قراءة أولية: الهجوم الإرهابى فى أنقرة وتأثيراته المحتملة

إعداد: أحمد محمد فهمي

وقع هجوم إرهابى فى منطقة “قزلاى” وسط العاصمة التركية أنقرة، حيث نفذ مسلحان هجومًا بواسطة قنابل أمام مدخل مديرية الأمن التابعة لوزارة الداخلية فى العاصمة، وأظهرت مقاطع فيديو منتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعى سيارة تقف أمام بوابة المديرية العامة للأمن، حيث نزل منها مسلحان وبدأ فى إطلاق النار على المدخل، وبعد لحظات من بدء الاشتباكات، انفجر أحد المسلحين – أو فجر نفسه وفقًا للسلطات – أثناء تقدمه داخل البوابة الرئيسية.

فى أعقاب ذلك، أعلن وزير الداخلية التركى على يرلى قايا، إصابة عنصرين من الأمن بجروح طفيفة فى الهجوم الإرهابى، موضحًا أن إرهابيين اثنين وصلا بسيارة تجارية صغيرة أمام مدخل المديرية العامة للأمن، حيث نفذا الهجوم، مشيرًا إلى أن أحد الإرهابيين فَجَّر نفسه، فيما تمكنت قوات الأمن من تحييد الآخر، وأنه قد أُصيب اثنان من عناصر الأمن الأتراك بجروح طفيفة أثناء تبادل إطلاق النار، مضيفًا أنه تم إصدار توجيهات بإجراء التحقيقات من قبل النائب العام فى أنقرة، وسيتم الإعلان عن النتائج فور الحصول عليها.

فى السياق، أدانت عدة دول عربية وغربية، بالإضافة إلى منظمات وهيئات دولية، الهجوم الإرهابى، من بين هذه الدول، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا أكدت فيه تضامن مصر الكامل مع دولة تركيا الشقيقة، حكومة وشعبًا، معربة عن خالص التمنيات بسرعة الشفاء للمصابين، كما أعادت التأكيد على موقفها الثابت الذى يرفض كافة أشكال الإرهاب والعنف المؤدى إلى زعزعة الاستقرار وترويع المواطنين.

يتناول هذا التقرير قراءة أولية للهجوم الإرهابى فى أنقرة وتأثيراته المحتملة، بالتركيز على السياق الزمنى والمكانى للهجوم، وذلك بعد إعلان حزب العمال الكردستانى (PKK) مسؤوليته عن الهجوم الإرهابى، من جانب فريق تابع للواء الخالدين، بالحزب المحظور فى تركيا.

السياق الزمني والمكاني للهجوم الإرهابى

تم تنفيذ الهجوم الإرهابى فى المنطقة التى تحتضن مقار عدد من الوزارات، بالإضافة إلى مبنى البرلمان الذى كان مستعدًا لاستضافة حفل افتتاح السنة التشريعية الجديدة خلال الدورة 28 لمجلس الأمة، وكان من المقرر أن يلقى الرئيس رجب طيب أردوغان كلمته فى هذا الحفل بعد ساعات قليلة.

وتتجلى الأهمية الرمزية للمكان من خلال استهداف مراكز الحكم فى قلب العاصمة أنقرة وبشكل خاص مبنى المديرية العامة للأمن التابعة لوزارة الداخلية، كما يبرز التوقيت المهم أيضًا، حيث تم تنفيذ الهجوم الإرهابى قبيل ساعات من زيارة الرئيس أردوغان لمبنى البرلمان، وعلى الرغم من فشل الهجوم الإرهابى على الصعيد الميدانى، إلا أنه نجح فى إيصال عدة رسائل سياسية وأمنية، ومن بين هذه الرسائل، التأثير الذى وقع على حفل افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، خاصة على الكلمة التى ألقاها أردوغان خلال مشاركته فى افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان.

وأكد الرئيس التركى خلال كلمته وتعليقه على الهجوم الإرهابى، أن العملية الإرهابية التى وقعت فى العاصمة أنقرة تمثل “الأنفاس الأخيرة للإرهاب”، مشددًا على أن الإرهابيين الذين يستهدفون سلامة وأمن المواطنين لم ينجحوا ولن ينجحوا فى تحقيق أهدافهم، مؤكدًا أن قوات بلاده ستواصل الكفاح بكل عزم حتى القضاء على آخر إرهابى داخل البلاد أو خارجها، معربًا عن رغبة بلاده فى القضاء على وجود تنظيم العمال الكردستانى (PKK) خارج حدودها أيضًا، مشددًا على أنه لن يسمح للتنظيم الإرهابى بتوجيه السياسة أو عرقلة مسار البلاد، مشيرًا إلى استمرار إستراتيجية حماية الحدود الجنوبية بأكملها من خلال إنشاء شريط أمنى يمتد إلى 30 كيلومترًا على الأقل داخل الحدود ومراقبة الأنشطة الإرهابية خارج هذا الشريط بشكل دقيق.

التأثيرات المحتملة

التاثير على ملف انضمام السويد للناتو:

من المفترض أن يكون ملف انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسى “الناتو” على رأس أجندة القضايا التى سيناقشها البرلمان التركى خلال دورته الجديدة، وذلك يأتى بعد التوصل إلى تفاهمات بين أنقرة وستوكهولم بعد القمة الأخيرة لقادة الحلف فى ليتوانيا فى يوليو الماضى، بعدما ظلت تركيا لعدة أشهر تعرقل انضمام السويد إلى الحلف، حيث اتهمت ستوكهولم باستضافة ميليشيات من الأكراد الموالية لحزب العمال الكردستانى المحظور فى تركيا. ولكن لاحقًا، قامت ستوكهولم بعدة إجراءات تجاه أنقرة، أهمها تعديل دستورها وتشديد قانون مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى محاكمة بعض المتهمين بدعم العمال الكردستانى وفقًا للتعديلات الجديدة، وتسليم أحد المطلوبين لتركيا.

