عملية «طوفان الأقصى»: نقلة نوعية فى المقاومة الفلسطينية

إعداد: أحمد محمد فهمى

باحث متخصص فى الدراسات التركية والإقليمية

شنت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، عبر جناحها المسلح كتائب عز الدين القسام، فى وقت مبكر من صباح السابع من أكتوبر عملية مزدوجة ضد الاحتلال الإسرائيلى، تضمنت إطلاق قذائف صاروخية نحو الداخل الإسرائيلى، وأيضًا تسلل عناصر من الحركة إلى داخل الأراضى المحتلة. ونتيجة لتلك التطورات الميدانية، سيطرت عناصر المقاومة على عدد من مستوطنات غلاف غزة وسُجِّلت أعداد كبيرة من القتلى فى صفوف الإسرائيليين.

فى السياق، أعلن محمد الضيف “أبو خالد”، قائد هيئة الأركان فى كتائب القسام، فى تسجيل صوتى بدء ما أُطلِق عليه عملية “طوفان الأقصى” ردًا على جرائم الاحتلال الإسرائيلى، مشيرًا إلى أن الضربة الأولى فى هذه العملية استهدفت مواقع العدو ومطاراته وتحصيناته العسكرية بأكثر من خمسة آلاف صاروخ وقذيفة، مؤكدًا أن الهدف من العملية هو وضع حد لجرائم الاحتلال، مشددًا على أن التنسيق الأمنى وأجهزة الاحتلال قد انتهت، كما دعا الفلسطينيين فى الداخل وكافة حركات المقاومة والدول العربية والإسلامية إلى شن حرب شاملة ضد الاحتلال فى جميع مناطق فلسطين.

وفيما خرجت معظم ردود الأفعال الدولية معبرة عن الدعم الكامل لإسرائيل، خرجت بيانات الدول العربية وأبرزها البيان الصادر عن وزارة الخارجية المصرية بشكل واقعى ليعبر عن واقع الأزمة وخلفياتها، وأنه نتيجة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية واعتداءاته المستمرة، وحذر البيان من مخاطر وخيمة للتصعيد الجارى بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، فى أعقاب سلسلة من الاعتداءات ضد المدن الفلسطينية، كما دعا البيان الأطراف الفاعلة دوليًا، والمنخرطة فى دعم جهود استئناف عملية السلام، إلى التدخل الفورى لوقف التصعيد الجارى، وحث إسرائيل على وقف الاعتداءات والأعمال الاستفزازية ضد الشعب الفلسطينى، والالتزام بقواعد القانون الدولى الإنسانى فيما يتعلق بمسؤوليات الدولة القائمة بالاحتلال.

أولًا: تطورات الأوضاع

بدأت عملية “طوفان الأقصى” بإطلاق حركة حماس مئات الصواريخ فى عدة اتجاهات فى مدن فلسطين المحتلة والمستوطنات الإسرائيلية فى غلاف قطاع غزة، ونتيجة لذلك تم إطلاق صفارات الإنذار فى مدن تل أبيب وهرتسيليا وعسقلان وغيرها. فى المقابل، أشارت عدة وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن تلك الرشقات الصاروخية التى انطلقت من قطاع غزة مختلفة عن جولات التصعيد السابقة، وأن تل أبيب تعرضت لصواريخ ثقيلة وبعيدة المدى، مما أدى إلى فتح الملاجئ نتيجة سقوط الصواريخ.

فى الوقت نفسه، دخلت عناصر من المقاومة الفلسطينية مستوطنات غلاف قطاع غزة وشنوا اشتباكات مع قوات الاحتلال فى عدة نقاط على حدود القطاع، وتم بث مقاطع فيديو عبر وسائل إعلام متعددة ومنصات التواصل الاجتماعى تظهر تواجد عناصر المقاومة داخل عدة مستوطنات إسرائيلية، بما فى ذلك مستوطنة سديروت شرق قطاع غزة، حيث تمت السيطرة على مقر الشرطة فيها.

كما أعلنت المقاومة الفلسطينية أيضًا سيطرتها على شوارع ومنازل المستوطنين شرق قطاع غزة، وتم بث مشاهد تظهر عددًا كبيرًا من القتلى فى صفوف المستوطنين وجنود قوات جيش الاحتلال الإسرائيلى، كما تم توثيق خطف كتائب القسام لجثث جنود إسرائيليين وسحبهم إلى داخل قطاع غزة، بالإضافة إلى اغتنام عدة مركبات عسكرية وإدخالها أيضًا إلى قطاع غزة.

