قاعدة عسكرية صينية على الأطلسى

إعداد : مصطفى مقلد 

مقدمة:

تصاعدت التوترات بين “بكين، وواشنطن” باطراد منذ سنوات، كانت بعض المنافسة واضحة للعيان، مثل “بناء الصين حاملات طائرات جديدة، وطائرات مقاتلة من الجيل الخامس، ومهابط طائرات فى بحر الصين الجنوبى”، تواجه قواعد أمريكية ضخمة فى أماكن، مثل “غوام”، وتجابه تعميق الشراكات العسكرية الأمريكية مع “أستراليا، وتايوان”.

مع ذلك لا توجد دولة على وجه الأرض تمتلك قوةً عسكريةً، مثل الخاصة بالولايات المتحدة؛ حيث تمتد سلسلة من القواعد العسكرية من أوروبا الغربية إلى شرق آسيا، ونظرت “بكين” إلى هذه المنشآت كدليلٍ على الامتداد الإمبراطورى لـ”واشنطن”؛ لذا اتجه القادة الصينيون؛ لاستخدام ثقلهم الاقتصادى؛ لإنشاء مراكز قوة ونفوذ فى جميع أنحاء العالم، مع إخفاء أنشطتهم تحت ستار كوْنها اقتصادية بحتة، أو إنفاذ القانون.

إن استكمال أول قاعدة عسكرية خارجية لـ”بكين” فى “جيبوتى” فى عام 2017، والإعلان عن الاستثمار الصينى فى قاعدة عسكرية “كمبودية”، يشتبه فى استخدامها حصريًّا للصين، كلها تدعم الإدراك، بأن الصين تمضى قُدُما بشكلٍ منهجىٍ، فى تحسين قدرتها على إبراز قوتها على الصعيد العالمى.

ومع ذلك، يُعدُّ فكّ رموز المكان التالي، الذى تخطط “بكين” لوضع عَلَمِهَا فيه، أمرًا صعبًا؛ لأنه معادلة ديناميكية، يجب أن تأخذ فى الاعتبار أهداف الصين وأهداف الدولة المضيفة، جنبًا إلى جنب، مع استعداد الأطراف المعنية للتعامل مع الأسئلة الإقليمية والدولية الثابتة، والردود العكسية، ومع هذا، فإن إحدى مناطق العالم التى تبدو فيها هذه الحسابات مواتية للصين هى أفريقيا.

السعى الصينى للتمدُّد:

كشفت تقارير استخباراتية أمريكية عن عزم الصين، إنشاء قاعدة عسكرية في “غينيا” الإستوائية؛ ما يمنح “بكين” أول تواجُد بحرىٍ دائمٍ لها في المحيط الأطلسى؛  ما يزيد من احتمال امتلاك السفن الحربية الصينية القدرة على إعادة التسليح، وإجراء أعمال الصيانة، مقابل الساحل الشرقي للولايات المتحدة؛ ما يُشكِّل تهديدًا يُثير مخاوف البيت الأبيض.

ظلت وسائل الإعلام الغربية تتكهن بأن بحرية جيش التحرير الشعبى الصينى تُطوِّر موقعًا مع حكومة “غينيا” الإستوائية، يسمح لها ببناء قاعدة بحرية فى ميناء “باتا” فى “غينيا” الإستوائية، وقد اندلعت موجة الاهتمام بهذه الخطة، من خلال نشْر تقرير فى صحيفة “وول ستريت جورنال” فى “5 ديسمبر 2021″، والذى نشر على ما يبدو قطعة “سرية” من المخابرات الأمريكية، والتى كانت سبب “القلق الكبير” فى “واشنطن”، ولم ترد الصين بعد على تلك التقارير.

