إعداد: أحمد محمد فهمي
التقى الرئيس عبد الفتاح السيسى، نظيره التركى رجب طيب أردوغان فى أول قمة بينهما خلال فعاليات قمة العشرين التى أُقيمت فى الهند، وجاء هذا اللقاء فى سياق جديد للتواصل بين البلدين بعد تصاعد تكهنات وتحليلات محتملة حول احتمالية فشل استئناف ملف التصالح بينهما.
والسبب فى ذلك يرجع إلى ما أثارته تقارير إعلامية تركية، حيث أشارت إلى زيارة محتملة للرئيس السيسى لأنقرة فى 27 يوليو الماضى، وكذلك التصريحات التى أدلى بها السفير التركى لدى القاهرة، “صالح موتلو شن”، بعد قرار البلدين برفع العلاقات الدبلوماسية بينهما، حيث أشار إلى اقتراب عقد لقاء قمة بين الرئيسين سواء فى القاهرة أو أنقرة، ولكن وعلى الرغم من التطورات الإيجابية فى العلاقات المصرية التركية، إلا أن هذا اللقاء لم يحدث حتى الآن فى أى عاصمة للدولتين.
وفيما يتعلق بتلك التكهنات التى أشارت إلى وجود عقبات تعيق عقد لقاء بين الرئيسين، كانت إحدى تلك العقبات تشير لعدم وجود توافق وتطابق فى وجهات النظر حول القضية الليبية، واستندت هذه التكهنات إلى بيان وزارة الخارجية المصرية الصادر فى 28 يوليو – والذى تزامن مع موعد الزيارة المقررة وفقًا لتقارير وسائل الإعلام التركية – وجاء فى بيان الخارجية، أنه فى إطار متابعة تطورات الإعداد للاستحقاقات الانتخابية فى ليبيا وجهود المؤسسات الليبية ذات الصلة، والتفاعلات الدولية المرتبطة بهذا السياق، فإن مصر تؤكد دعمها الكامل لمسار الحل الليبى الذى يتبناه الليبيون أنفسهم، وأكد البيان أهمية احترام دور المؤسسات الليبية عند تنفيذ مهامها دون تدخلات خارجية، كما دعت جميع الأطراف الدولية إلى الالتزام بتلك الأسس والمحددات الأساسية، وذلك لتجنب تعقيد الأوضاع وللمحافظة على استقرار ليبيا وسيادتها وتحقيق تطلعات الشعب الليبى الشقيق، بالتالى استُنبط من البيان أنه موجه إلى تركيا وسياستها تجاه ليبيا، وإلى استمرار الخلاف بين البلدين حول القضية الليبية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من عدم تحقيق الخطوة التالية بعد رفع العلاقات الدبلوماسية، وهى عقد لقاء قمة بين زعيمى البلدين فى القاهرة أو أنقرة، إلا أن هناك تطورات ومستجدات تشير إلى أن العلاقات بين البلدين آخذة فى التطور فى مجالات عديدة، خاصة بعد لقاء الرئيسين فى نيودلهى، بالإضافة إلى التصريحات التى أدلى بها الرئيس أردوغان عقب عودته من الهند.
ومن هنا يسلط هذا التقرير الضوء على التطورات والمستجدات الأخيرة فى العلاقات بين مصر وتركيا، وكيف تشهد هذه العلاقات مرحلة جديدة من التواصل بين البلدين؟.
تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية
هناك العديد من المؤشرات على تطور العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا، أبرزها نتائج زيارة وزير التجارة والصناعة أحمد سمير إلى العاصمة التركية أنقرة ولقائه نظيره التركى “عمر بولات”، والتى تعد الأولى لوزير تجارة مصرى إلى تركيا منذ عقد من الزمن، وعُقد خلال الزيارة اجتماع موسع بين الوزيرين بحضور ممثلى مجتمع الأعمال من البلدين لنقل وجهات نظرهم وتقييماتهم حول تطور العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر وتركيا، وقد جاءت هذه الزيارة كخطوة تشهد على تعزيز التعاون الاقتصادى بين البلدين والتفاهم بين الوزيرين حول عدد من النقاط، ومنها:
- الاتفاق على خارطة طريق لتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، وذلك من خلال استهداف النهوض بحجم التجارة الثنائية من 10 مليارات دولار حاليًا إلى 15 مليار دولار فى غضون 5 سنوات.