ثانيًا: دوافع المقاومة الفلسطينية

فى ضوء إعلان قائد كتائب القسام، محمد الضيف، عن عملية “طوفان الأقصى”، وأنها جاءت نظرًا لاستمرار الاحتلال الإسرائيلى فى ارتكاب جرائمه ضد الشعب الفلسطينى، وكذلك بعد تحذيرات الحركة لقادة الاحتلال من استمرار هذه السياسات، فإن هناك عددًا من الدوافع التى دفعت المقاومة لشن تلك العملية والتى يمكن توضيح أبرزها كالتالى:

1- اقتحامات القدس والمسجد الأقصى: زيادة اقتحامات قوات الاحتلال لباحات الحرم، واعتدائها على المرابطين والمرابطات بالضرب والسحل مرارًا وتكرارًا، بجانب منع الأهالى من الوصول إلى المسجد الأقصى وأداء الصلاة فيه، فى المقابل يتم إفساح المجال للجماعات اليهودية لتدنيس المسجد الأقصى بالاقتحامات اليومية وأداء الطقوس والصلوات التلمودية والنفخ بالبوق، مع عدم إخفاء نواياهم بإقامة الهيكل المزعوم من خلال الممارسات الهادفة إلى هدم الأقصى وإقامة الهيكل عليه. بالإضافة إلى ذلك، يستمر الاحتلال فى مهاجمة الأهالى فى أحياء القدس والاستيلاء على بيوتهم وعقاراتهم.

2- تحريك ملف الأسرى: وفى الوقت نفسه، لا تزال سلطات الاحتلال تحتجز الآلاف من الأسرى، وتمارس ضدهم أبشع أساليب القهر والتعذيب والإذلال، وقد قضى المئات منهم عشرين عامًا وأكثر فى السجون. بالإضافة إلى ذلك، يُعانى العشرات من الأسرى والأسيرات من ظروف صحية صعبة، مما أدى إلى وفاة الكثير منهم نتيجة للإهمال الطبى والقتل البطيء المتعمد، وعلى الرغم من دعوات حركة حماس للقيام بصفقة تبادل إنسانى، إلا أنها تلقت الرد بالرفض والتعنت.

3- اقتحامات مدن الضفة الغربية: استمرار قيام سلطات قوات الاحتلال بشكل متكرر اقتحام المدن والقرى والبلدات على امتداد الضفة الغربية، مع قيامها بمداهمة المنازل والقيام بعمليات قتل وإصابة واعتقال لسكانها، وقد تم تسجيل المئات من الشهداء والجرحى جراء تلك الاقتحامات لهذا العام.

4- مصادرة الأراضى: وفى الوقت نفسه، لا تزال سلطات الاحتلال تقوم بمصادرة الآلاف من الدونمات وطرد الأهالى من بيوتهم وأراضيهم بهدف بناء المزيد من المستوطنات، مع حماية المستوطنين.

5- استمرار حصار قطاع غزة: استمرار جريمة الاحتلال الإسرائيلى بفرض حصاره على قطاع غزة.

ثالثًا: ردود الفعل الإسرائيلية

جاء رد الفعل الإسرائيلى باعترافه بأن مقاتلى حركة حماس يسيطرون على عدة مستوطنات، وأن هناك تغلغلًا داخل الأراضى الإسرائيلية فى عدد من المواقع المختلفة، كما تم أيضًا إطلاق آلاف القذائف والصواريخ نحو إسرائيل، بالإضافة إلى عمليات تسلل لبعض المناطق والبلدات. وفى ضوء ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلى – فى بيان له – عن بدء عملية “السيوف الحديدية” بشن غارات فى عدة مناطق على أهداف تابعة لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” فى قطاع غزة، كما جاء فى البيان أنه يتم التعبئة فى صفوف قوات الجيش واستدعاء جنود الاحتياط، فى ضوء موافقة وزير الدفاع الإسرائيلى على “تجنيد واسع” لقوات الاحتياط، كما أشارت إلى إعلان حالة الطوارئ فى نطاق 80 كيلومترا من قطاع غزة.

وفى ضوء تلك التطورات، أكدت وسائل إعلام إسرائيلية إصابة قائد المنطقة الجنوبية أمير كوهين برصاص المقاومين خلال الاشتباكات المسلحة فى سديروت، كما أعلنت السلطات إغلاق مطار اللد وإيقاف الرحلات حتى إشعار آخر، بالإضافة إلى أنه سيتم عقد اجتماع للمجلس الوزارى المصغّر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) لبحث التطورات والمستجدات الأخيرة.

فى هذه الأثناء، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، فى أول رد فعل رسمى عبر رسالة فيديو، بأن حماس شنت هجومًا قاتلًا مفاجئًا على إسرائيل ومواطنيها، وأنه قد أصدر تعليمات بأهمية تطهير الأماكن التى تسللت إليها، واستدعاء قوات الاحتياط للرد، مؤكدًا أن إسرائيل أصبحت فى حالة حرب وستخرج منها منتصرة.

