في ذكرى تأسيس المغرب العربي.. هل تلاشت فرص عودة “اتحاد المغرب العربي” للعمل؟

إعداد: ريهام محمد الغرابلي

باحثة في العلوم السياسية

مقدمة

في ظلِّ تعقُّد المشهد في المنطقة العربية وزيادة حجم التوترات، تبرز العديد من التساؤلات بشأن منطقة شمال أفريقيا، التي تطرحها ذكرى قيام اتحاد المغرب العربي، التي حلَّت يوم السبت الماضي الموافق ١٧ فبراير، والذي أصبح اليوم، في ظل استمرار التنافس “المغربي – الجزائري” على الزعامة الإقليمية، مجرد هيكلٍ هامشيٍّ، وأمام مستقبل الزوال في ظل انتقال هذا الصراع إلى الساحل الأفريقي، وفي خضم ظهور المؤشرات على مستوى المنطقة لصعوبة إعادة منظمات الاتحاد للعمل مرَّةً أُخرى، على خلفية الأزمة بين “المغرب، والجزائر”، والتي تتطور من حين لآخر، مُخلِّفةً خسائر اقتصادية كبرى على مستوى البلديْن والمنطقة.

من هذا المنطلق، وفي ظل القطيعة بين الدولتيْن المتجاورتيْن، تأتي ذكرى تأسيس الاتحاد المغاربي، في سياق تساؤلات حول مستقبل هذا التكتُّل الإقليمي؛ حبيس الخلافات السياسية بين الدول المؤسسة، وخاصَّةً بين الدولتيْن الأكبر والأبرز في المنطقة، وهل حان الوقت لطيِّه بشكلٍ نهائيٍّ، أم لا يزال أمل التكامل حيًّا أمام شعوب المنطقة؟ فكان بالإمكان وبعد مُضي أكثر من ثلاثين عامًا، أن نكون أمام اتحادٍ مغاربيٍّ قويٍّ ومتلاحمٍ ومتضامنٍ، مؤثرٍ في محيطه الإقليمي والدولي؛ لما تنفرد به دول المنطقة من خيرات ومؤهلات طبيعية وبشرية، قادرة على تحقيق الرفاهية والرخاء والازدهار، غير أن التجربة أفْضت إلى أنه على الرغم من الرصيد التاريخي والحضاري المشترك بين الدول المغاربية، إلا أن نجاح أيّ مشروع للاندماج الاقتصادي يتطلب إرادةً سياسيةً صلبةً؛ لتجاوز الخلافات القائمة، واعتماد لغة المصالح الاستراتيجية المتبادلة، والعمل المشترك لمواجهة التحديات السياسية والأمنية المشتركة، لكن الواقع الراهن لا يَشِي بإمكانية التقارُب، في ظل تمسُّك الجزائر بموقفها تجاه الرباط.

في ١٧ فبراير من سنة ١٩٨٩، تأسس اتحاد المغرب العربي بمدينة مراكش من قِبَلِ خمس دول تُشكِّلُ القسم الغربي من العالم العربي، وحَمَلَ بيان التأسيس إمضاءات كُلٌّ من “زين العابدين بن علي، رئيس تونس، والحسن الثاني، ملك المغرب، والشاذلي بن جديد، رئيس الجزائر، ومعمر القذافي، رئيس ليبيا، ومعاوية ولد سيدي أحمد الطايع، رئيس موريتانيا”، في مبادرة وحدوية غير مسبوقة، كان يُعوَّلُ عليها؛ لتأسيس فضاءٍ مغاربيٍّ، يحقق ما تتطلع إليه شعوب الدول الخمس، من أمن ووحدة واندماج ورخاء وازدهـار.

المحور الأول: أهداف اتحاد المغرب العربي

سميت وثيقة التأسيس بمعاهدة مراكش، وتضمَّنت الوثيقة جُمْلةً من الأهداف والمبادئ، ومنها “توثيق أواصر الأخوّة التي تربط الأعضاء وشعوبهم بعضهم بعضًا، وتحقيق تقدّم ورفاهية مجتمعاتهم، والدفاع عن حقوقها، إضافةً إلى المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف، فضلًا عن انتهاج سياسةٍ مشتركةٍ في مختلف الميادين، ثم العمل تدريجيًّا على تحقيق حرية تنقّل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها.

