إعداد: شيماء ماهر
تشهد القارة الأفريقية سلسلةً متواصلةً من الانقلابات العسكرية، خاصة في منطقة غرب ووسط أفريقيا، فبعد مرور شهر على انقلاب النيجر، استيقظ العالم على انقلاب آخر في القارة الأفريقية؛ لتدخل الجابون هذه المرة في حلقة مُفْرَغة من عدم الاستقرار، التي تساهم في تفاقم أزماتها السياسية والاقتصادية، خلال الفترة المقبلة، ويعتبر انقلاب الجابون الانقلاب الـ6، الذي تشهده منطقة غرب ووسط أفريقيا، منذ عام 2021م؛ الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات، بخصوص هذا الانقلاب، منها؛ هل هناك قوى خارجية تُحرِّض على القيام بمثل هذه الانقلابات العسكرية؟ أو هل كان انقلاب النيجر عاملًا مُحفِّزًا للنخبة العسكرية في الجابون للقيام بانقلاب عسكري مماثل؟ كذلك أُثيرت تساؤلات حول مستقبل العلاقات “المدنية – العسكرية” في هذه المنطقة، التي شهدت بعض دولها العديد من الانقلابات العسكرية، وإلى أيِّ مدى تنعكس تلك الأوضاع على الأوضاع السياسية والاستقرار بدول المنطقة؟
نظرة في المشهد الداخلي في الجابون
أعلنت مجموعة تتكون من 12 ضابطًا، من كبار ضباط المؤسسة العسكرية، وتضم ضباطًا من الجيش والشرطة والحرس الجمهوري، عبْر التلفزيون الرسمي، في صباح يوم الأربعاء، الموافق 30 أغسطس 2023م، رفضهم لنتائج الانتخابات، التي أعلنت فوْز الرئيس علي بونجو، بفترة رئاسية ثالثة؛ حيث حصل على نسبة 64.27%، بل قاموا بالتحفُّظ على الرئيس علي بونجو، زعيم الحزب الديمقراطي الجابوني، وأغلقوا الحدود، وشكَّلوا لجنةً تُعْرف باسم لجنة “المرحلة الانتقالية”، وإعادة المؤسسات، ووضعوا الرئيس وعائلته وطبيبه الخاص تحت الإقامة الجبرية، ووجَّهوا اتهامات إلى نجل الرئيس بالخيانة العظمى، بجانب عددٍ من المستشارين والرجال المقربين من الرئيس.
كما قاموا بحلِّ الحكومة ومجلس الشيوخ والجمعية الوطنية والمحكمة الدستورية ولجنة الانتخابات، وأعلن الضباط، أنهم يُمثلون جميع قوات الأمن والدفاع، وقد اختاروا قائد الحرس الجمهوري، بريس أوليجي نجويما، رئيسًا لهذه اللجنة؛ لإعادة بناء المؤسسات، وسيتولى مسؤولية إدارة البلاد، وقد رحَّب الشعب الجابوني بهذا الانقلاب؛ إذ نزل المئات إلى الشوارع؛ لتأييد قرار العسكريين بعزْل الرئيس.
والجدير بالذكر، أن الرئيس علي بونجو، تولَّى الحكم منذ 14 عامًا؛ إذ انتُخب رئيسًا للمرة الأولى في عام 2009م، بعد وفاة والده عمر بونجو، الذي حكم البلاد أكثر من 41 عامًا، وقد تعرَّض “علي بونجو” لمحاولة انقلاب، في عام 2019م، حينما كان يتعافى في المغرب من مرضه؛ جرَّاء إصابته بالسكته الدماغية، ولكن تمكَّنت قيادات الجيش من إفشال الانقلاب والسيطرة على الوضع.
