إعداد: عنان عبد الناصر
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
انخرط وزير الخارجية السوداني المُكلَّف في اجتماعات مُكثَّفة مع عددٍ من نظرائه المشاركين في الاجتماع الوزاري لحركة عدم الانحياز، الذي تمَّ عقْدُه في أوغندا، خلال يوميْ (19، 20) يناير 2024، وشملت اللقاءات وزير خارجية تشاد كأول اجتماعٍ بين مسؤولي البلديْن في أعقاب توتُّر العلاقات بينهما، وتنعقد هذه القمة في خِضَمِّ مجموعةٍ من التحديات السياسية والاقتصادية، فضلًا عن تصاعُد التساؤلات حول جدوى وتأثير الحركة في ظل اشتعال العالم بالأزمات.
استعدادات مُكثَّفة داخل أوغندا في إطار استضافة قمة عدم الانحياز
تُعدُّ مجموعة عدم الانحياز بمثابة التكتُّل العالمي الأكبر، من حيث عدد الدول الأعضاء بعد منظمة الأمم المتحدة، وقد تمَّ تأسيسسها في عام 1961م، وتضم 53 دولةً أفريقيةً، و39 دولةً آسيويةً، و26 دولةً من أمريكا اللاتينية، ودولتيْن من أوروبا، وتضم المجموعة أيضًا فلسطين، وهي تتمتع بوضع مراقبٍ في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى ذلك، فهناك ما يقْرُب من 17 دولةً تشارك في أعمال القمة (19) لعدم الانحياز بصفة عضوٍ مراقبٍ، فضلًا عن مشاركة مراقبين من عِدَّة منظمات دولية.
وستكون اجتماعات القمة في العاصمة الأوغندية (كمبالا) بمثابة أهمِّ تجمُّعٍ دوليٍّ تستضيفه أوغندا منذ 2007؛ حيث استضافت اجتماعات رؤساء حكومات دول رابطة الكومنولث، وسوف يتم مناقشة إعلان كمبالا لعام 2024م؛ حيث أشار وزير الخارجية الأوغندي (ديجي أودونج)، أنه سيكون إعلانًا توافقيًّا ومُعبِّرًا عن تطلُّعات شعوب الجنوب النامي، بالإضافة إلى قضايا العالم النامي؛ مثل الأمن الغذائي والبطالة والهجرة والأوبئة الصحية، وتداعيات الصراعات الدولية على دول المجموعة.
تستضيف العاصمة الأوغندية (كمبالا) قمة قادة دول عدم الانحياز في دورتها التاسعة عشر، ومن المقرر أن تتولَّى أوغندا رئاسة حركة عدم الانحياز، خلال الفترة من 2024 – 2027، وقد أشارت مصادر في الخارجية الأوغندية إلى أن اجتماعات حركة عدم الانحياز المرتقبة، ستُركِّزُ على تعزيز بناء عالمٍ يتسم بالتعدُّدية والمصداقية، وتعزيز أوضاع الأمن والسلام العالمي، وتحقيق العدالة والمساواة بين شعوب العالم.
توتُّر العلاقات بين السودان وتشاد
ساءت العلاقات بين أنجمينا والخرطوم؛ نتيجةً لاتهامات أطلقها مساعد القائد العام للجيش السوداني وعضو مجلس السيادة (ياسر العطا)، في 27 من نوفمبر الماضي؛ حيث تمَّ توجيه اتهامات لتشاد، بفتح مطاراتها لنقل دعم إماراتي بالسلاح والذخيرة لصالح قوات الدعم السريع، وقد قُوبِلَتْ هذه الاتهامات بالردِّ من تشاد، بإبعاد أربعةٍ من الدبلوماسيين السودانيين من أراضيها، وفي المقابل، اتخذت حكومة السودان مثل ذلك الإجراء، وأعلنت وزارة الخارجية السودانية، أن اللقاء ناقش عددًا من القضايا ذات الاهتمام المشترك، في ظل التطورات الأخيرة في العلاقات بين البلديْن، وقد تمَّ التركيز بشكلٍ رئيسيٍّ خلال اللقاء على عودة السلام إلى السودان.
