طرد الصومال للسفير الإثيوبي.. على خلفية اتفاق الميناء مع صومالي لاند

إعداد: منة صلاح

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

أعلنت حكومة الصومال الفيدرالية في 4 أبريل الجاري، طرد السفير الإثيوبي “مختار محمد واري” وإغلاق قنصليتين إثيوبيتين على أراضيها، إحداهما في ولاية بونتلاند شبه المستقلة، والأخرى في إقليم أرض الصومال الانفصالي، ومغادرة الدبلوماسيين والموظفين فيهما في غضون أسبوعين، واستدعاء سفيرها في أديس أبابا “عبد الله محمد ورفا”، نظرًا لتصاعد التوتر فيما يتعلق بالاتفاق المبرم حول ميناء بربرة على البحر الأحمر ولتدخل إثيوبيا في شؤونها الداخلية، وهو ما سيكون له تداعيات سياسية وأمنية على العلاقات الصومالية – الإثيوبية بشكل خاص وعلى منطقة القرن الأفريقي بشكل عام.

نبذة عن اتفاق الميناء

وقع رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” في مطلع يناير الماضي مذكرة تفاهم، تحصل بموجبها بلاده على 20 كيلو مترًا من الساحل في إقليم أرض الصومال، بهدف إنشاء قاعدة بحرية هناك، بما يجيز لإثيوبيا استغلال جزء من سواحل هذا الإقليم كمنفذ بحري على خليج عدن لمدة 50 عامًا، وسيكون بمقدورها أيضًا إجراء أنشطة الاستيراد والتصدير عبر ميناء بربرة “الميناء الأكبر في أرض الصومال”، وهو ما سيمهد الطريق لتحقيق تطلعات إثيوبيا الخاصة بضمان وصولها إلى البحر وتنويع منافذها إلى الموانئ البحرية، وذلك مقابل اعتراف إثيوبيا بالإقليم الذي أعلن الانفصال عن الصومال في عام 1991م، وهو ما أثار أزمة في العلاقات الصومالية – الإثيوبية.

واعتبر الصومال أن هذا الاتفاق بمثابة إعلان حرب على سيادته ووحدة أراضيه، ووصفه الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود” بأنه غير قانوني، وصرح بأن بلاده ستدافع عن نفسها إذا مضت إثيوبيا قدمًا في الاتفاق، ومن هذا المنطلق عملت الدبلوماسية الصومالية على تكثيف أنشطتها على الصعيدين الدولي والإقليمي لإدانة الاتفاق وإلغائه، كما تقدمت مقديشو بالعديد من الشكاوي إلى مجلس الأمن وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي.

عوامل طرد الصومال للسفير الإثيوبي وإغلاق قنصليتين

جاء قرار الحكومة الصومالية بطرد السفير الإثيوبي وإغلاق القنصليتين الإثيوبيتين على أراضيها، في ظل تصاعد التوتر فيما يتعلق باتفاق الميناء، وجاء كذلك في ظل الزيارة التي قام بها وفد رفيع المستوى برئاسة وزير مالية بونتلاند “محمد فرح محمد” لإثيوبيا بهدف بحث سُبل التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والبنية التحتية، فضلًا عن الأمن والتعليم، وهو ما يُعتبر بادرة تحدي بالنسبة لمقديشو.

وسيكون لهذه الزيارة تداعيات لاسيما بعد التطورات الأخيرة المتعلقة بالنزاع المستمر بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وبعض الولايات الفيدرالية بما في ذلك بونتلاند، في أعقاب التعديلات الدستورىة، فقد أعلنت بونتلاند عدم اعترافها بالمؤسسات الفيدرالية بعد مصادقة البرلمان على التعديلات الدستورية بشأن انتخاب الرئيس بالاقتراع المباشر ومنح الرئيس أحقية تعيين وعزل رئيس مجلس الوزراء، بما يعني التحول إلى النظام الرئاسي، وهو ما اعترضت عليه حكومة الولاية وطالبت الموافقة عليه من خلال استفتاء عام.

