إعداد: أحمد محمد فهمي
كان للقاء الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي، بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، على هامش حفل افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم بالعاصمة القطرية «الدوحة»، أصداء واسعة في الداخل التركي، بسبب الاعتقاد السائد باستحالة عقد لقاء بين الرئيسين بسبب التصريحات المعادية التي كان يشنها الرئيس التركي أردوغان على مصر ورئيسها بسبب عدم اعترافه بثورة ٣٠ يونيو والتي أطاحت بحلفائه الإخوان المسلمين من الحكم، وكان الجميع بما فيهم الأتراك يرون أن العلاقات بين الدولتين لن تعود إلى سابق عهدها في الوقت القريب، أو على الأقل في عهد حكم أردوغان، ولكن تمت المصافحة بين الرئيسين في مشهد ينسف تأكيد أردوغان في تصريحات إعلامية سابقة له باستحالة عقد مثل هذا اللقاء.
والآن في هذا المقال[1] الذي صدر تحت عنوان «Mısır ile ilişkilerde geçen dokuz yılın muhasebesi»، للكاتب «Sedat Ergin»، على موقع صحيفة «حرييت» التركية في ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٢، يتطرق الكاتب إلى الحديث عن ما دار في تسعة أعوام سابقة من المقاطعة وصولا إلى الدروس التي يجب على الساسة الأتراك أن يتعلموها مما حدث سابقًا.
تعريف بالكاتب:
سيدات إرجين «Sedat Ergin»، صحفي تركي بارز، ورئيس التحرير السابق لصحيفة «حرييت» التركية، ولد عام 1957 في إسطنبول، حاصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية من كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة، وبدأ العمل الصحفي في عام 1975، وانضم إلى صحيفة «حرييت» في عام 1987، وتولى رئاسة تحريرها في أغسطس 2014، ترك المنصب في مارس 2017، وعاد لكتابة عموده المعتاد، وكان معلقًا سياسيًا منتظمًا في قنوات NTV وCNN-Türk الإخبارية لعدة لسنوات.
حصل الكاتب على جائزة سيدات سيمافي (Sedat Simavi) مرتين عامي 1997 و2003، كما حصل على جائزة حرية الصحافة من جمعية الصحفيين الأتراك عام 2010، ومُنح جائزة حرية الرأي والتعبير من مؤسسة «دويتشه فيله» الألمانية 2016.
أبرز محاور المقالة:
أولًا: تحولات سياسية في المنطقة:
يتساءل الكاتب متعجبًا عن التحولات التي تمر بها المنطقة، وأن المؤرخين الذين سيكتبون عن السياسة الخارجية لهذه الفترة في المستقبل، كيف سيستطيعون إصدار حكمًا بشأن سياسة منطقة الشرق الأوسط خاصة في السنوات العشر الماضية، مؤكدًا أن صورة الرئيس التركي أردوغان وهو يصافح نظيره المصرى الرئيس السيسي، في حفل افتتاح كأس العالم بقطر، تعتبر رمزًا لوصف هذه الفترة، وأنها أدت إلى مناقشة وتساؤل حول سياسة تركيا تجاه مصر بعد عام ٢٠١٣.
ثانيًا: سياسات تركيا الخاطئة في المنطقة:
أوضح الكاتب، أن الأحداث السياسية التي مرت بها مصر بعد الإطاحة بمحمد مرسي، ووصول الرئيس السيسي لاحقًا إلى سدة الحكم، كانت موضعا للهجوم والانتقادات من قبل الرئيس أردوغان، على الرغم من أن القوى الغربية والتي كانت تنتقد تطورات الأوضاع في مصر، اختارت في نهاية الأمر الحفاظ على علاقاتها مع مصر وقياداتها، لكن أردوغان استمر في عدم قبوله تلك الأوضاع، ولم يعتبر النظام القائم شرعيًا، وقد أدى ذلك لاحقًا إلى سحب السفراء بين الدولتين، وقد تحولت الدولتان اللتان هما أكبر مركزي قوى في المنطقة إلى دولتين متنافستين وكان عواقب ذلك أن هذا التوتر قد أحدث أزمة في ميزان القوى في المنطقة بأكملها، وبالأخص في منطقة شرق المتوسط.
كما أكد الكاتب أنه بعد انهيار العلاقات مع إسرائيل بسبب المشادة الكلامية بين أردوغان والرئيس الإسرائيلي في مؤتمر دافوس ٢٠٠٩، وبعد حادث السفينة التركية “مرمرة” ٢٠١٠، ثم ما حدث لاحقًا على صعيد العلاقات التركية – المصرية في 2013، قد جعل ذلك مصر وإسرائيل في جبهة واحدة ضد تركيا.
كذلك فإن الخلاف الذي وقع بين تركيا ضد السعودية والإمارات، قد جعل الدولتان تنضمان إلى مصر، واللذان شكلا حصارا ضد قطر المتحالفة مع تركيا، فنتج عن ذلك كله تشكيل محورين، بين تركيا وقطر من جهة في مواجهة مصر والسعودية والإمارات على الجانب الآخر.
كذلك أشار الكاتب إلى التدخل التركي المباشر في الحرب الأهلية السورية وسعي تركيا بشكل علني لإسقاط نظام الأسد، وهو ما أدى إلى تفاقم الوضع وتوسيع التحالفات ضد تركيا، كما أشار إلى أن التحالف السياسي والاقتصادي الذي أسسته مصر وإسرائيل مع اليونان وقبرص، كان يريد ضم دول أخرى مثل السعودية والإمارات، واستشهد الكاتب بأنه في خلال الأزمة الليبية والحرب الدائرة هناك واجهت تركيا تحالفا عربيًا من مصر والسعودية والإمارات، وأنه قد وصل حجم العداء بين الجبهتين لدرجة أن السعودية والإمارات شاركتا في تدريبات عسكرية في اليونان في منطقة شرق المتوسط، وقد استعرضتا قوتهما بطائراتهما الحربية ضد تركيا في منطقة شرق المتوسط.
