميع على طاعته وإنما هو مجرد ستار لأولئك الذين أصروا على اختياره.

وبالإعلان عن “عبد الحق” بعث رسائل مكثفة، حيث أصدر بيانًا عبر فيه عن أن أولوياته فى المرحلة المقبلة تتمثل فى إعادة التعريف بالجماعة وتعزيز مكانتها ولم شملها، والاهتمام بملف المعتقلين وأسرهم وكذلك تمكين الشباب لإدارة المرحلة، بالإضافة إلى عقده ندوة بعنوان على “خطى الإمام البنا.. عهد جديد”.

وقال عبد الحق: “إن الجماعة تحتاج إلى وضع شرعى ونشاط علنى، وتجربة الجماعة وعملها متروك للأخذ والرد والنقض والاختبار”، فضلًا عن تحدثه عن أسس استئناف العمل الإسلامى، وتأكيده أن الجماعة تعرف طريقها وتتمسك بثوابتها وتراجع وتصحح مساراتها انطلاقًا من المبادئ التى أسسها “حسن البنا”، وقد أشار إلى ضرورة تجنب الصدام مع السلطة، وقد ذكر أمثله فى هذا الإطار مثل تعامل “حسن البنا” مع “إبراهيم عبد الهادى” رئيس الوزراء الأسبق، والمستشار “حسن الهضيبى” مع الرئيس الأسبق “جمال عبد الناصر”، و”عمر التلمسانى” مع الرئيس الأسبق محمد أنور السادات.

والغرض من تلك الرسائل يكمن فى إيجاد مؤيدين له فى الداخل والخارج، ومحاولة السيطرة على التنظيم بشكل عام، وأيضًا إيضاح قدرته على حسم الخلافات داخل التنظيم فى ظل التحديات التى يمر بها.

موقف الشباب فى التنظيم

شهد التنظيم اعتراضًا واسع المجال من قبل الشباب لاختيار “عبد الحق” لعدة أسباب أهمها أنه لم يتم عن طريق الانتخاب المباشر كما يجب أن يحدث، كذلك كبر سنه كونه يبلغ من العمر 79 عامًا، فضلًا عن انتمائه إلى مدرسة القطبية القديمة التى لا تناسب مستحدثات الواقع، وكان هناك أملًا لوجود مكانة لشباب الإخوان فى الخارج داخل جبهة لندن، الأمر الذى باء بالفشل لتفضيل الجماعة الأعمار الكبيرة فى اختياراتهم لامتلاك الخبرة.

هذا بالإضافة إلى التواصل المحدود بين “عبد الحق” وشباب الإخوان، فهو وغيرهم تعودوا على التقصير فى حق هؤلاء الشباب وعمدوا على توجيههم دون احتواء مطالبهم، مما ينذر باحتمالات حدوث تصعيد شبابى فى المرحلة المقبلة.

موقف جبهة إسطنبول

بعد وفاة “إبراهيم منير” اختارت جبهة إسطنبول “محمود حسين” قائمًا بأعمال المرشد العام فى ديسمبر الماضى، لمحاولة فرض شرعية جديدة على جبهة لندن والتنظيم ككل، ولكن لم تَتقبل جبهة لندن هذا الأمر وقامت باختيار “صلاح عبد الحق” والإعلان عنه قائمًا بأعمال المرشد، وفى المقابل كانت جبهة إسطنبول متشددة ولم تعترف به، حيث أصدرت بيانًا قائلة به ما يلى: “تؤكد الجماعة أن المحاولات المتجددة لاستحداث كيانات موازية لمؤسسات جماعة الإخوان الرسمية، أو تسمية أشخاص بمهام ومسمّيات مدعاة، بعيدًا عن المؤسسات الشرعية للجماعة تحت دعاوى مختلفة، لن تفرض أمرًا واقعًا، ولن تجدى نفعًا”، مما زاد من التأزم والخلاف بين الطرفين.

وفى إطار تلك الأزمة المتصاعدة ستحاول جبهة لندن بقيادة “صلاح عبد الحق” بإثبات نفسها فى مقابل قيام جبهة إسطنبول بقيادة “محمود حسين” بإضعافها ومناورتها والتشكيك فى شرعيتها من أجل تحقيق هدف الانفراد بالتنظيم، وقد أكد “منير أديب” الخبير فى شؤون حركات الإسلام السياسى هذا الأمر قائلا: “إنه رغم اختيار صلاح عبدالحق قائمًا بأعمال المرشد إلا أنه لم يحصل على الشرعية بشكل كامل، بدليل خروج الجبهة الأخرى ببيان ترفض الاعتراف بتوليه”، مع تأكيد “أديب” لاعتراض جبهة إسطنبول على هذا الاختيار واتهام “صلاح عبد الحق” ورفاقه بأنهم كيانات موازية.

مصير الجماعة العالمى

تعانى الجماعة على المستوى الإقليمى والدولى حالة من التراجع والانشقاق فى هيكل التنظيم، ليس فقط بين الجبهتين الرئيسيتين له ولكن كل جبهة بذاتها شهدت حالة من الانقسام لأكثر من تكتل، بالإضافة إلى عدم التوافق على قائد عام موحد للتنظيم ككل يجعلنا نستنبط حالة الضعف الفكرى والتنظيمى للجماعة خاصة بعد ثورة 30 يونيو 2013، ومن ثم فإن اختيار “عبد الحق” لم يستطع أن ينهى هذا الانشقاق ويحافظ على تماسك الجماعة بل زاد من تعمق الأزمة بين الأطراف الرئيسية للجماعة؛ ويواجه “عبد الحق” أزمة أعمق مع حالة التقارب المصرى التركى الآخذة فى التنامى، وكذلك التقارب بين الدوحة والقاهرة الذى يفرض أسسًا جديدةً فى التعامل مع ملف جماعة الإخوان المسلمين.

وقد قال الكاتب والباحث فى الجماعات المتطرفة والإرهاب الدولى “هشام النجار”: “لقد فقدت الجماعة البصيرة السياسية، والحنكة، والاحترافية، والنظرة المستقبلية، والاستشرافية، كما أن الجماعة تعانى الآن من شيخوخة تنظيمية أبطأت حركتها وأفقدتها مرونتها السياسية والإعلامية، كما أصاب خطابها المعلن الكثير من عدم المصداقية بعد ثبوت ارتكابها لجرائم الإرهاب والقتل والتحريض عليه، والتآمر على الدولة وخسارتهم للتعاطف الشعبى، وإعلان عبد الحق قائمًا بأعمال المرشد لن ينهى الخلاف بين الإخوان وإنما يعنى استمرار الصراع بين جبهتى لندن وإسطنبول ومزيد من الخلافات”.

مما سبق؛ إن اختيار “صلاح عبد الحق” يمثل أزمة بالنسبة لتنظيم الإخوان نظرًا لعدم الالتفاف حوله، وسلبية تطلعاته التنظيمية، وافتقاده للمعايير التى يمكن من خلالها انتشال الجماعة من حالة الضعف والإنهاك الفكرى والتنظيمى، لتعود بقوة من جديد على المستوى المصرى والإقليمى بل والعالمى، مما يعرضها لمزيد من الانقسام والصراع بين الأطراف، بمعنى آخر فوضع الجماعة إذا لم يزد تراجعًا فإنه سيستمر على ما هو عليه.

كلمات مفتاحية