- الاتفاق على عقد اجتماع اللجنة المشتركة فى المستقبل القريب لتوسيع تغطية اتفاقية التجارة الحرة القائمة بين البلدين.
- الاتفاق على إقامة تعاون مشترك وطيد لتوفير التسهيلات اللازمة للمستثمرين بهدف زيادة الاستثمارات المتبادلة.
- الاتفاق على تكثيف تنظيم فعاليات مشتركة من خلال المنظمات التى تجمع دوائر الأعمال من البلدين، بجانب تشجيع الشركات على المشاركة فى منتديات الأعمال والمعارض المنظمة من قبل الجانبين.
- بحث إمكانية استخدام العملات المحلية فى التجارة الثنائية فى الفترة المقبلة، كما اتفقا على عقد اجتماع فى إطار آلية المشاورات التجارية رفيعة المستوى خلال زيارة الوزير التركى “عمر بولات”، إلى القاهرة فى الفترة المقبلة بدعوة من نظيره المصرى.
منحنى إيجابى للعلاقات العسكرية
فى إشارة إلى تعزيز التواصل والتقارب بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات العسكرية، أشار السفير التركى صالح موتلو شن – عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى “فيسبوك” – إلى أنه خلال احتفالات السفارة التركية فى القاهرة بالذكرى الـ 101 لعيد النصر والجيش الوطنى التركى فى 30 أغسطس الماضى، والتى عقدت فى مقر السفارة التركية، شارك وفد عسكرى مصرى رفيع المستوى فى الاحتفالية، وتضمن الوفد مساعد وزير الدفاع ومساعد رئيس الأركان العامة.
كذلك التقى السفير التركى، وزير الإنتاج الحربى فى مقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة، وأشار إلى أنه خلال الاجتماع ناقش مشاركة الشركات التركية فى معرض الدفاع EDEX-2023 المقرر عقده بالقاهرة خلال شهر ديسمبر من العام الجارى، كما شهد اللقاء بحث سبل فتح آفاق للتعاون المشترك بين شركات الإنتاج الحربى ومثيلاتها من الشركات التركية فى مختلف مجالات التصنيع.
من جانبه، أوضح وزير الإنتاج الحربى، فى بيان رسمى، أنه من الضرورى دعم العلاقات الصناعية مما سيعزز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، مؤكدًا أن وزارة الإنتاج الحربى على استعداد لإنشاء خطوط إنتاج جديدة بالتعاون مع الجانب التركى، بما سيفتح آفاقًا ومجالات أكثر رحابةً للدخول إلى الأسواق العربية والإفريقية، وأضاف أن سياسة العمل بوزارة الإنتاج الحربى تقوم على الانفتاح للتعاون مع كافة الشركات العالمية العاملة فى مختلف المجالات.
تبرز هذه اللقاءات بشكل واضح التقارب وزيادة التواصل بين البلدين، وتسليط الضوء بشكل خاص على العلاقات العسكرية، كما عكست هذه اللقاءات التزام البلدين بتوسيع وتعزيز التعاون العسكرى وكذلك الصناعات العسكرية بينهما، بما يعزز الروابط الاقتصادية والإستراتيجية بين مصر وتركيا.
قمة الرئيسين فى نيودلهى
جاء لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى بنظيره التركى رجب طيب أردوغان على هامش القمة الثامنة عشر لزعماء مجموعة العشرين فى العاصمة الهندية نيودلهى، ليُظهر تحسنًا واستئنافًا للعلاقات الثنائية بين مصر وتركيا بعد سنوات من التوتر والخلاف، وعكس اللقاء تطور الجهود التى بذلها البلدان خلال الشهور الأخيرة لتعزيز التفاهم والتعاون المشترك فى مجموعة متنوعة من المجالات، كما يُظهر استمرار جهود التقريب وتوحيد وجهات النظر فى الملفات الخلافية بينهما، وعلى الرغم من أن هذا اللقاء هو الثانى بين الرئيسين، بعد «المصافحة» بينهما فى الدوحة العام الماضى خلال افتتاح المونديال، إلا أنه يعتبر أول اجتماع رفيع المستوى بمشاركة الرئيسين ووفديهما منذ إعادة تبادل السفراء فى يوليو الماضى.
