إعداد: رضوى الشريف
باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط
قصفت قوات أميركية وبريطانية، فجر اليوم الجمعة 12 يناير، أهدافا للحوثيين في اليمن، في عملية تستهدف تعطيل وإضعاف قدرة الحوثيّين على تعريض البحّارة للخطر وتهديد التجارة الدوليّة في أحد أهمّ الممرّات البحريّة في العالم، بحسب ما ذكر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن.
ويجدر بالذكر أن تلك الضربات لم تكن مفاجئة، فقد جاءت بعد تهديد الدولتين بتوجيه ضربات خاطفة، وصفتها بالإنذار، وبمبرر الدفاع عن النفس، وبعد إعلان مسبق بعملية الاستهداف، وتحديد الأماكن المستهدفة، وفق ما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، مساء الخميس 11 يناير.
استهدفت تلك الغارات أكثر من عشرة مواقع، في محافظات صنعاء، وحجة، وصعدة، وذمار، وتعز، والحديدة، وهي المدن التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وتمثل امتدادا جغرافيا لتحركاتها، وتمثل مراكز حيوية من الناحية العسكرية، وقربها من مسرح العمليات الحربية في البحر الأحمر.
وتدريجيا بدأت آثار العمليات، التي شنتها أمريكا وبريطانيا على مواقع تقع تحت سيطرة الحوثيين، تتكشف بعد ساعات من تضارب الأنباء، وغياب التفاصيل. وأسفرت الغارات عن مقتل وإصابة أحد عشر من أفراد القوات التابعة للحوثيين. وفي حين قالت وزارة الأمريكية إنه تم تنفيذ ستين غارة باستخدام الطيران والغواصات وصواريخ “كروز”، قال المتحدث العسكري للحوثيين إنه تم إحصاء 73 غارة من التحالف الأمريكي -البريطاني.
وبينما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أنّه تم الاستهداف “بنجاح”، وتأكيد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن الضربات كانت “ضروريّة” و”متناسبة”. قلل المتحدث العسكري للحوثيين، يحي سريع، من خطورة تلك العمليات، أو أهميّتها، معتبرا إياها تصعيدا يستهدف الدفاع عن المصالح الإسرائيلية؛ نافيا أن يكون هناك تهديد حقيقي من قِبل جماعته لحُرية الملاحة في البحر الأحمر. وذهب المتحدث إلى التأكيد على مواصلة استهداف السفن الإسرائيلية، والمتجهة إلى موانئها، ولم يغفل الحديث عن الرد العسكري للقوات الأمريكية والبريطانية الموجودة في البحر الأحمر.
ومنذ ما يقارب من عقد من الزمان، يعد هذا كبر هجوم أمريكي ضد الحوثيين؛ حيث ضربت الولايات المتحدة، في عام 2016، ثلاثة مواقع صواريخ للحوثيين بصواريخ كروز توماهوك بعد أن أطلق الحوثيون النار على السفن البحرية والتجارية، ثم توقفت هجمات الحوثيين بعد ذلك.
تباين ردود الأفعال
فور بدء الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة وبريطانيا، تتابعت الردود العالمية على تلك العملية، والتي تناول أغلبها عدم الرغبة في التصعيد بمنطقة الشرق الأوسط والتي تعاني في الأصل نتيجة الصراعات المختلفة. وطلبت روسيا عقد جلسة طارئة في مجلس الأمن الدولي لمناقشة الضربات الأمريكية والبريطانية، التي نفذتها ضد أهداف في عدد من المحافظات اليمنية. وعلقت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بإن الضربات أظهرت تجاهلا تاما للقانون الدولي وكانت تؤدي إلى تصعيد الوضع في المنطقة.
إلى ذلك، أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الهجمات، وقال في بيان: “ندين بشدّة الهجمات العسكرية، التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا على مدن مختلفة في اليمن”. كما وصف كنعاني الهجمات بأنها انتهاك لسيادة اليمن ووحدة أراضيه والقوانين الدولية.
كما نددت (حركة حماس) و(حزب الله) بشدة الضربات التي شنتها أميركا وبريطانيا على اليمن، محملين الطرفين مسؤولية تداعياتها على أمن المنطقة. وواصفين الهجوم بأنه انتهاك للسيادة ووحدة الأراضي اليمنية
بدورها، دعت الخارجية السعودية إلى ضبط النفس وتجنُب التصعيد، وأكدت أهمية الحفاظ على أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر. وعبُرت الخارجية السعودية عن قلقها جراء التصعيد في البحر الأحمر، والغارات الجوية التي تعرضت لها عدد من المحافظات اليمنية. وأكدت أهمية المحافظة على أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر، التي تعد حرية الملاحة فيها مطلبا دوليا لمساسها بمصالح العالم أجمع، حسب البيان السعودي.
وأًصدرت سلطنة عمان بيانا تستنكر فيه اللجوء لهذا العمل العسكري من قِبَلِ دول صديقة، بينما تتمادى إسرائيل في قصفها وحربها الغاشمة وحصارها لقطاع غزة دون حساب أو عقاب.
