في ضوء المبادرة الأردنية لحل الأزمة السورية… عمان تستضيف اجتماع عربي بشأن عودة دمشق للجامعة العربية

إعداد: شيماء عبد الحميد

في إطار تواصل المشاورات والمساعي الإقليمية الهادفة إلى طي صفحة عزلة سوريا وعودتها إلى الحضن العربي؛ استضافت العاصمة الأردنية عمان اليوم اجتماعًا لوزراء خارجية الأردن والسعودية والعراق ومصر مع وزير الخارجية السوري، للبناء على الاتصالات التي قامت بها هذه الدول مع الحكومة السورية من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة السورية، ويأتي هذا الاجتماع استكمالًا للاجتماع التشاوري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأردن والعراق ومصر الذي استضافته جدة السعودية يوم 14 أبريل المنصرم، والذي انتهى بالتأكيد على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية، وعلى أهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة ووضع الآليات اللازمة لهذا الدور وتكثيف التشاور بين الدول العربية بما يكفل نجاح هذه الجهود.

ويكتسب هذا الاجتماع زخمًا سياسيًا كبيرًا نظرًا لعدة معطيات؛ منها: أنه يأتي قبل أيام من انغقاد القمة العربية في السعودية خلال مايو الجاري، ينعقد الاجتماع في ضوء رواج دبلوماسي متنامي شهده ملف العلاقات العربية السورية خلال أبريل الماضي وذلك بعد سنوات طويلة من القطيعة مثل تبادل الزيارات بين سوريا والسعودية وتعيين تونس سفيرًا لها في دمشق وجولة وزير الخارجية السوري لعدد من الدول العربية منها الجزائر وتونس، حضور الطرف السوري هذا الاجتماع بعد أن كان غائبًا عن اجتماع جدة التشاوري مما يشير إلى مدى تطور المحادثات بين الجانبين.

أبرز مخرجات الاجتماع

بحث الاجتماع تسوية الأزمة السورية بمختلف جوانبها؛ الأمنية والسياسية والإنسانية، وفي الختام أكد وزراء خارجية الأردن والسعودية والعراق ومصر، على الأتي:

– أولوية إنهاء الأزمة السورية؛ وذلك من خلال عقد لقاءات متتابعة لإجراء محادثات تستهدف الوصول إلى حل الأزمة السورية، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ويعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية، وقد اتفق الوزراء ووزير الخارجية السوري على أجندة المحادثات التي ستتواصل وفق جدول زمني يتفق عليه، وبما يتكامل مع الجهود الأممية كافة وغيرها ذات الصلة بالوضع الإنساني والأمني والسياسي.
– إيصال المساعدات الإنسانية والطبية لكل من يحتاجها من الشعب السوري؛ وفي جميع أماكن تواجده في سوريا وضرورة تكاتف كل الجهود لتلبيتها، بالتعاون والتنسيق بين الحكومة السورية وهيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، بما ينسجم مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما فيها القرارين 2642 و2672، وقد رحب الوزراء المشاركون في هذا الشأن، بقرار الحكومة السورية بفتح معبري باب السلامة والراعي أمام منظمة الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية والطبية بعد الزلزال الذي ضرب البلاد في فبراير 2023.

– العودة الطوعية والآمنة للاجئين إلى بلدهم أولوية قصوى؛ ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فورًا، إضافة إلى تعزيز التعاون بين الحكومة السورية والدول المستضيفة للاجئين، والتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، لتنظيم عمليات عودة اللاجئين وإنهاء معاناتهم، وفق إجراءات محددة وإطار زمني واضح. وقد أكد الوزراء في هذا الشأن، ضرورة التعاون بين الحكومة السورية والأردنية، وبالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، في تنظيم عملية عودة طوعية لحوالي ألف لاجئ سوري في الأردن، بحيث تضمن الحكومة السورية توفير الظروف والمتطلبات اللازمة لعودتهم، على أن يشمل ذلك في مرحلة لاحقة الدول الأخرى المستضيفة للاجئين السوريين.