أسباب اندلاع الانقلاب العسكري في الجابون
تُوجد مجموعة من الأبعاد المؤثرة التي ترتبط بحدوث الانقلاب العسكري، ويمكن إجمال هذه الأبعاد على النحو التالي:
- تدهور الحالة الصحية للرئيس: أُصيب الرئيس علي بونجو، بجلطة دماغية، في عام 2018م، وقد غاب عن المشهد السياسي لمدة 10 أشهر، وقد استغلت الحاشية المحيطة بالرئيس تدهور الأوضاع الصحية للرئيس؛ للقيام بأعمال منافية للقانون؛ إذ قاموا باستغلال سلطاتهم؛ من أجل تحقيق مكاسب شخصية، وعقب الانقلاب العسكري قام الجيش الجابوني باعتقال عددٍ من مستشاري الرئيس، وتوجيه العديد من التهم إليهم، منها؛ تهمة الخيانة العظمى، واختلاس أموال عامة على نطاق واسع من قِبَلِ عصابة منظمة، والتزوير، وتزوير توقيع رئيس الجمهورية، والفساد النَّشِط، والاتِّجار بالمخدرات.
- تنامي سخط المعارضة على النظام الحاكم قبْل الانتخابات: ظهر ذلك بسبب التعديل الدستوري الذي أقرته الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ؛ حيث سمح بتخصيص جولة واحدة للانتخابات، بدلًا من جولتيْن، وهذا ما رفضته المعارضة؛ إذ رأت أن هذا التعديل يهدف إلى تسهيل إعادة الانتخابات للرئيس الحالي، علي بونجو، على الرغم من إقرار التعديل بتخفيض عدد سنوات الولاية الرئاسية، من 7 إلى 5 سنوات.
- زيادة الصراع داخل عائلة بونجو: تبلور ذلك من خلال قيام ابن عم الرئيس المعزول، قائد الانقلاب أوليجي نجويما، بالانقلاب عليه؛ إذ يحظى “نجوميا” بثقة الرئيس على بونجو، فعندما تولَّى علي بونجو الحكم، أوكل إليه مهام دبلوماسية في “المغرب، والسنغال”، وولَّاه منصب رئيس الحرس الجمهوري.
- تدهور الأوضاع الاقتصادية في الدولة: فعلى الرغم من تمتُّع الجابون بالعديد من الثروات النفطية، إلا أن ثلث سكانها يعيشون تحت خط الفقر؛ بسبب عدم قدرة الدولة على تنويع مصادر الإيرادات، والاعتماد بشكلٍ كبيرٍ على صناعة الوقود الإحفوري، وشهدت الجابون في عام 2023م، ارتفاعًا هائلًا في معدل التضخم؛ حيث بلغ نحو 6. 4%، بجانب ارتفاع معدل البطالة العام، نحو 22% في عام 2022م[1].
- التشكيك في نزاهة ومصداقية الانتخابات: يرجع ذلك إلى عدم وجود رقابة دولية لمتابعة الانتخابات الحالية، وتعليق بثِّ وسائل الإعلام الأجنبية داخل الدولة للانتخابات، وقيام السلطات بإصدار قرارٍ بقطْع خدمة الإنترنت، وفرْض حظْرٍ ليليٍّ للتجوال في جميع أنحاء البلاد، فضلًا عن قيام مرشح المعارضة، ألبرت أوندو، الذي حصل على نسبة 30.77 %، بالإعلان عن عدم وجود أوراق تصويتية في مراكز الاقتراع، وعدم وجود قائمة تضم أسماء المرشحين للانتخابات، ووجود أسماء عددٍ من المرشحين المنسحبين من السباق الرئاسي على ورقة التصويت.
- تنامي عدوى الانقلابات العسكرية وتأثيراتها: نجد أن الانقلاب العسكري الذي حدث في النيجر، في 26 يوليو الماضي، بقيادة الجنرال عبدالرحمن تشياني، الذي كان يتولى منصب قائد الحرس الجمهوري، والذي أطاح بالرئيس محمد بازوم من منصبه، كان بمثابة عاملٍ مُحفِّزٍ للنخبة العسكرية في الجابون؛ للقيام بانقلاب عسكري مماثل، والإطاحة بنظام الحكم القائم، في ظل عدم وجود أيِّ تحرُّكٍ جادٍّ، سواء من قِبَلِ مجموعة “الإيكواس، أو الاتحاد الأفريقي”؛ لردع انقلاب النيجر؛ إذ إن الضغوط الدبلوماسية والعسكرية التي تبذلها مجموعة “إيكواس”؛ لإقناع قادة انقلاب النيجر بإعادة الرئيس “بازوم” إلى منصبه لم تُؤتِ ثمارها، فضلًا عن أن البيئة الأمنية المضطربة، ولجوء الحكام إلى تمديد فترة حكمهم، وزيادة الفساد السياسي في العديد من مؤسسات الدولة، مثَّلت عاملًا محفزًا للنخبة العسكرية؛ للقيام بمثل هذه الانقلابات.