وأشارت الوثيقة إلى أن السياسة المشتركة تهدف إلى تحقيق عِدَّة أغراض، منها ما هو سياسي ممثل في تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء، و إقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها، يقوم على أساس الحوار وصيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء، و ما هو أمني دفاعي؛ ممثل في صيانة السلام المرتكز أساسًا على العدل والإنصاف، واعتبار أيِّ اعتداءٍ على أي دولة بمثابة اعتداء على جميع الدول المغاربية، ناهيك عن الأغراض الاقتصادية؛ من خلال العمل تدريجيًّا على تحقيق حرية تنقُّل الأفراد والسلع ورأس المال بين هذه الدول، والسعي نحو تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء، واتخاذ ما يلزم من وسائل لهذه الغاية، والتي كان من المرجح أن تخفف تلك الأهداف – بشكلٍ كبيرٍ – الأعباء الاقتصادية التي يتحملها كل قُطْرٍ على حِدَه، وكذا التخلُّص من التبعية الاقتصادية العالمية.

وفي سياق تلك الأهداف؛ فلم يلعب اتحاد المغرب العربي حكمًا في أيٍّ من الأدوار التي كان من المفترض أن يؤديها، بل بلغ فشل الاتحاد درجة عدم انعقاد أيِّ قمةٍ جامعةٍ لمجلس رئاسة الاتحاد منذ العام 1994، إلا أنّ هذا الفشل مثّل – بحدِّ ذاته – فرصة ضائعة لم تستفد منها شعوب منطقة المغرب العربي كما يجب، على سبيل المثال؛ ظهر عجز الاتحاد المغربي العربي حيال الأزمات التي تعرضت لها الدول الأعضاء منها  الأزمة الليبية؛ فيومًا بعد يوم، يزداد الوضع تعقيدًا داخل الأراضي الليبية حتى تفاقم الانقسام الذي أضحى واقعًا مُهدِّدًا مستقبل البلاد والمنطقة المغاربية برُمَّتِها، في ظل غياب أيِّ دوْرٍ بارزٍ للاتحاد المغاربي من البداية، والذي كان يمكن أن يُسْهِمَ بحل الأزمة الليبية في إطار ذلك الاتحاد الإقليمي، والذي أدَّى إلى ضعفه النزِّاع التقليدي بين الدولتيْن الشقيقتيْن “الجزائر، والمغرب”.

بادئ ذي بدْء، يتعين الإشارة إلى أن تاريخ العلاقات بين “الجزائر، والمغرب” ليس كله سلبيًّا، بل بين الدولتيْن جذور من التقارُب بألوانٍ من الأخوة وأواصر العلاقات التاريخية المشتركة، ولو أمعنَّا فيه بموضوعية، سنجد فيه محطات إيجابية ساد فيها التضامن والتقارب، بما يشجع على البناء عليه واستدعائه في لحظات التوتر، والخلافات القائمة في الوقت الراهن الذي مهما طال سيظل مؤقتًا وعابرًا؛ وذلك لأن للجغرافيا والتاريخ أحكامهما على الجارتيْن اللتين تشكلان بجغرافيتهما 60 % من جغرافية المغرب العربي، و80 % من مجموع السكان، و 75 % من الاقتصاد الإجمالي للمنطقة، لا سيما امتداد شرايين من أواصر الصداقة المتينة والعادات والتقاليد، بجانب سلسلةٍ من علاقات الوُدِّ الذي غذَّتْه روابط الامتدادات العائلية وتداخل الفنون والثقافة واللهجات المتشابهة، فضلًا عن التجانس الديني المؤدي نحو الحفاظ على القيم الروحية المتجذرة بين كليهما إبان وبعد الاستعمار الفرنسي، ناهيك عن العمل الجهادي المشترك ضد المستعمر الفرنسي الغاشم على مدار العقود الماضية.