وأكد الرئيسان – خلال اللقاء – أهمية العمل من أجل دفع مسار العلاقات بين البلدين والبناء على التقدم الملموس فى سبيل استئناف مختلف آليات التعاون الثنائى، كما أعربا عن حرصهما على تعزيز التعاون الإقليمى كجزء من إستراتيجيتهما الخارجية، وذلك فى إطار احترام متبادل ومصلحة مشتركة ونوايا صادقة، بهدف المساهمة فى صون الأمن والاستقرار فى منطقة شرق المتوسط، كما ناقش اللقاء تطورات الأوضاع الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، بالإضافة إلى سبل تكثيف التشاور والتنسيق بين البلدين لتعزيز مختلف جوانب العلاقات الثنائية.
ويُشير هذا اللقاء إلى أهمية تعزيز وتطوير العلاقات بين مصر وتركيا فى مجموعة متنوعة من المجالات، بما يتضمن تعزيز الاحترام المتبادل وتحقيق المصلحة المشتركة من خلال التعاون الإقليمى وتحقيق الاستقرار فى منطقة شرق المتوسط، كما أظهر اللقاء النية الصادقة للتعاون وتطوير العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا، مما يُسهم فى إعادة بناء الثقة بينهما بعد فترة من التوتر والتصاعد فى الخلافات.
وخلال اللقاء، أشار الرئيس أردوغان إلى دخول العلاقات (التركية – المصرية) مرحلة جديدة عقب تبادل السفراء، معربًا عن إيمانه بأن العلاقات الثنائية ستصل إلى المستوى المنشود فى أقرب وقت، كما ثمّن أيضًا دعم الإدارة المصرية لشركات ومستثمرى بلاده، مؤكدًا أنهم يولون أهمية كبيرة لإحياء التعاون بين أنقرة والقاهرة فى مجالات الغاز الطبيعى المسال، والطاقة النووية، والثقافة والتعليم.
ويعكس هذا التصريح التقدم الملموس فى العلاقات بين تركيا ومصر، واستعدادهما للتخلص من الخلافات السابقة وتحسين العلاقات الثنائية، كما يعكس أيضًا تطرق الرئيس أردوغان بأن هناك اهتمامًا مشتركًا فى تعزيز التعاون بين البلدين فى مجموعة متنوعة من المجالات، إلى رغبة تركيا ومصر فى تعزيز التعاون الاقتصادى والسياسى والثقافى بينهما وتحقيق المصالح المشتركة.
تصريحات الرئيس أردوغان
خلال عودته من قمة العشرين، أكد الرئيس التركى أردوغان أن عودة العلاقات بين بلاده ومصر إلى سابق عهدها سيكون لها تأثير إيجابى على المشاكل الإقليمية، وبخاصة فيما يتعلق بالملف السورى، وأضاف أن بلاده تعمل على تعزيز حجم التجارة مع مصر وإحياء مجلس التعاون الإستراتيجى بينهما.
وبالنسبة للقائه الرئيس السيسى على هامش قمة العشرين، أوضح أنه تمت دعوته أولًا لزيارة القاهرة، ولكنه أعرب عن رغبته فى استضافة الرئيس المصرى فى تركيا، موضحًا أنه سيتم تنسيق تفاصيل الزيارة بواسطة الوزراء المختصين ورؤساء الاستخبارات، وسيتم اتخاذ الخطوات الضرورية وفقًا لذلك، وأشار أيضًا إلى أنه أبلغ الرئيس السيسى بأنه سيوافق على أوراق اعتماد السفير المصرى المعيّن فى تركيا، وأكد أن هناك رغبة مشتركة فى تعزيز العلاقات بين البلدين إلى المستوى الذى يليق بهما فى أقرب وقت ممكن، نظرًا للإمكانيات الكبيرة التى يتمتع بها كلا البلدين فى الجوانب الاقتصادية والتجارية.