ومع ذلك، يمكن أن يكون لهذا الهجوم الإرهابى تأثير على مناقشات ومداولات البرلمان التركى، فقد يدفع ذلك إلى زيادة الضغط على السويد لتقديم تنازلات إضافية لتركيا، وليس ذلك بهدف عرقلة ملف انضمام السويد إلى الناتو، وإنما بهدف تشديد العقوبات ضد حزب العمال الكردستانى وأنصاره والداعمين له فى الخارج.

لذلك، قد يطلب البرلمان التركى من السويد تبنى سياسات تعاونية تساهم فى الجهود للقضاء على وجود حزب العمال الكردستانى فى السويد، ومن بين هذه السياسات قد يكون التفاوض بشأن تسليم المزيد من العناصر الموالية للحزب إلى أنقرة، وهو ما قد ترفضه ستوكهولم، خاصة إذا كانت المحكمة العليا السويدية ترفض ذلك، مما قد يؤدى إلى تعثر انضمام السويد إلى الحلف.

فشل تطبيع العلاقات التركية السورية:

ما زالت هناك عقبات تجمُّد ملف تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، أحد أهم هذه العقبات هو الرفض المستمر من قبل الرئيس السورى بشار الأسد لإجراء تطبيع مع تركيا ولقاء نظيره التركى أردوغان، ما لم تنفذ تركيا انسحاب قواتها العسكرية من شمال سوريا. إلى جانب ذلك، توجد تصريحات وتشديدات من النخبة السياسية والعسكرية فى تركيا ترفض هذا المطلب، آخرها تجديد وزير الدفاع التركي، يشار غولر، موقف بلاده الرافض للانسحاب من شمال سوريا، واصفًا هذا الطرح بـ”غير المنطقى”.

وبعد الهجوم الإرهابى فى أنقرة، وخاصة أن هذا الهجوم هو الأول من نوعه فى المدينة منذ عدة سنوات، وكذلك بعد حوالى عام من وقوع تفجير أودى بحياة 6 أشخاص وجرح 81 آخرين فى شارع تجارى مزدحم فى وسط إسطنبول فى 13 نوفمبر 2022، والذى اتهمت فيه أنقرة قوات سوريا الديمقراطية ومن خلفها حزب العمال الكردستانى بالمسؤولية عن هذا الهجوم.

بالتالى، تُعتبر هذه الهجمات الإرهابية دافعًا قويًا لرفض أى مطلب يتعلق بانسحاب القوات التركية من شمال سوريا، خاصة فى ظل وجود قوات سوريا الديمقراطية فى تلك المنطقة والتى تعتبرها أنقرة متحالفة مع عناصر حزب العمال الكردستانى، مما يعرقل كافة الجهود للتطبيع بين تركيا وسوريا. كما يجب أيضًا ملاحظة قيام وسائل الإعلام التركية بتسليط الضوء على أن المسلحين فى الهجوم الإرهابى فى أنقرة، كانوا يحملون أسلحة روسية قدمتها موسكو لنظام الأسد، بالإضافة إلى أسلحة أمريكية قدمتها واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية.

تعزيز العمليات العسكرية التركية:

قد تجد القيادة التركية نفسها مضطرة إلى تعزيز عملياتها العسكرية داخل الحدود العراقية والسورية، والتى تستهدف عناصر حزب العمال الكردستانى، وذلك لمنع تسلل عناصر مسلحة إلى داخل البلاد، وهذا فى سياق الحفاظ على إستراتيجيتها لحماية حدودها من ناحية دولتى العراق وسوريا، وهذا الضغط الزائد قد يدفع الحكومة التركية إلى اتخاذ إجراءات عسكرية تصاعدية لتعزيز الردع.

كذلك، قد يحتاج أردوغان إلى تعزيز تلك العمليات العسكرية قبل الانتخابات البلدية المقبلة فى مارس المقبل، للدعاية الانتخابية وزيادة دعم حزب العدالة والتنمية ومرشحيه فى الانتخابات، بالإضافة إلى دعم وعوده الانتخابية السابقة خلال الانتخابات العامة الماضية فى تعزيز الخطوات الملموسة فى مكافحة الإرهاب.

وإجمالًا:

تمثل الهجمات الإرهابية فى أنقرة تهديدًا خطيرًا لأمن تركيا، حيث تم استهداف مؤسسات الحكم فى قلب العاصمة، كما أن اختيار التوقيت للهجوم يبدو أنه كان رسالة ومحاولة للتأثير على الاستقرار السياسى فى البلاد، وذلك قبل زيارة الرئيس أردوغان للبرلمان، وافتتاح الدورة البرلمانية الجديدة.

تركيا بحاجة إلى تبنى سياسات جديدة لمواجهة التحديات الأمنية ومكافحة تنظيم العمال الكردستانى (PKK)، منها تعزيز التعاون الدولى فى مجال مكافحة الإرهاب، مع التركيز على تبادل المعلومات والجهود بين الدول للحد من هذا النوع من التهديدات، جدير بالذكر أن تنظيم حزب العمال الكردستانى يعتمد على مصادر تمويل متعددة، ويستغل الاضطرابات فى بعض دول الجوار للانطلاق من أراضيها لتنفيذ هجماته على الأراضى التركية.

كلمات مفتاحية