ردود الأفعال الإقليمية والدولية حول الانقلاب العسكري في الجابون:
أولًا: على المستوى الإقليمي:
قام الاتحاد الأفريقي بتعليق عضوية الجابون عقب الانقلاب، وأدان مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي الانقلاب العسكري، وقام الاتحاد الأفريقي بتعليق مشاركة الجابون في جميع أنشطته ومؤسساته لحين عودة النظام الدستوري في البلاد.
وقد أدانت المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا “إيكواس” الانقلاب العسكري، وأعلنت أنها تنوي الاجتماع في أسرع وقت ممكن مع زعماء المنطقة؛ لتحديد كيفية الرد، وطالبت بعودة النظام الدستوري في أسرع وقت، وطالبت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، بتوحيد الجهود؛ لدعم العودة إلى النظام الدستوري، وأعلنت أنها ستعقد اجتماعًا استثنائيًّا يوم الإثنين المقبل؛ للتركيز على انقلاب الجابون.
كما أدان الرئيس النيجري، بولا تينوبو – الذي يتولَّى رئاسة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا- بشدة، الانقلاب العسكري في الجابون، وأعلن أنه يعمل بشكلٍ وثيقٍ مع الزعماء الآخرين، بخصوص كيفية الرد على الانقلاب العسكري في الجابون.
وبخصوص الموقف المصري من انقلاب الجابون، صرَّح المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، أن مصر تُولِي اهتمامًا بالغًا بتطورات الأوضاع المتلاحقة في الجابون الشقيقة، وتدعو جميع الأطراف إلى إعلاء المصلحة الوطنية؛ للحفاظ على الأمن والاستقرار، وطالب المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية المصريين المتواجدين في الجابون، بتوخِّي الحذر، والبُعْد عن مناطق الصراعات والنزاعات الأمنية، والتواصل مع السفارة المصرية؛ لضمان سلامتهم.
ثانيًا: على المستوى الدولي
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريتش، إدانته الشديدة لانقلاب الجابون، ودعا الانقلابيين إلى الحفاظ على سلامة الرئيس علي بونجو وأفراد عائلته، في حين علَّقت الولايات المتحدة الأمريكية على ما حدث في الجابون، بإدانتها واستنكارها الشديديْن لاستمرار استيلاء العسكريين على السلطة، ووصفته بالانقلاب، وقد حثَّت واشنطن الجيش الجابوني بالحفاظ على الحكم المدني، فيما كان الموقف الروسي من الانقلاب بإعراب المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، عن قلق روسيا بخصوص الوضع في الجابون.
وقد قامت ألمانيا بإدانة الانقلاب الذي حدث في الجابون، على الرغم من إقرارها بعدم نزاهة الانتخابات، وقالت وزارة الخارجية الألمانية في بيان لها: يجب أن يكون الشعب الجابوني قادرًا على تقرير مستقبله بشكلٍ مستقرٍ وحرٍّ، بينما كان رد فعل فرنسا؛ إذ أعلن الناطق باسم الحكومة الفرنسية، أوليفييه فيران، أن فرنسا تدين الانقلاب العسكري الحالي، وتراقب بانتباه شديد تطورات الوضع، وتدعو فرنسا إلى احترام نتائج الانتخابات، وقامت شركة التعدين الفرنسية “إراميت”، بتعليق كافة عملياتها في الجابون.