الوساطة التشادية لحل النزاع في السودان
تشارك تشاد بنشاطٍ في إيجاد حلٍّ سِلْميٍّ للحرب المستمرة في السودان، بالإضافة إلى ذلك، تلعب تشاد دورًا هامًا كوسيط في محادثات السلام بين مختلف أطراف الصراع، بجانب أنها تعمل بشكلٍ وثيقٍ مع دول جوار السودان؛ من أجل إيجاد حلٍّ توافقيٍّ ودائمٍ للأزمة، وبحثت اللقاءات أيضًا عددًا من الموضوعات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وتمَّ التطرُّق إلى كيفية تطوير العلاقات الثنائية التي تجمع السودان بهذه الدول، وسُبُل ترقيتها أيضًا.
وقدَّمت الخارجية السودانية بيانًا، شرحت من خلاله أهم مستجدات الأوضاع داخل السودان، فضلًا عن الجهود الحثيثة التي تقوم بها الحكومة السودانية؛ لكي تتمكن من استعادة الأمن والاستقرار داخل البلاد، وتمَّ التأكيد على أن إنهاء الحرب يتوقف بشكلٍ كبيرٍ على حثِّ الدول الداعمة للتمرُّد على إيقاف دعمها له عسكريًّا وسياسيًّا.
وكان هناك تأكيدات من قِبَلِ الوزير السوداني، على الالتزام التَّام بمخرجات إعلان جدة، الذي تمَّ التوقيع عليه من قِبَلِ قوات الدعم السريع وقوات الجيش، برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن طرفا القتال يتبادلان الاتهامات بعدم الالتزام ببنوده، بالإضافة إلى ذلك، فقد تمَّ التأكيد على الانفتاح التَّام على كافَّة المبادرات السياسية، التي من شأنها وقْف إطلاق النَّار بشكلٍ دائمٍ، ومن ثمَّ البدْء في عمليةٍ سياسيةٍ تقود إلى تحقيق سلامٍ دائمٍ داخل السودان.
أي مسار سياسي لوقف نزيف الحرب في السودان؟
بعد أن أتمت الحرب شهرها التاسع، وشهدت البلاد أزمة نزوحٍ غير مسبوقة، بالإضافة إلى سقوط الآلاف من الضحايا؛ نتيجة إعلان الدعم السريع تمرُّدها على قوات الجيش، منذ منتصف أبريل الماضي، أشار بعض المحللين السياسيين إلى أن بعض القوى السياسية داخل السودان تُعيد المشاكل الراهنة إلى النظام السابق، دون الالتفات إلى الحاضر، وتُركِّزُ على أن كل حرب داخل السودان تنتهي بصُلْحٍ، ولكن هناك تساؤلًا، هو كيف سيأتي هذا الصلح وعلى حساب من؟
وبالرغم من أن الشعب هو المُتضرِّر الأكبر في هذه الحرب، ولكن لا صوت له فيها، فضلًا عن أن هناك اختفاءً للقوى الشبابية من المشهد، ولكي يتم حل الأزمة التي يشهدها السودان اليوم، لا بُدَّ من تشكيل حوارٍ وطنيٍّ، وليس الاكتفاء بالتفاوض العسكري، بالإضافة إلى ضرورة الإصلاح السياسي، فلا جدوى لأيِّ مسارٍ آخر.
ختامًا:
تمُرُّ السودان بمنعطفٍ خطيرٍ؛ فالأحداث المتسارعة التي شهدتها، تؤكد على دخول السودان في فوضى لن يَسْلَمَ منها أحد، بالإضافة إلى الانعكاسات السلبية على كافَّةِ القطاعات داخل الدولة؛ لذلك فهناك دوْرٌ منتظر من الحركة، بأن تقوم بدوْرٍ إيجابيٍّ لحل بعض الأزمات التي تشهدها دول الحركة، فضلًا عن إحداث فرقٍ ملحوظٍ في حلِّ القضايا العالقة، ذات الأولويات التي تُهدِّدُ السِّلْمَ والأمْنَ الدولييْن، وذلك بما تمتلكه من موارد وإمكانيات.