كما أشار الرئيس الإسرائيلى، إسحاق هرتسوغ، إلى أن إسرائيل تمر بأوقات صعبة، داعيًا الجميع إلى الانصياع لتعليمات الجيش والحفاظ على الهدوء، وبدوره أكد وزير الأمن الإسرائيلى، يوآف غالانت، أن حركة حماس ارتكبت خطأً جسيمًا وأنها قد بدأت حربًا ضد إسرائيل، متوعدًا بالرد بقوة.

رابعًا: نقلة نوعية فى المقاومة الفلسطينية

جاءت عملية “طوفان الأقصى” مفاجأة مدوية لإسرائيل وشكلت ضربة قوية للتحصينات العسكرية على الحدود مع قطاع غزة، وأيضًا للقدرات الأمنية لأجهزتها الاستخباراتية، فرغم تأكيدها على سيطرتها الأمنية المطلقة على قطاع غزة وقدرتها على اكتشاف ومنع عمليات المقاومة، إلا أنها فشلت بشكل واضح فى الكشف عن الاستعدادات والتحركات التى أدت إلى نجاح الضربة الأولى لهذه العملية، كما خططت لها كتائب القسام.

كما أنه ولأول مرة، نشهد سيطرة المقاومة الفلسطينية ليس فقط على نقاط مراقبة للحدود الفاصلة بين القطاع والأراضى المحتلة، بل على مستوطنات ومواقع عسكرية، وكذلك اغتنام آليات عسكرية وأسر العديد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلى، إلى جانب سقوط قتلى ومصابين بأعداد كبيرة فى صفوف الإسرائيليين، وكل تلك الأحداث فى مجملها تمثل نقلة نوعية كبيرة فى استراتيجية المقاومة الفلسطينية، حيث انتقلت من حالة الدفاع إلى الهجوم داخل الأراضى المحتلة.

كما كشفت العملية أيضًا عن تطور كبير فى القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، فقد تمت عمليات التسلل لعناصر المقاومة الفلسطينية عبر البر والبحر والجو وربما تم استخدام الأنفاق أيضًا، وهذا يعنى أن المعركة الحالية تشهد تغييرًا إستراتيجيًا فى الصراع (الفلسطينى – الإسرائيلى)، كما أننا شهدنا لأول مرة تدمير دبابة ميركافا، وهى فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية، بواسطة قذيفة أُطلقت من مسيرة فلسطينية، وتم أيضًا استخدام المقاومة للمظلات لأول مرة وتنفيذ إنزال جوى داخل المستوطنات الإسرائيلية.

وبينما هناك تأكيدات بأن رد الفعل العسكرى الإسرائيلى على عملية “طوفان الأقصى” سيكون قاسيًا وقويًا، إلا أنه فى ظل دعوة قائد كتائب القسام لكافة حركات ودول محور المقاومة للمشاركة فى عمليات المقاومة، فإن هناك تخمينات قوية حول احتمالية انضمام حزب الله اللبنانى فى المعركة، وهذا ما سيجبر إسرائيل على النظر فى خياراتها الإستراتيجية بعناية نتيجة للانعكاسات العميقة لعملية “طوفان الأقصى”.

ختامًا

تمثل عملية “طوفان الأقصى” نقلة نوعية فى التوازن العسكرى والإستراتيجى بين الفلسطينيين وإسرائيل، حيث تجاوزت المقاومة الفلسطينية حدود الدفاع عن نفسها وباتت قوة هجومية، وقد كشفت تلك الأحداث عن ضعف فى القدرات الأمنية والاستخباراتية لإسرائيل وعن تحسن كبير فى تكتيكات وإستراتيجيات المقاومة الفلسطينية.

وبينما يترقب العالم مستجدات الأوضاع فى الشرق الأوسط بحذر، يبقى السؤال حول كيف ستتفاعل إسرائيل مع تلك الأزمة وكيف ستعيد تقييم إستراتيجيتها فى ظل هذه التغيرات الجذرية، فقد تكون عملية “طوفان الأقصى” نقطة تحول فى الصراع (الفلسطينى – الإسرائيلى)، والتى قد تؤثر على مستقبل المنطقة بشكل كبير.

وبغض النظر عن تطورات الأحداث، يبقى السعى لتحقيق السلام فى منطقة الشرق الأوسط والبحث عن حلول جذرية للملف الفلسطينى هدفًا يجب السعى إليه، ويبقى ضرورة ملحة لضمان الاستقرار والأمان فى المنطقة.

كلمات مفتاحية