عودة صارمة… هجمات دموية لتنظيم داعش فى سوريا

إعداد: جميلة حسين 

فى إطار تكثيف تنظيم داعش لوتيرة عملياته فى الفترة الأخيرة استطاع استهداف حافلة مبيت لعسكريين سوريين فى بادية الميادين في ريف دير الزور الشرقى فى ليل الخميس الموافق 10 أغسطس الجارى، الأمر الذى أسفر عن سقوط 33 شخص وإصابة أكثر من 10 آخرين بجروح متفاوتة فيما لا يزال مصير العشرات من الجنود مجهولاً. وقد أعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم خاصة مع تواجده فى البادية السورية التى تنشتر فيها خلاياه ويشن هجمات من حين لآخر تستهدف المواطنين السوريين والجيش السورى، لتبلغ عدد العمليات أكثر من 100 عملية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية منذ مطلع هذا العام، والتى أدت إلى سقوط حوالى 412 قتيل وذلك وفقا لبيانات المرصد السورى لحقوق الإنسان.

دوافع متنوعة

إكساب الشرعية للزعيم الجديد:

تأتى تلك الهجمات الأخيرة بعد اختيار الزعيم الجديد (أبو حفص الهاشمي القرشي) الذى تسلم إمارة التنظيم فى مطلع هذا الشهر الجارى خلفاً ل(أبي الحسين الحسيني القرشي) الذى تم قتله فى اشتباكات في شمال غرب سوريا وتوالى الضربات الأمنية ضد قيادات التنظيم، وذلك من أجل إضافة انتصارات وتحقيق مكاسب فى ظل القيادة الجديدة لإثبات سيطرة وتواجد التنظيم بقوة.

تصعيد العمليات العسكرية:

يعتبر هذا الهجوم الثالث منذ بداية هذا الشهر ضد قوات النظام السورى وقد سبقه هجوم شنته ببلدة معدان عتيق بريف محافظة الرقة الشرقي حيث استهدف عناصر التنظيم حواجز عسكرية أسفر عن مقتل 10 من عناصر الجيش السوري، فضلاً عن العملية التى أطلقها التنظيم على قافلة تضم صهاريج نفط في ريف حماة الشرقي واسفرت عن سقوط 7 أشخاص أخرون.

إظهار القدرات التكتيكية للتنظيم:

يحاول التنظيم من خلال هجماته الأخيرة الاشارة إلى مدى قدرته على شن هجمات واستهداف مواقع متفرقة خاصة فى شرق وشمال شرق سوريا بالرغم من الضربات التى يتلقاها التنظيم مستهدفة قاداته ومواقعه، وجاء توجيه ضربات التنظيم لقوات النظام السورى فى إطار إثبات قدرته وقوته على مواجهة الجيش وليس ميليشيات أخرى. ومن ناحية أخرى تشير بعض المعلومات أن العديد من عناصر التنظيم من الجيل الثانى والثالث بدأوا فى التشكيل والتكون مرة أخرة والعودة بقوة لإعادة زخم التنظيم.

التصعيد الأمريكى ضد السيادة السورية:

اتهم الإعلام الرسمى السورى الولايات المتحدة الأمركيية بالوقوف وراء العمليات الإرهابية الأخيرة التى شهدتها البلاد نتيجة لدعمها للتنظيمات الإرهابية وفى مقدمتها تنظيم داعش وتوظيفها لهم فى إطار تنفيذ مخططاتها، خاصة مع انتشار القوات الأمريكية فى مناطق انتشار خلايا التنظيم حيث تتواجد قواعدها فى دير الزور والرقة شمال شرق سوريا. فالقيادة الأمريكية تبرر وجودها فى سوريا بهدف محاربة الإرهاب ودعم قوات سوريا الديمقراطية، وواقع الأمر أن الإرهاب هى ورقة الضغط التى تحافط بها أمريكا على وجودها داخل سوريا ويطيل زعزعة أمنها واستقرارها. وقد لفت الإعلام السورى النظر إلى أن تلك العملية الأخيرة تعيد الأذهان إلى الاعتداء الذى نفذته قوات الاحتلال الأمريكي في سبتمبر عام 2016 على مواقع الجيش السوري في جبل الثردة بريف دير الزور لتمكين تنظيم داعش الإرهابي من السيطرة على ذلك الموقع.

المتغيرات والتقلبات الدولية:

مع الانشغال الدولى بالحرب الروسية الأوكرانية والما أحدثتها من متغيرات وفجوات خاصة فيما يتعلق بالأمن الغذائى والطاقة وأدت إلى تراخى المجتمع الدولى عن مواجهة التنظيم المتطرف مع عدم وضوح نهاية محتملة لتلك الحرب، من ناحية أخرى تأثر تدخل روسيا فى سوريا ومكافحتها للإرهاب بتلك الأزمة الطاحنة مع أوكرانيا على الرغم من نفى الأولى للأمر إلا أن النتائج الفعلية تشير عكس ذلك.