المحور الثاني: تحديات يقف أمامها الاتحاد المغربي العربي

شهد اتحاد المغرب العربي تعثُّرًا واضحًا في نشاطاته منذ البداية، فقد ظلت الاتفاقيات المبرمة مجرد أقوال لم تصل إلى حيِّز التنفيذ؛ ما يعطي مظهرًا من مظاهر العجز عن تحقيق أهدافه التي رسمتها معاهدة التأسيس، كما يعاني الاتحاد حالة جمود على صعيد النشاط المؤسسي، الذي يظهر جليًّا في متابعة نشاط مجلس الاتحاد الذي لم يعقد أيّ دورة عادية أو طارئة منذ التسعينيات، وحتى الدورات العادية الست التي عقدها لم تحظَ غالبيتها بالحضور الكامل لقادة المغرب العربي، وتتجلى أهم التحديات فيما يلي:

الخلاف “الجزائري – المغربي”  

العائق الأكبر: “قضية الصحراء الغربية”

بات النزاع على إقليم الصحراء الغربية سببًا رئيسًا في توتُّر العلاقات “الجزائرية – المغربية” منذ عقود؛ حيث تدهورت العلاقات بين البلديْن منذ عام ١٩٩٥؛ نتيجةً لتجدُّد الخلافات بينهما حول تسوية إشكالية الصحراء الغربية، والتي تُعدُّ شوكةً في جنْب العلاقات “الجزائرية – المغربية”، والسبب الرئيسي للعداء بينهما منذ عقود، كما يُشكِّلُ نزاع الصحراء أهم عائق في وجه قيام اتحادٍ فعليٍّ بين الدول المغاربية، في الوقت الذي يعتبر “المغرب، والجزائر” أهم قوّتيْن اقتصاديتيْن وعسكريتيْن، يمكنهما أن تشكّلا النواة الأساسية للاتحاد المغاربي؛ إذ تدعم الجزائر “جبهة البوليساريو” التي تُطالِب باستقلال الإقليم؛ بدعوى أن الأمر يتعلق بنصرة شعب من أجل تقرير مصيره، فيما ينتقد المغرب موقف الجزائر، ويعتبره جزءًا لا يتجزأ من أرضه، ويتعهَّد بمنحه حكمًا ذاتيًّا تحت سيادته، فيما تؤكد جبهة البوليساريو أنها “في دفاع مشروع عن النفس” منذ أرسل المغرب في 13 نوفمبر ، قواته إلى أقصى جنوب المنطقة؛ لطرد مجموعة من الناشطين الصحراويين أغلقوا الطريق المؤدية إلى موريتانيا، وهي الحادثة المعروفة بقضية “الكركرات”، ومطالبتها بتنظيم استفتاءٍ لتقرير المصير، وردّ في اتفاق عام 1991.

وجدير بالذكر ، أنه سبق أن أعلنت المغرب في عام 1976، قطْع العلاقات مع الجزائر في ضوء إعلان “جبهة البوليساريو” تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وقد جاء هذا الإعلان من مقر الجبهة في الجزائر، وإعلان الأخيرة اعترافها بالجمهورية الصحراوية، واستمرت القطيعة حتى عام 1988، بعد استئناف العلاقات بين البلديْن، بوساطة سعودية، بيْدَ أن عودة العلاقات الطبيعية بين البلديْن لم يضمن نهاية سياسة الشَّدِّ والجذْب التي هيْمنت على واقع العلاقات بين الجارتيْن،  فيما استمر الصراع المسلح بين “جبهة البوليساريو” والمغرب، ولم يتوقف حتى  قرار الأمم المتحدة في عام 1991، بوقف إطلاق النار، والذي تمخَّضَ عنه قيام البعثة الأممية “المينورسو” بمراقبة سريان وقْف إطلاق النار، مع التعهُّد بتنظيم استفتاءٍ على الاستقلال في العام التالي، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة الراهنة، مع فشل كافَّة محاولات تنظيمه قبْل أن تغادر بعثة حفظ السلام الأممية؛ الأمر الذي ترك انعكاساته السلبية على الاتحاد؛ حيث طلبت المغرب تجميد مؤسسات الاتحاد أثناء فترة رئاسة الجزائر له؛ بسبب موقفها إزاء الصحراء الغربية.