خطورة الخطة الصينية:

فى الواقع، هذا ليس مفاجئًا، فـ”الصين” تريد إقامة وجود بحرى دائم فى “المحيط الأطلسى”، أىْ مقابل الساحل الشرقى للولايات المتحدة، فتوطيد “بكين” لهيكلية أمنية لعموم أفريقيا، سيؤدي بلا شكٍّ إلى إنشائها على المدى الطويل، مثل، تلك القاعدة العسكرية، وتهدف “الصين” بذلك الى أن تكون القارة الأفريقية نفسها بمثابة قاعدة أمامية لـ”بكين”؛ لإبراز قوتها مباشرة نحو أمريكا الشمالية وأوروبا؛ ما يعكس نية “الصين” الإستراتيجية، المتمثلة فى “تطويق” الولايات المتحدة؛ من أجل السماح لها بالتنافس عالميًّا مع المصالح التجارية الأمريكية.

فقاعدة صينية فى المحيط الأطلسى، يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا، فى قطع وصول الولايات المتحدة إلى الموارد الإستراتيجية من الأفارقة؛ فذلك يجعل من السهل على البحرية الصينية، أن تتجول صعودًا وهبوطًا على ساحل المحيط الأطلسي لأفريقيا، وبصرف النظر عن الميزة العسكرية الإستراتيجية التي ستوفرها هذه القاعدة، فإن المصالح التجارية المتزايدة لـ”الصين” ونفوذها فى البلاد، تثير قلق المسؤولين التجاريين الأمريكيين؛ حيث استثمرت الشركات الأمريكية خلال العقديْن السابقيْن بكثافة فى قطاع “النفط، والغاز” فى البلاد، مع احتلال شركات النفط الأمريكية الكبرى وشركات الخدمات الأمريكية مكانةً بارزةً – حتى الآن- فى تطوير موارد “النفط، والغاز” فى البلاد، فإنه من شأن وجود قاعدة عسكرية صينية، أن يزيد بشكل كبير من نفوذ “الصين” فى أى جولات مناقصات مستقبلية لتراخيص التنقيب عن النفط فى المستقبل فى البلاد.

يأتى ذلك فى وقتٍ، يُعيد الغرب تنظيم احتياجاته من الطاقة، بعيدًا عن سوق الإمداد، الذى يركز على روسيا، أصبحت الدول المُطلِّة على غرب أفريقيا، والتى تمتلك جميعها احتياطيات من “النفط، والغاز” بدرجات متفاوتة، أكثر أهمية من الناحية الإستراتيجية لـ”واشنطن، وبروكسل، ولندن”؛ ما يجعل دول خليج “غينيا” وطرق التجارة البحرية والمحاور الخاصة بها، ذات أهمية إستراتيجية متزايدة.

من شبه المؤكد، أن وجود قاعدة بحرية صينية دائمة فى المنطقة، سيُعيدُ تركيز أذهان صانعى القرار فى “واشنطن”، حول كيفية مواجهة تأثير الوجود الصينى، ولإخضاع طرق التجارة التي تعتبر حيويةً للمصالح الاقتصادية والأمنية الغربية لنفوذ الدول الغربية، وفي غياب قواعد دائمة، من المحتمل، أن تسعى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى، إلى امتلاك وحدات بحرية شبه دائمة فى خليج “غينيا”، في حالة ما إذا كانت خطة “الصين” تؤتي ثمارها، فمن المستبعد، أن يسمحوا للصينيين بالسيطرة على تلك المياه دون منازع.

“غينيا” الإستوائية تواجه استقطابًا دوليًّا:

فى الواقع، توقع التقرير السنوي لوزارة الدفاع الأمريكية، لعام 2020، إلى الكونجرس، أن “الصين” ستضيف منشآت عسكرية على طول الساحل الأفريقي الأطلسي في الـ 15 سنة القادمة، وتشمل المناطق المستهدفة “موريتانيا، وناميبيا” بجانب “غينيا” الإستوائية، وعندما ننظر إلى غرب أفريقيا، نلاحظ أن “غينيا” الإستوائية قد حَظِيَتْ بأكبر قدْرٍ من الاهتمام مؤخرًا؛ حيث تُعدُّ الأسواق الصينية مركزيةً لاقتصاد “غينيا”.

