فرص التطبيع السعودي الإسرائيلي في ظل استمرار الحرب على غزة

إعداد: آية أشرف

المقدمة

في ظل زخم الأحداث الجارية في الشرق الاوسط وتصاعد الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة التي ألقت بظلالها على كافة ملفات الشرق الأوسط، صدر العديد من التصريحات من البيت الأبيض حول زيارة مرتقبة لمستشار الأمن القومي الأمريكي “جيك سوليفان” للمملكة العربية السعودية للتشاور مع ولي العهد حول مستقبل اتفاق التطبيع المحتمل بين المملكة وإسرائيل خاصة بعد أن جمدت المملكة كافة المحادثات حول هذا الملف حتى التوصل لحل بشأن الوضع في غزة، ووفق تصريحات لشبكة ( سي إن إن) أن هذه الزيارة كان مخطط لها أن تتم خلال هذا الاسبوع، إلا أن “جون كيربي” المتحدث باسم البيت الأبيض صرح بأن  “سوليفان” أرجأ خطط السفر إلى المملكة إلى أجل غير معلوم وذلك على هامش أزمة صحية يمر بها، تأتي هذه الزيارة المرتقبة لاحقةً لزيارة وزير الخارجية الأمريكية “أنتوني بلينكن” إلى المملكة والتي صرح فيها أنها محادثات التطبيع تسير على نحو جيد، ذلك في الوقت التي تؤكد فيه المملكة على أنه لا علاقات طبيعية مع إسرائيل قبل الوقف الفوري للعدوان على قطاع غزة والانسحاب الكامل من القطاع ووقف مخططات الاجتياح والتهجير القسري للمدنيين وإعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفي ذات السياق أكدت ” سي إن إن” أن زيارة “ساليفان” المرتقبة ستتشمل المناقشة حول عدة محاور للصفقة المحتملة أهمها أتفاق عسكري سعودي أمريكي يشمل دعم قدرات المملكة لتطوير برنامجها النووي المدني.

وفي هذا السياق يتناول هذا التحليل تداعيات الحرب في غزة على اتفاق التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل تحت مظلة أمريكية.

التوجه السعودي من التطبيع المحتمل مع إسرائيل (التطبيع وفلسطين وجهان لعملة واحدة)

أثارت المباحثات السعودية الاسرائيلية حول إمكانية التوصل لتوافق محتمل بينهما برعاية أمريكية زخماً كبيراً في الأوساط الإقليمية والعالمية، إلا أن عملية “طوفان الأقصى” وما تبعها من تدخل إسرائيلي مبالغ  فيه قطاع غزة والممارسات المتطرفة من قِبل الحكومة الإسرائيلية عملت على عرقلت كافة هذه الجهود، فقد قامت المملكة بتجميد هذه المباحثات والحديث عن أي تطبيع محتمل مع إسرائيل وأكدت على أن كافة جهودها في الوقت الحالي منصبة بشكل كُلي نحو وقف التصعيد في قطاع غزة محاولة التوصل لحل حاسم بشأن الحرب ورفع المعاناة المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع وكامل الأراضي الفلسطينية.

وأكد  العديد من المسؤولين السعوديين على هذا التوجه في أكثر من مناسبه، فنجد أن وزير الاستثمار السعودي يصرح بأن ” السعودية تصر على أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يجب أن يكون جزء من تطبيع أوسع في الشرق الأوسط، أن أمر التطبيع كان ومازال مطروحاً إلا أن الانتكاسة التي أعقبت السابع من أكتوبر عرقلت هذه الجهود”، كما صرح وزير خارجية المملكة بأن ” المملكة لن تطبع مع إسرائيل حتى يتم التوصل إلى حل طويل الأمد للقضية الفلسطينية، وأن إمكانية إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل دون مسار يؤدي إلى دولة فلسطينية قابلة للبقاء هو أمر والعدم سواء” وهو ما أكده ولي العهد حتى قبل اندلاع الحرب في غزة فقد صرح بأنه ” بالنسبة لنا، القضية الفلسطينية مهمة للغاية، ونحن بحاجة إلى حلها”. وتابع: “نأمل أن تؤدي إلى مرحلة يتم فيها تحسين حياة الفلسطينيين  وبعد الحرب أكد “بن سلمان” على أنه لا سبيل للحديث عن التطبيع مادام الأفق نحو مسار عملي لحل القضية الفلسطينية  غير واضح في مدى زمني محدد.