كما شهدت العلاقات “الجزائرية – المغربية” محطات مختلفة من الخلافات والتوتر عبر العقود الماضية، فعلى الرغم من امتداد العداء بين الدولتيْن على مدار العقود إلى أن التوترات بينهما دخلت منعرجًا جديدًا في ديسمبر ٢٠٢٠، عندما أعلن المغرب تطبيع علاقاته مع إسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الأولى على أراضي الصحراء الغربية، وهو الموقف الذي دفع بالجزائر نحو عزْل نفسها دبلوماسيًّا عن الجار الغربي بشكلٍ تدريجيٍّ، وخاصَّةً عقب الصدمة الكبرى للجزائر، جرَّاء إعلان إسبانيا تأييدها لخطة الحكم الذاتي للصحراء الغربية التي تدعمها المغرب؛ الأمر الذي دفع بالجزائر لإعلانها قرارًا أُحاديًّا في أغسطس من عام ٢٠٢١؛ بقطْع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، والذي لم يكن قرارًا مفاجئًا، بل كان منتظرًا في ضوْء التصعيد الدبلوماسي بين الجانبيْن خلال تلك الفترة، وفي الوقت نفسه، تصدَّرت الصحف الغربية تقارير إعلامية- نفتها المغرب – حول مزاعم بتجسُّسٍ مغربيٍّ على بعض السياسيين والمسؤولين الجزائريين، وزاد حِدَّة الخلاف اتهام الجزائر المغرب بدعم جماعتيْن تدرجهما الجزائر على قوائم المنظمات الإرهابية؛ حركة استقلال منطقة القبائل “الماك” و “رشاد الإسلامية”، وحمَّلها بدون دليل مادي مسؤولية إشعال الحرائق التي اجتاحت الحياة البرية في الجزائر.

أزمة لوكربي:

برزت أزمة “لوكربي” على خلفية الحصار الذي فُرِضَ على لیبیا  عـام 1992، وتتلخص الأزمة في اتهام الولايات المتحدة وبريطانيا لليبيا بتفجير الطائرة الأمريكية المُحلِّقة فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية في عام ١٩٨٨، وقد استصدرت الدول الغربية قرارًا، رقم (٧٤٨) من مجلس الأمن في مارس 1992، بفرْض حصار جوي على ليبيا، تلاه قرار مجلس الأمن رقم (٨٨٣) في نوفمبر 1993، بفرض عقوبات جديدة ضد ليبيا بتوسيع الحظر الجوي والعسكري والدبلوماسي، وعـدم تمكُّـن دول الاتحاد من المساعدة الفعلية على تجاوز الحصار؛ الأمر الذي انعكس على علاقات التعاون المغاربي بالسلب، سواء في جانبها الثنائي أو الجماعي، فمن جانبها اعتبرت ليبيا أن ذلك الالتزام إخلالًا بمعاهدة مراكش، حسب المادة الرابعة عشرة منها، وعليه راح القائد “معمر القذافي” يتغيب عن دورات مجلس الرئاسة منذ ذلك التاريخ، وجاءت تلك الأزمة لتزيد من عُمْق الاختلاف “الجزائري – المغربي” الذي أدَّى هذه المرة إلى ضربةٍ قاضيةٍ لاتحاد المغرب العربي، فعلى إثْر تلك الانفجارات، فرضت المغرب التأشيرة على الجزائريين حتى الحاملين لجنسيةٍ أُخرى منهم؛ ما أغضب الجزائر التي ردَّت بغلْق الحدود إلى الآن؛ الأمر الذي دفع المغرب لتعليق عضويته.

ما شكَّلَ – كما أسلفنا – ضربةً قاضيةً سياسيًّا للاتحاد؛ نتيجة تجميد وتعنُّت مؤسساته، فهو لم يفشل فقط في إدارة القضايا السياسية المتعلقة بالشأن الخارجي، بل فشل بذلك فشلًا ذريعًا في إدارة الاختلافات البينية لأعضائه.

تحديات اقتصادية

لم تنجح محاولات الدول المغاربية في بناءٍ متكاملٍ مُوحَّد، وهو ما يرجع إلى  غياب التنسيق في السياسات الصناعية، واستدعائها اللجوء للآليات الغربية؛ ما يعيق بشكلٍ كبيرٍ تقاربها من بعضها البعض، بالإضافة إلى الاختلال الاقتصادي الهيكلي، والتبعية الاقتصادية للبلدان المتقدمة والتي تمخَّض عنها العجز الهيكلي في ميزانها التجاري والمديونية الخانقة باستثناء ليبيا، ناهيك عن إشكالية  تعدُّد الانتماءات والولاءات لبعض دول الاتحاد لصالح مجموعات إقليمية ودولية أُخرى غير الاتحاد، كالاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، بل تفضل الشراكة مع هذه التجمُّعات؛ لتحقيق استفادةٍ منها على الصعيد الاقتصادي؛ ما أثَّر سلبًا على التزامات الدول تجاه اتحاد المغرب العربي.