– ضرورة دعم سوريا ومؤسساتها؛ في أية جهود مشروعة لبسط سيطرتها على أراضيها وفرض سيادة القانون، وإنهاء تواجد الجماعات المسلحة والإرهابية على الأراضي السورية، ووقف التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، ووفق أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

– تعزيز التعاون الأمني بين سوريا ودول الجوار والدول المتأثرة بعمليات الاتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية مع دول الجوار؛ انسجامًا مع التزامات سوريا العربية والوطنية والدولية بهذا الشأن، وقد اتفق الوزراء في هذا الشأن على تشكيل فريقي عمل سياسيين/ أمنيين مشتركين منفصلين في خلال شهر وبالتعاون بين سوريا والأردن والعراق، لتحديد مصادر إنتاج المخدرات في سوريا وتهريبها، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات تهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء عمليات التهريب، وإنهاء هذا الخطر المتصاعد على المنطقة برمتها.

– الاتفاق على خطوات فاعلة لمعالجة التحديات الأمنية المرتبطة بأمن الحدود؛ وذلك عبر إنشاء آليات تنسيق فعالة بين الأجهزة العسكرية والأمنية السورية ونظيراتها في الدول المجاورة.
– تشكيل فريق فني على مستوى الخبراء لمتابعة مخرجات هذا الاجتماع؛ وتحديد الخطوات القادمة في سياق هذا المسار المستهدف معالجة حل الأزمة السورية ومعالجة جميع تداعيتها.
ويتضح من نص البيان الختامي للاجتماع أنه هناك رغبة عربية حقيقية في تسوية القضايا العالقة التي قد تعيق تطبيع العلاقات بين الدول المشاركة في الاجتماع وسوريا، ولكن يتضح من تجنب الحديث عن استعادة سوريا لعضويتها في الجامعة العربية وتركيز البيان حول قضايا أمنية بعينها، أن الدول العربية لا تزال في انتظار التحرك السوري الذي سيكون بوابة عبور دمشق مجددًا إلى الحضن العربي.

المساعي الأردنية في خريطة حل الأزمة السورية

تعتبر استضافة الأردن لهذا الاجتماع ترجمة واضحة للمبادرات التي أطلقها لتسوية الأزمة السورية؛ ومنها مبادرة “إعادة تأهيل نظام الأسد” التي اقترحها الملك عبد الله الثاني على الرئيس الأمريكي جو بايدن عام 2021، والتي قدمت رؤية غير رسمية للتعامل مع الملف السوري على أساس تغيير سلوك النظام تدريجيًا بمنحه حوافز يقابلها إجراءات مطلوبة منه وصولًا إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 المتعلق بوقف إطلاق النار والوصول إلى تسوية سياسية من جهة، ووقف النفوذ الإيراني في دمشق من جهة أخرى.

وجاءت المبادرة الثانية في 21 مارس الماضي، عندما أعلن وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي، عقب لقائه المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا جير بيدرسن، عن المبادرة الأردنية لحل الأزمة السورية، والتي تهدف إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية استنادًا إلى مبادرة أردنية تنطلق من دور عربي مباشر، للانخراط مع سوريا في حوار سياسي لحل الأزمة وتفرعاتها الأمنية والسياسية والإنسانية، وذلك انطلاقًا من القناعة الراسخة بأن الأزمة في سوريا لا يمكن أن تستمر، وأن الحل السياسي هو مفتاح إنهاء الأزمة التي أثرت تبعاتها في دول الجوار والمحيط العربي أكثر مما أثرت في الدول الأخرى، مما يستوجب أن يكون الحل عربيًا.

وقد أوضح الصفدي أن المبادرة تقوم على مبدأ خطوة مقابل خطوة، وأن الملامح الأساسية للمبادرة تقوم على تقديم المجتمع الدولي مساعدات اقتصادية لسوريا وتخفيف العقوبات تدريجيًا عنها، والبدء بإعادة الإعمار وإعلان عملية كبرى لإطلاق سراح معتقلين والأسرى بموازاة الانخراط جديًا في عملية سياسية ديمقراطية قوامها إجراء انتخابات شاملة.

