علاقة مصر بالشرق الأوسط.. تكشف فرص يمكن اغتنامها

إعداد: مصطفى مقلد

يشهد الشرق الأوسط حاليا تغيرات كبيرة، والتى ظهرت فى تطور العلاقات بين دول وتوترها بين أخرى، ولا شك أن هجوم 7 أكتوبر وتداعياته المتمثلة فى الحرب الإسرائيلية غير الإنسانية على غزة قد غذَت تلك التغيرات، فمصر ساخطة من إسرائيل، ولا تريد تنفيذ حملة عسكرية على رفح، بل تطالب بوقف فورى لإطلاق النار ومراعاة التداعيات الإنسانية لقراراتها العسكرية، ومن ناحية أخرى، استطاعت مصر بالتعاون مع دول إقليمية ودولية إيصال المساعدات جوًا، بعد تعذر وصول الكميات المتناسبة مع حجم الأزمة برًا، من ناحية أخرى لديها قنوات دبلوماسية مع إيران لبحث سبل تهدئة التوترات فى البحر الأحمر، وبين هذا وذاك تستثمر القاهرة فى علاقاتها مع دول الإقليم الأخرى بما يدعم أولوياتها الاقتصادية خاصة
فى فترة تواجه خلالها صعوبات مالية ونقدية، وتحاول انتهاج طريقًا ينهى تلك الأزمة.

لاشك أن تعديل هيكل الاقتصاد والإصلاح الهيكلى من النقاط المهمة فى مسار التعديل والتطوير، وهو ما أكده صندوق النقد الدولى، وعليه فإن تبنى توجهًا واضحًا يدعم الصناعة ويُحسن استغلال الإمكانات المتاحة، سيكون أمرًا فى غاية الأهمية، وهنا نشير إلى أنه لم يعد من غير المقبول انتظار عائد دولارى أقل من المستحق من المصانع المصرية التى تنظمها “اتفاقية الكويز”.

وكانت مصر قد طالبت لأعوام طوال بإبرام اتفاق للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، ونتيجة لرفض الأخيرة، انضمت مصر عام 2004 لاتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة “الكويز” التى صُممت عام 1996 من قبل الكونغرس الأمريكى، لبناء علاقات اقتصادية بين إسرائيل وجيرانها من العرب، من خلال بروتوكول تم توقيعه فى القاهرة يلزم القاهرة بمكون إسرائيلى نسبته 11.7 فى المئة من صادراتها إلى الولايات المتحدة، ثم تم تعديل تلك النسبة لـ10.5%.

وتتضمن أبرز بنود “اتفاقية الكويز” موافقة الجانبين المصرى والإسرائيلى على إنشاء لجنة مشتركة للمناطق الصناعية المؤهلة بإشراف أمريكى، تجتمع بالتبادل فى القدس والقاهرة كل ثلاثة أشهر، ويحق لممثل عن الولايات المتحدة المشاركة فى اجتماعات اللجنة كمراقب، وتصدر هذه اللجنة شهادة تسرى لمدة عام واحد تقر بأن الشركة تقع ضمن المناطق الصناعية المؤهلة، وتزود كل ربع عام سُلطات جمارك الولايات المتحدة بقائمة الشركات التى لها حق
فى الإعفاء من الضرائب.

فى العام التالى من التوقيع أى عام 2005، سجلت صادرات مصر من الاتفاقية 288.6 مليون دولار، وظلت دون المليار الواحد حتى عام 2018، ثم ارتفع الرقم حتى وصل إلى 1.3 مليار عام 2022، ولم تتجاوز بذلك حدود ما رُوّج له من 7 مليارات دولار عند التوقيع، وعلى رغم أن قوائم الشركات المرخص لها بالتصدير فى إطار الاتفاقية، تشير إلى أن مجموع الشركات المستفيدة 1191 شركة مصرية وأجنبية، يعمل معظمها فى قطاع النسيج، لكن عدد الشركات المصدرة فعليًا 183 شركة فقط.

وتواجه بعض الشركات التى دخلت إطار الكويز مشكلات تقيد عملها، فهى لا تملك ما يكفى من الأموال للالتزام باشتراطات شراء المكون الإسرائيلى بنسبة 10.5 فى المئة، ومن ناحية أخرى تواجه التشدد الأمريكى فى القواعد والاشتراطات اللازمة لقبول هذه الصادرات، وعدم قدرة إسرائيل على توفير مدخلات الإنتاج المطلوبة للمكون الإسرائيلى محليًا، والاعتماد على استيراد نحو 70 فى المئة من الخارج، ثم تصديرها إلى مصر مع المبالغة فى الأسعار، ما من شأنه الحد من قدرة الشركات المصرية المصدرة.