خلفيات الهجوم
هذا الهجوم الذي تصفه أمريكا وبريطانيا بالرد المباشر يعد أحدث تصعيد عسكري للدولتين في اليمن والمنطقة، منذ عقود، ويعد مؤشرا على التنسيق الكامل بين الدولتين، وجرى تنفيذه تحت مظلة التحالف البحري، أو ما عرف بعملية “حارس الازدهار” التي أعلنتها واشنطن منذ أسابيع قليلة، وانضمت لها عدة دول، من ضمنها استراليا، وكندا، وهولندا، والبحرين.
ويأتي الهجوم بعد تصاعد الوضع في باب المندب والبحرين الأحمر والعربي، واستهداف جماعة الحوثي للسفن المتجهة إلى إسرائيل، أو المتعاونة معها، ونتج عن ذلك استيلاء الحوثيين على السفينة “جلاكسي ليدر”، وإطلاق الهجمات على سفن أخرى، ووصل الأمر حد الاشتباك المباشر عندما استهدفت واشنطن زوارق عسكرية للحوثيين نتج عنها مقتل عشرة أفراد من عناصر الجماعة، ثم المواجهة الأخيرة التي شن فيها الحوثي أكبر هجوما مسير، تصدت له كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر.
تقول واشنطن وحلفائها إن الهجمات تأتي ردا على عمليات الاستهداف للسفن، وإيقاف الأخطار المحدقة بالملاحة الدولية، بينما تعتبر جماعة الحوثي الأمر انتصارا لغزة التي تعاني بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة عليها منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وهو ما تصر عليه قيادات الجماعة، بينما تعتبر واشنطن الأمر خطورة ملاحية، تؤثر على التجارة العالمية، والتي بدا أنها متأثرة بالفعل.
دلالات الهجوم
يبدو أن الرد العسكري للولايات المتحدة على الحوثيين جاء متأخرا، إلا أن ذلك كان يرجع لعدة دوافع، والتي من أهمها المخاوف المتعلقة من أن تتصاعد الضربات على اليمن إلى انتقام بين السفن البحرية الأمريكية والحوثيين، وهو ما قد يؤدي إلى جر إيران لمزيد من الصراع. بجانب المخاوف المتعلقة من تغذية الرواية القائلة بأن جماعة الحوثيين اليمنية أصبحت مهمة للغاية بحيث تستدعي الانتقام العسكري الأمريكي. وأخيرا الحذر الأمريكي من تعطيل الهدنة الهشة في اليمن، التي تم التفاوض عليها في عام 2022 وصمدت إلى حد كبير حتى بدون اتفاق رسمي.
ولكن بعد الأحداث الأخيرة والساخنة في البحر الأحمر، يظهر هذا الهجوم أن الولايات المتحدة وحلفاؤها أرادوا أن يعتمدوا على استخدام القوة في نهاية المطاف كوسيلة رئيسية للتعامل مع الحوثيين، نظرا لتجاهل الجماعة التحذيرات السابقة لهم. الأمر الذي وضع قوات التحالف البحري في موقف حرج أمامهم.
وبالرغم من الدقة التي اتبعتها الولايات المتحدة وبريطانيا في استهداف المواقع التابعة للحوثين، والتي لم تترك ورائها إصابات بشرية كبيرة، أرادت واشنطن أن تتفادى التكلفة الباهظة –التي تدركها- لذلك الهجوم، حيث سارع الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الخروج في مؤتمر صحفي عقب الهجمات تحدث فيه عن مبررات تلك الهجمات، وأهميتها، وهو ما يشير أيضا إلى توحد المواقف بين الولايات المتحدة وبريطانيا تجاه قضايا المنطقة، فهما الأكثر حضورا وانتشارا في البحار الدولية وقرب اليمن تحديدا، وهما أيضا أكثر الدول تصديا للهجمات، التي أطلقتها جماعة الحوثي
لكن من الواضح غياب دول تأثرت شركاتها من الهجمات، وفضلت الابتعاد عن المواجهة، رغم خسائرها، كالدانمارك واليابان، وغيرهما، بالإضافة لإسرائيل التي لم تظهر أي معلومات عن مشاركتها، رغم تصريح قيادات فيها عن وجوب توجيه ضربة عسكرية للحوثيين في اليمن.
ما هو المتوقع حدوثه في الأيام القادمة؟
بالنسبة لجماعة الحوثي، فالمؤشرات تبدو قليلة حول ما إذا كانت الجماعة تتوقع هذه الغارات، وربما اعتبرت التهديدات الأمريكية البريطانية نوعا من الحرب الإعلامية، ومن الوارد أيضا أنها توقعت حدوثها، ويتبين هذا من تصريحات قياداتها التي أكدت مرارا وتكرار استعدادها لأي هجمات حربية.