وتأتي مساعي الأردن انطلاقًا من أنه يرتبط مع سوريا بأطول حدود مشتركة تمتد لأكثر من 375 كيلومترًا، كما من شأن أي حل سياسي للأزمة أن يحل مجموعة من القضايا الرئيسية التي تمس الأمن القومي الأردني؛ منها ملف النزوح السوري حيث يستضيف الأردن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري في وقت تعاني عمان من تردي الظروف الاقتصادية وارتفاع نسب الفقر والبطالة التي بلغت 24%، قضية تهريب الكبتاجون والسلاح من سوريا إلى الأراضي الأردنية، فضلًا عن المخاوف الأمنية المتعلقة بنشاط الميليشيات الإيرانية في جنوب سوريا نتيجة الفراغ الذي تركته روسيا بحربها مع أوكرانيا، هذا إلى جانب أن الصراع في سوريا بات مناخًا خصبًا لنمو الجماعات الإرهابية والفصائل المختلفة، وهو ما لا يتفق مع مصالح الأردن القومية.

ويتضح من نص البيان الختامي للاجتماع سالف الذكر؛ أن الاجتماع استجاب لعدد من المتطلبات الأردنية، سواء بإشارة البيان بضرورة التنسيق بين الأردن وسوريا لعودة اللاجئين المتواجدين في عمان إلى دمشق، وتشكيل فرق وآليات أمنية وعسكرية لتشديد الرقابة على أمن الحدود بهدف إيقاف تهريب الأسلحة والمخدرات من الأراضي السورية إلى الأردن.

هل تنجح المبادرة الأردنية في تسوية الأزمة؟

رغم إنه بات هناك سياق إقليمي عربي داعم لهذه المبادرة انطلاقًا من إدراك الدول العربية أن عزل سوريا لن يأتي بجديد، إلا أنه هناك عوامل عدة قد تعرقل نجاح المبادرة الأردنية لحل الأزمة السورية بشكل خاص، والمساعي العربية الساعية لإعادة سوريا إلى الحضن العربي بشكل عام، ومنها:

– الموقف الغربي من التطبيع مع الأسد؛ حيث أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية ترفض أي مبادرة من شأنها تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وهو ما ينعكس في استمرار فرض العقوبات على بشار الأسد وسوريا، وقانون قيصر الذي يجعل من الصعب للغاية وجود حل سياسي بمشاركة المجتمع الدولي.
– سيطرة النفوذين الإيراني والروسي على تحركات الأسد؛ فالانفتاح الأردني على سوريا مرتبط بموقف إيران من الأردن، وسياسة طهران في دمشق، أما فيما يخص روسيا؛ فمن المستبعد أن يقدم النظام السوري أي تنازلات مرضية للمجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة في ظل ما تشهده علاقاتها مع موسكو، ويعزز هذا الاتجاه، ترحيب الأسد بتدشين قواعد روسية جديدة في سوريا خلال زيارته إلى موسكو في مارس الماضي، وبالتالي طالما الأسد يعزز في علاقاته مع الروس، فإن أي تحركات عربية ستبقى ضعيفة لأنها ستكون رهن مباركة أمريكية صعبة.

– رفض دول عربية للمبادرة؛ رغم أن دول عربية عدة باتت أكثر انفتاحًا على النظام السوري، إلا أن دولًا لا تزال رافضة استئناف العلاقات مع دمشق، وعلى رأسها قطر التي أكدت مرارًا أن أسباب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية لا تزال قائمة بالنسبة لها، وأنه لم يتغير موقفها، والمغرب الذي يرفض عودة دمشق على خلفية دعم النظام السوري لجبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية.

– عدم استعداد سوريا لتلبية شروط عودتها؛ فنجاح المبادرة الأردنية يرتهن على شروط قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا من خلال دستور وانتخابات جديدة، والتي لن تلقى قبولًا من نظام الأسد.

وإجمالًا:

لا شك أن معظم الدول العربية الآن ترى أنه من الأفضل للأمن القومي العربي، ولتحقيق التوازن في المنطقة، أن تكون سوريا جزءًا من منظومة العمل العربي المشترك وأن تكون محايدة لا يسمح بتدخل القوى الإقليمية والمساس بسيادتها تحت أي ظرف، ولكن ما يُختلف عليه الآن بين الدول هو كيفية إتمام العودة السورية وشروطها، واستجابة بشار الأسد لمطالب الدول العربية لإثبات حسن النية، والتي تتمثل بالأساس في تسوية ملف عودة اللاجئين، مكافحة الإرهاب وتجارة الكبتاجون، وإجراء حوار وطني شامل يضم المعارضة السورية.

كلمات مفتاحية