تُعدُّ “الصين” الوجهة الرئيسية لصادرات “غينيا”؛ حيث تمثل 34 %، وتبلغ ديون “غينيا” الإستوائية لـ”الصين” نحو 49.7 % من الناتج المحلى الإجمالى، وتربط بين “بكين و”مالابو” أيضًا علاقة دبلوماسية، مدتها 50 عامًا، وكانت “غينيا” الإستوائية أول دولة أفريقية تتلقَّى اللقاحات الصينية، خلال جائحة «COVID-19»؛ لذا تشكل الروابط الاقتصادية حافزًا قويًّا؛ لتعميق التعاون.

الولايات المتحدة تخطط لمنع بناء القاعدة البحرية الصينية فى “غينيا” الإستوائية، فأرسلت وفدًا مشتركًا بين الوكالات إلى ذلك البلد؛ لمناقشة المخاوف الأمنية الأمريكية، ولإقناعها برفْض خطة “الصين” لبناء قاعدة عسكرية على الساحل الأطلسى، وترى أن ضخّ الاستثمارات اليوم، يمكن أن ينتج قارة من الشركاء غدًا، وتزداد الفعالية عندما تتزامن الدبلوماسية والتنمية وتدعيم الأمن؛ حيث 0.3٪ فقط من ميزانية تشغيل البنتاجون، يتم إنفاقها على قيادة الولايات المتحدة في أفريقيا.

تثير الأنباء حول القاعدة الصينية المحتملة، جهود إدارة “بايدن”؛ للترويج بهدوءٍ لمخاوفها (المتواضعة بالفعل) بشأن حقوق الإنسان فى “غينيا” الإستوائية؛ لتجنُّب تنفير وريث النظام الفاسد، تيودورين أوبيانغ، الذى يمكن أن يعرقل بشكلٍ شبه مؤكدٍ، بناء التثبيت البحرى الصينى، وتضع القاعدة العسكرية الصينية المرتقبة أيضًا شركتىْ “شيفرون، وإكسون” فى موقف حَرِج؛ حيث لطالما دعت المعارضة فى “غينيا” الإستوائية، وحلفاؤها فى حركة حقوق الإنسان العالمية، شركتىْ النفط، إلى التوقُّف عن تمويل النظام.

عملاقتا النفط الأمريكية، “شيفرون، وإكسون”، كانتا الدعامة الاقتصادية لدكتاتورية “عائلة أوبيانغ” لأكثر من عقديْن، وتفاخرت “شيفرون” مؤخرًا، بأن شركتها الفرعية، نوبل إنرجى، تمثل “أكثر من 60 % من إنتاج النفط والغاز في البلاد”، علاوةً على ذلك، وقَّعت “شيفرون” اتفاقيةً جديدةً مع النظام، حتى بعد أن أصبحت التقارير المتعلقة بالقاعدة العسكرية الصينية المحتملة، كما أكملت “شيفرون” بناء خط أنابيب بطول 43.5 ميلًا؛ لضخِّ الغاز الطبيعى البحرى إلى منشأة معالجة على الشاطئ؛ حيث ستتم معالجته إلى سائلٍ للتصدير؛ لذا فيبدو أن “شيفرون” لا تخطط لمغادرة “غينيا” الإستوائية فى أى وقتٍ قريبٍ.

ختامًا:

يمكن القول: إن أمريكا مازالت تُمثِّلُ ثقلًا سياسيًّا واقتصاديًّا مهمًا لـ”غينيا” الإستوائية، بشكلٍ قد ترفض معه تلك الدولة، المُضى قُدُما فى السماح لـ”الصين” ببناء تلك القاعدة العسكرية، خاصةً أن الصين لم تعلن من جانبها، اعتزامها بناء تلك القاعدة، كما أنها لم تعلق على التقارير الأمريكية فى هذا الشأن، وذلك يُمثِّلُ جولةً جديدةً ناجحةً للولايات المتحدة، بعد سعى الصين بناء قاعدةٍ عسكريةٍ فى “موريتانيا”، لكنَّ الدبلوماسيين الأمريكيين نصحوا سلطات “نواكشوط”، برفْض ذلك؛ ما حال دون تحقيق الهدف الصينى.

كلمات مفتاحية