إعداد: مروة سماحة
المقدمة:
تعيش سيراليون – حاليًا – حالةً من الفوضى وعدم الاستقرار؛ جرَّاء ما نَشَبَ في منتصف نوفمبر الماضي، من هجومٍ مسلحٍ من قِبَلِ مسلحين على منشآت عسكرية تتبع للجيش؛ حيث تمَّ استهداف مستودع للأسلحة وثكنتيْن وسجنيْن، بالإضافة إلى مركزيْن للشرطة، ونتج عن ذلك مواجهات عنيفة مع قوات حفظ الأمن؛ أدَّت إلى مزيدٍ من الفوضى والتأجُّج، نتج عنها 21 حالة وفاة، تشمل 14 جنديًّا، حسبما أفاد وزير الإعلام “شيرنور باه”.
وفي ضوْء تلك الاشتباكات العنيفة المستمرة في اللحظة الحالية، والتي امتدت لتحمل بين طياتها طابعًا عرقيًّا، أدْلى مركز الدفاع والسياسات الخارجية بسيناريوهات، حول امتداد مستوى العنف بالبلاد؛ ليكون تكرارًا لمأساة رواندا، في تقريرٍ بعنون ” تحذيرات أن تكون سيراليون رواندا أُخرى”، نُشِرَ في ١٢ ديسمبر، وفي تلك المقالة، سيتم عرْض ما ورد في التقرير، ومناقشته على النحو التالي:
أوَّلًا: نبذة عن تاريخ سيراليون السياسي
أشار التقرير، أن تاريخ سيراليون مليء بعدم الاستقرار السياسي، وذلك لعدة اعتبارات؛ حيث شهدت فترات من الصراعات بين النُّخب السياسية والإثْنِيّة على السلطة، بعد استقلالها عن الاستعمار البريطاني في 1961، بدأت بحكمٍ عسكريٍّ في الستينيات، تلاه حكم حزب المؤتمر الشعبي العام كحزبٍ وحيدٍ، واستمرار الرئيس “سياكا ستيفنز” في السلطة لمدة 18 عامًا؛ ما جعل تاريخ سيراليون يتسم بالاستبداد والقمع.
ففي التسعينيات، شهدت البلاد حربًا أهلية، استمرت حوالي 11 عامًا، نتجت عن صراعات حول الموارد الطبيعية، كما شهدت ثلاثة انقلابات عسكرية، مع انقلاب “فالنتين ستراسر”، وتلاه انقلاب “جوليوس مادا بيو” على نائبه “ستراسر”، ثمَّ عودة “كبَّاح” بفضل قوات “إيكواس”.
وعقب انتهاء الحرب، بدأت النخبة السياسية في عملية انتقال ديمقراطي، مع الانتخابات في 2002، فاز فيها “كبَّاح”، وانتخابات 2007 فاز بها “إرنست باى كوروما”، وانتخابات 2012، شهدت إعادة انتخاب “كوروما”، وفي 2018، فاز “جوليوس مادا بيو”، وفي 2023، أُعيد انتخابه.
وعلى الرغم من تبادُل السلطة، أفاد التقرير أنه ما زالت عمليات الانتخابات مُلوَّنة بالخُرُوقات والانتهاكات؛ ما يُثير شكوكًا حول مدى الالتزام بمعايير الديمقراطية؛
ثانيًا: فالفوضى في سيراليون تتعمَّق، وتتحوَّل إلى حربٍ عرقيةٍ، وهناك تحذيراتٌ من “رواندا أخرى”
كانت سيراليون، بحلول منتصف ديسمبر 2023، واقعة بشكلٍ متزايدٍ في قبضة انقلاب بطيء الحركة، ولكنه عنيف من قِبَلِ الرئيس “يوليوس مادا بيو”؛ لمحاولته إنشاء دولة الحزب الواحد، في أعقاب الانتخابات الرئاسية الفاشلة، في 24 يونيو 2023.
وعندما أصبح من المحتمل بشكلٍ متزايدٍ، أن الانتخابات لن تعيده لولاية ثانية في منصبه، بدأ بدعمٍ من فريق حزب شعب سيراليونSLPP) )، بما في ذلك جزء كبير من القوات المسلحة السيراليونية SLAF))، في قمْع معارضته، وترهيب مفوض الانتخابات الوطني، محمد كينيوي كونيه؛ للتصديق على فوْز “بيو” في الجوْلة الأُولى من الانتخابات، على الرغم من التلاعُب ببراءات الاختراع في التعامُل مع بيانات التصويت.
في منتصف ديسمبر 2023، تشير التقارير إلى تصاعُد الفوضى في سيراليون؛ نتيجةً لانقلابٍ عسكريٍّ عنيفٍ، يقوده الرئيس “يوليوس مادا بيو”، الذي يسعى لإقامة دولة الحزب الواحد، بعد فشل الانتخابات الرئاسية، في يونيو 2023، مع تزايُد المخاوف من تحوُّل الأزمة إلى حربٍ عرقيةٍ، يُحذِّرُ البعض من تكرار مأساة رواندا.