وفى 2017، أجرى وزراء مصريين محادثات فى واشنطن لخفض المدخلات الإسرائيلية فى “اتفاقية الكويز” إلى 8% وتوسيع نطاق الاتفاق ليشمل شركات التكنولوجيا، لكن الطلب قوبل بالرفض أيضًا، ثم تجددت المطالبات المصرية قبل هجوم 7 أكتوبر.

بالتالى يبدو إصلاح “اتفاقية الكويز” من خلال دعم المصانع غير القادرة ماليًا، وإتاحة الائتمان والقروض الميسرة، أمر غير وارد، فى وقت تعيش البلاد أزمة نقد أجنبى، كذلك من غير المقبول أن تكون نخبة المصانع المصرية غير قادرة على جلب مليار دولار فقط سنويًا، فى وقت تتعاظم فيه الحاجة لتطوير الصناعة وإصلاح هيكل الاقتصاد وزيادة العائد الدولارى.

وفى سياق آخر، كانت قد أعلنت مصر رفضها مساعى إسرائيل لشن عملية عسكرية فى مدينة رفح جنوبى قطاع غزة، وحذّرت من العواقب الوخيمة لمثل هذا الإجراء، لاسيما فى ظل ما يكتنفه من مخاطر تفاقم الكارثة الإنسانية فى قطاع غزة، ومدينة رفح باتت تأوى ما يقرب من 1.4 مليون فلسطينى نزحوا إليها لكونها آخر المناطق الآمنة بالقطاع، من ناحية أخرى، تعرقل إسرائيل دخول المساعدات عبر معبر رفح وهو ما دعا عدة دول لإسقاط المساعدات جوًا، وأعلنت الولايات المتحدة أنها ستنشئ ميناءً بحريًا مؤقتًا فى غزة للمساعدة فى إدخال المساعدة، ويبدو أن ذلك الإجراء هو رد فعل على مجزرة الطحين التى قامت بها إسرائيل وتجنبت الولايات المتحدة إدانتها.

لذا فإن مصر قادرة على استثمار ورقة “الخروج من الكويز” بأكثر من وجه، فهى غير مفيدة لمصر اقتصاديًا بشكل كبير مقارنة بملف استيراد الغاز الإسرائيلى وتسييله وإعادة تصديره، وعليه قد تستخدم مصر تلك الورقة لتحقيق مكاسب فيما يخص إثناء إسرائيل عن خوض حرب فى رفح، وكذلك إخراج المصانع المصرية بالفعل من قيود الكويز وتوجيهها لإطار عمل آخر أكثر جدوى، مع الأخذ فى الاعتبار أهمية الحفاظ على توازن العلاقات (المصرية – الإسرائيلية) وهو ما يمكن أن يستمر من خلال التعاون فى مجال السياحة أو التكنولوجيا الزراعية لكن بشروط أفضل هذه المرة.

ويبقى أن نشير إلى أنه كانت قد أعلنت مصر والإمارات والأردن عن شراكة صناعية تكاملية، لـ”تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة” فى الدول الثلاث، من أجل تحقيق نقلة نوعية فى القطاع الصناعى ليكون رافعة أساسية للاقتصاد، وأن الشراكة تدور حول 5 مجالات صناعية، تشمل الزراعة والأغذية والأسمدة، والأدوية، والمنسوجات، والمعادن، والبتروكيماويات، وتحدثت الدول الثلاث – وقت إطلاقها عام 2022- عن أن الشراكة تسعى لزيادة إنتاج القمح والذرة
فى الدول الثلاث من 16.5 مليون طن إلى حوالى 30 مليون طن سنويًا، وزيادة إنتاج الأسمدة والأعلاف لمواكبة النمو فى قطاعات الألبان واللحوم والدواجن وتصنيع الأغذية.

إلى جانب إطلاق مشاريع جديدة فى صناعات الأدوية تقدر قيمتها بـ5 مليارات دولار، خاصة فى مجال إنتاج الأدوية البديلة وتصنيع المكونات الفعالة للأدوية، مع تنمية صناعة البتروكيماويات ومساهمتها فى الناتج المحلى فى الأردن والإمارات ومصر مجتمعين بقيمة تقدر بأكثر من 21 مليار دولار، كذلك اعتزام الدول الثلاث تدشين مشروعات فى قطاع المعادن بقيمة 23 مليار دولار من خلال استخدام هذه المواد لتصنيع منتجات ذات قيمة أعلى.

تلك الخطوات قد تكون مفيدة فى عقد اتفاق تجارة حرة للدول الثلاث مع الولايات المتحدة، فمثل هذا الاتفاق سيكفل عائدات ضخمة من الصادرات ومزيدًا من النجاح فى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر فى مسعى من أصحابها لاستغلال اتفاق التجارة الحرة، وهو أمر مفيد للدول الأخرى، إذ يحقق المزيد من أهداف السياسة الخارجية فى الشرق الأوسط.

كلمات مفتاحية