عودة فرنسية لإفريقيا من بوابة السودان

إعداد: مصطفى أحمد مقلد

مقدمة:

لا شك أن فرنسا قد مُنيت بهزائم متتالية وقاسية فى غرب إفريقيا بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية هناك، والتى هدفت لإنهاء حقبة ممتدة من النفوذ الفرنسى على صنع القرار وتوجيه السياسات فى الدول الإفريقية فى منطقة الساحل تحديدًا، وقد حل النفوذ الروسى بشكل كبير محل نظيره الفرنسى، بعد انتشار قوات فاغنر هناك بعد عقد اتفاقات أمنية مع قادة الانقلابات العسكرية، يأتى ذلك فى وقت وقفت فيه الولايات المتحدة موقف المتفرج أو المترقب دون التدخل لتأييد طرف على حساب الآخر، وبالتالى لم تملأ الولايات المتحدة الفراغ محل فرنسا بغية الحفاظ على النفوذ الغربى فى ذلك الإقليم الذى يمثل حاليًا أحد المناطق الساخنة فى العالم فى إطار التنافس الدولى لإعادة تشكيل خريطة النفوذ فى العالم، ومرد ذلك، رغبة الولايات المتحدة فى تقديم مقاربة جديدة ومختلفة تجاه غرب إفريقيا تحول دون انفراد روسيا بالنفوذ والثروة على حسابها ومن ناحية أخرى، التأنى قبل قبول الدخول فى علاقات تعاون مع قادة خرجوا عن الأطر الدستورية للوصول للحكم.

التنافس الفرنسى الروسى:

يمتد التنافس بين فرنسا وروسيا لأقاليم عدة، وتتصاعد وتيرته ثم تخفت وهكذا، لكن تعيش الدولتان مستوى عالٍ من التوتر والتنافس حاليًا، بعد انتشار قوات فاغنر فى غرب إفريقيا على حساب فرنسا، وكذلك إفريقيا الوسطى وحتى ليبيا، وتشير الأوضاع إلى أن الأمور فى صالح روسيا، لذا يبدو أن فرنسا تستعد لجولة جديدة تحاول الفوز بها.

تخبط فرنسى:

كان قد طرح الرئيس الفرنسى عن إستراتيجية جديدة تجاه إفريقيا، تعتمد على مقاربة دبلوماسية وعسكرية، كما قال ماكرون حينها إن القواعد العسكرية الفرنسية فى إفريقيا ستدار بشكل مشترك بين القوات الفرنسية والقوات المحلية، مع خفض الوجود العسكرى الفرنسى فى القارة، غير أن استمرار سلسلة الانقلابات العسكرية فى النيجر كانت دليلًا دامغًا على أن ذلك التوجه الجديد لم يحقق ما تصبو له فرنسا فى إفريقيا.

التعويل المصرى على الدور الفرنسى:

لدى فرنسا رغبة البقاء ومد النفوذ فى إفريقيا، وبالتزامن فإن مصر تحتفظ بعلاقات متوازنة مع الدولتين، وفى ضوء عدم اتخاذ روسيا خطوات جادة لمنع فاغنر خاصة بعد إعادة هيكلتها بعد مقتل “بريجوجين”- من دعم قوات الدعم السريع بهدف التعجيل بانتهاء الصراع بشكله العسكرى، فإنه يمكن لمصر التعويل على فرنسا كقوة غربية كبرى، للقيام بدور دبلوماسى يسلط الضوء على فرص حقيقية للسلام من خلال تكوين رأى عام عالمى يدعم المؤسسات الشرعية ويدعم الانتقال لحكم مدنى ديمقراطى من خلال دعوة القوى المدنية السودانية إعادة تنظيم نفسها بشكل يؤهلها للقيام بمهام المشاركة الفعالة فى الحكم، واعتبار أن قوات الدعم السريع بحاجة إلى معالجات أمنية.

من الجدير بالذكر، أن فرنسا كانت قد لعبت دورًا مهمًا فيما يخص السودان بعد الإطاحة بالبشير، فمثلا كان قد أعلن وزير الخارجية الفرنسى حينها “جان لودريان”، تقديم مساعدات قدرها 60 مليون يورو للسلطات الانتقالية فى السودان، عارضًا فى نفس الوقت مساعدة السودان على إعادة بناء العلاقات مع مؤسسات الإقراض الدولية وتسوية ديونه الخارجية، وقال إن فرنسا ستضغط من أجل حذف السودان من القائمة الأمريكية للدول التى تعتبرها راعية للإرهاب، ودعم السودان فى طريقه لعودة الاندماج الكامل فى مصاف الدول وفى التوصل سريعًا لاتفاق سلام مع كل حركات التمرد.

الصراع فى السودان:

منذ اندلاع الصراع فى السودان فى منتصف أبريل الماضى، لم تستطع إحدى القوتين المتنازعتين حسم الصراع لصالحها، ويبقى ذلك هو جوهر الأزمة السياسية والإنسانية التى يعيشها السودان، خاصة مع حرص الكثير من الأطراف الدولية على عدم التدخل العسكرى الخارجى، باعتبار أن تلك الخطوة تسهم فى تعقيد المشهد، غير أن هناك أطرافًا خارجية بالفعل تسهم فى استمرار الصراع، ونقصد هنا مليشيا فاغنر التى تدعم قوات الدعم السريع، كذلك تداول أخبار حول تدخل مؤقت من قوات يُرجح أن تكون أوكرانية لقصف قوات الدعم السريع، ما أثار حول إمكانية حول تحول السودان لساحة لتصفية الحسابات لصراعات دولية أخرى.

مصر أبرز المتأثرين:

يضع الصراع فى السودان ضغوطًا كبيرة على البنية التحتية الاقتصادية والسياسية والأمنية لمصر، فقد فاقم الصراع تدفق المهاجرين السودانيين ويزيد المخاوف بشأن أمن المياه، وقد اضطرت مصر إلى مواجهة هذا التدفق المستمر للمهاجرين فى وقت تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية، وترتفع فيه أيضًا تكلفة المساعدات الإنسانية والتعليم والخدمات الأخرى المقدمة للاجئين المسجلين لدى “المفوضية”، مع العلم أن المساعدات الدولية لا تكفى إطلاقًا لتلبية الاحتياجات المحلية.

بالإضافة إلى ذلك، تهدد “أزمة المهاجرين” الرصيد الذى حققته مصر لدى أوروبا حتى الآن، حيث تمكنت مصر إلى حدّ كبير من منع الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط انطلاقًا من شواطئها، كذلك تتعرّض مصر لخطر ازدياد عمليات تسلل الجماعات المسلحة ومهربى الأسلحة والمتجرين بالبشر عبر الحدود.

وبينما تستمر مصر من خلال مبادرتها مع دول جوار السودان لحل الأزمة الإنسانية ومحاولة إحلال السلام فى السودان، فمن غير المرجح أن يتوقف البرهان وحميدتى نهائيًا عن الأعمال العدائية على المدى القصير، لا سيما بالنظر إلى عدم قدرة الرجلين على الحسم العسكرى على الأرض، على الرغم من الدعم الخارجى الذى ما زال يحصل عليه كل طرف، وهو ما يؤشر لمزيد من تفاقم التهديدات المتعددة.

كلمات مفتاحية