في منتصف ديسمبر 2023، يظهر أن الانقلاب في سيراليون قد انحسر، ولكنَّ حَمْلة القمع لا تزال مستمرة، تشير التقارير إلى أنها تشبه الانقلاب الزائف، الذي نظَّمه الرئيس التركي “أردوغان” في 2016؛ ما يُثير مخاوف من تصاعُد القمع وتغطية الجرائم ضد الخصوم السياسيين، يظل هوية قادة الانقلاب غير معروفة؛ ما يجعل الجمهور يعتقد أنه قد يكون حدثًا مسرحيًّا، وفي 11 ديسمبر 2023، أعلن وزير المعلومات، فرْض حظْر التجوُّل في جميع أنحاء البلاد.
في 9 ديسمبر 2023، تمَّ الكشف عن اقتحام لجنة الانتخابات في فريتاون، وسرقة معدات الكمبيوتر والسجلات الانتخابية، في سبتمبر 2023؛ ما أظهر عدم ثقة الرئيس “بايو” في مفوض الانتخابات، تقارير تشير إلى مقتل محمد كينيوي كونيه، المفوض الانتخابي، في 8 ديسمبر 2023، تمَّ احتجاز الرئيس السابق “إرنست باي كوروما”؛ للتحقيق في تُهْمة سُوء استخدام السلطة، وطُلِبَ منه دفع 135,000 دولار أمريكي، خلال سبعة أيام.
في نوفمبر 2023، ظهرت تقارير تشير إلى قتل مفوض الانتخابات “كونيه” على يد القوات التابعة للرئيس “بايو”، ولكن لم يتم تأكيد ذلك حتى الآن، يرجح أن “بايو”، في مواجهة استياءٍ عامٍ؛ بسبب اتهامات بتزوير الانتخابات، قد قرَّر قمْع المعارضة، واعتقال الشخصيات المؤثرة، بعد اعتقال معارضين بارزين، ومع الضغط لإطلاق سراحهم، اتخذ “بايو” خطوةً إضافيةً.
وفي ليلة 25-26 نوفمبر 2023، نفَّذت مجموعة مسلحة هجومًا على سجن Pademba Road في فريتاون، وتمَّ الإفراج عن السجناء، تبدو هذه الحادثة مرتبطة بتلفيق محاولة انقلاب؛ لتبرير اختفاء المعارضين السياسيين، الذين قُتِلُوا بالفعل، الحكومة أصَّرت على أنها مواجهة لمحاولة انقلاب، مع اعترافها بتعرُّض بعض المستودعات العسكرية للهجوم، لكن القادة المزعومين للانقلاب، فضَّلُوا عدم إعلان تولِّيهم الحكومة.
في 13 ديسمبر 2023، وجَّهت هيئة الأمن والتحقيق، اتهامات للرئيس “بيو” و79 شخصًا آخر، بالتواطؤ في “محاولة الانقلاب”، التي وقعت في نوفمبر 2023، تمَّت محاكمة ابنته “دانكاي كوروما” بالجريمة نفسها، يظهر أن هذه الأحداث تشير إلى استخدام “بايو” للمحكمة؛ لتقويض الخصوم السياسيين، وفي الوقت نفسه، تمَّ الإعلان عن وفاة الصحفي الكندي “ستيفن دوغلاس ليت” بطريقةٍ مشبوهةٍ، بعد تحقيقه في الحادثة في فريتاون.
سيراليون تظل في عُزْلة؛ بسبب تقليص الرحلات الجوية، وعدم تصديق المراقبين الدوليين لإعادة انتخاب الرئيس “بيو”، لا توجد نتائج من زيارة وفد “ECOWAS”، ورغم الضغط الدولي المحدود، يستمر الرئيس “بيو” في قمْع خصومه، وتنفيذ هجماتٍ ذات طابعٍ عرقيٍّ، يظهر الاستجابة الهادئة للمنطقة لأحداث سيراليون، رغم تصاعُد الأزمة.
ختامًا :
تعتبر الانقلابات العسكرية ظاهرة مُعقَّدة في السياق الأفريقي؛ حيث يصْعُب تحديدها، ولكن هناك سبب رئيسي، يختلف باختلاف السياق في حالات سيراليون، فيُعدُّ غياب الديمقراطية سببًا أساسيًّا لآخر محاولات الانقلاب؛ ما يؤدي إلى فُقْدان الشرعية السياسية للأنظمة الحاكمة، وانتشار ثقافة التغيير غير الدستوري في سعي الفئات السياسية إلى السلطة.
وهناك عدة سيناريوهات مستقبلية، فيما يخُصُّ الوضع في سيراليون:
السيناريو الأول: يتضمن الاستمرار في انتهاكات ديمقراطية، مع تفضيل الكشف عن مخططات وصدّ محاولات الانقلاب، ولكن يعتبر غير محتمل؛ بسبب التصاعُد في النزعة الانقلابية، والخوف من انتقال العدوى.
السيناريو الثاني: يشمل المبادرة لإجراء إصلاحٍ سياسيٍّ ديمقراطيٍّ حقيقيٍّ، ولكنه مسْتبعدٌ؛ نظرًا لثقافة وسلوك رئيس سيراليون وطبيعة وصوله للسلطة.
السيناريو الثالث: يتضمن إظهار الالتزام بالمعايير الديمقراطية بشكلٍ ظاهريٍّ؛ لتجنُّب الانتقادات الدولية، ولكن من دون التزام فعليٍّ، ويُعتبر الأكثر توقُّعًا؛ نظرًا للسياق الاستبدادي، والانتشار المحتمل للانقلابات العسكرية في الساحة الأفريقية.