وبالرغم من هذا التمسك السعودي بالربط بين الأحداث في غزة والقضية الفلسطينية وأي مسار محتمل للتطبيع مع إسرائيل إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تمارس ضغوطاً إعلامية كبيرة على المملكة لمحاولة تغير موقفها حول الأحداث في غزة والالتفاف حول القضية الفلسطينية بالتصريح ففي أكثر من مناسبة بأن مسار التطبيع بين المملكة وإسرائيل يقترب ويسير في مسار جيدـ الأمر الذي جعل المملكة تصدر بياناً رسمياً مفاده أن المملكة لن تسمح بأي  تجاهل للأحدث في غزة أو الالتفاف حول الحق التاريخي للفلسطيني، وأكدت أن موقفها ثابت حيال القضية الفلسطينية، كما أبلغت الإدارة الأمريكية أن العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإسرائيل مرهونة بإيقاف الحرب الإسرائيلي في غزة وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع.

وفي ذات السياق دعت المملكة المجتمع الدولي والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن على وجه التحديد بضرورة الإسراع في الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967م تكون القدس الشرقية عاصمة لها مع ضمان حصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه المشروعة العادلة كضمان وحيد للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

التطبيع السعودي الإسرائيلي (المصالح والمعوقات)

يحقق التقارب السعودي الإسرائيلي المحتمل عدد من المكاسب لكافة الأطراف ذات الصلة بهذا الاتفاق، إلا أن مجموعة عوائق تقف حائلا أمام هذه المكاسب خاصة في ظل متغيرات الوضع الراهن التي تشهدها المنطقة، ويمكنا تحليل هذه المكاسب والمعوقات على النحو التالي:

محور المكاسب

بالنسبة للملكة العربية السعودية، من خلال توجه المملكة وتتبع تصريحات قادتها يمكن أن نستنتج ثلاث شروط للمملكة هي على رأس أولوياتها من هذا الاتفاق، وتبدو هذه الشروط غير قابلة للتفاوض أو التنازل من قِبل المملكة وتضمن لها تحقيق الاستقرار الإقليمي والازدهار الذي تطمح في تحقيقه في المنطقة، تتمثل هذه الشروط في:

1- وقف العدوان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة على وجه التحديد والتوصل لحل سريع للحرب الحالية في القطاع وضمان إيصال المساعدات للفلسطينيين، ووقف المشاريع الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية ثم العمل بشكل جدي على تأسيس دولة فلسطينية معترف بها تضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني على حدود 1967م وذلك في مدى زمني محدد.

2- مساعدة المملكة في تطوير مشروعها النووي المدني، خاصة في ظل توسع إيران في مشروعها النووي وهو ما تعتبره المملكة أمر غاية في الخطورة على أمنها الوطني وأمن المنطقة ككل.

3- التزام الولايات المتحدة برفع مستوى القدرات العسكرية للمملكة وخاصة الدفاعية وعدم حظر تصدير التقنيات التسليحية المتطورة للمملكة، مع عقد معاهدة دفاع مشترك على غرار معاهدة حلف شمال الأطلسي بما يضمن أمن المملكة صاحبة الثقل الإقتصادي والسياسي الواسع على مستوى العالم.

بالنسبة لإسرائيل، يبدو خيارالتطبيع مع السعودية مفتاح للخروج من الحرب الحالية إلى أفق جديد، وذلك بالنظر للأهمية الاستراتيجية التي تحتلها السعودية على المستوى العقائدي والسياسي والاقتصادي والعسكري، علاوة على ذلك فإن التطبيع مع المملكة يدعم تحسين مكانة إسرائيل الاستراتيجية على المستوى الإقليمي، ويعمق من شرعيتها ويتيح إمكانية توقيع اتفاقيات مماثلة مع دول عربية أخرى،  كما أنه يساهم في عزل إيران، ويعزز من قوة الحلف المناهض لها ولأذرعها في المنطقة، وعلى المستوى الإقتصادي يساهم في زيادة الاستثمارات الاقتصادية المتبادلة بين البلدين، ويفتح المجال لتطوير الاقتصاد الإسرائيلي المنهك على هامش الحرب في غزة.

بالنسبة للسلطة الفلسطينية فإن هذا الاتفاق إن استطاع تحقيق الشروط السعودية فإنه سيعتبر نقله جذرية في تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وعلى أقل تقدير فإنه إن لم يرقى إلى تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة  فسيوفر فرصة لإبطاء أو تعطيل الإجراءات الإسرائيلية المتطرفة في فلسطين ، وسيعزز من جهود إعادة الإعمار في قطاع  غزة.

بالنسبة للولايات المتحدة، هذه الاتفاق المحتمل وما يستلزمه من جهود حثيثة أن تم على أرض الواقع فسيعتبر أهم إنجاز تم تحقيق على مستوى الشرق الأوسط والعالم منذ انتهاء الحرب الباردة وذلك وقف لتصريحات ولي العهد السعودي، فضلاً عن أنه يعتبر بمثابة دافع كبير لإدارة “بايدن” في سباقها الانتخابي المقبل، علاوة على ذلك فهو يأتي في أطار اعتبارات الأمن القوي الأمريكي والتزامها الدائم بأمن إسرائيل، كما أنه سيعمل على تغير الترتيب الجيوسياسي للمنطقة في ظل التصور الأمريكي مما يعزز مكانة الولايات المتحدة كشريك استراتيجي في المنطقة خاصة بعد تراجع دورها لصالح الصين وروسيا.