التداعيات المحتملة للانقلاب:
ثمَّةَ مجموعة جديدة من الأحداث، عقب اندلاع المحاولة الانقلابية في الجابون على جميع الأصعدة “محليًّا، وإقليميًّا، ودوليًّا”، والتي سنتناولها على النحو الآتي:
- على الصعيد المحلي: من المتوقع أن يصاحب الانقلاب العسكري تنامي الاضطرابات الأمنية في الدولة؛ بسبب إمكانية ردِّ الفعل المعاكس من أنصار الرئيس على بونجو؛ ما يؤدي إلى حدوث اضطرابات سياسية وأمنية، تساعد على تنامي دور التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية الداخلية، خاصَّةً بعد تراجُع معدلات النمو، وانخفاض التدفقات الاستثمارية، خاصَّةً بعد إعلان شركة التعدين الفرنسية “إراميت”، التي تقوم بإنتاج المنجنيز في الجابون، بتعليق جميع عملياتها في أعقاب الانقلاب مباشرة.
- على الصعيد الإقليمي: قد يؤدي تنامي الاضطرابات الداخلية في الجابون، إلى تصاعُد التأثيرات السلبية على دول الجوار الإقليمي، فمن المحتمل، زيادة أشكال الجرائم العابرة للحدود، مثل “الاتِّجار بالبشر، وتهريب الأسلحة والمخدرات”، والتي يمتد تأثيرها إلى دول الجوار الإقليمي، التي تعاني من الاضطرابات الداخلية وتنامي نشاط التنظيمات الإرهابية، مثل “الكاميرون، وتشاد، والنيجر”، بالإضافة إلى زيادة مخاطر عمليات القرصنة في خليج غينيا؛ إذ تستحوذ منطقة خليج غينيا على ما يزيد من43% من حوادث القرصنة، فضلًا عن تزايد عدوى الانقلابات العسكرية في منطقة وسط وغرب أفريقيا، في حالة نجاح الانقلاب العسكري في الجابون.
- على الصعيد الدولي: قد يؤدي تفاقُم عدم الاستقرار السياسي في الجابون، إلى التأثير على الأسعار العالمية للنفط والغاز الطبيعي؛ إذ تُعدُّ الجابون من الدول المصدرة للنفط في “أوبك”، والتي تضم 13 دولة، فمن المحتمل، تراجع عمليات التصدير، في ظلِّ تفاقُم الأوضاع والاضطرابات في الجابون، وربما يحدث اضطراب في سوق المنجنيز العالمية، خاصَّةً بعد توقف عمليات التعدين الخاصة بالشركة الفرنسية في الجابون، ومن المتوقع، تراجع النفوذ الفرنسي في الجابون، وزيادة النفوذ الروسي، في ظلِّ توجُّه قادة الانقلابات العسكرية في أفريقيا في مناصرة الاتجاه المعادي للغرب، الذي تمثله روسيا؛ إذ تقوم روسيا بمناصرة الأنظمة العسكرية الجديدة، من خلال مجموعة فاغنر.
ختامًا:
يتسم الانقلاب العسكري في الجابون بالتضارب المحتمل في مواقف الأطراف الدولية من الأزمة السياسية؛ نظرًا لاختلاف الأهداف والمصالح الذاتية لكل طرف، فمن المحتمل، أن يدفع الانقلاب إلى الانزلاق في حافة الهاوية على جميع الأصعدة، وسوف تشهد القارة الأفريقية تحوُّلات جديدة، متمثلة في صعود نخبة عسكرية للسلطة، تحاول البحث عن حلفاء جُدُد، والابتعاد عن الشركاء التقليديين، والجدير بالذكر، أن نجاح تلك الخطوة الانقلابية سوف يترتب عليها تفشِّي عدوى الانقلابات إلى بقية دول القارة الأفريقية؛ لذلك لا بُدَّ من تكوين قوات حفظ سلام أفريقية خالصة، تقوم بالتدخل السريع والفوري لحفظ الأمن، وتفادي الحروب الأهلية وانقسامات القوى الوطنية داخل القارة الأفريقية.
المصادر:
[1] الجابون، المؤشرات الاقتصادية، متاح على الرابط: https://ar.tradingeconomics.com/gabon/indicators