ونتيجة لكل ما سبق والتي رأت فيها تركيا أنه تم فيها إقصائها واستبعادها، فقد اتجهت إلى مراجعة جادة لعلاقاتها وسياستها في الشرق الأوسط، وبالأخص مع مصر، وقد سعت منذ عام ٢٠٢٠ إلى مد الجسور التي قطعتها مع كل هذه الدول.
ثالثًا: مراجعة تركيا لسياستها السابقة:
وقد قامت تركيا بسلسلة من الخطوات لإصلاح سياساتها الخارجية، فدخلت العلاقات التركية مع الإمارات والسعودية وإسرائيل، مرحلة التطبيع، لكن التطبيع مع مصر لم يصل بعد إلى مراحل متقدمة، وذلك على الرغم من كل الرسائل التي وجهتها أنقرة إلى القاهرة لتطبيع العلاقات، لكن مصر تري نفسها في موقف تفاوضي أفضل بسبب المسعى التركي الحثيث لتطبيع العلاقات، وبالتالي ترى القاهرة أنه لا يجب التسرع في اتخاذ خطوات تجاه التطبيع، كذلك تري أن تركيا لم تقدم خطوات ملموسة تجاه القضايا الشائكة بين الدولتين، وهو ما صرح به وزير الخارجية المصري سامح شكري، والذي أشار كذلك إلى استمرار الوجود العسكري التركي في ليبيا.
رابعًا: مستقبل العلاقات بين الدولتين:
يرى الكاتب أن هناك أجواء من التفاؤل بثتها صورة المصافحة التي جمعت الرئيسين التركي والمصري في العاصمة القطرية الدوحة، مشيرًا كذلك إلى بيان الرئاسة المصرية والتي استخدمت عبارة “ستكون بداية لتحسين العلاقات الثنائية” بأنها دلالالة على أن الموقف المصرى تجاه التطبيع بدأ يتغير، كما أشار الكاتب إلى ما وصفها بالرسائل الدافئة التي بعتثها أردوغان إلى مصر، وذلك بعد عودته من قطر.
خامسًا: دروس من الماضي:
كما يرى الكاتب أن ما جرى خلال السنوات الماضية ومحاولات حصار تركيا في الشرق الأوسط وشرق المتوسط، قد جعل من الضرورى إجراء محاسبة جادة ونقد ذاتي للسياسات التركية خلال هذه الفترة وذلك بهدف منع تكرار الخسائر ومنع تكراره في المستقبل، لكن الكاتب أشاد في نفس الوقت بالخطوات التي تم اتخاذها لإصلاح الخسائر السابقة التي لحقت بالسياسة الخارجية التركية.
وأكد الكاتب، أن هناك دروسًا مهمة طرحها مؤسسو الجمهورية التركية، انطلاقا من خبرتهم، وتقوم على أن تركيا يجب عليها أن تكون بعيدة عن الصراعات والمشاكل التي تمر بها المنطقة العربية، مشيرًا إلى أنه ليس معني ذلك أن تأخذ تركيا موقف المتفرج إزاء تطورات الأحداث في المنطقة العربية، إلا أن ما حدث خلال السنوات الماضية، قد جعل تركيا بحاجة ماسة إلى التفكير أكثر في هذه الدروس المستفادة.
تحليل المقال:
لا تزال طبقة من المحللين الأتراك، يرون أن سياسات أردوغان لم تكن براجماتية عقلانية، وإنما تعبر عن تقلبات وسياسات غير مدروسة تجاه سياسته وعلاقاته الخارجية، فالسياسة التركية في عهد أردوغان بالنسبة لمصر لم تكن فقط تنتقد تطورات الحياة السياسية المصرية وما حدث بعد 2013 فحسب، بل إنه سعى بكل ما يملك من وسائل وآليات لتطويق التوافق المصري الوليد بعد ثورة 30 يونيو، وانتقاده في كافة المحافل الدولية، وقد قام بتحويل القضية إلقد حول الأمر إلى معركة دينية مصيرية، واحتضن كافة المعارضين لمصر، ووفر لهم كافة الوسائل المتاحة لكي يستطيعوا من خلالها مواجهة الدولة المصرية.
وقد عَدد الكاتب الأخطاء والمشاكل التي وقعت فيها تركيا، نتيجة تدخلها في الشئون الداخلية لدول منطقة الشرق الأوسط، مؤكدًا أنه بعد أكثر من عشر سنوات من هذه السياسات، اضطرت تركيا لمراجعة شاملة لتصحيح مسارها في المنطقة، وجاء استشهاده بصورة المصافحة بين الرئيسين، للدلالة على التحولات السياسية التي طرأت على المنطقة.
وقد يكون إشارة الكاتب بأنه يجب التعلم من الدروس التي وضعها مؤسسو الجمهورية والتي أوصت بعدم انغماس تركيا في مشاكل الدول العربية، بأنه يعبر عن توجه السياسة الخارجية التركية خلال المرحلة المقبلة، وذلك بعد الخسائر التي لحقت بها نتيجة لمواقفها، وهذا التوجه ما كان ينادي به التيار الكمالي خلال سنوات مضت لتجنب تأثيرات وتداعيات الأزمات العربية على تركيا.
لينك المقال:
[1] Ergin, Sedat. “Mısır ile ilişkilerde geçen dokuz yılın muhasebesi”, hürriyet gazetesi, 23/11/2022, https://cutt.us/A7WIo .