محور العقبات

  • الممارسات الإسرائيلي في الأرضي الفلسطينية والتي تزامنت مع توجهات متطرفة من حكومة “نتنياهو” المصرة على سياسة الاستيطان والتهجير القسري للفلسطينيين وترفض تماماً أي حلول سلمية للأزمة الحالية أو القضية الفلسطينية بشكل عام، هي مؤشرات تواجه برفض سعودي قاطع عن أي حديث حول التطبيع قبل التوصل لحل  بشأن الحرب الحالية في غزة وإيجاد سياسة تضمن إقامة دولة فلسطينية في أقرب مدى زمني ممكن.
  • الرفض الإسرائيلي لتعزيز القدرات العسكرية السعودية وخاصة فيما يتعلق بأنظمة الصواريخ المتطور، علاوة على ذلك تطوير برنامج المملكة النووي الذي ترفضه إسرائيل جملةً وتفصيلاً.
  • التقارب السعودي الإيراني برعاية صينية ضمن سياسة المملكة لتصفير خلافاتها في المنطقة وحل الأزمات العالقة فيها لضمان الاستقرار والازدهار وفقاً لرؤيتها 2030م.
  • ردود الفعل عنيف على المستوى المحلي والإقليمي حول إقامة علاقات مع إسرائيل خاصة في ظل المكان التي تتمتع بها المملكة في المنطقة على المستوى الشعبي.

الخاتمة

بناء على  ما سبق وبمراجعة متأنية لمستجدات الواقع في المنطقة بشكل عام وموقع الأطراف الفعالة في هذه الاتفاقية بشكل خاص يمكنا أن نستنتج أن الحرب في غزة تمثل أهم تغير جيوسياسي في الشرق الأوسط؛ إذ عملت على تغير كافة ديناميات التفاعل في المنطقة وأعادت ترتيب كافة الأوراق والمصالح من الجديد وهو ما ظهر جلياً من خلال تداعياتها المحورية على مسار التطبيع المحتمل بين السعودية وإسرائيل، وفي هذا الإطار نلاحظ أن المملكة العربية السعودية نجحت بشكل جيد في استخدام أوراق الضغط التي تمتلكها والثقل الاستراتيجي لها واستطاعت عرض مطالبها بشكل فعال، الأمر الذي جعلها تتمتع بموقف قوي في هذه المفوضات، فالمملكة لن تكون مضطرة لتقديم التنازلات بشأن مطالبها الثابتة لتنفيذ هذه الاتفاق على أرض الواقع بالرغم من حرب التصريحات التي تتبنها الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على المملكة لتمرير الاتفاق، بل أن ثقل ومكانة المملكة جعل هناك حتمية لأي اتفاق لتطبيع محتمل لابد أن يعترف بالصفات الجوهرية التي تتميز بها المملكة، الأمر الذي يعزز من نفوذها وثقتها ولا يقلل منها وهو يجعلها متأنية بشكل كبير في مسار التطبيع خاصة في ظل إدراكها أن إسرائيل لا تمتلك في الوقت الحالي أوراق ضغط حاسمة وكذلك الولايات المتحدة.

قائمة المصادر:

  • RT، 2024، وزير الخارجية السعودي: التطبيع مع إسرائيل لم يتم دون حل طويلة الأمد للقضية الفلسطينية، متوفر على: https://arabic.rt.com
  • الجزيرة، 2023،واشنطن تشير لتقدم بالمفاوضات بين السعودية وإسرائيل وصحيفة تؤكد عدم استعجال الرياض، متوفر على: https://www.ajnet.me
  • روسيا اليوم، 2024، التطبيع بين السعودية وإسرائيل سيتضمن اتفاقية عسكرية أمريكية مع المملكة، متوفر على: https://nabdapp.com
  • سبوتنيك، 2024، الرئيس الإسرائيلي: التطبيع الكامل مع السعودية مفتاح لخروج المنطقة من الحرب إلى أفق جديد، https://sputnikarabic.ae
  • الشرق، 2024، مستشار الأمن القومي الأمريكي يرجئ زيارته إلى السعودية بسبب أزمة صحية، متوفر على: https://asharq.com
  • فرانس 24، 2023، ولي العهد السعودي: المملكة تقترب كل يوم من التطبيع مع إسرائيل/ متوفر على: https://www.france24.com

كلمات مفتاحية