وبالتأكيد فإن ضربة كهذه تعد موجعة، لكن تكاليفها وأضرارها، وحجم ما خلفته من خسائر لم تتبين بعد، غير أن للأمر أبعاد أخرى، فالجماعة لديها سجل طويل من التعامل مع الغارات الجوية، ودائما ما كانت تلبث إلا أن خرجت من تحت الركام من جديد، وتحولت تدريجيا من موقف الدفاع إلى الهجوم.
إن هذه الضربات ستمنح الحوثي الوقود المناسب الذي يحركه، فهي من جهة تكسبه تعاطفا شعبيا واسعا على مستوى اليمن، والمنطقة العربية، ودوليا أيضا، خاصة أن الأمر يتعلق بقضية مركزية وجوهرية لدى اليمنيين والعرب والعالم، وهي قضية فلسطين.
هذا التعاطف بدا واضحا لدى جهات وفئات وأطراف يمنية، كانت إلى وقت قريب ترى بجماعة الحوثي خصما مباشرا، ولكنها منذ اللحظة الأولى لتلك الغارات بدت بقناعة مختلفة، وستدفع هذه الضربات الحوثي لتعزيز نفوذه أكثر في الداخل، وسيمكنه هذا من تجييش السكان في مناطق سيطرته، وتعزيز هيمنته ونفوذه، وسيصبح الطرف المحلي الأكثر حضورا وتأثيرا وقوة.
لكن هل سترغم هذه الضربات الحوثي على العدول عن استهداف السفن، ذلك أمرا لا يبدو أنه واردا في ذهن وتفكير الجماعة، والتصريحات الأولية لقيادات فيه أبانت عن استعداد لمعركة انتقامية، والتجهز للرد، فليس لدى الحوثي ما يخسره فعلا، ولديه الخبرة والتجربة التي تجعله قادرا على مواصلة الحرب.
ويمكن قراءة ردة الفعل المتوقعة لجماعة الحوثي بأنها ستواصل استهداف السفن، وقد يطال انتقامها دول إقليمية مشاركة في الغارات عليها، أو متواطئة، ومن الوارد أيضا أن يدفعها هذا الوضع لمراجعة مواقفها، في حال كان هناك تدخل خارجي، لاحتواء الموقف، والاكتفاء بتلك الضربات، التي تعد بمثابة إنذار.
كيف يتأثر مسار السلام في اليمن؟
من الواضح جدا أن هذه التطورات ستؤثر على مسار السلام في اليمن، والذي كان المبعوث الأممي قد أعلن عن ملامحه الأولى الشهر الماضي، فكيف سيكون الوضع في الوقت الراهن، وسبق لناطق جماعة الحوثي محمد عبد السلام التأكيد في تصريحات لوكالة رويترز أن هجمات جماعته في البحر الأحمر لن تؤثر على السلام المرتقب، ولكن الأمر سيختلف مع الهجمات الأخيرة.
إن هذه الهجمات من شأنها أن تخبر مدى تلاحم اليمنيين، وستدفع إما نحو تلاحم يمني أكثر يعزز التقارب بين المكونات اليمنية، أو يسهم في تعزيز الانقسام والتشرذم، خاصة مع تبعية الأطراف اليمنية في مواقفها للدول المتصلة بها.
وإذا ما اتجهت الأحداث نحو مزيد من الصراع والقتال والمواجهة، فإن ذلك سيسهم ويؤدي لزيادة عزلة اليمن، والتأثير عليه إنسانيا واقتصاديا، خصوصا أن أمريكا وحلفائها يسوقون التهم لإيران في دعم الحوثيين، لكنهم يتجنبون مواجهة طهران، وفضلوا الرد المباشر في اليمن.
من الوارد والمتوقع أيضا أن تفتح هذه الهجمات بابا للنقاش والحوارات مع الحوثي، أو ستزيد من حدة التأزيم، وتقود لهجمات جديدة، في حال الإصرار والتصلب لأي طراف، وهذا سيقود أيضا لتعزيز الانقسام الدولي، والذي بدأ مع دعوة روسيا مجلس الأمن للانعقاد ومناقشة الضربات الأمريكية البريطانية في اليمن، وهنا سيظهر دور المجتمع الدولي وحقيقته في التعامل مع الأحداث، وموازين القوة.
خلاصة القول:
بات واضحا أن هذه الغارات أعادت اليمن لواجهة الأحداث على مستوى العالم، وسحبت بشكل نسبي الأضواء على العدوان الإسرائيلي على غزة، وحتى محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وستحدث هزة جديدة في المنطقة، خاصة مع الدول المحيطة باليمن، فهناك رغبة سعودية حثيثة بعدم عودة الاقتتال مجددا داخل اليمن، وسلطنة عمان ستدرك أن جزء كبير من وساطتها سيذهب أدراج الرياح، بينما لن ينسى الحوثيون خصومهم الذين يعتقدون أنهم فتحوا الأجواء أمام الطيران الأمريكي البريطاني لضربهم.