عودة سوريا للحضن العربى:

مع عودة دمشق إلى الجامعة العربية بعد غياب دام أحدى عشر عاماً، وتفكك عزلة النظام السورى وتطبيع العلاقات العربية السورية الأمر الذى انعكس بالسلب على دور التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب بقيادة واشنطن والذي يضم العديد من القوى الغربية الرافضة بدورها لعودة العلاقات السورية العربية إلى طبيعتها، مما سمح للتنظيمات الإرهابية وفى مقدمتها داعش العودة من جديد وتنامى أنشطتها الإرهابية.

انعكاسات الهجوم

الإدانات الدولية للهجوم الدموى:

أدانت روسيا ذلك العمل الإرهابى وأعلنت فى بيان رسمى لها نشر عبر موقعها الإلكتروني الأتى “ندين بشدة هذا العمل الإرهابي، ونتقدم بخالص تعازينا لأسر الضحايا ونتمنى الشفاء العاجل للمصابين، ونعرب عن تضامننا مع سورية حكومة وشعباً في كفاحهم ضد الإرهاب”، وقد حملت الولايات المتحدة الأمريكية وتنظيماتها الإرهابية التي ترعاها ومن بينها داعش مسؤولية هذه العملية، كما أكدت أن الوجود الأمريكي العسكري غير الشرعي في سوريا هو أحد العوامل الأساسية المزعزعة للاستقرار في المنطقة وأن استمرار ضغط العقوبات على سوريا يؤدي إلى مزيد من التدهور في الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وتطور النفوذ المتطرف والإرهابى في المنطقة.

على صعيد أخر أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية (ناصر كنعاني) الهجوم الإرهابي بشدة من خلال بيان نُشر على الموقع الإلكتروني للوزارة عبر فيه عن تعاطف إيران مع سوريا حكومة وشعبا وجيشا، كما رجح ارتفاع العمليات الإرهابية في سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية إلى استمرار الدعم الأجنبي للجماعات الإرهابية بهدف منع تحقيق الاستقرار والأمن بشكل كامل في سوريا.

استهدافات نوعية لخلايا التنظيم:

بالتعاون مع الطيران الروسى الاستطلاعي والحربي قامت قوات النظام السورى بإطلاق هجمات أمنية ضد معاقل التنظيم فى البادية من الميادين حتى البوكمال وصولاً إلى أطراف تدمر، وواقع الأمر أن البادية السورية مساحتها كبيرة حيث تشكل ثلث مساحة الأراضي السورية، مما يسهل تحركات التنظيم الإرهابى، كذلك وقع قصف روسى عن طريق توجيه ضربات صاروخية من البحر من خلال عدد من البوارج الحربية الروسية المتمركزة قبالة السواحل السورية في اتجاه مواقع تابعة لمسلحي داعش في البادية السورية أدت إلى تدمير أحد مقار التنظيم بين باديتي حماة وحمص.

مواصلة التصعيد الأمريكى- الروسى:

بعد الرد الروسى المباشر على التصعيد الداعشى الأخير، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالغطاء على التنظيم حيث ظهرت 4 مقاتلات لطائرة “إف-35” الشبحية الأميركية في الأجواء السورية وتعتبر الأولى من نوعها، ومقاتلتين من طراز “تايفون”، وطائرتي “رافال”، فضلاً عن مسيرتين من طراز “إم كيو-1 إس”، وعليه أعلن نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا أن طائرات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، خرقت بروتوكولات تفادي التصادم 14 في سوريا بسبب رحلات جوية لطائرات مسيّرة لم يتم تنسيقها مع الجانب الروسى.

تعزيزات عسكرية للمواقع السورية:

قامت قوات التحالق الدولى بإيصال تعزيزات عسكرية جديدة يوم الأثنين المنصرم إلى قواعدها فى محافظة دير الزور من خلال معبر الوليد الحدودى مع العراق، وقد رافقت تلك التعزيزات عربات أمريكية من طراز “برادلي” وعربات رباعية الدفع مزودة برشاشات، بالإضافة إلى عربات مدرعة وشاحنات وقود، وكذلك شاحنات تحمل ذخيرة.

ختامًا:

يمكن وصف تعرض قوات النظام السورى لعدد من العمليات الإرهابية انتهت بواحدة توصف بالدموية من جانب تنظيم داعش، بمحاولة خلاياالتنظيم بالقيام بعمليات مربكة ومضطربة للجيش السورى لايقاع أكبر قدر من الخسائر لدى الطرف الأخر ولفرض نفوذه وإظهار قدراته على شن عمليات مؤثرة، ولكن ذلك دون قدرته على إقامة إمارة جديدة كسابق عهدها أو السيطرة على بنية الدولة السورية، وذلك بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية الباحثة عن طريقة لزرع الانقلات الأمنى لصالح الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش لاشغال الجيش السورى بالقيام بعمليات ومداهمات توصف بأنها قصيرة المدى ولا تمنع عودة داعش مما يسبب استمرارية النزف بين الطرفين والتمكن من تنفيذ المزيد من الهجمات الإرهابية، ويصرف الانتباه عن التواجد الأمريكى العسكرى على الساحة السورية.

كلمات مفتاحية