من ناحية أخرى، تلعب السياسات الأوروبية تجاه المنطقة المغاربية دورًا كبيرًا في تعزيز الانقسام بين “الرباط، والجزائر”؛ حيث تُمثِّلُ الدولتان سوقًا رئيسًا للبضائع الأوروبية، فضلًا عما تمثله من مورد عام للنفط والغاز، ومن ثَمَّ تقتضي المصالح الأوروبية عدم وجود موقف مغاربي مُوحَّد.

المحور الثالث: آليات مواجهة الخلافات بين الدول الأعضاء كمحاولة لتفعيل الاتحاد المغربي العربي

من خلال استعراض لمختلف التحديات التي تواجه مسار التكامل المغاربي؛ الأمر الذي يوحي بصعوبة إحياء اتحاد “مغربي – عربي” حقيقي، إلا أن ذلك لا يعني انعدام الحلول والآليات لمواجهة تلك المشاكل والتحديات والوسائل الكفيلة بتطوير  و تفعيل الاتحاد، وعليه فيمكن استعراض بعض الآليات الواجب اتباعها حتى يخرج الاتحاد من وضْع الجمود.

– يمكن حلّ هذا التنافس الذي طال أمده، إذا ما كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لدى نظام الحكم في كلا الدولتيْن، والانخراط معًا في حوار ٍتشارُكيٍّ جديٍّ، محاولًا من خلاله القيام بالمراجعة الجذرية لأسباب الصراع الحقيقية، والتوصُّل إلى تسويةٍ متوافقٍ عليها، لا سيما فيما يخص تسوية قضية الصحراء الغربية، والتي تعتبر حجر عثرة في المضي قُدُمًا نحو التكامل منذ ١٩٧٥ حتى الآن.

– الضغط بكل الطرق الودية من أجل إيجاد اهتمام عربي، سواء من قِبَلِ دول وازنة أو مؤسسات إقليمية كالجامعة العربية أو البرلمان العربي أو الاتحاد البرلماني العربي؛ من أجل وضْع ملف المصالحة “الجزائرية – المغربية” على جدول الاهتمامات العربية، والعمل على إيجاد آلية مشتركة لتسوية الأزمة الراهنة، برعاية وسيط حيادي قادر على وضْع حدٍّ لهذا المأزق الأمني، وإيجاد حلٍّ مقنع لقضية التنافس بين البلديْن، والتوصُّل إلى توافقات شاملة بعد مراجعة لأبعاد الملفات الخلافية بين الدولتيْن؛ ما يُسْهِمُ في حلحلة الأزمة بينهما.

– ضرورة تجاوز الجدل بين الوطنية والمغاربية؛ من خلال السعي نحو تمكين الاتحاد في العمل كهيئة فوق وطنية تذوب فيها الكيانات المغاربية؛ لمواكبة التحديات الراهنة والمستقبلية، وما تفرضه من ضرورة التخلِّي عن الحسابات الوطنية الضيقة لصالح رؤية مستقبلية تسعى إلى تحقيق اندماج جهوي يحمي مصالح الحاضر ويجنبهم من التعرُّض لذات المخاطر في المستقبل.

– ضرورة التخلِّي عن فكرة الدولة القائد، والاعتماد على مبدأ التساوي والتكافؤ بين الأقطار في علاقتهم المشتركة؛ الأمر الذي يؤول إلى ضمان استمرار التعاون وتنميته على قاعدة المصلحة العامة.

السيناريوهات المُحتملة

رغم مرور أكثر من ثلاثين عامًا من قيام الاتحاد المغربي العربي، فما زالت المراهنة على تحقيق وحدة شعوب المغرب قائمة، بالرغم من اختلاف وجهات النظر بين جدوى إحياء تجربة المشروع الطموح الذي لم يكتب له أن يحقق الأهداف التي أُسِّسَ من أجلها، خاصَّةً بعد أن أضحت المنطقة العربية مختبرًا للتنازع الإقليمي والدولي، من خلال اللعب على التناقضات الموجودة، والعمل على استمرارها في إطار “فرِّقْ تسُدْ”؛ من أجل عدم التطلُّع إلى تنمية أكبر، ما يُشكِّلُ صعوبةً في إمكانية تفعيل اتحاد المغرب العربي؛ بسبب النزاع المتطور واستمرار التحديات التي تواجه الاتحاد المغربي العربي.