كما جاء هذا الإعلان بعد توقيع الصومال اتفاقية أمنية/دفاعية مع تركيا، لدعم الأصول البحرية وردع جهود إثيوبيا الخاصة بتأمين الوصول إلى البحر من خلال أرض الصومال، فمبوجب هذه الاتفاقية والتي ستستمر لمدة عشر سنوات ستوفر تركيا التدريب والمعدات للبحرية الصومالية، لتعزيز قدرة الصومال على حماية موارده البحرية ومياهه الإقليمية من التهديدات مثل الإرهاب والقرصنة والتدخلات الأجنبية، وتنص الاتفاقية أيضًا على حصول تركيا على 30% من عائدات المنطقة الاقتصادية المعروفة بمواردها البحرية مع ضمان سلطة تركيا الكاملة على إدارة المياه الصومالية والدفاع عنها.

تداعيات التصعيد على أمن القرن الأفريقي

لا تقتصر التداعيات السياسية والأمنية على العلاقات الصومالية – الإثيوبية فقط بل تمتد إلى تهديد الاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي التي تشهد توتر متصاعد، وقد يؤثر استمرار مخالفة إثيوبيا لقواعد القانون الدولي على الأمن والسلم في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وهو ما يهدد العديد من الدول والتي من بينها الدول العربية والأفريقية المتشاطئة في البحر الأحمر.

فضلًا عما يثيره التصعيد من مخاوف بشأن انزلاق الأمر إلى صدام مباشر وتدخل إقليمي ودولي لاسيما في ظل وجود قوى بحرية عسكرية في المنطقة سواء في شكل أساطيل أو قواعد عسكرية، إذ توجد في جيبوتي المجاورة للصومال عدد من القواعد العسكرية لدول مثل الصين وفرنسا والولايات المتحدة، كما أجرت روسيا مناورات بحرية مع إريتريا، وهناك مخاوف أمنية من انتشار التنظيمات الإرهابية التي تسعى لاستغلال التوتر الإقليمي لمزيد من التمدد في تلك المنطقة، إذ تنشط في منطقة القرن الأفريقي الكثير من التنظيمات المتطرفة.

مصير العلاقات الصومالية – الإثيوبية

دخلت العلاقات الصومالية – الإثيوبية منعطفًا جديدًا من التوتر بعد قرار طرد السفير الإثيوبي، نظرًا لما تقوم به إثيوبيا من إذكاء التوتر بين حكومة الصومال الفيدرالية وبين إقليمي بونتلاند وأرض الصومال، بما يمكنها من النفاذ داخل تلك الأقاليم وتحقيق أهدافها، وقد يكون قرار طرد السفير الإثيوبي وإغلاق القنصليتين مقدمة لإجراءات تصعيدية أخرى إذا استمر نهج إثيوبيا في التعامل مع الصومال، وفي السياق ذاته هناك خطط محتملة لمنع الرحلات الجوية الإثيوبية من الهبوط في مقديشو وهرجيسا وغاروي، وهو ما قد يؤدي إلى تعطيل السفر الجوي والتجارة الإقليمية.

وفي السياق ذاته أشار نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية “صلاح حليمة” أن هذا القرار يعكس إدراك من قبل السلطات الصومالية بعدم فاعلية الإجراءات القانونية التي تم اتخاذها ضد إثيوبيا للتراجع عن مساعيها الغير شرعية للحصول على المنفذ البحري في أرض الصومال، وهو ما دفع الحكومة الصومالية إلى التصعيد، ويثير هذا التصعيد مخاوف بشأن مصير ثلاثة آلاف جندي إثيوبي في الصومال في سياق مهمة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي بهدف مواجهة مسلحي حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة.

ختامًا:

ازدادت حدة التوتر بين الصومال وإثيوبيا منذ توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال، وهو ما يعد انتهاك لسيادة ووحدة الصومال، لذا استدعت الحكومة الصومالية سفيرها في إثيوبيا للتشاور وطردت السفير الإثيوبي لديها وأغلقت قنصليتين إثيوبيتين على أراضيها، وجاء ذلك في ظل ما يشهده الصومال من اعتراضات على التعديلات الدستورية خاصة من قبل ولاية بونتلاند، ومن المتوقع أن يزداد التصعيد بين البلدين مستقبلًا إذا استمرت إثيوبيا في اتباع نفس النهج في تعاملها مع الصومال، وهو ما قد يزيد من زعزعة الاستقرار في القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

كلمات مفتاحية