وفى تصريح آخر حول العلاقات مع مصر، أكد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان – فى كلمة ألقاها خلال مشاركته فى أعمال الدورة الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة – أن العلاقات بين البلدين قد دخلت مرحلة جديدة بدأت بالتحسن فى جميع المجالات، والتى كانت راكدة منذ فترة، وشدد على عزمه فى تعزيز التعاون مع القاهرة على أساس المصالح المتبادلة فى هذه الفترة الجديدة، كما حملت تلك التصريحات العديد من الدلالات، أبرزها:
- هناك رغبة تركية فى مشاركة مصر فى حل القضايا الإقليمية الملحة، نظرًا لأهمية تلك القضايا بالنسبة لتركيا، مثل الأزمة السورية، والتى تشكل تحديًا أمام توجهات وسياسة الحكومة التركية نحو إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بالتنسيق والتوافق مع حكومة دمشق.
- هناك تركيز بشكل كبير على تعزيز التعاون الاقتصادى بين البلدين، وهذا ما يتضح من التعهد الذى تعهد به الرئيس أردوغان بشأن مضاعفة حجم التجارة بين تركيا ومصر.
- المسعى التركى فى إحياء مجلس التعاون الإستراتيجى على أعلى مستوى يشير إلى رغبتها فى إعادة فتح قنوات الاتصال والحوار الثنائى.
- هناك تنسيق مشترك بين مسؤولى البلدين لعقد القمة المنتظرة بين الرئيسين سواء فى القاهرة أو أنقرة.
وإجمالًا:
اللقاء الذى عُقد بين الرئيسين فى نيودلهى يُعتبر خطوة تشير إلى أن العلاقات تسير فى الاتجاه الصحيح، ولكن تبرز أهمية عقد لقاء قمة بين الرئيسين، سواء فى القاهرة أو أنقرة، بأنه يعكس تقدمًا كبيرًا فى التوافقات وتطابق وجهات النظر حول القضايا والملفات الشائكة بين البلدين، مثل الملف الليبى وملف شرق المتوسط، ومن المؤكد أن هناك ترقبًا كبيرًا لهذه الزيارة، حيث يُتَوقع أن تكون مؤشرًا قويًا على تعزيز العلاقات بينهما.
أيضًا، هناك عدد من المؤشرات التى تشير إلى تحسن العلاقات بين البلدين، منها تعزيز مستوى التبادل التجارى بينهما إلى 15 مليار دولار، مما يعكس التزامهما بتوسيع وتعزيز العلاقات الاقتصادية وتعزيز التجارة المشتركة.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك رغبة مشتركة فى فتح خطوط إنتاج جديدة بين مصانع وزارة الإنتاج الحربى بالتعاون مع الجانب التركى، وكذلك رغبة الشركات التركية فى المشاركة بمعرض الدفاع EDEX-2023، ويعكس كل ذلك بجانب العديد من المؤشرات الأخرى، التصاعد فى التعاون المشترك بين البلدين والرغبة فى فتح فصل جديد من التعاون فى مجموعة متنوعة من المجالات، وهذا يؤكد أن العلاقات (المصرية – التركية) تسير فى الاتجاه الصحيح، وهى فى انتظار القمة المرتقبة بين الزعيمين.
ويجب الإشارة إلى أن تركيا تستعد للاحتفال بمرور مائة عام على إقامة الجمهورية، والتحركات التركية الأخيرة خاصة بعد انتهاء الانتخابات العامة الماضية تعكس رغبتها فى الدخول إلى القرن الثانى للجمهورية بسياسات جديدة والتخلص من القيود التى كانت تحجبها وتعزلها عن محيطها الإقليمى، وذلك خاصة وأنها أصبحت تدرك أن الأزمات السياسية والاقتصادية التى تعانى منها، بات من الصعب حلها دون حل مشاكل سياستها الخارجية والتى أدخلتها إلى أزمات أثرت بشكل بالغ على وضعها الداخلى.