وبالتالي، فإن استشراف مستقبل منطقة المغرب العربي ليس بالأمر السهل، في ظل المعطيات الراهنة، وهنا مقتصر على العلاقات “الجزائرية – المغربية” ومستقبل تلك العلاقة وتأثيرها على مسار اتحاد المغرب العربي، ومن هنا يمكن الحديث عن ثلاث سيناريوهات رئيسية:

السيناريو الأول: استمرار حالة التصعيد بين الطرفين

قد يستمر التصعيد بين الطرفين مع انخراط مزيدٍ من الفواعل الأخرى في هذا الشأن، كالفاعل الإيراني أو التركي؛ نتيجة فشل الأقطار المغاربية في تجاوز خلافاتها الثنائية بما يقود إلى احتمالية استمرار العجز على مستوى اتحاد المغرب العربي؛ نتيجة فشل التجربة التكاملية في المنطقة،

السيناريو الثاني والمأمول: تسوية الموقف بوساطة إقليمية

يتمثل في إمكانية تدخُّل أطراف إقليمية أخرى في محاولة لعب دور الوساطة؛ لتجنُّب التصعيد غير المحسوب بين البلديْن، وفي هذا السياق، ربما تلعب مصر دورًا فاعلًا في تسوية الصراع، عبر لعب دور الوسيط الحيادي القادر على التوصُّل إلى توافقات شاملة، كذلك يمكن أن يكون للمملكة العربية السعودية دورٌ محوريٌّ في هذا الشأن، على غرار الدور الذي لعبته الرياض في عام 1988، بما ينعكس على إمكانية عودة الحياة لاتحاد المغرب العربي.

السيناريو الثالث: الصدام العسكري بين البلديْن

من المحتمل أن يتفاقم حِدَّة التوتُّر لدرجة الوصول إلى مرحلة الصدام العسكري، بما يُنذر بتلاشِي فرص عودة الاتحاد، لا سيما حل الاتحاد وتفككه، إلا أن سيناريو الصدام العسكري يبدو مُسْتَبْعَدًا.

الخاتمة:

في الختام: تبقى الإشارة إلى أن فشل الاتحاد المغربي العربي، والذي نتوقع من خلال دراستنا أن يستمر تراجعه ليس فقط بسبب الانسداد الحاصل في إدارة ملف الصحراء الغربية، بل كذلك إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقة مع تعنُّت كلا الجانبيْن في فرْض مواقفه، إلا أن فكرة إحياء اتحاد المغرب العربي ليست ببعيدة، إذا ما توفرت الإرادة السياسية؛ فالخلافات البينية الموجودة لا يمكن أن تكون عائقًا أمام فرصة نجاح التجربة، ويمكن الاستشهاد بالتجربة الخليجية، فدول الخليج على سبيل المثال لا الحصر؛ يوجد بين جُمْلةٍ من أقطارها خلافات عديدة، إلا أنها لم تُعِقْ تواصل تجربة مجلس التعاون الخليجي من عمله، وكذلك الشأن بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي؛ لذا فيمكن معالجة التباينات الموجودة بين الأطراف المتناحرة، عبر الحوار والتركيز على مجالات التعاون وبناء الشراكة المتوفرة مع أخْذ عامل الوقت في الاعتبار؛ فالأقطار المغاربية يربطها تاريخ مشترك وانسجام ثقافي، بالإضافة إلى اقتصادها التكاملي ما يُسهِّلُ من تحقيق هذا الاندماج.

المراجع:

إلهام رشدي، “العلاقات المغربية الجزائرية: سجال عبر التاريخ”، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، مايو ٢٠٢٢.

https://carnegieendowment.org/sada/87056

سليمان شعبان، “في ذكرى تأسيسه.. هل يمكن إحياء اتحاد المغرب العربي؟”، عربي21، فبراير ٢٠٢٢.

https://rb.gy/tkuvdi

سامية براص، “إلى أين تتجه العلاقات الجزائرية-المغربية؟”، مجلة شؤون عربية، ديسمبر ٢٠٢١.

https://rb.gy/457m42

صاغور هشام، “اتحاد المغرب العربي بين الواقع والمأمول”، مجلة البشائر الاقتصادية (المجلد الخامس، العدد ٢)، ٢٠١٩.

نوفل الشرقاوي، “هل تنجح محاولات إحياء مشروع اتحاد المغرب العربي؟”، اندبندنت عربية، نوفمبر ٢٠٢٠. https://rb.gy/het848

كلمات مفتاحية